الإِعْلاَمُ
بِحُكْمِ كَسْبِ الحَجَّامِ
التحميل من المرفقات
التحميل من المرفقات
على حلقات
جمع وإعداد:
أبي عبد الله الأنصاري
[1]
بسملة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، أحمده حمداً كثيراً وأستغفره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ مُحمَّداً عبده ورسوله، أمَّا بعدُ:
فقد كثُرَ السؤال عن جزئية من مسألة مهمَّة في حياة المسلم، وتكمن أهميتها في كونها شفاء ووقاية من كلِّ داءٍ لمن أدَّاها في أوقاتها وتحيَّن لها فرصها، قال -صلى الله عليه وسلَّم-: ((من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين؛كان شفاء من كل داء))([1])، وهذا بالنسبة للحجامة الاعتيادية الوقائية المخلصة من المؤذيات، وإلاَّ فللمحتاج لها لمرض أداءها متى أصيب([2])؛ وفصل الربيع، أمثل الأوقات للحجامة وفي الثلث الأخير الأيام المذكورات في الحديث في أوَّل اليوم؛ ذلك أن أخلاط الجسم كّثُرت في الشتاء لقلَّة الحركة وكثرة النهمة وفي الربيع تتحرك الأخلاط مع ميوعة الدم فيه فلا يُخلِّص من أمراض الربيع شيء كالفصد والاستفراغ والتقليل من الطعام([3]) .
وبهذه المناسبة فإنه يحسن البحث في أحكام هذه الجزئية، وهذا مبحثٌ في كسب الحجَّام، ولكن قبل أن نخوض في المسألة، نمهد بتوطئة مهمَّة . .
نعلم ما قد حصل في هذه العصور وفي بعض البلاد من عدم معرفة الناس بالحجامة وكيفيتها، وربما دخل فيها من لا يُحسن؛ فضرَّ الناس وسبب المشاكل وانتشار العدوى والأمراض([4])، هذا فضلاً عن العصور القديمة، لهذا السبب وغيره من الأسباب احترف بعض الناس الحجامة ومنهم الأطباء فبرعوا فيها وخبروا طرقها؛ فأمَّا المحتاج منهم فقد جعلها مهنته وحرفته ومدخلاً من مداخل رزقه، وأمَّا من وجد ما يكفيه فقد احتسب الأجر وقرر الابتعاد عن دنيء المكاسب إلى حسنها، فلم يأخذ أجرةً على حجامته واختار إعانة المسلمين عند احتياجهم .
فأمَّا القسم الثاني من الناس فلا إشكال في عمله هذا، إذ هو باب من أبواب البرِّ والإحسان، ولكنَّ الإشكال في القسم الأوَّل . . وفي حالة خاصة من حالات القسم الثاني ألا وهي: إذا كَثُرَ عليه الناس وتوالى الطرق على بابه وعُطِّل عن مشاغله ورزقه وحبس وقته وقد اشتدت الحاجة إليه في منطقته لحذقه ومهارته، فهل له أخذ الأجر عليها؟ فقد ورد في الأخبار أن كسب الحجام خبيث، وأنَّ الرسول نهى عنه . . هذا موطن البحث؛ فبسم الله نبدأ . .
مَا هُوَ كَسْبُ الحَجَّامِ ؟
ليس كسب الحجَّام المقصود في مسألتنا هذه، جميع مكاسبه جملة، فقد يكسب من ميراث، أو من ضيعة ومن تجارة، وكل ذلك مباح له بلا شك، ولم تحرم الحجامة قط بلا خلاف، ولا بدَّ له من كسب يعيش منه، وإلاَّ مات ضياعاً، فصحَّ أنَّ كسبه بالحجامة خاصة هو المقصود بأحاديث الباب .
أولاً: ذِكْرُ النُّصُوصِ فِي كَسْبِ الحَجَّامِ
1- عن رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ عَنْ رَسُولِ الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: ((ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ))([5]) .
2- وَقَولهُ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((شَرُّ الْكَسْبِ مَهْرُ الْبَغِيِّ وَثَمَنُ الْكَلْبِ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ))([6]).
3- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ))([7]).
4- وعَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ؟ فَقَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وَكَلَّمَ أَهْلَهُ، فَوَضَعُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ، وَقَالَ: ((إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ أَوْ هُوَ مِنْ أَمْثَلِ دَوَائِكُمْ))([8]) .
5- وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتَجَمَ، وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أَعْطَاهُ([9]) .
6- وعََنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَجَمَ النَّبِيَّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدٌ لِبَنِي بَيَاضَةَ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْرَه، وَكَلَّمَ سَيِّدَهُ، فَخَفَّفَ عَنْهُ مِنْ ضَرِيبَتِهِ، وَلَوْ كَانَ سُحْتًا لَمْ يُعْطِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-([10]) .
7- وَعَنِ ابْنِ مُحَيِّصَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي إِجَارَةِ الْحَجَّامِ، فَنَهَاهُ عَنْهَا، فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَأْذِنُهُ، حَتَّى قَالَ: ((اعْلِفْهُ نَاضِحَكَ، وَأَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ))([11])؛ وجاء في سنن ابن ماجه عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ فَنَهَاهُ عَنْهُ فَذَكَرَ لَهُ الْحَاجَةَ فَقَالَ اعْلِفْهُ نَوَاضِحَكَ([12]) .
----------------------------------------------------------
([1]) حسن، السلسلة الصحيحة 622؛ وجاء في صحيح وضعيف الجامع الصغير 10912 بلفظ: ((من احتجم لسبع عشرة من الشهر وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان له شفاء من كل داء)) .
([2]) والأحاديث في الحجامة تناهز المئة حديث .
([3]) مستفاد بمعناه من كلام صاحب القانون، بواسطة طوق الحمامة للألفي .
([4]) وقد سمعنا من هذه القصص الكثير .
([5]) مسلم، 2932 هذا وبعض المتون والتخريجات في هذا الفصل مستفادة من كتاب طوق الحمامة المومى إليه سابقاً .
([6]) مسلم (156) .
([7]) رواه أحمد (7635) والنسائي (4673) وابن ماجه (2165) وصححه الألباني في صحيح النسائي وابن ماجه .
([8]) أخرجه مسلم (10/242)، وأخرجه البخارى (4/ 10. سندى)، واللفظ من صحيح سنن الترمذي (127) .
([9]) البخارى (2/11. سندى ) .
([10]) مسـلم (10/242) .
([11]) صحيح الترمذي 1277 .
([12]) صححه الألباني -رحمه الله- في صحيح سنن ابن ماجه 2166 و الصحيحة 1400 .
تعليق