142- " على المؤمنين في صدقة الثمار - أو مال العقار - عُشر ما سقت العين و ما سقت
السماء ، و على ما يسقى بالغرب نصف العشر " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 222 :
أخرجه ابن أبي شيبة ( 4 / 22 ) و الدارقطني ( 215 ) و البيهقي ( 4 / 130 ) من
طريق ابن جريج : أخبرني نافع عن ابن عمر قال :
" كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن إلى الحارث بن عبد كلال و من معه
من معافر و همدان ... " فذكره .
قلت : و هذا سند صحيح على شرط الشيخين ، و قد أخرجه البخاري و أصحاب السنن
الأربعة و غيرهم من طريق سالم عن ابن عمر مرفوعا نحوه .
و ورد من حديث جماعة آخرين من الصحابة كجابر و أبي هريرة و معاذ بن جبل ،
و عبد الله بن عمرو ، و عمرو بن حزم ، و قد أخرجت أحاديثهم في " إرواء الغليل "
( 790 ) .
( الغرب ) بسكون الراء الدلو العظيمة التي تتخذ من جلد ثور .
فقه الحديث :
-----------
و إنما أوردت هذه الرواية بصورة خاصة لقوله في صدرها :
" على المؤمنين " ففيه فائدة هامة لا توجد في سائر الروايات .
قال البيهقي :
" و فيه كالدلالة على أنها لا تؤخذ من أهل الذمة " .
قلت : و كيف تؤخذ منهم و هم على شركهم و ضلالهم ، فالزكاة لا تزكيهم و إنما
تزكي المؤمن المزكي من درن الشرك كما قال تعالى :
( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها ، و صل عليهم إن صلاتك سكن لهم ) .
فهذه الآية تدل دلالة ظاهرة على أن الزكاة إنما تؤخذ من المؤمنين ، لكن الحديث
أصرح منها دلالة على ذلك ...
و إن من يدرس السيرة النبوية ، و تاريخ الخلفاء الراشدين و غيرهم من خلفاء
المسلمين و ملوكهم يعلم يقينا أنهم لم يكونوا يأخذون الزكاة من غير المسلمين من
المواطنين ، و إنما كانوا يأخذون منهم الجزية كما ينص عليها الكتاب و السنة .
فمن المؤسف أن ينحرف بعض المتفقهة عن سبيل المؤمنين باسم الإصلاح تارة .
و العدالة الاجتماعية تارة ، فينكروا ما ثبت في الكتاب و السنة و جرى عليه عمل
المسلمين بطرق من التأويل أشبه ما تكون بتأويلات الباطنيين من جهة ، و من جهة
أخرى يثبتون ، ما لم يكونوا يعرفون ، بل ما جاء النص بنفيه . و الأمثلة على ذلك
كثيرة ، و حسبنا الآن هذه المسألة التي دل عليها هذا الحديث و كذا الآية
الكريمة ، فقد قرأنا و سمعنا أن بعض الشيوخ اليوم يقولون : بجواز أن تأخذ
الدولة الزكاة من أغنياء جميع المواطنين على اختلاف أديانهم مؤمنهم و كافرهم ،
ثم توزع على فقرائهم دون أي تفريق ، و لقد سمعت منذ أسابيع معنى هذا من أحد
كبار مشايخ الأزهر في ندوة تلفزيونية كان يتكلم فيها عن الضمان الاجتماعي في
الإسلام ، و مما ذكره أن الاتحاد القومي في القاهرة سيقوم بجمع الزكاة من جميع
أغنياء المواطنين . و توزيعها على فقرائهم ! فقام أحد الحاضرين أمامه في الندوة
و سأله عن المستند في جواز ذلك فقال : لما عقدنا جلسات الحلقات الاجتماعية
اتخذنا في بعض جلساتها قرارا بجواز ذلك اعتمادا على مذهب من المذاهب الإسلامية
و هو المذهب الشيعي . و أنا أظن أنه يعني المذهب الزيدي .
و هنا موضع العبرة ، لقد أعرض هذا الشيخ و من رافقه في تلك الجلسة عن دلالة
الكتاب و السنة و اتفاق السلف على أن الزكاة خاصة بالمؤمنين ، و اعتمد في
خلافهم على المذهب الزيدي ! و هل يدري القارىء الكريم ما هو السبب في ذلك ؟
ليس هو إلا موافقة بعض الحكام على سياستهم الاجتماعية و الاقتصادية ، و ليتها
كانت على منهج إسلامي إذن لهان الأمر بعض الشيء في هذا الخطأ الجزئي و لكنه
منهج غير إسلامي ، بل هو قائم على تقليد بعض الأوربيين الذين لا دين لهم !
و الإعراض عن الاستفادة من شريعة الله تعالى التي أنزلها على قلب محمد صلى الله
عليه وسلم لتكون نورا و هداية للناس في كل زمان و مكان ، فإلى الله المشتكى من
علماء السوء و الرسوم الذين يؤيدون الحكام الجائرين بفتاويهم المنحرفة عن جادة
الإسلام ، و سبيل المسلمين ، و الله عز و جل يقول : ( و من يشاقق الرسول من بعد
ما تبين له الهدى و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى و نصله جهنم و ساءت
مصيرا ) .
هذا ، و في الحديث قاعدة فقهية معروفة و هي أن زكاة الزرع تختلف باختلاف المؤنة
و الكلفة عليه ، فإن كان يسقى بماء السماء و العيون و الأنهار فزكاته العشر ،
و إن كان يسقى بالدلاء و النواضح ( الاترتوازية ) و نحوها فزكاته نصف العشر .
و لا تجب هذه الزكاة في كل ما تنتجه الأرض و لو كان قليلا ، بل ذلك مقيد بنصاب
معروف في السنة ، و في ذلك أحاديث معروفة .