لا فرق بين تشهدي الصلاة الثلاثية والرباعية في ذكر الصلاة الإبراهيمية فيهما
قال الشيخ الألباني رحمه الله في حواشي أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم:
فكما أن السلام عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشرع في كل تشهد ، فكذلك تشرع الصلاة
عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد كل تشهد ، سواء في الجلوس الأول أو الآخر ؛ لعموم الأدلة ، وإطلاقها :
فمنها : قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا
عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } . قال ابن القيم في كتابه القيم " جلاء الأفهام " (249) :
" فدل على أنه حيث شرع التسليم عليه شرعت الصلاة عليه ؛ ولهذا سأله أصحابه
عن كيفية الصلاة عليه وقالوا : قد علمنا كيف نسلم عليك ؛ فكيف نصلي عليك ؟ فدل
على أن الصلاة عليه مقرونة بالسلام عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ومعلوم أن المصلي يسلم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- يعني : في التشهد الأول - ؛ فيشرع له أن يصلي عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .
ومنها : الأحاديث الكثيرة الواردة في الصلاة عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وقال الشيخ الألباني رحمه الله عند ذكر أدلة المانعين من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول:
وليس فيها ما ينبغي الاشتغال بالإجابة عنه ، إلا
قولهم :
إن التشهدَ الأولَ تخفيفُه مشروعٌ ، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جلس فيه ؛ كأنه على
الرَّضْفِ . وقولهم :
إنه لم يثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يفعل ذلك فيه .
والجواب عن الأول :
إن الحديث المذكور ضعيف لا يصح الاحتجاج به ؛ لأنه من رواية أبي عبيدة بن
عبد الله بن مسعود عن أبيه ، ولم يسمع منه - كما تقدم ذلك مراراً - .
أخرجه أصحاب " السنن " - إلا ابن ماجه - ، والحاكم (1/269) ، والبيهقي
(2/134) ، والطيالسي (ص 44) ، وأحمد (1/386 و 410 و 428 و 436 و 460) من طرق
عن سعد بن إبراهيم عنه . وقال الحاكم :
" صحيح على شرط الشيخين " . وتعقبه الذهبي بقوله :
" ينظر ؛ هل سمع سعد من أبي عبيدة ؟ " .
وهذا ليس بشيء ؛ فقد صرح سعد بسماعه من أبي عبيدة في رواية الطيالسي ،
والترمذي ، وهو يرويه عنه ، وكذا صرح به في رواية لأحمد . وإنما علته الحقيقية ما أشرنا
إليه آنفاً ، وقد ذكرها الترمذي أيضاً حيث قال :
" هذا حديث حسن ، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه " .
ويتعجب منه كيف جمع بين تحسين الحديث وذكرِ علته التي تمنع الحكم عليه
بالحسن ، مع العلم بأنه ليس له طريق إلا هذه !
" المجموع " (3/460) كلامه مختصراً ، وتعقبه حيث قال :
" قال الترمذي : هو حديث حسن . وليس كما قال ؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع أباه ،
ولم يدركه باتفاقهم . وهو حديث منقطع " .
وكذلك أعله الحافظ في " التلخيص " (3/506) ؛ قال :
" وهو منقطع ؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه ، قال شعبة عن عمرو بن مُرَّة : سألت
أبا عبيدة : هل تذكر من عبد الله شيئاً ؟ قال : لا . رواه مسلم وغيره " .
على أن الحديث لو صح ؛ لم يكن فيه دليل على ما ذكروا ؛ فقد قال الشوكاني
(2/242) - بعد أن ذكر الخلاف في وجوب الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وساق أدلة
الفريقين - :
" ولكن تخصيص التشهد الأخير بها مما لم يدل عليه دليل صحيح ولا ضعيف ،
وجميع هذه الأدلة التي استدل بها القائلون بالوجوب لا تختص بالأخير ، وغاية ما
استدلوا به على تخصيص الأخير بها حديث ابن مسعود هذا ، وليس فيه إلا مشروعية
التخفيف ، وهو يحصل بجعله أخف من مقابله - أعني : التشهد الأخير - ، وأما أنه
يستلزم ترك ما دل الدليل على مشروعيته فيه ؛ فلا ، ولا شك أن المصلي - على أحد
التشهدات ، وعلى أخصر ألفاظ الصلاة عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قلت : كالنوعين الأخيرين) - كان
مسارعاً غاية المسارعة باعتبار ما يقع من تطويل الأخير ؛ بالتعوذ من الأربع ، والأدعية
المأمور بمطلقها ومقيدها فيه " .
وقال الشيخ الألباني في معرض كلامه عن ترجيح ثبوت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول رادا على المثبتين لها تفريقهم بين التشهدين حكما وكما وكيفية:
وأما بقية أدلة المانعين التي ذكرها ابن القيم ؛ فهي إنما ترِد على الشافعية
خاصة ، حيث إنهم يفرقون بين التشهد الأول والتشهد الأخير في الصلاة على
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكماً وكمية ؛ فيقولون بوجوبها في الأخير دون الأول ، ويقولون بأنه لا يشرع
إتمامها إلى آخرها في الأول ، بل يكرهون الزيادة على : " اللهم ! صل على محمد ... " ،
بخلاف التشهد الأخير ؛ فلا تكره الزيادة على ذلك ، بل تستحب .
فلذلك ألزمهم مخالفوهم بالتسوية بين الصلاتين في الحكم ، والكمية ، والكيفية ؛
وهو إلزام قوي لا مفر لهم منه ؛ لأن الدليل واحد في كل من الصلاتين ، فكيف يسوغ
التفريق بينهما ؟! ولذلك نرى أنه لا بد من الإتيان بالصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كاملة في
كل تشهد ؛ ليكون عاملاً بالأمر على تمامه . والله تعالى هو الموفق .
ثم وجدت حديثاً فيه التصريح بصلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهدين - عند أبي عوانة(2/324) ، [ وهو الحديث السابق (ص 904) . وانظر " تمام المنة " (ص 224 - 225) ] .
تنبيه: الحديث المشار إليه عند أبي عوانة ما همش عليه الشيخ في المتن برقم (1) عند ذكره لعبارة: " وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي على نفسه في التشهد الأول وغيره (1) ". فلعلها من نص ذلك الحديث، والله أعلم.
قال الشيخ الألباني رحمه الله في حواشي أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم:
فكما أن السلام عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشرع في كل تشهد ، فكذلك تشرع الصلاة
عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد كل تشهد ، سواء في الجلوس الأول أو الآخر ؛ لعموم الأدلة ، وإطلاقها :
فمنها : قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا
عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } . قال ابن القيم في كتابه القيم " جلاء الأفهام " (249) :
" فدل على أنه حيث شرع التسليم عليه شرعت الصلاة عليه ؛ ولهذا سأله أصحابه
عن كيفية الصلاة عليه وقالوا : قد علمنا كيف نسلم عليك ؛ فكيف نصلي عليك ؟ فدل
على أن الصلاة عليه مقرونة بالسلام عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ومعلوم أن المصلي يسلم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- يعني : في التشهد الأول - ؛ فيشرع له أن يصلي عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .
ومنها : الأحاديث الكثيرة الواردة في الصلاة عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وقال الشيخ الألباني رحمه الله عند ذكر أدلة المانعين من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول:
وليس فيها ما ينبغي الاشتغال بالإجابة عنه ، إلا
قولهم :
إن التشهدَ الأولَ تخفيفُه مشروعٌ ، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جلس فيه ؛ كأنه على
الرَّضْفِ . وقولهم :
إنه لم يثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يفعل ذلك فيه .
والجواب عن الأول :
إن الحديث المذكور ضعيف لا يصح الاحتجاج به ؛ لأنه من رواية أبي عبيدة بن
عبد الله بن مسعود عن أبيه ، ولم يسمع منه - كما تقدم ذلك مراراً - .
أخرجه أصحاب " السنن " - إلا ابن ماجه - ، والحاكم (1/269) ، والبيهقي
(2/134) ، والطيالسي (ص 44) ، وأحمد (1/386 و 410 و 428 و 436 و 460) من طرق
عن سعد بن إبراهيم عنه . وقال الحاكم :
" صحيح على شرط الشيخين " . وتعقبه الذهبي بقوله :
" ينظر ؛ هل سمع سعد من أبي عبيدة ؟ " .
وهذا ليس بشيء ؛ فقد صرح سعد بسماعه من أبي عبيدة في رواية الطيالسي ،
والترمذي ، وهو يرويه عنه ، وكذا صرح به في رواية لأحمد . وإنما علته الحقيقية ما أشرنا
إليه آنفاً ، وقد ذكرها الترمذي أيضاً حيث قال :
" هذا حديث حسن ، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه " .
ويتعجب منه كيف جمع بين تحسين الحديث وذكرِ علته التي تمنع الحكم عليه
بالحسن ، مع العلم بأنه ليس له طريق إلا هذه !
" المجموع " (3/460) كلامه مختصراً ، وتعقبه حيث قال :
" قال الترمذي : هو حديث حسن . وليس كما قال ؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع أباه ،
ولم يدركه باتفاقهم . وهو حديث منقطع " .
وكذلك أعله الحافظ في " التلخيص " (3/506) ؛ قال :
" وهو منقطع ؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه ، قال شعبة عن عمرو بن مُرَّة : سألت
أبا عبيدة : هل تذكر من عبد الله شيئاً ؟ قال : لا . رواه مسلم وغيره " .
على أن الحديث لو صح ؛ لم يكن فيه دليل على ما ذكروا ؛ فقد قال الشوكاني
(2/242) - بعد أن ذكر الخلاف في وجوب الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وساق أدلة
الفريقين - :
" ولكن تخصيص التشهد الأخير بها مما لم يدل عليه دليل صحيح ولا ضعيف ،
وجميع هذه الأدلة التي استدل بها القائلون بالوجوب لا تختص بالأخير ، وغاية ما
استدلوا به على تخصيص الأخير بها حديث ابن مسعود هذا ، وليس فيه إلا مشروعية
التخفيف ، وهو يحصل بجعله أخف من مقابله - أعني : التشهد الأخير - ، وأما أنه
يستلزم ترك ما دل الدليل على مشروعيته فيه ؛ فلا ، ولا شك أن المصلي - على أحد
التشهدات ، وعلى أخصر ألفاظ الصلاة عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قلت : كالنوعين الأخيرين) - كان
مسارعاً غاية المسارعة باعتبار ما يقع من تطويل الأخير ؛ بالتعوذ من الأربع ، والأدعية
المأمور بمطلقها ومقيدها فيه " .
وقال الشيخ الألباني في معرض كلامه عن ترجيح ثبوت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول رادا على المثبتين لها تفريقهم بين التشهدين حكما وكما وكيفية:
وأما بقية أدلة المانعين التي ذكرها ابن القيم ؛ فهي إنما ترِد على الشافعية
خاصة ، حيث إنهم يفرقون بين التشهد الأول والتشهد الأخير في الصلاة على
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكماً وكمية ؛ فيقولون بوجوبها في الأخير دون الأول ، ويقولون بأنه لا يشرع
إتمامها إلى آخرها في الأول ، بل يكرهون الزيادة على : " اللهم ! صل على محمد ... " ،
بخلاف التشهد الأخير ؛ فلا تكره الزيادة على ذلك ، بل تستحب .
فلذلك ألزمهم مخالفوهم بالتسوية بين الصلاتين في الحكم ، والكمية ، والكيفية ؛
وهو إلزام قوي لا مفر لهم منه ؛ لأن الدليل واحد في كل من الصلاتين ، فكيف يسوغ
التفريق بينهما ؟! ولذلك نرى أنه لا بد من الإتيان بالصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كاملة في
كل تشهد ؛ ليكون عاملاً بالأمر على تمامه . والله تعالى هو الموفق .
ثم وجدت حديثاً فيه التصريح بصلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهدين - عند أبي عوانة(2/324) ، [ وهو الحديث السابق (ص 904) . وانظر " تمام المنة " (ص 224 - 225) ] .
تنبيه: الحديث المشار إليه عند أبي عوانة ما همش عليه الشيخ في المتن برقم (1) عند ذكره لعبارة: " وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي على نفسه في التشهد الأول وغيره (1) ". فلعلها من نص ذلك الحديث، والله أعلم.
تعليق