بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد
فاعلم رحمك الله أن من السنة في الدعاء رفع اليدين واستقبال الوجه ببطونهما وذلك من أسباب قبول الدعاء ولعل الحكمة في رفع اليدين إظهار الإفتقار والتذلل والخضوع لله عز وجل بالجوارح ليكون أدعى لانقياد القلب ويقينه وتوكله وحسن ظنه بإجابة ربه سبحانه وذلك معن العبادة إذ أن الدعاء هو العبادة كما جاء في سنن الترمذي من حديث النعمان بن بشير مرفوعا 0
فإن الله لايستجيب من قلب غافل لاه
بل من القلب المستيقن بموعود ربه القائل وقال ربكم أدعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جنهم داخرين
روى الترمذي في جامعه من طريق صَالِحٌ الْمُرِّيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
وهذا إسناد ضعيف من أجل صالح المري وهو ضعيف ولكن له شاهد عند الإمام أحمد هو به حسن من طريق ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ وَبَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَيُّهَا النَّاسُ فَاسْأَلُوهُ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ لِعَبْدٍ دَعَاهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَافِلٍ
ومما يدل على أن رفع اليدين من أسباب قبول الدعاء مارواه الترمذي عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
وقد رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في عدة مواضع كثيرة كما قال الحافظ بن حجر في الفتح كمقبرة البقيع وفي إستسقاء وهو يخطب الجمعة وكذلك وهو يستسقي عند أحجار الزيت بغير صلاة ولاخطبة وخروج مع جموع الناس بل منفردا
وقد ثبت رفع ابن مسعود يديه في قنوت الوتر
ولكن لم يحدث أنس خادمه أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلا في الإستسقاء وذلك بحسب ماشاهد أوعلى تلك الصفة التي رآه يرفع يديه بها وهي أن يرفع يديه حتى يتبين بياض إبطيه
روى البخاري في صحيحه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ
وأحيانا يتوجه ببطون كفيه إلى الأرض عند الإستسقاء كما روى أبوداود في سننه بسند صحيح
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَسْقِي هَكَذَا يَعْنِي وَمَدَّ يَدَيْهِ وَجَعَلَ بُطُونَهُمَا مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبِطَيْهِ
وإن كان الرفع لليدين لايغني في إجابة الدعاء ممن مطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام
كما روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَقَالَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ
فكل ذلك يدل على أصل مشروعية رفع اليدين في الدعاء وأنه من أسباب القبول ولكن كل موضع ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا فيه ولم يرفع يديه كقوله قبيل النوم اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك أو لم يجعله سببا لرفع اليدين سبب كقبيل تكبيرة الإحرام والسلام من الصلاة والفراغ منها
والطواف حول الكعبة واستقبال الكعبة عند معاينتها بعد دخول المسجد الحرام وبعد صلاة الفجر والعصر وفي خطبة الجمعة في غير استسقاء والدعاء في المجلس جماعيا بغير قنوت وتر أو نازلة
فرفع اليدين في مثل تلك المواطن بدع وكل بدعة ضلالة وليس في البدع شيء حسن فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
وإنما انتشر الرفع لليدين بين الناس في تلك المواطن المحدثة لجهلهم بالسنة وتقليدهم بعضهم بعضا وانصرافهم عن طلب العلم وقلة من ينشر السنن بين الناس وينكر البدع
ومما يدل على التغليظ على من رفع يديه في موطن لم يتخذه النبي صلى الله عليه وسلم سببا لرفع اليدين
مارواه مسلم في صحيحه عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ قَالَ رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ فَقَالَ قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ
ولقد رأيت القاريء المشهور عبدالله بصفر يوما يطوف حول الكعبة رافعا يديه فقلت له وقد اقتربت منه في الطواف هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه في مثل هذا الموطن وذلك يعني عندي ولاشك أنه إذا لم يثبت فسينسحب عليه إنكار ذلك الصحابي الجليل عمارة بن رؤسيبة على بشر بن مروان ولايصح الإستدلال بعموم إن الله يستحي إذا رفع العبد إليه يديه أن يردهما صفرا
لأن الصحابي لم يستدل بهذا العموم في ذلك الموضع الخاص وهو خطبة الجمعة مادام أن النبي صلى الله عليه وسلم السباق لكل خير وخير الهدي هديه لم يفعل إلا في الإستسقاء
ومع ذلك استدل بعموم ذلك الحديث عبدالله بصفر وذلك خطأ لأننا نقول له حينئذ هل ترفع يديك قبيل السلام من الصلاة مع كونه موضع خاص يستجاب فيه الدعاء حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه ثم ليتخير من المسألة ماشاء أي بعد التشهد والصلاة الإبراهيمية
فإذا قال لاترفع فلنسأل أيضا وهل ترفع بين السجدتين عند قول رب اغفر لي رب اغفرلي فإذا قال لاترفع قلنا وكذلك عند الفطر في الصوم وقول المفطر ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله
فإذا قال لاترفع اليدين في تلك المواضع كلها قلنا لماذا فإذا قال لأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه فيه وهذا هو الحق الذي ينبغي أن ينسحب القول به في كل صورة ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا فيه أو أنه لم يجعل موضعا خاصا كخطبة الجمعة أو انقضاء الصلاة أو قبيل تكبيرة الإحرام سببا لذلك فيكون فعل ذلك بتلك الأسباب والمواضع من محدثات الدين وشر الأمور محدثاتها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينبه على ذلك في كل خطبة تحذيرا للأمة من خطر البدعة ويكرر عليهم ذلك وما ذلك إلا لأن البدعة كما قال الفضيل ابن عياض أحب إلى إبليس من المعصية لأن العاصي يتوب والمبتدع لايتوب 0فإنه يعتقد أنه يتقرب ببدعته وضلالته إلى علام الغيوب
ولذلك جاء عند الطبراني مرفوعا إن الله احتجر التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته
كما في صحيح مسلم من حديث عائشة من طرق ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ أُمِّي قَالَ فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ أُمَّهُ الَّتِي وَلَدَتْهُ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا بَلَى قَالَ قَالَتْ لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا عِنْدِي انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَاضْطَجَعَ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا ظَنَّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي وَاخْتَمَرْتُ وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ
الشاهد(((((
ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ )))
ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ فَلَيْسَ إِلَّا أَنْ اضْطَجَعْتُ فَدَخَلَ فَقَالَ مَا لَكِ يَا عَائِشُ حَشْيَا رَابِيَةً قَالَتْ قُلْتُ لَا شَيْءَ قَالَ لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَأَخْبَرْتُهُ قَالَ فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي قُلْتُ نَعَمْ فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي ثُمَّ قَالَ أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ قَالَتْ مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ نَعَمْ قَالَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ فَنَادَانِي فَأَخْفَاهُ مِنْكِ فَأَجَبْتُهُ فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي فَقَالَ إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ قَالَتْ قُلْتُ كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ
وأما المقابر فثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في الزيارة التي هي بغرض الدعاء لهم
وأما بعد الدفن فأمرهم أن يسألوا له التثبيت لأنه يسأل ولم يأمرهم أن يرفعوا أيديهم أو يجتمعوا عليه ويدعوا وهم يؤمنون رافعي أيديهم كما شاهدت بعض أهل البدع يحرضون الناس على أن يصنعوا ذلك في مقبرة البقيع في المدينة وهو لايخشلى من لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعو لتلك المدثة بعد كل دفن يشهده حتى أصبح معروفا عند من يزور مقبرة البقيع شاهدا الدفن تابعا للجنازة
فقد روى البخاري في صحيحه
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ وَقَالَ ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ وَمَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وهو البخاري عَدْلٌ فِدَاءٌ
فيتبين مما تقدم من البحث في رفع اليدين والضابط في ذلك وادلة ذلك صحة ماذهب إليه شيخ الإسلام أو غيره من جعل انقضاء الصلاة والفراغ منها سببا لرفع اليدين والدعاء بعد السلام كما يفعله اليوم من لاعلم له بدعة لاأصل لها
وقد شاع بين كثير من العوام المسح على الوجه بعد الفراغ من الدعاء باليدين وتنطع بعض الأعاجم جدا في هذه البدعة حتى صاروا بعد الدعاء يمسحوا أعينهم ويقبلوا أصابعهم أو أيديهم زكل ذلك من البدع قال بن عبدالسلام لايمسح وجهه بعد الدعاء إلا جاهبل وقال بن تيمية ذلك بدعة وهو الحق لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعى في عدة مواضع ورفع يديه ولم يثبت أنه مسح على وجهه بهما بعد الفراغ من الدعاء فمن فعل ذلك بعد انقضاء صلاته فرع يديه واعتاده ومسح فقد جمع بين بدعتين محدثتين وشر الأمور محدثاتها والحمدلله الذي هدانا للسنة وماكنا لنهتدي لولا أن هدانا الله قال الإمام أحمد وإن الرجل ليدخل الجنة بتمسكه بالسنة وقال الإمام مالك السنة سفينة نوح من ركبها نجا ومن تركها غرق 0
__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد
فاعلم رحمك الله أن من السنة في الدعاء رفع اليدين واستقبال الوجه ببطونهما وذلك من أسباب قبول الدعاء ولعل الحكمة في رفع اليدين إظهار الإفتقار والتذلل والخضوع لله عز وجل بالجوارح ليكون أدعى لانقياد القلب ويقينه وتوكله وحسن ظنه بإجابة ربه سبحانه وذلك معن العبادة إذ أن الدعاء هو العبادة كما جاء في سنن الترمذي من حديث النعمان بن بشير مرفوعا 0
فإن الله لايستجيب من قلب غافل لاه
بل من القلب المستيقن بموعود ربه القائل وقال ربكم أدعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جنهم داخرين
روى الترمذي في جامعه من طريق صَالِحٌ الْمُرِّيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
وهذا إسناد ضعيف من أجل صالح المري وهو ضعيف ولكن له شاهد عند الإمام أحمد هو به حسن من طريق ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ وَبَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَيُّهَا النَّاسُ فَاسْأَلُوهُ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ لِعَبْدٍ دَعَاهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَافِلٍ
ومما يدل على أن رفع اليدين من أسباب قبول الدعاء مارواه الترمذي عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
وقد رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في عدة مواضع كثيرة كما قال الحافظ بن حجر في الفتح كمقبرة البقيع وفي إستسقاء وهو يخطب الجمعة وكذلك وهو يستسقي عند أحجار الزيت بغير صلاة ولاخطبة وخروج مع جموع الناس بل منفردا
وقد ثبت رفع ابن مسعود يديه في قنوت الوتر
ولكن لم يحدث أنس خادمه أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلا في الإستسقاء وذلك بحسب ماشاهد أوعلى تلك الصفة التي رآه يرفع يديه بها وهي أن يرفع يديه حتى يتبين بياض إبطيه
روى البخاري في صحيحه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ
وأحيانا يتوجه ببطون كفيه إلى الأرض عند الإستسقاء كما روى أبوداود في سننه بسند صحيح
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَسْقِي هَكَذَا يَعْنِي وَمَدَّ يَدَيْهِ وَجَعَلَ بُطُونَهُمَا مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبِطَيْهِ
وإن كان الرفع لليدين لايغني في إجابة الدعاء ممن مطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام
كما روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَقَالَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ
فكل ذلك يدل على أصل مشروعية رفع اليدين في الدعاء وأنه من أسباب القبول ولكن كل موضع ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا فيه ولم يرفع يديه كقوله قبيل النوم اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك أو لم يجعله سببا لرفع اليدين سبب كقبيل تكبيرة الإحرام والسلام من الصلاة والفراغ منها
والطواف حول الكعبة واستقبال الكعبة عند معاينتها بعد دخول المسجد الحرام وبعد صلاة الفجر والعصر وفي خطبة الجمعة في غير استسقاء والدعاء في المجلس جماعيا بغير قنوت وتر أو نازلة
فرفع اليدين في مثل تلك المواطن بدع وكل بدعة ضلالة وليس في البدع شيء حسن فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
وإنما انتشر الرفع لليدين بين الناس في تلك المواطن المحدثة لجهلهم بالسنة وتقليدهم بعضهم بعضا وانصرافهم عن طلب العلم وقلة من ينشر السنن بين الناس وينكر البدع
ومما يدل على التغليظ على من رفع يديه في موطن لم يتخذه النبي صلى الله عليه وسلم سببا لرفع اليدين
مارواه مسلم في صحيحه عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ قَالَ رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ فَقَالَ قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ
ولقد رأيت القاريء المشهور عبدالله بصفر يوما يطوف حول الكعبة رافعا يديه فقلت له وقد اقتربت منه في الطواف هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه في مثل هذا الموطن وذلك يعني عندي ولاشك أنه إذا لم يثبت فسينسحب عليه إنكار ذلك الصحابي الجليل عمارة بن رؤسيبة على بشر بن مروان ولايصح الإستدلال بعموم إن الله يستحي إذا رفع العبد إليه يديه أن يردهما صفرا
لأن الصحابي لم يستدل بهذا العموم في ذلك الموضع الخاص وهو خطبة الجمعة مادام أن النبي صلى الله عليه وسلم السباق لكل خير وخير الهدي هديه لم يفعل إلا في الإستسقاء
ومع ذلك استدل بعموم ذلك الحديث عبدالله بصفر وذلك خطأ لأننا نقول له حينئذ هل ترفع يديك قبيل السلام من الصلاة مع كونه موضع خاص يستجاب فيه الدعاء حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه ثم ليتخير من المسألة ماشاء أي بعد التشهد والصلاة الإبراهيمية
فإذا قال لاترفع فلنسأل أيضا وهل ترفع بين السجدتين عند قول رب اغفر لي رب اغفرلي فإذا قال لاترفع قلنا وكذلك عند الفطر في الصوم وقول المفطر ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله
فإذا قال لاترفع اليدين في تلك المواضع كلها قلنا لماذا فإذا قال لأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه فيه وهذا هو الحق الذي ينبغي أن ينسحب القول به في كل صورة ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا فيه أو أنه لم يجعل موضعا خاصا كخطبة الجمعة أو انقضاء الصلاة أو قبيل تكبيرة الإحرام سببا لذلك فيكون فعل ذلك بتلك الأسباب والمواضع من محدثات الدين وشر الأمور محدثاتها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينبه على ذلك في كل خطبة تحذيرا للأمة من خطر البدعة ويكرر عليهم ذلك وما ذلك إلا لأن البدعة كما قال الفضيل ابن عياض أحب إلى إبليس من المعصية لأن العاصي يتوب والمبتدع لايتوب 0فإنه يعتقد أنه يتقرب ببدعته وضلالته إلى علام الغيوب
ولذلك جاء عند الطبراني مرفوعا إن الله احتجر التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته
كما في صحيح مسلم من حديث عائشة من طرق ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ أُمِّي قَالَ فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ أُمَّهُ الَّتِي وَلَدَتْهُ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا بَلَى قَالَ قَالَتْ لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا عِنْدِي انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَاضْطَجَعَ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا ظَنَّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي وَاخْتَمَرْتُ وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ
الشاهد(((((
ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ )))
ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ فَلَيْسَ إِلَّا أَنْ اضْطَجَعْتُ فَدَخَلَ فَقَالَ مَا لَكِ يَا عَائِشُ حَشْيَا رَابِيَةً قَالَتْ قُلْتُ لَا شَيْءَ قَالَ لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَأَخْبَرْتُهُ قَالَ فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي قُلْتُ نَعَمْ فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي ثُمَّ قَالَ أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ قَالَتْ مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ نَعَمْ قَالَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ فَنَادَانِي فَأَخْفَاهُ مِنْكِ فَأَجَبْتُهُ فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي فَقَالَ إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ قَالَتْ قُلْتُ كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ
وأما المقابر فثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في الزيارة التي هي بغرض الدعاء لهم
وأما بعد الدفن فأمرهم أن يسألوا له التثبيت لأنه يسأل ولم يأمرهم أن يرفعوا أيديهم أو يجتمعوا عليه ويدعوا وهم يؤمنون رافعي أيديهم كما شاهدت بعض أهل البدع يحرضون الناس على أن يصنعوا ذلك في مقبرة البقيع في المدينة وهو لايخشلى من لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعو لتلك المدثة بعد كل دفن يشهده حتى أصبح معروفا عند من يزور مقبرة البقيع شاهدا الدفن تابعا للجنازة
فقد روى البخاري في صحيحه
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ وَقَالَ ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ وَمَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وهو البخاري عَدْلٌ فِدَاءٌ
فيتبين مما تقدم من البحث في رفع اليدين والضابط في ذلك وادلة ذلك صحة ماذهب إليه شيخ الإسلام أو غيره من جعل انقضاء الصلاة والفراغ منها سببا لرفع اليدين والدعاء بعد السلام كما يفعله اليوم من لاعلم له بدعة لاأصل لها
وقد شاع بين كثير من العوام المسح على الوجه بعد الفراغ من الدعاء باليدين وتنطع بعض الأعاجم جدا في هذه البدعة حتى صاروا بعد الدعاء يمسحوا أعينهم ويقبلوا أصابعهم أو أيديهم زكل ذلك من البدع قال بن عبدالسلام لايمسح وجهه بعد الدعاء إلا جاهبل وقال بن تيمية ذلك بدعة وهو الحق لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعى في عدة مواضع ورفع يديه ولم يثبت أنه مسح على وجهه بهما بعد الفراغ من الدعاء فمن فعل ذلك بعد انقضاء صلاته فرع يديه واعتاده ومسح فقد جمع بين بدعتين محدثتين وشر الأمور محدثاتها والحمدلله الذي هدانا للسنة وماكنا لنهتدي لولا أن هدانا الله قال الإمام أحمد وإن الرجل ليدخل الجنة بتمسكه بالسنة وقال الإمام مالك السنة سفينة نوح من ركبها نجا ومن تركها غرق 0
__________________
ماهر بن ظافر القحطاني
المشرف العام على مجلة معرفة السنن و الآثار
maher.alqahtany@gmail.com
المشرف العام على مجلة معرفة السنن و الآثار
maher.alqahtany@gmail.com