فَضْلُ عَشْرِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ
لِلشَّيْخ عُبَيْد الجَابِرِي
فرّغها نجيب الجزائري
أولاً: فضل هذه العشر.
ثانياً: وهو متضمّن كذلك الحثّ على اغتنامها بكلّ عمل صالحوهذا العمل الصالح على عمومه فإنّه شامل لكلّ قربة يتقرّب بها العبد إلى الله عزّ وجلّ، شامل لفعل كلّ مأمور به من الطاعات من فرائض ونوافل، شامل للصيام صيام التطوّع، وشامل للصلاة صلاة النافلة كركعتي الضحى وركعتين أو أربع قبل الظهر وكذلك بعدها وأربع ركعات بعد العصر أو ركعتين وهو شامل لكل برّ وصلة، وهو شامل لكل ما يتقرّب به العبد غير ذلك كقراءة القرآن والتسبيح والتهليل وعيادة المريض والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ما من أيام العمل الصالح فيهنّ كلّ عمل صالح مأمور به بهذا الحديث وفي هذه العشر.
وأمر ثالث مما يتضمّنه هذا الحديث أن التقرّب إلى الله في هذه العشر بالأعمال الصالحة هو أفضل من الجهاد في سبيل الله عدى صنفا من المجاهدين خرجوا لإعلاء كلمة الله كغيرهم من إخوانهم المؤمنين وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ولم يرجعوا إلى أهليهم لا بمال ولا بنفس فإن هذا العمل يفوق العمل في هذه العشر.
الأسئلة:
س1: بالنّسبة للذين لا يحجّون هذه السنة هل لهم أن يقصّروا من شعرهم ويقلّموا أظفارهم خلال هذه الأيام العشر وجزاكم الله خيرا؟
ج1: أوّلاً: بدء الأيام العشر حينما يُعلن عن رؤية الهلال بالمملكة العربية السعودية لأن مكان الحجّ بها وهو البيت العتيق. فإذا دخلت العشر وجب على المسلم الّذي يريد أن يضحّيَ أن يمسك عن حلق رأسه وقصّ شاربه وتقليم أظفاره وغير ذلك من الشَّعر قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَأَرَادَ بَعْضُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا» [3] أخرجه مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها وقوله : وَأَرَادَ بَعْضُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ المراد به المخاطب بالأضحية والمكلف بها وهو قيّم البيت، ربّ البيت، ربّ العائلة هو المخاطب بهذا الحديث أما أتباعه من البنين والبنات فإنه لا مانع من أن يأخذوا من شعورهم وأظفارهم شيئا هذا النهي لا يتناولهم ولا يشملهم هذا النهي خاص بالقيّم على البيت، سواء كان رجلاً وهو الغالب أو امرأةً، قد يكون القيم امرأةً تعول أولادها وبناتها وقد تكون متزوجةً وزوجها فقير لا يملك الأضحية وهي تملك فالخطاب متّجه إليها، فتحصل من هذا أن المخاطب بهذا الحديث هو قيّم العائلة الّذي يقوم على نفقة أهل بيته والأضحية ضمن ذلك نعم.
س2: ماذا ينبغي أن يفعل في أيام العيد كثير من الناس في الغرب يرتّبون حفلات أو أعمال معيّنة قبيل العيد وحتّى بعد العيد فما هو الهدي النبوّي في الاحتفال بالعيد حتّى نكون على السنة في هذا العمل وجزاكم الله خيرا؟
ج2: أقول المسؤول عنه فيما أظنُّ وهو عيدُ الأضحى وهو اليومُ العاشرُ من ذي الحجّة وهدي النبّي صلّى الله عليه وسلّم في يوم العيد الّذي هو العاشر من ذي الحجّة ويسمى يوم النحر هديه فيه صلّى الله عليه وسلّم : أولاً: صلاةُ العيدِ ركعتان يجهر فيهما بالقراءة ويكبّر في الأولى ستّا غير تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمساً وبعد الصلاة الخطبة التي تتضمّن وعظ الناس وتذكيرهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ومن ذلك أمرهم بالصدقة على المحتاجين من الفقراء وغيرهم. وثالثاً: ذبحُ الأضحيةِ: وذبح الأضحية يبدأ وقته من بعد صلاة العيد ولمدّة أربعة أيامٍ وهي يومُ النحرِ وأيامُ التشريقِ الثلاثةِ التي هي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر. ومن هديه صلّى الله عليه وسلّم: التكبيرُ في يوم العيد وأيام التشريق بعد كل صلاةٍ وصفة التكبير : اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ لا إلهَ إلّا الله، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمدُ وإن شئت فقل: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ لا إلهَ إلّا الله، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمدُ. ولا مانع أن يتزاورَ الإخوة في الله في بيوتهم ولا مانع أن يأكل بعضهم مع بعض في الأضاحي لا مانع من هذا إن شاء الله تعالى. أما ما يفعل من حفلات غناء وموسيقى ورقص فليس من سنّة النبّي صلّى الله عليه وسلّم بل خلطُ عاداتٍ غربيةٍ بسنةٍ نبويةٍ هذا لا يجوز ولا يصوغ للمسلم لأنه يحرم على المسلم مشابهةُ الكفار.
س3: هل ثبت عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنه صام العشر كلّها وهل ثبت عنه أنّه كان يدعو من بداية العشر بدعاء اللّهم إنّك عفّو كريم تحبّ العفو فاعف عنا؟
ج3: أولاً: أقول قدمت لكم في مستهّل كلمتي الّتي افتتحت بها هذا اللقاء قوله صلّى الله عليه وسلّم ما من أيّام العمل الصالح فيهنّ أحبّ إلى الله من هذه الأيّام العشر يعني أيّام العشر من ذي الحجّة وعلّقت على هذا الحديث بما فتح الله به علّي وبيّنت لكم أنّه بعموم شامل لكل قربة الصيام وغيره وهذا من السنّة القولية فإذا صحّت السنّة عن النبّي صلّى الله عليه وسلّم سواء كانت قولية أو فعلية أو تقريرية صاغ الاحتجاج بها وجاز العمل بها ولا يجوز أن تربط السنّة القولية بالفعليّة هذا خطأ، فإن السائل ذكر في سؤاله هل ثبت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صام العشر والجواب : حضّ النبّي صلّى الله عليه وسلّم على العمل الصالح في العشر والصيام في التسع من اليوم الأوّل إلى اليوم التاسع هذا مسنون ومشروع لعموم الحديث الذي قدّمته لكم، وسواء صام النبّي صلّى الله عليه وسلّم أم لم يصم والقاعدة أن العام على عمومه حتّى يأتي مخصص له وثانياً: صحّ عن النبّي صلّى الله عليه وسلّم أنه صام ومن ذلك أنه كان يصوم عرفة هذا صحيح عنه صلّى الله عليه وسلّم وأما الدعاء فإنّي لا أعلم حتّى هذه الساعة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو به نعم.
س4: هل صحيح أن الذنب يضاعف في الأشهر الحرم؟
ج4: الذي علمته هو تعظيم هذه الأشهر الحرم وهي أربعة: ذو القعدة وذو الحجة والمحرّم ورجب قال الله تعالى { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم } [التوبة/36] فهذه الآية نصّ صريح في أن السنّة اثنا عشر شهراً وأنّ من هذه الاثني عشر شهراً أربعة حرم، الآية كذلك صريحة في نهي العباد عن ظلم أنفسهم في هذه الأربعة الحرم فظلم العبد نفسه أو غيره منهيٌّ عنه في كل وقتٍ ولكن يتأكد النهي عن الظلم في هذه الأربعة الأشهر الحرم ولا أعلم حتى هذه الساعة دليلاً يدلّ على أنّ الذنب يضاعف في الأشهر الحرم والله أعلم.
س5: أخي مسلم طالب في الكلية أو في المدرسة يسكن مع والديه الكافرين ووالده يعطيه شهرياً مكافأةً أو مساعدةً والآن عنده ما يكفي ليشتري الأضحية ولكن المبلغ الذي يستلمه قد لا يكون من مصدر حلال فهل يجوز له أن يستخدم هذا المبلغ للأضحية وكذلك هل له أن يستخدم المبلغ الذي يأتيه من والده الكافر ليحجّ به إذا كان مصدره حرام؟
ج5: أولاً: نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يمنّ على أبوي هذا المسلم بالهداية إلى الإسلام وأن يشرح صدورهما لدين الحق. وثانياً: نوصي أخانا المسلم هذا أن يجتهد في دعوة أبويه إلى الإسلام ويحبب إليهما الدخول فيه وذلك أن يظهر لهما محاسن الإسلام من العطف والحنان والبرّ وصدق الحديث ولين الجانب. ثالثاً: لا يقال حلال ولا حرام إلا بيقين فالأصل الحل حتّى يثبت عندنا خلاف ذلك، فإذا تقرر هذا فإنّ المال الذي يأتي هذا المسلم من أبويه الكافرين له حالتان: إحداهما : أن يعلم علم اليقين أنّه كلّه محرّم، كله من لحم الخنزير أو من الخمر وليس فيه شيء من الحلال، فإذا كذلك فإنّه لا يحجّ منه ولا يضحّي منه وإنّما يأخذ بقدر ما تدعو إليه الضرورة حتّى يستغني بل يُنصح بالسعي في الاستغناء عن هذا المال المحرم. الحالة الثانية: أن يكون مال والديه خليطٌ فيه حلالٌ وحرامٌ فإنّه لا مانع أن يأكل منه ويشرب منه وكذلك أن يحجّ منه ويضحّي منه ويعتمر منه وهكذا فإنه لا يحكم بالتحريم على المال كله ما دام فيه خليط وقد كان صلّى الله عليه وسلّم يتعامل مع اليهود بالمدينة وأموالهم خليطٌ من الربا وثمن الخمر والرشوة وغير ذلك ومات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونٌ عند رجل يهودي في طعام[4] هذا ما يسّر الله عز وجل من إجابة هذا السؤال وبالله التوفيق.
س6: ما هي صفة الأضحية وهل يجزئ المال عنها؟
ج6: أولاً: الأضحية يُنظر إليها من حيث السنّ الذي حدّده رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنّ كانت من الإبل فخمس سنوات وإن كانت من البقر فما أتمّ سنتين وإن كانت من الماعز فما أتمّ سنة ودخل في الثانية وإن كانت من الضأن فما أتمّ ستّة أشهر ودخل في السابع. وثانيا: السلامة من العيوب فلا تجزئ العوراء ذات العين الواحدة البيّن عورها ولا العرجاء الّتي كسرت يدها أو رجلها والعرجاء البيّن عرجها ولا المريضة البيّن مرضها ولا الهزيلة الّتي لا مخ فيها ولا الّتي ذهب نصف أذنها أو قرنها إذا ذهب نصف الأذن أو القرن فإنّها لا تجزئ. وأما المال فإنّه لا يجزئ عنها على الصحيح بل يذبح من بهيمة الأنعام كما تقدّم بيان أسنانها وبيان السلامة من عيوبها. وفّق الله الجميع لما فيه رضاه وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] الصواب أنه عند البخاري
[2]أخرجه البخاري (2/382 ـ 383 ـ فتح) وكذا أبو داود (243 والترمذي وصححه (1/145) والدا رمى (2/25) وابن ماجه (1727) والطحاوي في " مشكل الآثار " (4/114) والطيالسي في " مسنده " (رقم 2631) (1) وأحمد (1/346) والطبراني في " المعجم الكبير " والمخلص في " الفوائد المنتقاة " (11/239 ـ 240) والبيهقي (4/284)
[3] أخرجه مسلم (6/83) والنسائي (2/202) وابن ماجه (3149) والبيهقي (9/266) وأحمد (6/289)
[4]أخرجه البخاري (2/228 و3/192) والبيهقي وأحمد (6/237) .
تعليق