بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد
فمن المسائل الفقهية التى تُثار بين الفينة و الأخرى مسألة الصلاة على الغائب و حيث أننا في الأيام الأخيرة قد أصابنا ما أصبنا من سقوط الطائرة العسكرية و موت كامل من فيها إلا شخص واحد ماتزال حالته غير مستقرة - أقول - أُثيرت مسألة الصلاة عليهم صلاة الغائب فأحببت أن أنقل كلام أهل العلم في هذه المسألة..إن العلماء قد اختلفوا في صلاة الغائب إلى فريقين، فلو أن رجلاً من مصر مات بالأردن ودفن بالأردن، فهل نصلي عليه في مصر أم لا نصلي؟ الحنابلة والشافعية على جواز الصلاة، والمالكية والأحناف على عدم الصلاة، والراجح: أن من صلي عليه في أرض لا يصلى عليه مرة ثانية؛ والنبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي لأن النجاشي مات في أرض كفر، ولم يصل عليه من المسلمين أحد، فلذلك صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وانتصر له شيخنا الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع وذكر أن من مات غائباً عن بلده وصلي عليه لا يصلى عليه مرة ثانية.
الإمام بن القيم رحمه الله
قال الإمام بن القيم في "الهدى" ص 143: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الصواب أن الغائب إذا مات ببلد لم يصل عليه فيه: صلى عليه صلاة الغائب، كما صلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على النجاشي، لأنه مات بين الكفار، ولم يصل عليه، وأن من صلى عليه حيث مات لم يصل عليه صلاة الغائب، لأن الفرض قد سقط بصلاة المسلمين، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على الغائب، وتركه، وفعله. وتركه سنة، هذا له موضع، وهذا له موضع، اهـ،قال ابن تيمية في "المنهاج" ص 27 ج 3: وكذلك النجاشي، هو إن كان ملك النصارى، فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام، بل إنما معه نفر منهم، ولهذا لما مات لم يكن أحد يصلي عليه، فصلى عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة.
الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله
السؤال: ما حكم صلاة الغائب؟ وهل تجوز أن تصلي على من لم يدفن بعد؟
الإجابة: الصلاة على الغائب فيها تفصيل: بعض أهل العلم يرى أنه لا يصلى على الغائب إذا كان قد صلي عليه في بلده، وبعضهم يرى الصلاة عليه.
لكن إذا كان الغائب له شأن في الإسلام كالنجاشي رحمه الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي لما مات في بلاده وأخبر به الصحابة وصلى عليه صلاة الغائب، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى على غيره.
فإذا كان الغائب إمام عدل وخير صلى عليه صلاة الغائب ولي الأمر، فيأمر بالصلاة عليه صلاة الغائب، وهكذا علماء الحق ودعاة الهدى إذا صلي عليهم صلاة الغائب فهذا حسن، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي.
أما أفراد الناس فلا تُشرع الصلاة عليهم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ على كل غائب، إنما صلى على شخص واحد وهو النجاشي، لأن له قدماً في الإسلام، ولأنه آوى المهاجرين من الصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة، آواهم ونصرهم وحماهم وأحسن إليهم، وكانت له يدٌ عظيمة في الإسلام، ولهذا صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم لما مات وصلى عليه الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم.
فمن كان بهذه المثابة وله قدم في الإسلام يصلى عليه، مثلما صلى المسلمون في هذه البلاد على ضياء الحق رئيس باكستان رحمه الله، لما كان له من مواقف طيبة إسلامية، فقد أمر ولي الأمر أن يصلى عليه في الحرمين، وصلي عليه، لأنه أهل لذلك، لمواقفه الكريمة وعنايته بتحكيم الشريعة وأمره بها وحرصه على ذلك، نسأل الله لنا وله العفو والمغفرة.
والمقصود أن من كان بهذه المثابة في حكام المسلمين وعلماء المسلمين إذا ماتوا في بلاد الغربة أو في بلادهم أيضاً شرع للمسلمين الغائبين عنهم أن يصلوا عليهم صلاة الغائب لقصة النجاشي المذكورة، والله ولي التوفيق.
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - المجلد الثالث عشر.
"اللجنة الدائمة"
فأجابت : " تجوز صلاة الجنازة على الميت الغائب لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس ذلك خاصاً به ، فإن أصحابه رضي الله عنهم صلوا معه على النجاشي ، ولأن الأصل عدم الخصوصية ، لكن ينبغي أن يكون ذلك خاصاً بمن له شأن في الإسلام ، لا في حق كل أحد " انتهى .
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
فأجاب فضيلته بقوله : " إذا تأكدت أنه لم يصل عليهم فصل عليهم ، لأن الصلاة فرض كفاية . لكن ربما أهله صلوا عليه ، لأن الصلاة على الميت تكون بواحد ، على كل حال إذا تأكدت أن شخصا ما لم يصل عليه فعليك أن تصلي عليه لأنها فرض كفاية ولابد منها " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (17/ 149).
وسئل هل تشرع الصلاة على الغائب على كل ميّت ؟.
فأجاب الحمد لله ..القول الراجح من أقوال أهل العلم أن الصلاة على الغائب غير مشروعة إلا لمن لم يُصَلّ عليه . كما لو مات شخص في بلد كفار ولم يُصلَّ عليه أحد فإنه تجب الصلاة عليه وأما من صُلِّيَ عليه فالصحيح أن الصلاة عليه غير مشروعة أي على الغائب لأن ذلك لم يرد في السنة إلا في قصة النجاشي ، والنجاشي لم يُصَلَّ عليه في بلده .. فلذلك صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة .. وقد مات الكبراء والزعماء ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليهم .
وقال بعض أهل العلم : من كان فيه منفعة في الدين بماله أو علمه فإنه يُصَلَّىَ عليه صلاة الغائب .. ومن لم يكن كذلك فلا يصلى عليه .
وقال بعض أهل العلم : يصلى على الغائب مطلقاً وهذا أضعف الأقوال .
( 70 سؤالاً في أحكام الجنائز ( ص9 ) . لفضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين .
الشيخ فركوس حفظه الله
قال الشيخ فركوس حفظه الله فى فتوى في صلاة الغائب على التائبِ من الـمَظالِم..
... أمّا صلاة الغائب إن مات في بلد لم يُصلَّ عليه فيه، فإنّه تُصَلَّى عليه صلاة الغائب، كما صَلَّى النبيُّ صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم على النجاشي لأنّه مات بين الكفار ولم يصلَّ عليه، فلو صلي عليه حيث مات لم تجز صلاة الغائب عليه، لأنّ الفرض سقط بصلاة المسلمين عليه ولم يكن هديُ النبيِّ صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم وسنّته الصلاةَ على كلّ ميتٍ غائب، فقد مات خلق كثير من المسلمين وهم غِيَب فلم يصلِّ عليهم، وعليه فالنبي صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم صَلَّى على الغائب وتركه وكلاهما سُنّة، فمتى صُلِّي عليه في بلده فتركه سنّة، ومتى لم يصلّ عليه ففعله سنّة فلكلٍّ موضعه، وهو مذهب المحقِّقين، وبه قال الخطَّابي وابن تيمية وابن القيم رحمهم الله، وغيرهم.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.