الصنف: فتاوى الجنـائز
السؤا ل للفتوى رقم 564 :
هل يصِلُ ثواب العباداتُ التاليةُ إلى الوالد المتوفى؟
1 - الصدقة.
2 - الصدقة الجارية (لبناء مسجد مثلاً).
3 - تلاوة القرآن.
4 - القربان.
5 - الأضحية.
وهل المسألة خلافية؟ ما ترجيحكم لها؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فقد نقل النوويُّ(١- «شرح صحيح مسلم» للنووي (11/71)) وابنُ كثيرٍ(٢- «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (330)) إجماعَ العلماءِ على وصول ثواب الدعاء والصدقةِ إلى الميت، ومستند الإجماع النصوص الدالة على مشروعية الدعاء للأحياء والأموات كقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ، وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحشر: 10]، ومن ذلك مشروعية الدعاء في صلاة الجِنازة والدعاء للميت بعد الدفن، والدعاء عند زيارة القبور.
أمّا وصول الصدقة فبما ثبت عن عائشة رضي الله عنها: «أَنَّ رَجُلاً قَالَ: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَلَمْ تُوصِ وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَتَصَدَّقْتُ عَنْهَا»(٣- أخرجه البخاري في الجنائز (1322)، مسلم في الزكاة (2326)،، وأبو داود في الوصايا (2881)، والنسائي في الوصايا (6349)، وابن ماجه في الوصايا (2717)، وابن حبان (3353)، ومالك في الموطإ (1451)، وأبو يعلى (4434)، والبيهقي (7204)، من حديث عائشة رضي الله عنها)، وقد روى البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أُمِّي تُوفِيّتْ وَأَنَا غَائِبٌ فَهَلْ يَنْفَعُهَا إِنْ تَصدَّقْتُ عَنْهَا بِشَيْءٍ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِي الذِّي بِالمِخْرَافِ صَدَقَةٌ عَنْهَا»(٤- أخرجه البخاري في الوصايا (2605)، وأبو داود في الوصايا (2882)، والترمذي في الزكاة (669)، وابن خزيمة (2501)، وأحمد (3070)، وعبد الرزاق في المصنف (16337)، والبيهقي (12296)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما)، وبما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالاً وَلَمْ يُوصِ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ»(٥- أخرجه مسلم في الوصية (4219)، والنسائي في الوصايا (3652)، وابن ماجه في الوصايا (2716)، وأحمد (8677)، وابن خزيمة (2301)، والبيهقي (11842)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
وفي الجملة فإنّ العبادات المالية: من صدقة بمختلف وجوهها: عينيةٍ أو نقديةٍ أو بتقديم القرابين قابلةٌ للنيابة فيها على الأحياء والأموات، لذلك أقرّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضاء الدَّيْنِ كما في حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، وفيه: قضاء أبي قتادة عن الميت الغريم(٦- أخرجه البخاري في الحوالات (216، والبيهقي (10677)، من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه)، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى بكبش فذبحه فقال: «بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»(٧- أخرجه أبو داود في الضحايا (2810)، والترمذي في الأضاحي (1521)، والحاكم (7553)، وأحمد (14477)، والبيهقي (19720)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. والحديث حسنه ابن حجر في «المطالب العالية» (3/32)، وصحّحه الألباني في «الإرواء» (4/394))، وفي رواية أحمد: أنه ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ قال في أحدهما: «اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ أُمَّتِي جَمِيعًا»(٨- أخرجه أحمد (26587)، والحاكم (3437)، والبيهقي (17444)، من حديث أبي رافع رضي الله عنه)، وفي الزكاة تحمَّل النبي صلى الله عليه وآله وسلم زكاةَ عمِّه العباس رضي الله عنه(٩- أخرجه مسلم في الزكاة (2277)، وأبو داود في الزكاة (1623)، والترمذي في المناقب (3760)، وابن حبان (3273)، وأحمد (8085)، والبيهقي (7462)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)، كما وردت نصوص شرعية أخرى في جواز النيابة في صوم النذر والحجّ والعِتق وغيرِها استثناءً من قوله تعالى: ﴿وَأَن لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾ [النجم: 39]، ومن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»(١٠- أخرجه مسلم في الوصية (4223)، وأبو داود في الوصايا (2880)، والترمذي في الأحكام (1376)، والنسائي في الوصايا (3651)، وابن حبان (3016)، وأحمد (8627)، والبيهقي (12900)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه) لأنّ هذه من كَسْبِهِ وعمله وما خلَّفه من آثار صالحة وصدقات جارية لقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ المَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ [يس: 102]، أمّا إهداء ثواب القراءة إلى الميّت فلم يرد في جوازه نصّ، ولم يكن من عادة السلف إهداء الثواب إلى الأموات -وهم أحرص الناس على الثواب-، وقد ذكر ابن كثير أنّ الشافعي -رحمه الله- استنبط من قوله تعالى: ﴿وَأَن لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾: «أنّ قراءة القرآن لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى، لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم، ولهذا لم يَنْدُبْ إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمّته، ولا حثّهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنصّ ولا إيماء، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا يُتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء»(١١- تفسير القرآن العظيم لابن كثير (330)).
والجدير بالملاحظة والتنبيه أنّ من الفروق بين الإهداء والنيابة، أنّ المهدي ينوي بنيّته أصالةً، ويهدي ثواب عمله إلى الغير، أمّا النيابة فينوي بنيّة غيره نيابة عنه ليصل إلى الأصيل ثوابه، وعليه فإنّ انقطاع انتفاع الرجل بانقطاع عمله بعد موته الذي هو من كسبه يلزم انقطاع عمل غيره الذي ليس هو من كسبه من بابٍ أولى إلاّ ما استثناه النصّ الشرعي.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في 5 رمضان 1427ﻫ الموافق ﻟـ 28 سبتمبر 2006م
----------------------
١- «شرح صحيح مسلم» للنووي (11/71).
٢- «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (330).
۳- أخرجه البخاري في الجنائز (1322)، مسلم في الزكاة (2326)،، وأبو داود في الوصايا (2881)، والنسائي في الوصايا (6349)، وابن ماجه في الوصايا (2717)، وابن حبان (3353)، ومالك في الموطإ (1451)، وأبو يعلى (4434)، والبيهقي (7204)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
٤- أخرجه البخاري في الوصايا (2605)، وأبو داود في الوصايا (2882)، والترمذي في الزكاة (669)، وابن خزيمة (2501)، وأحمد (3070)، وعبد الرزاق في المصنف (16337)، والبيهقي (12296)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
٥- أخرجه مسلم في الوصية (4219)، والنسائي في الوصايا (3652)، وابن ماجه في الوصايا (2716)، وأحمد (8677)، وابن خزيمة (2301)، والبيهقي (11842)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٦- أخرجه البخاري في الحوالات (216، والبيهقي (10677)، من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
۷- أخرجه أبو داود في الضحايا (2810)، والترمذي في الأضاحي (1521)، والحاكم (7553)، وأحمد (14477)، والبيهقي (19720)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. والحديث حسنه ابن حجر في «المطالب العالية» (3/32)، وصحّحه الألباني في «الإرواء» (4/394).
۸- أخرجه أحمد (26587)، والحاكم (3437)، والبيهقي (17444)، من حديث أبي رافع رضي الله عنه.
٩- أخرجه مسلم في الزكاة (2277)، وأبو داود في الزكاة (1623)، والترمذي في المناقب (3760)، وابن حبان (3273)، وأحمد (8085)، والبيهقي (7462)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
١٠- أخرجه مسلم في الوصية (4223)، وأبو داود في الوصايا (2880)، والترمذي في الأحكام (1376)، والنسائي في الوصايا (3651)، وابن حبان (3016)، وأحمد (8627)، والبيهقي (12900)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
١١- تفسير القرآن العظيم لابن كثير (330).
المفتي سماحة الشيخ أبي عبدالمعز محمد علي فركوس ـ حفظه الله تعالى ـ.
الرابط:http://www.ferkous.com/rep/Be8.php
السؤا ل للفتوى رقم 564 :
هل يصِلُ ثواب العباداتُ التاليةُ إلى الوالد المتوفى؟
1 - الصدقة.
2 - الصدقة الجارية (لبناء مسجد مثلاً).
3 - تلاوة القرآن.
4 - القربان.
5 - الأضحية.
وهل المسألة خلافية؟ ما ترجيحكم لها؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فقد نقل النوويُّ(١- «شرح صحيح مسلم» للنووي (11/71)) وابنُ كثيرٍ(٢- «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (330)) إجماعَ العلماءِ على وصول ثواب الدعاء والصدقةِ إلى الميت، ومستند الإجماع النصوص الدالة على مشروعية الدعاء للأحياء والأموات كقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ، وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحشر: 10]، ومن ذلك مشروعية الدعاء في صلاة الجِنازة والدعاء للميت بعد الدفن، والدعاء عند زيارة القبور.
أمّا وصول الصدقة فبما ثبت عن عائشة رضي الله عنها: «أَنَّ رَجُلاً قَالَ: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَلَمْ تُوصِ وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَتَصَدَّقْتُ عَنْهَا»(٣- أخرجه البخاري في الجنائز (1322)، مسلم في الزكاة (2326)،، وأبو داود في الوصايا (2881)، والنسائي في الوصايا (6349)، وابن ماجه في الوصايا (2717)، وابن حبان (3353)، ومالك في الموطإ (1451)، وأبو يعلى (4434)، والبيهقي (7204)، من حديث عائشة رضي الله عنها)، وقد روى البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أُمِّي تُوفِيّتْ وَأَنَا غَائِبٌ فَهَلْ يَنْفَعُهَا إِنْ تَصدَّقْتُ عَنْهَا بِشَيْءٍ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِي الذِّي بِالمِخْرَافِ صَدَقَةٌ عَنْهَا»(٤- أخرجه البخاري في الوصايا (2605)، وأبو داود في الوصايا (2882)، والترمذي في الزكاة (669)، وابن خزيمة (2501)، وأحمد (3070)، وعبد الرزاق في المصنف (16337)، والبيهقي (12296)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما)، وبما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالاً وَلَمْ يُوصِ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ»(٥- أخرجه مسلم في الوصية (4219)، والنسائي في الوصايا (3652)، وابن ماجه في الوصايا (2716)، وأحمد (8677)، وابن خزيمة (2301)، والبيهقي (11842)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
وفي الجملة فإنّ العبادات المالية: من صدقة بمختلف وجوهها: عينيةٍ أو نقديةٍ أو بتقديم القرابين قابلةٌ للنيابة فيها على الأحياء والأموات، لذلك أقرّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضاء الدَّيْنِ كما في حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، وفيه: قضاء أبي قتادة عن الميت الغريم(٦- أخرجه البخاري في الحوالات (216، والبيهقي (10677)، من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه)، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى بكبش فذبحه فقال: «بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»(٧- أخرجه أبو داود في الضحايا (2810)، والترمذي في الأضاحي (1521)، والحاكم (7553)، وأحمد (14477)، والبيهقي (19720)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. والحديث حسنه ابن حجر في «المطالب العالية» (3/32)، وصحّحه الألباني في «الإرواء» (4/394))، وفي رواية أحمد: أنه ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ قال في أحدهما: «اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ أُمَّتِي جَمِيعًا»(٨- أخرجه أحمد (26587)، والحاكم (3437)، والبيهقي (17444)، من حديث أبي رافع رضي الله عنه)، وفي الزكاة تحمَّل النبي صلى الله عليه وآله وسلم زكاةَ عمِّه العباس رضي الله عنه(٩- أخرجه مسلم في الزكاة (2277)، وأبو داود في الزكاة (1623)، والترمذي في المناقب (3760)، وابن حبان (3273)، وأحمد (8085)، والبيهقي (7462)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)، كما وردت نصوص شرعية أخرى في جواز النيابة في صوم النذر والحجّ والعِتق وغيرِها استثناءً من قوله تعالى: ﴿وَأَن لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾ [النجم: 39]، ومن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»(١٠- أخرجه مسلم في الوصية (4223)، وأبو داود في الوصايا (2880)، والترمذي في الأحكام (1376)، والنسائي في الوصايا (3651)، وابن حبان (3016)، وأحمد (8627)، والبيهقي (12900)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه) لأنّ هذه من كَسْبِهِ وعمله وما خلَّفه من آثار صالحة وصدقات جارية لقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ المَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ [يس: 102]، أمّا إهداء ثواب القراءة إلى الميّت فلم يرد في جوازه نصّ، ولم يكن من عادة السلف إهداء الثواب إلى الأموات -وهم أحرص الناس على الثواب-، وقد ذكر ابن كثير أنّ الشافعي -رحمه الله- استنبط من قوله تعالى: ﴿وَأَن لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾: «أنّ قراءة القرآن لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى، لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم، ولهذا لم يَنْدُبْ إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمّته، ولا حثّهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنصّ ولا إيماء، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا يُتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء»(١١- تفسير القرآن العظيم لابن كثير (330)).
والجدير بالملاحظة والتنبيه أنّ من الفروق بين الإهداء والنيابة، أنّ المهدي ينوي بنيّته أصالةً، ويهدي ثواب عمله إلى الغير، أمّا النيابة فينوي بنيّة غيره نيابة عنه ليصل إلى الأصيل ثوابه، وعليه فإنّ انقطاع انتفاع الرجل بانقطاع عمله بعد موته الذي هو من كسبه يلزم انقطاع عمل غيره الذي ليس هو من كسبه من بابٍ أولى إلاّ ما استثناه النصّ الشرعي.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في 5 رمضان 1427ﻫ الموافق ﻟـ 28 سبتمبر 2006م
----------------------
١- «شرح صحيح مسلم» للنووي (11/71).
٢- «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (330).
۳- أخرجه البخاري في الجنائز (1322)، مسلم في الزكاة (2326)،، وأبو داود في الوصايا (2881)، والنسائي في الوصايا (6349)، وابن ماجه في الوصايا (2717)، وابن حبان (3353)، ومالك في الموطإ (1451)، وأبو يعلى (4434)، والبيهقي (7204)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
٤- أخرجه البخاري في الوصايا (2605)، وأبو داود في الوصايا (2882)، والترمذي في الزكاة (669)، وابن خزيمة (2501)، وأحمد (3070)، وعبد الرزاق في المصنف (16337)، والبيهقي (12296)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
٥- أخرجه مسلم في الوصية (4219)، والنسائي في الوصايا (3652)، وابن ماجه في الوصايا (2716)، وأحمد (8677)، وابن خزيمة (2301)، والبيهقي (11842)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٦- أخرجه البخاري في الحوالات (216، والبيهقي (10677)، من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
۷- أخرجه أبو داود في الضحايا (2810)، والترمذي في الأضاحي (1521)، والحاكم (7553)، وأحمد (14477)، والبيهقي (19720)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. والحديث حسنه ابن حجر في «المطالب العالية» (3/32)، وصحّحه الألباني في «الإرواء» (4/394).
۸- أخرجه أحمد (26587)، والحاكم (3437)، والبيهقي (17444)، من حديث أبي رافع رضي الله عنه.
٩- أخرجه مسلم في الزكاة (2277)، وأبو داود في الزكاة (1623)، والترمذي في المناقب (3760)، وابن حبان (3273)، وأحمد (8085)، والبيهقي (7462)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
١٠- أخرجه مسلم في الوصية (4223)، وأبو داود في الوصايا (2880)، والترمذي في الأحكام (1376)، والنسائي في الوصايا (3651)، وابن حبان (3016)، وأحمد (8627)، والبيهقي (12900)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
١١- تفسير القرآن العظيم لابن كثير (330).
المفتي سماحة الشيخ أبي عبدالمعز محمد علي فركوس ـ حفظه الله تعالى ـ.
الرابط:http://www.ferkous.com/rep/Be8.php