يُسن للصائم إذا سبه أحد، أو شتمه أحد، أو قاتله أحد أن يُصرح بهذا فيقول: إني صائم.
لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه المتفق عليه ((إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ ، فَلَا يَرْفُثْ ، وَلَا يَصْخَبْ)) ثم قال عليه الصلاة والسلام (( فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ ))
والرفث: هو الجماع، والصخب: هو رفع الصوت واللجاج في المخاصمة؛ والرفث: هو الجماع﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ﴾ [البقرة:197] كما قال الله جل وعلا ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾[البقرة:197] فالجدال هو الخصومة، والفسوق: جميع أنواع الفسوق القولية والعملية، فثبت بهذا أن الرفث هو الجماع، فالشاهد النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" فلا يرفث"يعني: لا يجامع ،" ولا يصخب": يعني لا يخاصم، ولا يرفع صوته ،ولا يلج في الخصومة، (( فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ)) أو((إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ))وفي جهره بهذا القول قوله ((إِنِّي صَائِمٌ)) إعلامٌ لخصمه بأنه غير عاجز عن الانتقام وأخذ حقه إذا ظُلم، أو اعتدي عليه، وقهرٌ للنفس أيضا التي تتوق إلى المجاراة في مثل هذا الباب وزجر لها، فحينما يقول إني صائم يقهر نفسه ويزجرها بأن المانع هو الامتثال لأمر الله تبارك وتعالى فلا يصخب، ولا يُشاتِّم ولا يُقاتل، فيبين أن المانع له...
قم فصلِ ركعتين، ولو كان بعد العصر فإن هذا مستثنى من عموم النهي.
وفي ثلاثة من الأوقات*** يُنهى عن النفل من الصلاة.
إلى أن قال -رحمه الله-:
وهذه بالنص أما الشافعي*** فكل ذات سبب لم يمنعِ
فذوات الأسباب لا يمنع منها فيصلى بعد العصر إذا قامت الأسباب، ونعتذر من إخواننا أدخلنا عليهم هذا بالقوة، فإذا طاف بعد العصر جاء بسنة الطواف، لأن سببها هو الطواف، وإذا دخل المسجد كما فعل أخونا جزاه الله خيرا فإنه يُصلي لعموم قوله صلى الله عليه وسلم(( فَلا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ))
وصليا تحية للمسجد *** قبل الجلوس فادْرِ واعمل تهتدي
يقول الناظم:
فقوله (( فَلا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ))دال على أن هذا من الواجبات، وإن كان في وقت نهي إلا إنه يستثنى منه، فإذا النهي: إنما هو كما قال الناظم :-
وفي ثلاثة من الأوقات *** يُنهى عن النفل من الصلاة
... فالشاهد نعود بعد ذلك إلى حديثنا فنقول النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر الصائم بألا يرفث ولا يصخب ولا يشتم ولا يُقاتل، ويصرح بهذا لما فيه من إعلام الخصم ، وإعلام المعتدي عليه بأنه غير عاجز، ولما فيه من قهر نفسه وزجرها، وقهر عدوه أيضا وهو الشيطان هذا من ناحية ثالثة، الذي يريد أن يستجره للوقوع فيما يُنْقِص أجر صومه.
فإذا فيه إعلام للعدو بأنه غير ضعيف، فترتاح النفس، وفيه قهر للنفس وزجر لها عما تهواه وفيه أيضا قهر للشيطان، هذه ثلاث فوائد في عدم المجاراة للخصم وقولك إني صائم.
ويُزاد عليها رابعة وهي قطع الشجار؛ فإنك إذا قلت له ذلك يستحي إن كان عنده حياء ما يستمر في الكلام، فينقطع بذلك النزاع وتحسم مادته، ومادته هي الكلام.
وإن الحرب مبدأها الكلام.
فينقطع الكلام، وإذا انقطع الكلام، حصل السلام ولله الحمد، فينبغي له أن يقول ذلك جهرا.
ففائدة الجهر هذه الأمور:
1. إعلام الخصم أنك غير ضعيف.
2. وقهر النفس.
3. وقطع الطريق على الشيطان لا يستجرك.
4. وقطع الخصومة والاستمرار فيها.
وهذا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى التصريح بذلك في رمضان وفي غيره يعني إذا كان صائما في غير رمضان، رمضان ما يُستغرب إذا قال الإنسان فيه: إني صائم؛ نعم.
لأن الغالب على الناس الصيام إلا ذوي الأعذار الأصل هو الصيام لكن في غير رمضان شيخ الإسلام أيضا رحمه الله تقي الدين أبو العباس ابن تيمية اختار رحمة الله عليه أن تقول هذا القول أيضا في غير رمضان، لو كنت صائما في غير رمضان إعلاما لخصمك وللأمور التي سبق ذكرها، فيعلم أنك صائم، وأن الصوم جُنة، وأنت تحافظ على هذه الجنة حتى لا تخرق وحتى لا تفسد.
فينبغي للإنسان أن يقول ذلك جهرا، وليس في ذلك شيئ من الرياء، اللهم إلا في حال واحدة وهي في حال ما إذا كان في غير رمضان، إذا كان صائما في الفطر في أيام الفطر فبعضهم استحب له أن يقول ذلك في نفسه، حتى يبتعد عن الرياء ولكن الذي تدل عليه الأدلة خلاف هذا ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ)) وهذا القول منه صلى الله عليه وسلم عام، يشمل يوم صوم أحدنا في رمضان وفي غيره.
جزء من الدرس الرابع من دليل الطالب للشيخ محمد بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى