قال الشيخ محمد ناصر الدين الالبانى رحمه الله في رسالة الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة في الصفحة 37 و ما بعدها
الجواب عن الفقرة الرابعة
تحقيق أن للجمعة وقتين:
الأول: بعد الزوال مباشرة وعند صعود الخطيب
والآخر: قبل الزوال عند صعود الخطيب أيضا وهذا مذهب أحمد بن حنبل رحمه الله وغيره.
أما الأول: فدليله ما تقدم في حديث السائب: "أن الأذان كان أوله حين جلس على المنبر وإذا قامت الصلاة".
فهذا صريح في أن الأذان كان حين قيام سبب الصلاة وهو زوال الشمس كما تقدم مع جلوس الإمام على المنبر في ذلك الوقت ويشهد لهذا أحاديث: "لم تتم دراسته"
أ - "عن سعد القرظ مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يؤذن يوم الجمعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الفيء مثل الشراك"1.
أخرجه ابن ماجه "/ 342" والحاكم "3/607"
ب - "قال الحافظ ابن حجر2: في النسائي: أن خروج الإمام بعد الساعة السادسة وهو أول الزوال"
الأحاديث في الوقت الآخر
وأما الوقت الآخر ففيه أحاديث:
أ - عن سلمة بن الأكوع قال:
"كنا نجمع1 مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء". أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما وابن شيبة في المصنف "1/207/1"
ب - عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس
رواه البخاري وغيره
ج - عن جابر رضي الله عنه:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ زالت الشمس صلى الجمعة".رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن
وهذه الأحاديث ظاهرة الدلالة على ما ذكرنا وذلك أنه من المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب قبل الصلاة خطبتين يقرأ فيهما القرآن ويذكر الناس حتى كان أحيانا يقرأ فيها {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} "صحيح" ففي صحيح مسلم "3/139" عن أم هشام بنت حارثة ابن النعمان قالت:
"ما أخذت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس".
وصح عنه أنه قرأ فيها سورة براءة .رواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم صححه ووافقه الذهبي وغيره
فإذا تذكرنا هذا علمنا أ الأذان كان قبل الزوال حتما وكذا الخطبة طالما أن الصلاة كانت حين الزوال وهذا بين لا يخفى والحمد لله.
وأصرح من هذه الأحاديث في الدلالة على المطلوب حديث جابر الآخر وهو:
د - "وعنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس يعني النواضح".
أخرجه مسلم "3/8 - 9" والنسائي "1/206" والبيهقي "3/190" وأحمد "3/331" وابن أبي شيبة في المصنف "1/207/1".
فهذا صريح في أن الصلاة كانت قبل الزوال فكيف بالخطبة والأذان؟
الآثار في الوقت الآخر:
ويشهد لذلك آثار من عمل الصحابة نذكر بعضها للاستشهاد بها
أ - عن عبد الله بن سيدان السلمي قال: "شهدت الجمعة مع أبي بكر الصديق فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار ثم شهدنا عمر فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: انتصف النهار ثم شهدنا مع عثمان فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: زال النهار فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره".
رواه ابن أبي شيبة "1/206/2" والدار قطني "169".
قلت: وإسناده محتمل للتحسين بل هو حسن على طريقة بعض العلماء كابن رجب وغيره فإن رجاله ثقات غير عبد الله بن سيدان قال الحافظ في الفتح "2/321":
"تابعي كبير إلا أنه غير معروف العدالة".
قلت: قد روى عنه أربعة من الثقات وهم ثابت بن الحجاج وجعفر بن برقان كما في الجرح والتعديل "2/2/86" وميمون بن مهران وحبيب بن أبي مرزوق كما قس ثقات ابن حبان "5/31 - 32".
وقول الحافظ بعد أن ساق له هذا الأثر: "وقال البخاري: لا يتابع على حديثه بل عارضه ما هو أقوى منه".
ثم ذكر آثترا صحيحة عن أبي بكر وعمر في التجميع بعد الزوال
فأقول: لا تعارض بينها وبين هذا الأثر كما لا تعارض بين الأحاديث الموافقة له وبين الأحاديث الموافقة لها فالصحابة تلقوا الأمرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا - كما كان عليه السلام - يفعلون تارة هذا وتارة هذا
ب - عن عبد الله بن سلمة قال:
"صلى بنا عبد الله الجمعة ضحى وقال خشيت عليكم الحر" أخرجه ابن أبي شيبة
قلت ورجاله ثقات غير عبد الله بن سلمة قال الحافظ في الفتح:
"صدوق إلا أنه ممن تغير لما كبر".
قلت: ومثله إنما يخشى منه الخطأ في رفع الحديث أو في روايته عن غيره مما يشاهد وهو هنا يروي حادثة شاهدها بنفسه وهي في الواقع غريبة لمخالفتها للمعهود من الصلاة بعد الزوال فاجتماع هذه الأمور مما يرجح حفظه لما شاهد فالأرجح أن هذا الأثر صحيح ولعله من أجل ما ذكرنا احتج به الإمام أحمد فقال ابنه عبد الله في مسائله عنه "ص 112":
"سئل عن وقت صلاة الجمعة؟ قال: إن صلى قبل الزوال فلا بأس حديث عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة: أن عبد الله صلى بهم الجمعة ضحى وحديث سهل بن سعد: كنا نصلي ونتغدى بعد الجمعة كأنه يدل على أنه قبل الزوال"
ج - عن سعيد بن سويد قال:
"صلى بنا معاوية الجمعة ضحى".
رواه ابن أبي شيبة عن عمرو بن مرة عنه.
قلت: وسعيد هذا لم يذكروا له راويا غير عمرو هذا ومع ذلك ذكره ابن حبان في "الثقات" "1/62"
د - عن بلال العبسي:
"أن عمارا صلى بالناس الجمعة والناس فيقان: بعضهم يقول: زالت الشمس وبعضهم يقول: لم تزل". رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح
هـ - عن أبي رزين قال:
"كنا نصلي مع علي الجمعة فأحيانا نجد فيئا وأحيانا لا نجده". رواه ابن أبي شيبة وإسناده صحيح على شرط مسلم.
قلت: وهذا يدل لمشروعية الأمرين الصلاة قبل الزوال والصلاة بعده كما هو ظاهر4.
ولهذه الأحاديث والآثار كان الإمام أحمد رحمه الله يذهب إلى جواز صلاة الجمعة قبل الزوال كما سبق وهو الحق كما قال الشوكاني وغيره وتفصيل القول في هذه المسألة لا تحتمله هذه العجالة فلتراجع في المطولات ك "نيل الأوطار" والسيل الجرار 1/296 – 297 وغيره
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 -وذلك يكون أول ما يظهر زوال الشمس وهو المراد قاله أبو الحسن السندي على ابن ماجه.
2 -في التلخيص الحبير 4/580 وهو يشير بذلك إلى حديث أبي هريرة مرفوعا: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة........." وفيه: "ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر".
وهو في الصحيحين أيضا ولعل عزو الحافظ إياه للنسائي وحده لأنه ترجم له بقوله: "وقت الجمعة" والآخرون إنما أورده في فضل الجمعة ونحوه ذلك.
وقد ناقش السندي ما ذكره الحافظ أن خروج الإمام بعد الساعة السادسة فقال: ولا يخفى أن زوال الشمس في آخر الساعة السادسة وأول الساعة السابعة ومقتضى الحديث أن الإمام يخرج عند أول الساعة السادسة ويلزم منه أن يكون خروج الإمام قبل الزوال فليتأمل. وقد أجاب عن هذا الحافظ بما تراه مشروحا في كتابه فتح الباري 2/294 فليراجعه من يشاء.
3 -أي نصلي الجمعة.
4 -وأما قول الحافظ: "وهذا محمول على المبادرة عند الزوال أو التأخير قليلا فلا يخفى بعده فإن أبا رزين يخبر عما كانوا يشاهدونه فيقول إنهم كانوا لا يجدون الفيء بعد صلاة الجمعة مع العلم أنه سبقها الخطبة والأذان.
تعليق