الحَجُّ : أَحكَامٌ، وَ حِكَمٌ، وَ فَضَائِل.
الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، و على آله و صحبه أجمعين، و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
و بعد، فإن المسلمين مقبلون على عبادة جليلة، لها فضائل عظيمة، من فعلها مخلصا فاز بالغنيمة، و هي الحج، و الحج هو : "التعبد لله بأداء المناسك على ما جاء ي سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم" (الشرح الممتع / للشيخ ابن عثيمين).
و الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، روى الشيخان في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : "بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله، و إقام الصلاة، و إيتاء الزكاة، و صوم رمضان، و حج البيت من استطاع إليه سبيلا".
و هو فرض عين على القادر المستطيع، قال تعالى {و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} [آل عمران]، و قال صلى الله عليه و سلم : "أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا" رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
و هو واجب مرة واحد في العمر، فعن أبي هريرة، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : "أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج ، فحجوا"، فقال رجل : أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لو قلت : نعم لوجبت، ولما استطعتم"، ثم قال : "ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" رواه مسلم، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك حيث قال : "و أجمعوا على أن المرء في عمره حجة واحدة : حجة الإسلام إلا أن ينذر نذرا، فيجب الوفاء به" (الإجماع/ بتحقيق أبي عبد الأعلى خالد عثمان _ صحيفة : 62).
و وجوبه للفورية، روى ابن ماجة في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن الفضل، أو أحدهما عن الآخر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أراد الحج، فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة" حسنه الألباني رحمه الله،و لما رواه مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : "أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا"، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله : "و الأصل في الأمر أن يكون على الفور، و لهذا غضب النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة الحديبية حين أمرهم بالإحلال و تباطؤوا" (الشرح الممتع _ صحيفة 142 _ طبعة دار البصيرة).
فرض في السنة التاسعة على الصحيح، قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله : "أما فرض الحج فالصواب : أنه في السنة التاسعة، و لم يفرضه الله تعالى قبل ذلك، لأن فرضه قبل ذلك ينافي الحكمة، و ذلك أن قريشا منعت الرسول صلى الله عليه و سلم من العمرة فمن الممكن و المتوقع أن تمنعه من الحج، و مكة قبل الفتح بلاد كفر، و لكن تحررت من الكفر بعد الفتح، و صار إيجاب الحج على الناس موافقا للحكمة، و الدليل على أن الحج فرض في السنة التاسعة أن آية وجوب الحج في صدر سورة آل عمران، و صدر هذه السورة نزلت عام الوفود" (الشرح الممتع).
شرعه الله تعالى للناس لحكمة بليغة، و ذلك "أن منافعه العظيمة ترجع للعباد ليصبحوا أهلا لكرامة الله تعالى في الدنيا و الآخرة، و لا ترجع إلى الله تعالى، لأنه {غنيٌّ عن العالمين} [آل عمران]، قال تعالى {ليشهدوا منافع لهم و يذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها و أطعموا البائس الفقير (2 ثن ليقضوا تفثهم و ليوفوا نذورهم و ليطوفوا بالبيت العتيق} [الحج]" (العمدة في أعمال الحج و العمرة/ لشيخنا أبي عبد المعز محمد علي فركوس _ صحيفة : 9).
و الحج له منافع كثيرة، و فضائل عظيمة، ثبتت في سنة نبينا صلى الله عليه و سلم، و من تلكم الفضائل :
1 _ الحاج من وفد الله تعالى دعاهم فأجابوه :
_ روى ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "الغازي في سبيل الله، والحاج إلى بيت الله، والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه". حسنه الألباني رحمه الله.
_ روى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "وفد الله ثلاثة : الحاج، و المعتمر و الغازي" صححه الألباني رحمه الله.
2 _ الحج من أسباب نفي الفقر : روى ابن ماجة عن عمر بن الخطاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "تابعوا بين الحج والعمرة، فإن المتابعة بينهما، تنفي الفقر والذنوب، كما ينفي الكير، خبث الحديد". صححه الألباني رحمه الله.
3 _ الحج المبرور ثوابه الجنة :
_ روى ابن حبان و الترمذي و غيرهما، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد، والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب دون الجنة". صححه الألباني رحمه الله.
_ روى ابن ماجة في سننه، أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : "العمرة إلى العمرة كفارة ما يبنهما، و الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة". صححه الألباني رحمه الله.
4 _ الحج مكفر للذنوب : روى ابن ماجة في سننه، عن عمر بن الخطاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "تابعوا بين الحج والعمرة، فإن المتابعة بينهما، تنفي الفقر والذنوب، كما ينفي الكير، خبث الحديد". صححه الألباني رحمه الله.
5 _ الله يعطي الحاج ما سأله : روى ابن ماجة في سننه، ، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الغازي في سبيل الله، والحاج والمعتمر، وفد الله، دعاهم، فأجابوه، وسألوه ، فأعطاهم". حسنه الألباني رحمه الله.
6 _ فضل دعوة الحاج : روى مسلم في صحيحه، عن ابن عبد الله بن صفوان، وكانت تحته الدرداء، قال : قدمت الشام، فأتيت أبا الدرداء في منزله، فلم أجده ووجدت أم الدرداء، فقالت : أتريد الحج العام؟، فقلت : نعم، قالت : فادع الله لنا بخير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به : آمين ولك بمثل" قال : فخرجت إلى السوق فلقيت أبا الدرداء، فقال لي مثل ذلك يرويه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
** ابن ماجة رحمه الله في سننه جعل هذا الحديث تحت باب : فضل دعاء الحاج.
7 _ الحج المبرور من أفضل الأعمال : روى البخاري و مسلم في صحيحيهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال : "إيمان بالله ورسوله" قيل : ثم ماذا؟ قال : "جهاد في سبيل الله" قيل : ثم ماذا؟ قال : "حج مبرور".
8 _ الحج المبرور أفضل الجهاد : روى البخاري في صحيحه، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، أنها قالت : يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال : "لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور".
9 _ صاحب الحج المبرور يرجع كيوم ولدته أمه : روى البخاري -و اللفظ له-، و مسلم في صحيحيهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه".
10 _ الحج جهاد النساء :
_ روى البخاري في صحيحه، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت : استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد، فقال : "جهادكن الحج".
_ روى ابن ماجة في سننه، عن عائشة، قالت : قلت : يا رسول الله على النساء جهاد؟ قال : "نعم، عليهن جهاد، لا قتال فيه : الحج والعمرة ". صححه الألباني رحمه الله.
11 _ الحج جهاد كل ضعيف : روى ابن ماجة في سننه، عن أم سلمة، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الحج جهاد، كل ضعيف". حسنه الألباني رحمه الله.
12 _ الحاج إذا مات محرما يبعث ملبيا : روى البخاري و مسلم في صحيحيهما، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال : بينما رجل واقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة، إذ وقع من راحلته، فأقصعته -أو قال : فأقعصته- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا".
13 _ الحاج بطوافه ترفع درجاته و تكتب له حسنات و تحط عنه سيئات : روى ابن حبان في صحيحه، عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من طاف بالبيت أسبوعا لا يضع قدما، ولا يرفع أخرى، إلا حط الله عنه بها خطيئة، وكتب له بها حسنة، ورفع له بها درجة". صححه الألباني رحمه الله.
14 _ الحاج تحط خطاياه بمسح الحجر و الركن اليماني : روى ابن حبان في صحيحه، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "مسح الحجر والركن اليماني يحط الخطايا حطاًّ". صححه الألباني رحمه الله.
15 _ الحج يهدم ما كان قبله : روى ابن خزيمة في صحيحه، عن ابن شماسة قال : حضرنا عمرو بن العاص، وهو في سياقة الموت، فبكى طويلا، وقال : فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت : يا رسول الله ابسط يمينك لأبايعك ، فبسط يده، فقبضت يدي، فقال : "ما لك يا عمرو؟" قال : أردت أن أشترط قال : "تشترط ماذا؟" قال : أن يغفر لي قال : "أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله". صححه الألباني رحمه الله.
16 _ الحج جهاد لا شوكة فيه : روى الطبراني في الأوسط، عن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : إني جبان، و إني ضعيف، فقال : "هلم إلى جهاد لا شوكة فيه، الحج". صححه الألباني رحمه الله في [صحيح الترغيب و الترعيب].
17 _ من مات حاجا كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة : روى أبو يعلى في المسند، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من خرج حاجا فمات كتب الله له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمرا فمات كتب الله له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازيا في سبيل الله فمات كتب الله له أجر الغازي إلى يوم القيامة". صححه الألباني رحمه الله في [صحيح الترغيب و الترعيب].
و هذا آخر ما يسر الله تعالى جمعه من بعض المسائل المتعلقة بالحج، أسأل الله تعالى أن ينفع به إخواني المسلمين عموما، و من وفقه الله تعالى لأداء هذه العبادة العظيمة خصوصا، فكانت كالتذكرة لهم، كما أسأله تعالى أن يمن عليَّ و على إخواني بأن يوفقنا لأداء عبادة الحج إنه جواد كريم، و سبحانك اللهم و بحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك.
كتبه : يوسف صفصاف.
01 ذو القعدة 1435 ه
28 أوت 2104 م
تعليق