باب نواقض الوضوء
النواقض:جمع ناقض، والنقض في الأصل: حلّ المبرم، ثم استعمل في إبطال الوضوء بما عيّنه الشارع مبطلاً مجازاً، ثم صار حقيقة عرفية.
وناقض الوضوء ناقض للتيمم؛ فإنه بدل عنه.
عن أنس بن مَالكٍ قال: "كانَ أصْحَابُ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم على عَهْدِهِ يَنْتَظرُونَ الْعِشَاءَ حتى تَخْفِقَ رُؤُوسُهُمْ، ثُمَّ يُصَلُّونَ ولا يَتَوَضَّأونَ". أخرجه أبو داود، وصححه الدارقطني، وأصْلهُ في مُسْلم. (عن أنس بن مالك قال: كان أصحاب رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم على عَهْدِه ينتظرون العشاء حتى تخْفقَ)
من باب ضرب يضرب: أي: تميل (رُؤوسُهُمْ) أي من النوم (ثم يُصَلُّونَ ولا يَتَوَضأونَ). أخرجه أبو داود، وصححه الدارقطني، وأصله في مسلم) وأخرجه الترمذي، وفيه "يوقظون للصلاة"، وفيه "حتى إني لأسمع لأحدهم غطيطاً، ثم يقومون فيصلون ولا يتوضأون".
وحمله جماعة من العلماء على نوم الجالس، ودفع هذا التأويل: بأن في رواية عن أنس: "يضعون جنوبهم" رواها يحيى القطان.
قال ابن دقيق العيد: يحمل على النوم الخفيف.
وردّ: بأنه لا يناسبه ذكر الغطيط، والإيقاظ؛ فإنهما لا يكونان إلا في نوم مستغرق.
وإذا عرفت هذا فالأحاديث قد اشتملت على خفقة الرأس، وعلى الغطيط، وعلى الإيقاظ، وعلى وضع الجنوب، وكلها وصفت بأنهم كانوا لا يتوضأون من ذلك، فاختلف العلماء في ذلك على أقوال ثمانية:
الأول: أنّ النوم ناقض مطلقاً على كل حال، بدليل إطلاقه في حديث صفوان بن عسال الذي سلف في مسح الخفين، وفيه: من بول، أو غائط، أو نوم.
قالوا: فجعل مطلق النوم كالغائط، والبول في النقض، وحديث أنس ــــ بأي عبارة روي ــــ ليس في بيان أنه قرّرهم رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم على ذلك، ولا راهم، فهو فعل صحابي لا يدري كيف وقع، والحجة إنما هي في أفعاله، وأقواله، وتقريراته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم.
القول الثاني: أنه لا ينقض مطلقاً؛ لما سلف من حديث أنس، وحكاية نوم الصحابة على تلك الصفات، ولو كان ناقضاً لما أقرّهم الله عليه، وأوحى إلى رسوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في ذلك، كما أوحي إليه في شأن نجاسة نعله، وبالأولى صحة صلاة من خلفه، ولكنه يردّ عليهم بحديث صفوان بن عسال.
القول الثالث: أن النوم ناقض كلّه، إنما يعفى عن خفقتين ولو توالتا، وعن الخفقات المتفرقات، وهو مذهب الهادوية، والخفقة: هي ميلان الرأس من النعاس، وحدّ الخفقة أن لا يستقر رأسه من الميل حتى يستيقظ، ومَنْ لم يمل رأسه عفي له عن قدر خفقة، وهي ميل الرأس فقط حتى يصل ذقنه صدره، قياساً على نوم الخفقة، ويحملون أحاديث أنس على النعاس الذي لا يزول معه التمييز.
ولا يخفى بُعده.
القول الرابع: أنّ النوم ليس بناقض بنفسه بل هو مظنة للنقض لا غير، فإذا نام جالساً ممكناً مقعدته من الأرض لم ينتقض، وإلا انتقض، وهو مذهب الشافعي، واستدل بحديث علي عليه السلام: "العين وكاء السَّه فمن نام فليتوضأ" حسنه الترمذي، إلا أن فيه مَنْ لا تقوم به حجة، وهو بقية بن الوليد، وقد عنعنه، وحمل أحاديث أنس على من نام ممكناً مقعدته، جمعاً بين الأحاديث، وقيّد حديث صفوان بحديث علي عليه السلام هذا.
الخامس: أنه إذا نام على هيئة من هيئات المصلي راكعاً، أو ساجداً، أو قائماً، فإنه لا ينتقض وضوؤه سواء كان في الصلاة، أو خارجها، فإن نام مضجعاً، أو على قفاه نقض، واستدل له بحديث: "إذا نام العبد في سجوده باهى الله به الملائكة. يقول: عبدي روحه عندي وجسده ساجد بين يدي" رواه البيهقي وغيره، وقد ضعف. قالوا: فسماه ساجداً وهو نائم، ولا سجود إلا بطهارة. وأجيب: بأنه سماه باعتبار أول أمره، أو باعتبار هيئته.
السادس: أنه ينتقض إلا نوم الراكع والساجد؛ للحديث الذي سبق، وإن كان خاصاً بالسجود، فقد قاس عليه الركوع، كما قاس الذي قبله سائر هيئات المصلى.
السابع: أنه لا ينقض النوم في الصلاة على أي حال، وينقض خارجها، وحجته الحديث المذكور، لأنه حجة هذه الأقوال الثلاثة.
الثامن: أن كثير النوم ينقض على كل حال، ولا ينقض قليله، وهؤلاء يقولون: إن النوم ليس بناقض بنفسه، بل مظنة النقض، والكثير مظنة، بخلاف القليل، وحملوا أحاديث أنس على القليل، إلا أنهم لم يذكروا قدر القليل، ولا الكثير حتى يعلم كلامهم بحقيقته، وهل هو داخل تحت أحد الأقوال، أم لا؟.
فهذه أقوال العلماء في النوم اختلفت أنظارهم فيه؛ لاختلاف الأحاديث التي ذكرناها.
وفي الباب أحاديث لا تخلو عن قدح أعرضنا عنها.
والأقرب القول: بأنّ النوم ناقض لحديث صفوان، وقد عرفت أنه صححه ابن خزيمة، والترمذي، والخطابي، ولكن لفظ النوم في حديثه مطلق ودلالة الاقتران ضعيفة، فلا يقال: قد قرن بالبول والغائط، وهما ناقضان على كل حال.
ولما كان مطلق ورود حديث أنس بنوم الصحابة، وأنهم كانوا لا يتوضأون ولو غطوا غطيطاً، وبأنهم كانوا يضعون جنوبهم، وبأنهم كانوا يوقظون، والأصل جلالة قدرهم، وأنهم لا يجهلون ما ينقض الوضوء، سيما وقد حكاه أنس عن الصحابة مطلقاً، ومعلوم أن فيهم العلماء العارفون بأمور الدين خصوصاً الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام، ولاسيما الذين كانوا منهم ينتظرون الصلاة معه صلى الله عليه واله وسلم، فإنهم أعيان الصحابة، وإذا كانوا كذلك فيقيد مطلق حديث صفوان بالنوم المستغرق الذي لا يبقى معه إدراك، ويؤول ما ذكره أنس من الغطيط ووضع الجنوب والإيقاظ بعدم الاستغراق، فقد يغطّ من هو في مبادىء نومه قبل استغراقه.
ووضع الجَنْب لا يستلزم الاستغراق، فقد كان صلى الله عليه واله وسلم يضع جنبه بعد ركعتي الفجر ولا ينام، فإنه كان يقوم لصلاة الفجر بعد وضع جنبه.
وإن كان قيل: إنه من خصائصه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: أنه لا ينقض نومه وضوءه، فعدم ملازمة النوم لوضع الجنب معلومة، والإيقاظ قد يكون لمن هو في مبادىء النوم، فينبه، لئلا يستغرقه النوم.
المصدر: سبل السلام شرح بلوغ المرام للصنعاني كتاب الطهارة
النواقض:جمع ناقض، والنقض في الأصل: حلّ المبرم، ثم استعمل في إبطال الوضوء بما عيّنه الشارع مبطلاً مجازاً، ثم صار حقيقة عرفية.
وناقض الوضوء ناقض للتيمم؛ فإنه بدل عنه.
عن أنس بن مَالكٍ قال: "كانَ أصْحَابُ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم على عَهْدِهِ يَنْتَظرُونَ الْعِشَاءَ حتى تَخْفِقَ رُؤُوسُهُمْ، ثُمَّ يُصَلُّونَ ولا يَتَوَضَّأونَ". أخرجه أبو داود، وصححه الدارقطني، وأصْلهُ في مُسْلم. (عن أنس بن مالك قال: كان أصحاب رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم على عَهْدِه ينتظرون العشاء حتى تخْفقَ)
من باب ضرب يضرب: أي: تميل (رُؤوسُهُمْ) أي من النوم (ثم يُصَلُّونَ ولا يَتَوَضأونَ). أخرجه أبو داود، وصححه الدارقطني، وأصله في مسلم) وأخرجه الترمذي، وفيه "يوقظون للصلاة"، وفيه "حتى إني لأسمع لأحدهم غطيطاً، ثم يقومون فيصلون ولا يتوضأون".
وحمله جماعة من العلماء على نوم الجالس، ودفع هذا التأويل: بأن في رواية عن أنس: "يضعون جنوبهم" رواها يحيى القطان.
قال ابن دقيق العيد: يحمل على النوم الخفيف.
وردّ: بأنه لا يناسبه ذكر الغطيط، والإيقاظ؛ فإنهما لا يكونان إلا في نوم مستغرق.
وإذا عرفت هذا فالأحاديث قد اشتملت على خفقة الرأس، وعلى الغطيط، وعلى الإيقاظ، وعلى وضع الجنوب، وكلها وصفت بأنهم كانوا لا يتوضأون من ذلك، فاختلف العلماء في ذلك على أقوال ثمانية:
الأول: أنّ النوم ناقض مطلقاً على كل حال، بدليل إطلاقه في حديث صفوان بن عسال الذي سلف في مسح الخفين، وفيه: من بول، أو غائط، أو نوم.
قالوا: فجعل مطلق النوم كالغائط، والبول في النقض، وحديث أنس ــــ بأي عبارة روي ــــ ليس في بيان أنه قرّرهم رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم على ذلك، ولا راهم، فهو فعل صحابي لا يدري كيف وقع، والحجة إنما هي في أفعاله، وأقواله، وتقريراته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم.
القول الثاني: أنه لا ينقض مطلقاً؛ لما سلف من حديث أنس، وحكاية نوم الصحابة على تلك الصفات، ولو كان ناقضاً لما أقرّهم الله عليه، وأوحى إلى رسوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في ذلك، كما أوحي إليه في شأن نجاسة نعله، وبالأولى صحة صلاة من خلفه، ولكنه يردّ عليهم بحديث صفوان بن عسال.
القول الثالث: أن النوم ناقض كلّه، إنما يعفى عن خفقتين ولو توالتا، وعن الخفقات المتفرقات، وهو مذهب الهادوية، والخفقة: هي ميلان الرأس من النعاس، وحدّ الخفقة أن لا يستقر رأسه من الميل حتى يستيقظ، ومَنْ لم يمل رأسه عفي له عن قدر خفقة، وهي ميل الرأس فقط حتى يصل ذقنه صدره، قياساً على نوم الخفقة، ويحملون أحاديث أنس على النعاس الذي لا يزول معه التمييز.
ولا يخفى بُعده.
القول الرابع: أنّ النوم ليس بناقض بنفسه بل هو مظنة للنقض لا غير، فإذا نام جالساً ممكناً مقعدته من الأرض لم ينتقض، وإلا انتقض، وهو مذهب الشافعي، واستدل بحديث علي عليه السلام: "العين وكاء السَّه فمن نام فليتوضأ" حسنه الترمذي، إلا أن فيه مَنْ لا تقوم به حجة، وهو بقية بن الوليد، وقد عنعنه، وحمل أحاديث أنس على من نام ممكناً مقعدته، جمعاً بين الأحاديث، وقيّد حديث صفوان بحديث علي عليه السلام هذا.
الخامس: أنه إذا نام على هيئة من هيئات المصلي راكعاً، أو ساجداً، أو قائماً، فإنه لا ينتقض وضوؤه سواء كان في الصلاة، أو خارجها، فإن نام مضجعاً، أو على قفاه نقض، واستدل له بحديث: "إذا نام العبد في سجوده باهى الله به الملائكة. يقول: عبدي روحه عندي وجسده ساجد بين يدي" رواه البيهقي وغيره، وقد ضعف. قالوا: فسماه ساجداً وهو نائم، ولا سجود إلا بطهارة. وأجيب: بأنه سماه باعتبار أول أمره، أو باعتبار هيئته.
السادس: أنه ينتقض إلا نوم الراكع والساجد؛ للحديث الذي سبق، وإن كان خاصاً بالسجود، فقد قاس عليه الركوع، كما قاس الذي قبله سائر هيئات المصلى.
السابع: أنه لا ينقض النوم في الصلاة على أي حال، وينقض خارجها، وحجته الحديث المذكور، لأنه حجة هذه الأقوال الثلاثة.
الثامن: أن كثير النوم ينقض على كل حال، ولا ينقض قليله، وهؤلاء يقولون: إن النوم ليس بناقض بنفسه، بل مظنة النقض، والكثير مظنة، بخلاف القليل، وحملوا أحاديث أنس على القليل، إلا أنهم لم يذكروا قدر القليل، ولا الكثير حتى يعلم كلامهم بحقيقته، وهل هو داخل تحت أحد الأقوال، أم لا؟.
فهذه أقوال العلماء في النوم اختلفت أنظارهم فيه؛ لاختلاف الأحاديث التي ذكرناها.
وفي الباب أحاديث لا تخلو عن قدح أعرضنا عنها.
والأقرب القول: بأنّ النوم ناقض لحديث صفوان، وقد عرفت أنه صححه ابن خزيمة، والترمذي، والخطابي، ولكن لفظ النوم في حديثه مطلق ودلالة الاقتران ضعيفة، فلا يقال: قد قرن بالبول والغائط، وهما ناقضان على كل حال.
ولما كان مطلق ورود حديث أنس بنوم الصحابة، وأنهم كانوا لا يتوضأون ولو غطوا غطيطاً، وبأنهم كانوا يضعون جنوبهم، وبأنهم كانوا يوقظون، والأصل جلالة قدرهم، وأنهم لا يجهلون ما ينقض الوضوء، سيما وقد حكاه أنس عن الصحابة مطلقاً، ومعلوم أن فيهم العلماء العارفون بأمور الدين خصوصاً الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام، ولاسيما الذين كانوا منهم ينتظرون الصلاة معه صلى الله عليه واله وسلم، فإنهم أعيان الصحابة، وإذا كانوا كذلك فيقيد مطلق حديث صفوان بالنوم المستغرق الذي لا يبقى معه إدراك، ويؤول ما ذكره أنس من الغطيط ووضع الجنوب والإيقاظ بعدم الاستغراق، فقد يغطّ من هو في مبادىء نومه قبل استغراقه.
ووضع الجَنْب لا يستلزم الاستغراق، فقد كان صلى الله عليه واله وسلم يضع جنبه بعد ركعتي الفجر ولا ينام، فإنه كان يقوم لصلاة الفجر بعد وضع جنبه.
وإن كان قيل: إنه من خصائصه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: أنه لا ينقض نومه وضوءه، فعدم ملازمة النوم لوضع الجنب معلومة، والإيقاظ قد يكون لمن هو في مبادىء النوم، فينبه، لئلا يستغرقه النوم.
المصدر: سبل السلام شرح بلوغ المرام للصنعاني كتاب الطهارة