بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن وآلاه وبعدُ:
فقد كثر الكلام بين طلاب العلم الخوض في مسألة النعي ما هو؟ وهل كله محرم؟ أو مباح؟ أم أن هناك تفصيل في المسألة؟
والصواب وبالله التوفيق أن هذا مما فيه تفصيل, كما هو في مسألة الإقعاء في الصلاة وغير ذلك من الأمور التي ورد فيها التفصيل, وسيكون الكلام هنا من على النحو التالي:
أولاً: (( تعريف النعي)):
- في اللغة:
قال ابن فارس: "النون والعين والحرف المعتل: أصل صحيح يدل على إشاعة شيء، منه النَّعيُّ: خبر الموت, وكذا الآتي بخبر الموت يقال له نعيٌّ أيضاً....
ثم قال: نعاءِ جذاماً غير موتٍ ولا قتل ولكن فراقاً للدعائم والأصل".
(معجم مقاييس اللغة ص(1036), وانظر:تهذيب اللغة (ج3/ص13, القاموس المحيط (ص1229).
-وفي الاصطلاح:
قال ابن الأثير: "نعى الميت ينعاه نعْياً ونعِياً, إذا أذاع موته ، وأخبر به، وإذا ندبه" النهاية في غريب الحديث (5/85) .
ثانياً: سبر ما ورد في هذه المسألة من أحاديث.
أ- الأحاديث المانعة.
الحديث الأول: عن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (إياكم والنعي, فإن النعي من عمل الجاهلية) قال عبد الله: والنعي أذانٌ بالميت. رواه الترمذي برقم (984).والحديث ضعيف فيه محمد بن حميد الرازي, وأبو حمزة ميمون الأعور قال الترمذي: ليس بالقوي عند أهل الحديث. وقد ضعفه العلامة الألباني-رحمه الله-, وشيخنا العلامة عبد المحسن العباد-حفظه الله- في شرحه للترمذي.
الحديث الثاني: عن حذيفة –رضي الله عنه- قال: إذا متُّ فلا تؤذنوا بي؛ إني أخاف أن يكون نعياً, فإني سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ينهى عن النعي". رواه الترمذي, برقم (986), وقال: حديث حسن صحيح. وصححه العلامة الألباني-رحمه الله-.
ب- الأحاديث المبيحة.
الحديث الأول: عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- (نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه, خرج إلى المصلى فصفَّ بهم وكبَّر بهم أربعاً, فقال: استغفروا لأخيكم). رواه البخاري, كتاب الجنائز, باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه, برقم (1245),(1327), ورواه مسلم برقم (951).
الحديث الثاني: عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: قال النبي –صلى الله عليه وسلم- (أخذ الراية زيد فأصيب, ثم أخذها جعفر فأصيب, ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب) وإن عيني رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لتذرفان, (ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرةٍ ففتحَ له). رواه البخاري, كتاب الجنائز, باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه, برقم (1246).
وعند أحمد الأمر بالاستغفار لهم بقوله: (فاستغفروا له –فاستغفر له الناس-). قال الشيخ الألباني "إسناده حسن". أحكام الجنائز (ص47).
وفي لفظٍ آخر (نعى النبي –صلى الله عليه وسلم- جعفراً وزيداً قبل أن يجيء خبرهم وعيناه تذرفان). رواه البخاري برقم (3630).
الحديث الثالث: عن عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما- قال: "مات إنسانٌ–كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده- فمات بالليل فدفنوه ليلاً, فلما أصبح أخبروه, فقال: (ما منعكم أن تُعلموني؟) قالوا: كان الليلُ فكرهنا -وكانت الظلمة- أن نشقَّ عليك, فأتى قبره فصلى عليه). رواه البخاري, كتاب الجنائز, باب الإذن بالجنازة, برقم (1247).
وفي حديث آخر نحوه عن المرأة السوداء التي كانت تقمُّ المسجد-أي تنظفه-....الحديث. فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- (هلا كنتم آذنتموني؟) رواه البخاري برقم (45.
بعض الآثار في المسألة:
- أورد عبد الرزاق في مصنفه عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه- قال: "لاتؤذنوا بي أحدا حسبي من يحملني إلى حفرتي".
- وأورد أيضاً عن علقمة بن وقاص الليثي أنه قال: " إذا كان من يحمل الجنازة فلا تؤذن أحداً مخافة أن يقال ما أكثر من اتبعه".
- وأورد عن حماد عن إبراهيم النخعي قال: " لا بأس إذا مات الرجل أن يؤذن صديقه إنما كانوا يكرهون أن يطاف به في المجالس أنعي فلانا كفعل الجاهلية".
انظر هذه الآثار في(مصنف عبد الرزاق ج3/ص390).
- أورد ابن أبي شيبة في مصنفه عن محمد بن سيرين أنه كان لا يرى بأسا أن يؤذن الرجل حميمه وصديقه بالجنازة. (مصنف ابن أبي شيبة ج2/ص476).
مما ورد من أقوال العلماء في هذه المسألة:
- قال ابن حجر: "وقال ابن المرابط مراده أن النعي الذي هو إعلام الناس بموت قريبهم مباح وإن كان فيه إدخال الكرب والمصائب على أهله لكن في تلك المفسدة مصالح جمة لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود جنازته وتهيئة أمره والصلاة عليه والدعاء له والاستغفار وتنفيذ وصاياه وما يترتب على ذلك من الأحكام وأما نعي الجاهلية فقال سعيد بن منصور أخبرنا بن علية عن ابن عون قال قلت لإبراهيم أكانوا يكرهون النعي قال نعم قال ابن عون كانوا إذا توفي الرجل ركب رجل دابة ثم صاح في الناس أنعى فلانا". (فتح الباري ج8/ص340).
- وقال النووي: " وأن الإعلام بوفاة الميت مجردا لا يدخل في النعي المنهي عنه".
(شرح النووي على صحيح مسلم ج7/ص21).
- وقال العيني: " وفيه-أي حديث نعي النجاشي- استحباب الإعلام بالميت لا على صورة نعي الجاهلية بل مجرد إعلام الصلاة عليه وتشييعه وقضاء حقه في ذلك والذي جاء من النهي عن النعي ليس المراد به هذا وإنما المراد نعي الجاهلية المشتمل على ذكر المفاخر وغيرها" (عمدة القاري ج8/ص19).
- قال ابن عبد البر في بيان الأحكام المستنبطة من حديث نعي الرسول –صلى الله عليه وسلم النجاشي- الأول: فيه إباحة النعي, وهو: أن ينادى في الناس أن فلانا مات ليشهدوا جنازته. وقال بعض أهل العلم لا بأس أن يعلم الرجل قرابته وإخوانه.
وعن إبراهيم لا بأس أن يعلم قرابته, وقال شيخنا زين الدين: إعلام أهل الميت وقرابته وأصدقائه استحسنه المحققون والأكثرون من أصحابنا وغيرهم, وذكر صاحب الحاوي من أصحابنا وجهين في استحباب الإنذار بالميت وإشاعة موته بالنداء والإعلام فاستحب ذلك بعضهم للغريب والقريب؛ لما فيه من كثرة المصلين عليه, والداعين له, وقال بعضهم: يُستحب ذلك للغريب ولا يستحب لغيره, وقال النووي: والمختار استحبابه مطلقاً إذا كان مجرد إعلام, وفي التوضيح وقال صاحب البيان من أصحابنا: يكره نعي الميت وهو: أن يُنادى عليه في الناس أن فلاناً قد مات ليشهدوا جنازته وفي وجه حكاه الصيدلاني لا يكره, وفي حلية الروياني من أصحابنا الاختيار أن ينادى به ليكثر المصلون وقال ابن الصباغ قال أصحابنا: يكره النداء عليه, ولا بأس أن يُعلم أصدقاءه, وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة لا بأس به ونقله العبدري عن مالك أيضاً ونقل ابن التين عن مالك كراهة الإنذار بالجنائز على أبواب المساجد والأسواق؛ لأنه من النعي, قال علقمة ابن قيس الإنذار بالجنائز من النعي وهو: من أمر الجاهلية, وقال البيهقي: وروي النهي أيضا عن ابن عمر, وأبي سعيد, وسعيد بن المسيب, وعلقمة, وإبراهيم النخعي, والربيع بن خيثم, قلت: وأبي وائل, وأبي ميسرة, وعلي بن الحسين, وسويد بن غفلة, ومطرف بن عبد الله, ونصر بن عمران أبي جمرة...." (التمهيد لابن عبد البر ج6/ص257).
قال السندي: " وكان أهل الجاهلية يشهرون الموت بهيئة كريهة فالنهي محمول عليه, وخاف حذيفة أن يكون المراد إطلاق النهي فيما سمح به, فهو من باب الورع, وإلا فخبر الموت سيما إذا كان لمصلحة كتكثير الجماعة جائز والله أعلم". حاشية السندي على ابن ماجه(2/20.
أقوال العلماء المعاصرين الأجلاء:
السؤال الثاني من الفتوى رقم (4276):
س2: هل يجوز الإعلان بوفاة من يموت في القرية على سبورة موضوعة في المسجد، خصيصًا لهذا؟ مع العلم أنه يوجد من يقوم بغسل الميت وتكفينه، أما الصلاة عليه فإنه يصلى عندنا بعد الظهر أو العصر في المسجد على الجنازة.
ج2: أولاً: الإعلان عن وفاة الميت بشكل يشبه النعي المنهي عنه لا يجوز، وأما الإخبار عنه في أوساط أقاربه ومعارفه من أجل الحضور للصلاة عليه، وحضور دفنه فذلك جائز، وليس من النعي المنهي عنه؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما مات النجاشي بالحبشة أخبر المسلمين بموته وصلى عليه.
ثانيًا: لا ينبغي اتخاذ لوحة في المسجد للإعلان فيها عن الوفيات وأشباهها، ذلك لأن المساجد لم تبن لهذا.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو/ عبد الله بن قعود
نائب الرئيس/ عبدالله بن غديان
رئيس اللجنة/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/142).
______________________________
- فتوى فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين.
السؤال: بارك الله فيكم يقول له الفقرة الأخيرة يا شيخ محمد يقول التعزية في الجرائد ما حكمها.
الجواب: التعزية بالجرائد أخشى أن تكون من النعي المذموم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن النعي والغالب أن المقصود بالتعزية في الجرائد الإعلان عن موت هذا الرجل الذي يعزى به وإلا فيمكن للمعزي أن يكتب كتاباً لأهل الميت أو يتصل بهم بالهاتف ويغني عن الإعلان. [مكتبة الفتاوى : فتاوى نور على الدرب نصية) : الجنائز) موقع الشيخ-رحمه الله-]
_____________
وقد علق شيخنا عبد المحسن بن حمد العباد البدر –حفظه الله- على تبويب الترمذي (باب ما جاء في كراهية النعي) قال –حفظه الله-: " والنعي منه ما هو مذموم وهو ما كان عليه أهل الجاهلية بأن يذهب شخص على بعير فيطوف ويذكر محاسنه وشيمه والبكاء عليه, وأما أن يخبروا ليذهبوا فيصلوا عليه فهذا فيه مصلحة والرسول –صلى الله عليه وسلم- أخبر بموت الأمراء الثلاثة في غزوة مؤتة فالإخبار لا شيء فيه". شرح الترمذي (الجمعة 24/8/1425هـ).
فتاوى معالي شيخنا العلامة صالح بن فوزان الفوزان-حفظه الله-.
السؤال:
تنشر على مساحات كبيرة في بعض الصحف تعازي لبعض الناس في وفاة أقربائهم، وأحيانًا تكون الكتابة بلون أبيض على صفحات سوداء، وأحيانًا بعض العبارات فقط؛ فما حكم هذا العمل؟
الجواب :
التعزية لأهل الميت بالدعاء لهم ولميتهم مشروعة إذا كانت في حدود الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ بأن يقول لأخيه المصاب إذا لقيه: أحسن الله عزاءك، وجبر الله مصيبتك، وغفر لميتك, وإذا كان بعيدًا عنه، وكتب له خطابًا ضمنه هذه التعزية، فلا بأس بذلك.
وأما الإعلان في الصحف عن وفاة الميت فلا داعي له؛ إلا إذا كان القصد منه الإعلام بوفاته من أجل أن يقوم من له عليه حقوق لاستيفائها، أو من أجل بيان مكان الصلاة على جنازته من أجل الحضور لذلك، أما إذا كان من أجل الإشادة به والمدح؛ فهذا لا ينبغي؛ لأنه قد يفضي إلى المبالغة والإطراء، وأيضًا هذا العمل يستدعي تكاليف مالية تدفع للجريدة في مقابل الإعلان، وهو عمل لا يترتب عليه فائدة، وكذا لا يشرع الإعلان عن مكان العزاء، ولا إقامة حفلات وولائم.قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: "كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة" المنتقى (3/96).
[ فتوى الشيخ عبد الرحمن البراك - حفظه الله - ]
السؤال :هل تناقل خبر (المتوفى) باسمه عبر رسائل الجوال، أو عبر منتديات الإنترنت يعد من النعي المنهي عنه؟.
الجواب :
الحمد لله، النعي هو الإخبار بموت أحد من الناس، وقد ثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم- نهى عن النعي، وثبت أنه نعى النجاشي إلى أصحابه، وخرج بهم إلى المصلى، وصلى عليه، وكبر أربعاً.
وقال العلماء: الجمع بين الحديثين أن النعي المنهي عنه هو ما كان يفعله أهل الجاهلية من بعث من ينادي في العشائر مات فلان مات فلان على وجه الفخر والتعاظم والتعظيم لذلك الميت.
وأما مجرد الإخبار بموت الإنسان لمصلحة شرعية، كالصلاة عليه ومواساة أهله وتعزيتهم فإن ذلك لا بأس به، فتبين أن النعي يختلف حكمه بحسب الغرض منه، ومن شواهد النعي الجائز قوله – صلى الله عليه وسلم- في شأن المرأة التي كانت تقم المسجد حين ماتت ودفنت، فسأل النبي – صلى الله عليه وسلم- عنها فقالوا: إنها ماتت فقال: "أفلا كنتم آذنتموني؟ دلوني على قبرها فدلوه فصلى عليها، ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها عليهم بصلاتي عليهم", ويشبه نعي الجاهلية الكلام عن الميت بذكر مآثره ومحاسنه، ومفاخره في وسائل الإعلام من الإذاعة والتلفزيون والصحافة، وعلى منابر المساجد؛ لأن ذلك يتضمن أموراً محذورة مذمومة في الشرع كالفخر، والغلو في الأشخاص، وقد يكون منهم من هو فاسق، وقد يكون كثير مما يذكر عن ذلك الميت كذباً، كما يوجب لأهله غروراً وتعاظماً على الناس، وقد تنفق الأموال الطائلة على الإعلان عن ذلك الميت، ونشر مفاخره الحقيقية أو المزعومة، وهذا كله خلاف ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة – رضي الله عنهم- والتابعين وتابعيهم، فلم يكن مثل هذا معروفاً من عادتهم، فأهم وأنفع ما يقدم للميت الدعاء له، والصلاة عليه، وقضاء ديونه، وإنفاذ وصاياه، والإحسان إلى أهله وولده من بعده إحساناً معنوياً بتذكيرهم بحقه، وبالاستقامة على طاعة الله؛ حتى يكونوا خلفاً صالحاً لميتهم، وامتداداً لعمله بعد موته، كما قال – صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية" مسلم(8631). والله أعلم.
هذا وفي نهاية هذا البُحيث المتواضع يتبين لنا جميعاً أن النعي المباح هو الإخبار عن موت فلان من الناس حتى تُشْهَدَ جنازته فيصلى عليه ويستغفر له ويدعى له ويترحم عليه, فهذا لا بأس به, وهو يكون بمعنى الإذآن المباح الوارد في الأحاديث المبيحة, وأما ما كان من أمر الجاهلية من التفاخر وذكر المآثر والفضائل الكاذبة أو الصادقة فلا يشرع البتة, وأما ما ورد من بعض السلف في عدم الإذآن؛ فهو كما قال العلماء ورعاً في أن يقعوا في المحرم, فيتضح لي ولك أخي في الله أن النعي ليس كله محرم كما أنه ليس كله بالمباح فالتفصيل هو الأولى والجمع أولى من الترجيح فيحمل المقيد على العام وكما أن الإعمال أولى من الإهمال فأكتفي بهذا القدر وبكلام العلماء -رحمه الله- جميعاً.
وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن وآلاه وبعدُ:
فقد كثر الكلام بين طلاب العلم الخوض في مسألة النعي ما هو؟ وهل كله محرم؟ أو مباح؟ أم أن هناك تفصيل في المسألة؟
والصواب وبالله التوفيق أن هذا مما فيه تفصيل, كما هو في مسألة الإقعاء في الصلاة وغير ذلك من الأمور التي ورد فيها التفصيل, وسيكون الكلام هنا من على النحو التالي:
أولاً: (( تعريف النعي)):
- في اللغة:
قال ابن فارس: "النون والعين والحرف المعتل: أصل صحيح يدل على إشاعة شيء، منه النَّعيُّ: خبر الموت, وكذا الآتي بخبر الموت يقال له نعيٌّ أيضاً....
ثم قال: نعاءِ جذاماً غير موتٍ ولا قتل ولكن فراقاً للدعائم والأصل".
(معجم مقاييس اللغة ص(1036), وانظر:تهذيب اللغة (ج3/ص13, القاموس المحيط (ص1229).
-وفي الاصطلاح:
قال ابن الأثير: "نعى الميت ينعاه نعْياً ونعِياً, إذا أذاع موته ، وأخبر به، وإذا ندبه" النهاية في غريب الحديث (5/85) .
ثانياً: سبر ما ورد في هذه المسألة من أحاديث.
أ- الأحاديث المانعة.
الحديث الأول: عن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (إياكم والنعي, فإن النعي من عمل الجاهلية) قال عبد الله: والنعي أذانٌ بالميت. رواه الترمذي برقم (984).والحديث ضعيف فيه محمد بن حميد الرازي, وأبو حمزة ميمون الأعور قال الترمذي: ليس بالقوي عند أهل الحديث. وقد ضعفه العلامة الألباني-رحمه الله-, وشيخنا العلامة عبد المحسن العباد-حفظه الله- في شرحه للترمذي.
الحديث الثاني: عن حذيفة –رضي الله عنه- قال: إذا متُّ فلا تؤذنوا بي؛ إني أخاف أن يكون نعياً, فإني سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ينهى عن النعي". رواه الترمذي, برقم (986), وقال: حديث حسن صحيح. وصححه العلامة الألباني-رحمه الله-.
ب- الأحاديث المبيحة.
الحديث الأول: عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- (نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه, خرج إلى المصلى فصفَّ بهم وكبَّر بهم أربعاً, فقال: استغفروا لأخيكم). رواه البخاري, كتاب الجنائز, باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه, برقم (1245),(1327), ورواه مسلم برقم (951).
الحديث الثاني: عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: قال النبي –صلى الله عليه وسلم- (أخذ الراية زيد فأصيب, ثم أخذها جعفر فأصيب, ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب) وإن عيني رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لتذرفان, (ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرةٍ ففتحَ له). رواه البخاري, كتاب الجنائز, باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه, برقم (1246).
وعند أحمد الأمر بالاستغفار لهم بقوله: (فاستغفروا له –فاستغفر له الناس-). قال الشيخ الألباني "إسناده حسن". أحكام الجنائز (ص47).
وفي لفظٍ آخر (نعى النبي –صلى الله عليه وسلم- جعفراً وزيداً قبل أن يجيء خبرهم وعيناه تذرفان). رواه البخاري برقم (3630).
الحديث الثالث: عن عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما- قال: "مات إنسانٌ–كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده- فمات بالليل فدفنوه ليلاً, فلما أصبح أخبروه, فقال: (ما منعكم أن تُعلموني؟) قالوا: كان الليلُ فكرهنا -وكانت الظلمة- أن نشقَّ عليك, فأتى قبره فصلى عليه). رواه البخاري, كتاب الجنائز, باب الإذن بالجنازة, برقم (1247).
وفي حديث آخر نحوه عن المرأة السوداء التي كانت تقمُّ المسجد-أي تنظفه-....الحديث. فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- (هلا كنتم آذنتموني؟) رواه البخاري برقم (45.
بعض الآثار في المسألة:
- أورد عبد الرزاق في مصنفه عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه- قال: "لاتؤذنوا بي أحدا حسبي من يحملني إلى حفرتي".
- وأورد أيضاً عن علقمة بن وقاص الليثي أنه قال: " إذا كان من يحمل الجنازة فلا تؤذن أحداً مخافة أن يقال ما أكثر من اتبعه".
- وأورد عن حماد عن إبراهيم النخعي قال: " لا بأس إذا مات الرجل أن يؤذن صديقه إنما كانوا يكرهون أن يطاف به في المجالس أنعي فلانا كفعل الجاهلية".
انظر هذه الآثار في(مصنف عبد الرزاق ج3/ص390).
- أورد ابن أبي شيبة في مصنفه عن محمد بن سيرين أنه كان لا يرى بأسا أن يؤذن الرجل حميمه وصديقه بالجنازة. (مصنف ابن أبي شيبة ج2/ص476).
مما ورد من أقوال العلماء في هذه المسألة:
- قال ابن حجر: "وقال ابن المرابط مراده أن النعي الذي هو إعلام الناس بموت قريبهم مباح وإن كان فيه إدخال الكرب والمصائب على أهله لكن في تلك المفسدة مصالح جمة لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود جنازته وتهيئة أمره والصلاة عليه والدعاء له والاستغفار وتنفيذ وصاياه وما يترتب على ذلك من الأحكام وأما نعي الجاهلية فقال سعيد بن منصور أخبرنا بن علية عن ابن عون قال قلت لإبراهيم أكانوا يكرهون النعي قال نعم قال ابن عون كانوا إذا توفي الرجل ركب رجل دابة ثم صاح في الناس أنعى فلانا". (فتح الباري ج8/ص340).
- وقال النووي: " وأن الإعلام بوفاة الميت مجردا لا يدخل في النعي المنهي عنه".
(شرح النووي على صحيح مسلم ج7/ص21).
- وقال العيني: " وفيه-أي حديث نعي النجاشي- استحباب الإعلام بالميت لا على صورة نعي الجاهلية بل مجرد إعلام الصلاة عليه وتشييعه وقضاء حقه في ذلك والذي جاء من النهي عن النعي ليس المراد به هذا وإنما المراد نعي الجاهلية المشتمل على ذكر المفاخر وغيرها" (عمدة القاري ج8/ص19).
- قال ابن عبد البر في بيان الأحكام المستنبطة من حديث نعي الرسول –صلى الله عليه وسلم النجاشي- الأول: فيه إباحة النعي, وهو: أن ينادى في الناس أن فلانا مات ليشهدوا جنازته. وقال بعض أهل العلم لا بأس أن يعلم الرجل قرابته وإخوانه.
وعن إبراهيم لا بأس أن يعلم قرابته, وقال شيخنا زين الدين: إعلام أهل الميت وقرابته وأصدقائه استحسنه المحققون والأكثرون من أصحابنا وغيرهم, وذكر صاحب الحاوي من أصحابنا وجهين في استحباب الإنذار بالميت وإشاعة موته بالنداء والإعلام فاستحب ذلك بعضهم للغريب والقريب؛ لما فيه من كثرة المصلين عليه, والداعين له, وقال بعضهم: يُستحب ذلك للغريب ولا يستحب لغيره, وقال النووي: والمختار استحبابه مطلقاً إذا كان مجرد إعلام, وفي التوضيح وقال صاحب البيان من أصحابنا: يكره نعي الميت وهو: أن يُنادى عليه في الناس أن فلاناً قد مات ليشهدوا جنازته وفي وجه حكاه الصيدلاني لا يكره, وفي حلية الروياني من أصحابنا الاختيار أن ينادى به ليكثر المصلون وقال ابن الصباغ قال أصحابنا: يكره النداء عليه, ولا بأس أن يُعلم أصدقاءه, وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة لا بأس به ونقله العبدري عن مالك أيضاً ونقل ابن التين عن مالك كراهة الإنذار بالجنائز على أبواب المساجد والأسواق؛ لأنه من النعي, قال علقمة ابن قيس الإنذار بالجنائز من النعي وهو: من أمر الجاهلية, وقال البيهقي: وروي النهي أيضا عن ابن عمر, وأبي سعيد, وسعيد بن المسيب, وعلقمة, وإبراهيم النخعي, والربيع بن خيثم, قلت: وأبي وائل, وأبي ميسرة, وعلي بن الحسين, وسويد بن غفلة, ومطرف بن عبد الله, ونصر بن عمران أبي جمرة...." (التمهيد لابن عبد البر ج6/ص257).
قال السندي: " وكان أهل الجاهلية يشهرون الموت بهيئة كريهة فالنهي محمول عليه, وخاف حذيفة أن يكون المراد إطلاق النهي فيما سمح به, فهو من باب الورع, وإلا فخبر الموت سيما إذا كان لمصلحة كتكثير الجماعة جائز والله أعلم". حاشية السندي على ابن ماجه(2/20.
أقوال العلماء المعاصرين الأجلاء:
السؤال الثاني من الفتوى رقم (4276):
س2: هل يجوز الإعلان بوفاة من يموت في القرية على سبورة موضوعة في المسجد، خصيصًا لهذا؟ مع العلم أنه يوجد من يقوم بغسل الميت وتكفينه، أما الصلاة عليه فإنه يصلى عندنا بعد الظهر أو العصر في المسجد على الجنازة.
ج2: أولاً: الإعلان عن وفاة الميت بشكل يشبه النعي المنهي عنه لا يجوز، وأما الإخبار عنه في أوساط أقاربه ومعارفه من أجل الحضور للصلاة عليه، وحضور دفنه فذلك جائز، وليس من النعي المنهي عنه؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما مات النجاشي بالحبشة أخبر المسلمين بموته وصلى عليه.
ثانيًا: لا ينبغي اتخاذ لوحة في المسجد للإعلان فيها عن الوفيات وأشباهها، ذلك لأن المساجد لم تبن لهذا.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو/ عبد الله بن قعود
نائب الرئيس/ عبدالله بن غديان
رئيس اللجنة/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/142).
______________________________
- فتوى فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين.
السؤال: بارك الله فيكم يقول له الفقرة الأخيرة يا شيخ محمد يقول التعزية في الجرائد ما حكمها.
الجواب: التعزية بالجرائد أخشى أن تكون من النعي المذموم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن النعي والغالب أن المقصود بالتعزية في الجرائد الإعلان عن موت هذا الرجل الذي يعزى به وإلا فيمكن للمعزي أن يكتب كتاباً لأهل الميت أو يتصل بهم بالهاتف ويغني عن الإعلان. [مكتبة الفتاوى : فتاوى نور على الدرب نصية) : الجنائز) موقع الشيخ-رحمه الله-]
_____________
وقد علق شيخنا عبد المحسن بن حمد العباد البدر –حفظه الله- على تبويب الترمذي (باب ما جاء في كراهية النعي) قال –حفظه الله-: " والنعي منه ما هو مذموم وهو ما كان عليه أهل الجاهلية بأن يذهب شخص على بعير فيطوف ويذكر محاسنه وشيمه والبكاء عليه, وأما أن يخبروا ليذهبوا فيصلوا عليه فهذا فيه مصلحة والرسول –صلى الله عليه وسلم- أخبر بموت الأمراء الثلاثة في غزوة مؤتة فالإخبار لا شيء فيه". شرح الترمذي (الجمعة 24/8/1425هـ).
فتاوى معالي شيخنا العلامة صالح بن فوزان الفوزان-حفظه الله-.
السؤال:
تنشر على مساحات كبيرة في بعض الصحف تعازي لبعض الناس في وفاة أقربائهم، وأحيانًا تكون الكتابة بلون أبيض على صفحات سوداء، وأحيانًا بعض العبارات فقط؛ فما حكم هذا العمل؟
الجواب :
التعزية لأهل الميت بالدعاء لهم ولميتهم مشروعة إذا كانت في حدود الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ بأن يقول لأخيه المصاب إذا لقيه: أحسن الله عزاءك، وجبر الله مصيبتك، وغفر لميتك, وإذا كان بعيدًا عنه، وكتب له خطابًا ضمنه هذه التعزية، فلا بأس بذلك.
وأما الإعلان في الصحف عن وفاة الميت فلا داعي له؛ إلا إذا كان القصد منه الإعلام بوفاته من أجل أن يقوم من له عليه حقوق لاستيفائها، أو من أجل بيان مكان الصلاة على جنازته من أجل الحضور لذلك، أما إذا كان من أجل الإشادة به والمدح؛ فهذا لا ينبغي؛ لأنه قد يفضي إلى المبالغة والإطراء، وأيضًا هذا العمل يستدعي تكاليف مالية تدفع للجريدة في مقابل الإعلان، وهو عمل لا يترتب عليه فائدة، وكذا لا يشرع الإعلان عن مكان العزاء، ولا إقامة حفلات وولائم.قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: "كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة" المنتقى (3/96).
[ فتوى الشيخ عبد الرحمن البراك - حفظه الله - ]
السؤال :هل تناقل خبر (المتوفى) باسمه عبر رسائل الجوال، أو عبر منتديات الإنترنت يعد من النعي المنهي عنه؟.
الجواب :
الحمد لله، النعي هو الإخبار بموت أحد من الناس، وقد ثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم- نهى عن النعي، وثبت أنه نعى النجاشي إلى أصحابه، وخرج بهم إلى المصلى، وصلى عليه، وكبر أربعاً.
وقال العلماء: الجمع بين الحديثين أن النعي المنهي عنه هو ما كان يفعله أهل الجاهلية من بعث من ينادي في العشائر مات فلان مات فلان على وجه الفخر والتعاظم والتعظيم لذلك الميت.
وأما مجرد الإخبار بموت الإنسان لمصلحة شرعية، كالصلاة عليه ومواساة أهله وتعزيتهم فإن ذلك لا بأس به، فتبين أن النعي يختلف حكمه بحسب الغرض منه، ومن شواهد النعي الجائز قوله – صلى الله عليه وسلم- في شأن المرأة التي كانت تقم المسجد حين ماتت ودفنت، فسأل النبي – صلى الله عليه وسلم- عنها فقالوا: إنها ماتت فقال: "أفلا كنتم آذنتموني؟ دلوني على قبرها فدلوه فصلى عليها، ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها عليهم بصلاتي عليهم", ويشبه نعي الجاهلية الكلام عن الميت بذكر مآثره ومحاسنه، ومفاخره في وسائل الإعلام من الإذاعة والتلفزيون والصحافة، وعلى منابر المساجد؛ لأن ذلك يتضمن أموراً محذورة مذمومة في الشرع كالفخر، والغلو في الأشخاص، وقد يكون منهم من هو فاسق، وقد يكون كثير مما يذكر عن ذلك الميت كذباً، كما يوجب لأهله غروراً وتعاظماً على الناس، وقد تنفق الأموال الطائلة على الإعلان عن ذلك الميت، ونشر مفاخره الحقيقية أو المزعومة، وهذا كله خلاف ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة – رضي الله عنهم- والتابعين وتابعيهم، فلم يكن مثل هذا معروفاً من عادتهم، فأهم وأنفع ما يقدم للميت الدعاء له، والصلاة عليه، وقضاء ديونه، وإنفاذ وصاياه، والإحسان إلى أهله وولده من بعده إحساناً معنوياً بتذكيرهم بحقه، وبالاستقامة على طاعة الله؛ حتى يكونوا خلفاً صالحاً لميتهم، وامتداداً لعمله بعد موته، كما قال – صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية" مسلم(8631). والله أعلم.
هذا وفي نهاية هذا البُحيث المتواضع يتبين لنا جميعاً أن النعي المباح هو الإخبار عن موت فلان من الناس حتى تُشْهَدَ جنازته فيصلى عليه ويستغفر له ويدعى له ويترحم عليه, فهذا لا بأس به, وهو يكون بمعنى الإذآن المباح الوارد في الأحاديث المبيحة, وأما ما كان من أمر الجاهلية من التفاخر وذكر المآثر والفضائل الكاذبة أو الصادقة فلا يشرع البتة, وأما ما ورد من بعض السلف في عدم الإذآن؛ فهو كما قال العلماء ورعاً في أن يقعوا في المحرم, فيتضح لي ولك أخي في الله أن النعي ليس كله محرم كما أنه ليس كله بالمباح فالتفصيل هو الأولى والجمع أولى من الترجيح فيحمل المقيد على العام وكما أن الإعمال أولى من الإهمال فأكتفي بهذا القدر وبكلام العلماء -رحمه الله- جميعاً.
وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
وكتبه الفقير إلى ربه المنان
عبد الرحمن بن محمد العميسان
1/ 2/ 1429هـ
المدينة النبوية-حرسها الله-
عبد الرحمن بن محمد العميسان
1/ 2/ 1429هـ
المدينة النبوية-حرسها الله-
تعليق