ما حقيقة التقليد وما أقسامه مع بيان الحكم؟
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 6 / ص 475)
ج: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد :أ- ذكر علماء الأصول تعريفات لبيان حقيقة التقليد منها قول بعضهم التقليد هو قبول قول القائل وهو لا يدري مستنده، وذهب بعضهم إلى أن التقليد قبول قول القائل بلا حجة. واختار أبو المعالي الجويني تعريف التقليد بأنه اتباع من لم يقم باتباعه حجة ولم يستند إلى علم. وهذه التعاريف متقاربة ولعلماء الأصول فيها مناقشات ترجع إلى الصناعة المنطقية ولكن القصد هنا بيان حقيقة التقليد على وجه التقريب. ب- أما أقسامه مع بيان حكم كل قسم فكما يلي:
1 - تقليد من عنده أهلية الاجتهاد غيره من العلماء بعد ما تبين له الحق بالأدلة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا لا يجوز له تقليد من خالفه فيما وصل إليه بالاستدلال بإجماع.
2 - تقليد من توافرت فيه أهلية الاجتهاد غيره من المجتهدين قبل أن يصل باجتهاده إلى الحكم الشرعي، فهذا لا يجوز له تقليد غيره فيما ذهب إليه الشافعي وأحمد وجماعة رحمهم الله وهو الأرجح لقدرته على الوصول إلى الحكم الشرعي بنفسه فكان مكلفا بالاجتهاد ليعرف ما كلفه الشرع به لقوله تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } ولما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: « إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم »
3 - تقليد العاجز عن البحث في الأدلة واستنباط الأحكام منها عالما قد توافرت فيه أهلية الاجتهاد في أدلة الشرع فهذا جائز. لقوله تعالى: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } ولقوله سبحانه: { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } ونحوها من النصوص الدالة على رفع الحرج ولصيانة المكلف عن التخبط في الأحكام والقول على الله بغير علم.
4- تقليد من يخالف الشرع الإسلامي من الآباء والسادة والحكام عصبية أو اتباعا للهوى وهذا محرم بالإجماع، وقد ورد في ذمه كثير من نصوص الكتاب والسنة، قال الله تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ } وقال تعالى: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } وقال تعالى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا
مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } وقال تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وقال تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } وقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (6} سورة الأحزاب
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ج6/ص477
عضو // نائب الرئيس // الرئيس //
عبد الله بن غديان // عبد الرزاق عفيفي // عبد العزيز بن عبد الله بن باز
تعليق