السؤال:
نرجوا من فضيلتكم توجيهاً حول قدوم شهر رمضان؟ وما يجب على المسلم تجاه ذلك؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
عما قريب يهل شهر رمضان المبارك بخيراته وفضائله على الأمة الإسلامية، هذا الشهر الذي جعله الله مباركاً أنزل فيه القرآن، وجعل فيه ليلة القدر، وفرض صيامه على المسلمين، وشرع صيامه للمسلمين، فنهاره صيام وليله قيام، وما بين ذلك ذكر لله عز وجل تقرب إليه بأنواع الطاعات، فكل أوقته كلها مباركة، وكلها خير، وكلها غنيمة للمسلم.
فالواجب على المسلم أن يفرح بقدوم هذا الشهر لأن فيه أنقاضه من المهالك، فإن هذا الشهر يحمل له خيرات كثيرة ومنجيات، إذا هو عرف قدره واستفاد منه، فأما الغافل والجاهل في حق هذا الشهر فإنه لا يثق بينه وبين غيره؛ بل ربما يعتبر شهر رمضان شهرا للكسل، شهرا للأكل والشرب، شهرا للنوم بالنهار، وشهر سهر بالليل، فلا يستفيد منه؛ بل إنه يأثم، لأن السيئة فيها تضاعف السيئة في غيره تغلظ، كما أن الحسنة فيه تعظم، والحسنة فيه يعظم ثوبها عند الله أكثر من غيرها، كذلك السيئات فإن أثمها تغلظ وذلك لشرف زمان هذا الشهر.
فإنسان يمر عليه هذا الشهر ويخرج دون أن يستفيد هذا في الحقيقة ليس بإنسان هذا حيوان أو أقل من الحيوان، الحيوان لا يؤاخذ وهذا يؤاخذ.
فالحقيقة أن هذا شهر عظيم ينبغي استقباله بالتوبة والاستعداد للأعمال الصالحة، وأن المسلم يفرح به فرحا شديدا: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)، المسلم يفرح بمواسم الخير، كما أن أصحاب التجارة، وأصحاب الأموال يفرحون بمواسم البيع والشراء، وذلك عرضٌ عاجل وقد يكون ضرا عليهم، صاحب الشهوات يفرح بشهواته قد تكون ضرراً عليه ومهلكةً له، أما هذا الشهر فإن الفرح به فرح لفضل الله، وفرح برحمة الله ولا يفرح به إلى أهل الإيمان، أما أهل النفاق وضعاف الإيمان فإن هذا شهر يكون ثقيلاً عليهم لأنه يحبس سيئاتهم وشهواتهم، ولا يتمكنون فيه كما كانوا يتمكنون في غيره، فهو يكون ثقيلاً عليهم، ولهذا يقول أحد الشعراء المجان:
فَلَيْتَ اللَّيْلَ فِيهِ كان شَهْراً *** وَمَرَّ نَهَارُهُ مَرَّ السَّحَابِ
هذا ماجن يريد أن يستعمل الليل في شهواته وغفلاته، وأما النهار فيريد أنه يمر مر السحاب لأن ليس فيه شهوات لا، ليس فيه رغبه، هذا شعور هؤلاء المنافقين أو ضعاف الإيمان، أما مؤمن بالله يشعر بذنوبه ويخاف من سيئاته، فإنه يفرح بهذا الشهر ليتوب إلى الله ويستغفره ويتزود من الطاعات، فيستغل هذا الشهر زيادة في عمره، فإن العمر قصير والآخرة دار بقاء ودار أبد، وعمر الإنسان قليل فإذا مر به هذا الشهر، وفيه ليلة خير من ألف شهر، استفاد من هذه الليلة، فهذا خير عظيم، وإضافة إلى عمره القصير يكون عمره طويلاً بالعمل الصالح، فمن رحمة الله بهذه الأمة أنه شرع لها هذا الشهر لما كانت أعمارها قصيرة شرع لها هذا الشهر تمديدًا في أعمارها وزيادةً في أعمالها.نسأل الله أن يجعلنا وإياكم مما يبلغه الله هذا الشهر ويوفقه في العمل الصالح، والاستفادة من هذا الشهر، وأن لا يجعلنا وإياكم من الغافلين الخاسرين.