إعلام الجماعة بأحكام النخاعة
كتبه
الراجي عفو ربه
أبو عبد الله غريب بن عبد الله الأثري الجزائري القسنطيني
غفر الله له
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَث مِنْهُمَا رِجَالاً َّ(كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا.)
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً.)
ألا وإنَّ أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد e وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَث مِنْهُمَا رِجَالاً َّ(كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا.)
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً.)
أما بعد :
فقد دار نقاش بيني وبين أحد الإخوة أصلحهم الله تعالى حول حكم بلع الصائم للنخامة هل يفطر بذلك أو لا يفطر، وبعد أخذ وردّ وعرض للأدلة والأحاديث المتعلقة بالمسألة خلصت أنا أنّ الصائم لا يفطر بابتلاع النخامة اعتمادا على الأدلة التي سأنقلها فيما بعد إن شاء الله تعالى واتباعا لكبار علماء الإسلام كابن تيمية وابن عثيمين وغيرهم رحمهم الله تعالى.
وخلص هذا الأخ وفقه الله لكل خير إلى أنّ ابتلاع النخامة للصائم يفسد الصوم ويبطله لا لأدلّة اقتنع بها ولا لقواعد اعتمد عليها ولكن تقليدا منه غفر الله لنا وله لبعض المشايخ العلماء. وقد أنكرت عليه ذلك أشدّ الإنكار لا لأجل تبنيه قولا أعتقد وأرى خلافه ولكن لأجل التقليد الأعمى للمشايخ الذين أجزم أنّهم لا يقرونه على صنيعه هذا خاصة وهو يدّعي طلب العلم والتمسك بالمنهج السلفي المبارك، وقد غفل هذا الأخ غفر الله له أنّ من أصول الدعوة السلفية نبذ التكودن والتمذهب والعصبية للرجال، وهذا لايعني طبعا ازدراء أعمال الأئمّة السابقين والتقليل من شأن أقوالهم وعدم النظر فيها بل أنا أعتقد أنّ من قال قولا ليس له فيه إمام خشي عليه الغلط. فالواجب على طالب العلم أن يعف نفسه عن تهمة التقليد الأعمى المبني على تقديس الرجال بل يجب عليه أن يوسع دائرة التلقي فلا يتلقى من شيخ واحد ولا يعتمد إلا على أقوال ذلك الشيخ، وإلا فإنّ هذا التقديس للشيوخ قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، فأقول لهذا الأخ _وأمثاله كثير للأسف_ كان المفروض والمتعين علينا نحن الذين ندّعي السلفية أن نتعاون معا لنشر هذا المنهج المبارك كل بما آتاه الله وما كان يجدر بنا ونحن ننهل من منبع واحد أن نتجادل ونتشاجر ونتباغض ونحسد بعضنا بعضا، فكيف ندعوا الناس إلى منهج لم نحسن تطبيقه وإلى أخلاق لم نتحلى بها؟ إنّ الواجب على الإخوة السلفيين أن يكونوا جميعا غير متفرقين، يدا واحدة في نشر الدعوة الحق، يد واحدة في الوقوف أمام الدعوات الباطلة من إخوانية وسرورية وقطبية وتبليغية وغيرها من دعوات الشر.
أسأل الله أن يصلح هذا الأخ ويصلحنا معه وأسلأه تعالى أن يوّحد صفوف السلفيين في أي مكان كانوا والحمد لله رب العالمين.
والآن إلى صلب الموضوع:
1) النخاعة لغة:
قال صاحب مختار الصحاح في مادة ن خ ع: النُّخَاعَةُ بالضم النُّخَامة و تَنَخَّعَ فلان أي رمى بنُخاعته. (1/271).
وفي اللسان لابن منظور: و النُّـخاعةُ، بالضم: ما تَفَلَه الإِنسان كالنُّـخامةِ. و تَنَـخَّع الرجلُ: رمَى بنُـخاعتِه. وفـي الـحديث: النُّـخاعةُ فـي الـمسجد خَطِيئةٌ، قال: هي البَزْقةُ التـي تـخرج من أَصل الفم مـما يلـي أَصل النّـخاعِ. قال ابن بري: ولـم يجعل أَحد النُّـخاعة بمنزلة النـخامة إِلاَّ بعض البصريـين، وقد جاء فـي الـحديث. (8/349).
قال الحافظ في الفتح (1/510): ولا فرق في المعنى بين النخامة والمخاط فلذلك استدل بأحدهما على الاخر. اه
ـ
النخامة والبصاق لهما نفس الحكم: قال الحافظ في الفتح (1/511): تنبيه أخذ المصنف كون حكم النخامة والبصاق واحدا من أنه صلى الله عليه وسلم رأى النخامة فقال لا يبزقن فدل على تساويهما والله أعلم. اهـ
2) حكم النخاعة:
الذي يظهر من الأدلة الكثيرة والمختلفة أنّ النخامة والبصاق وكذا الريق والبلغم والمخاط كل ذلك طاهر ليس بنجس:قال في عون المعبود (2/3: وأخرج البخاري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة فحكها بيده وقال ((إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنما يناجي ربه فلا يبزقن في قبلته ولكن عن يساره أو تحت قدمه ثم أخذ طرف ردائه فبزق فيه ورد بعضه على بعض قال أو يفعل هكذا))
وفيه دليل على أن للمصلي أن يبصق وهو في الصلاة ولا تفسد صلاته
وفيه أن البصاق طاهر وكذا النخامة والمخاط خلافا لمن يقول كل ما تستقذره النفس حرام والله تعالى أعلم. اهـ وانظر (2/98-99) منه.
وسئل سماحة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله ونفعنا به:
ما حكم اللّعاب الذي يخرج من الشخص أثناء النوم؟ هل هذا السائل يخرج من الفم أم من المعدة؟ وإذا حكمنا بأنه نجس فكيف يمكن الحذر منه؟
فأجاب حفظه الله:
اللعاب الذي يخرج من النائم أثناء نومه طاهر وليس بنجس، والأصل فيما يخرج من بني آدم الطهارة إلا ما دل الدليل على نجاسته لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن لا ينجس) [رواه الإمام البخاري في "صحيحه" (1/74، 75) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (وللحديث قصة).] فاللعاب والعرق ودمع العين وما يخرج من الأنف كل هذه طاهرة، لأن هذا هو الأصل، والبول والغائط وكل ما يخرج من السبيلين نجس. وهذا اللعاب الذي يخرج من الإنسان حال نومه داخل في الأشياء الطاهرة كالبلغم والنخامة وما أشبه ذلك، وعلى هذا فلا يجب على الإنسان غسله ولا غسل ما أصابه من الثياب والفرش. المنتقى من فتاوى سماحته (فتوى 8 من الجزء 5)
وانظر للفائدة النيل للشوكاني (8/190).
3) هل بلع النخاعة ينقض الصوم:
اعلم رحمك الله أنّ الأئمة اختلفوا في حكم من بلع نخامته وهو صائم هل يبطل صومه أم لا؟وسأنقل لك كلام الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى في ذلك ثمّ أبين إن شاء الله القول الأرجح والأولى بالصواب فأقول: جاء في المغني لابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى (3/17): فصل وإن ابتلع النخامة ففيها روايتان:
إحداهما يفطر، قال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول إذا تنخم ثم ازدرده فقد أفطر لأن النخامة من الرأس تنزل والريق من الفم ولو تنخع من جوفه ثم ازدرده أفطر وهذا مذهب الشافعي لأنه أمكن التحرز منها أشبه الدم ولأنها الفم أشبه القيء.
والرواية الثانية: لا يفطر قال في رواية المروذي ليس عليك قضاء إذا ابتلعت النخامة وأنت صائم لأنه معتاد في واصل من خارج أشبه الريق.اهـ
فمن كلام الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى يتبين أنّ مسألة إفطار الصائم ببلع النخامة من عدمه مسألة اجتهادية بحتة لا نص فيها، فإذا كان الأمر كذلك وجب استصحاب الحكم الأصلي والقول بالبراءة الأصلية أي عدم الإفطار. لأنّ الأصل عدم الإفطار فلا يجوز القول بالإفطار إلا بدليل، ولا دليل على ذلك إذ ليس في ذلك نص ولا إجماع ولا قياس صحيح!!
خاصة وأنّ ابتلاع النخامة أمر شائع تعمّ به البلوى فلو كان ابتلاع النخامة مما يفسد الصوم ويبطله فإنّه لا يعقل أن يترك الله عزّ وجلّ ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلّم بيان ذلك، ولنقل إلينا ذلك كما نقل إلينا غيره من الشرائع صغيرها وكبيرها،وأيضا فإنّ الشارع لا يفصل بين الحلاال والحرام إلا بفصل مبين لا اشتباه فيه كما قال تعالى: ((وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون)) (التوبة 115) ولو كان بلع النخامة مبطلا للصوم لكان محرما، ولو كان محرما فلا بد أن يبينه الله لنا، فالمحرمات ممّا نتقي. وقد قال الله تعالى ((وقد فصل لكم ما حرّم عليكم)) (الأنعام 119) ولهذا لمّا سئل الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى عن حكم بلع الصائم البلغم أو النخامة؟أجاب فضيلته بقوله: البلغم أو النخامة إذا لم تصل إلى الفم فإنها لا تفطر، قولاً واحداً في المذهب، فإن وصلت إلى الفم ثم ابتلعها ففيه قولان لأهل العلم:منهم من قال: إنها تفطر، إلحاقاً لها بالأكل والشرب.
ومنهم من قال: لا تفطر، إلحاقاً لها بالريق، فإن الريق لا يبطل به الصوم، حتى لو جمع ريقه وبلعه، فإن صومه لا يفسد.
وإذا اختلف العلماء فالمرجع الكتاب والسنة، وإذا شككنا في هذا الأمر هل يفسد العبادة أو لا يفسدها؟ فالأصل عدم الإفساد وبناء على ذلك يكون بلع النخامة لا يفطر.والمهم أن يدع الإنسان النخامة ولا يحاول أن يجذبها إلى فمه من أسفل حلقه، ولكن إذا خرجت إلى الفم فليخرجها، سواء كان صائماً أم غير صائم. أما التفطير فيحتاج إلى دليل يكون حجة للإنسان أمام الله عز وجل في إفساد الصوم.مجموع فتاوى ورسائل سماحته (الفتوى رقم 723 الجزء 17).
وقال الشيخ سيّد سابق في (فقه السنّة 1/342) عند حديثه عما يباح للصائم:
وكذا يباح له ما لا يمكن الاحتراز عنه كبلع الريق وغبار الطريق ، وغربلة الدقيق والنخالة ونحو ذلك ..إلى أن قال: .. قال ابن تيمية : وشم الروائح الطيبة لا بأس به للصائم . وقال : أما الكحل ، والحقنة ، وما يقطر في إحليله ، ومداواة المأمومة والجائفة ، فهذا مما تنازع فيه أهل العلم ، فمنهم من لم يفطر بشئ من ذلك ، ومنهم من فطر بالجمع لا بالكحل ، ومنهم من فطر بالجميع ، لا بالتقطير ، ومنهم من لا يفطر بالكحل ، ولا بالتقطير ، ويفطر بما سوى ذلك . فإن الصيام من دين الاسلام ، الذي يحتاج إلى معرفته الخاص ، والعام . فلو كانت هذه الامور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ، ويفسد الصوم بها ، لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه ، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة ، وبلغوه الامة ، كما بلغوا سائر شرعه . فلما لم ينقل أحد من أهل العلم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، لا حديثا صحيحا ، ولا ضعيفا ، ولا مسندا ، ولا مرسلا علم أنه لم ينكر شيئا من ذلك . قال : فإذا كانت الاحكام التي تعم بها البلوى ، لابد ان يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بيانا عاما ، ولابد أن تنقل الامة ذلك . فمعلوم أن الكحل ، ونحوه لمما تعم به البلوى ، كماتعم بالدهن ، والاغتسال ، والبخور ، والطيب . فلو كان هذا مما يفطر ، لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ، كما بين الافطار بغيره ، فلما لم يبين ذلك ، علم أنه من جنس الطيب ، والبخور ، والدهن...انتهى المقصود منه.
قلت: وبلع النخامة أعّم بلوى من الكحل والبخور والطيب والحقنة إلى غير ذلك مما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ومع ذلك لم يرد نص يفصل في هذه المسألة فتأكد ما قلناه آنفا ولله الحمد والمنّة.
هذا الذي تبيّن لي أنّه الأرجح والله أعلم.
4) النخاعة في الصلاة آداب وأحكام:
قال الإمام البخاري في صحيحه (1/161وما بعدها) :
397حدثنا قتيبة قال حدثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة فشق ذلك عليه حتى رؤي في وجهه فقام فحكه بيده فقال ((إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه أو إن ربه بينه وبين القبلة فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته ولكن عن يساره أو تحت قدميه ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه على بعض فقال أو يفعل هكذا)).
398 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقا في جدار القبلة فحكه ثم أقبل على الناس فقال ((إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه إذا صلى)).
400 حدثنا موسى بن إسماعيل قال أخبرنا إبراهيم بن سعد أخبرنا بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة وأبا سعيد حدثاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في جدار المسجد فتناول حصاة فحكها فقال ((إذا تنخم أحدكم فلا يتنخمن قبل وجهه ولا عن يمينه وليبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى)).
باب لا يبصق عن يمينه في الصلاة:
401 حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة وأبا سعيد أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة المسجد فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم حصاة فحتها ثم قال ((إذا تنخم أحدكم فلا يتنخم قبل وجهه ولا عن يمينة وليبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى)).اهـ
وظاهر حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما تحريم ذلك داخل الصلاة وخارجها لعدم تقييده بحال الصلاة، والراجح أنّه لا بأس به خارج الصلاة ويدل لذلك التقييد بالصلاة في حديثي أنس وابن عمر المذكورين آنفا ولو تفادى ذلك لكان أسلم له والله أعلم.
5) النخاعة في المسجد آداب وأحكام:
كما أنّ ظاهر قوله ((وليبصق عن يساره)) جواز البصق عن اليسار في المسجد وغيره. وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم(( البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها)) كما أخرجه الشيخان عدم جواز التفل في المسجد إلى جهة اليسار وغيرها.
وبالجمع بين الحديثين يمكن أن نقول:
أنّ التنخم والبصق في المسجد لا يجوز إذا لم تدفن النخامة لأنّها قد تؤدي المصلين أما إذا أمنت أذية المصلين بأن حُكّت أو دفنت فلم يبقى لها أثر فلا حرج في ذلك.
ويشهد له ما رواه أبو داود من حديث عبد الله بن الشخير أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله.
قال الحافظ إسناده صحيح وأصله في مسلم والظاهر أن ذلك كان في المسجد فيؤيد ما تقدم. (أنظر الثمر المستطاب للألباني 2/720) والمراد بدفنها إذا كان المسجد ترابيا أو رمليا فأما إذا كان مبلطا أو مفروشا فدلكها بشيء ليس بدفن لها بل هو زيادة في التقذر. والله أعلم.
كما أنّ ظاهر النهي عن البصق إلى القبلة التحريم ويؤيده تعليله بأن ربه تعالى بينه وبين القبلة كما في البخاري من حديث أنس.
وبأن الله قبل وجهه إذا صلى كما في حديث ابن عمر.
قال الحافظ في الفتح: وهذا التعليل يدل على أن البزاق في القبلة حرام سواء كان في المسجد أم لا ولاسيما من المصلي فلا يجري فيه الخلاف في أن كراهية البزاق في المسجد هل هي للتنزيه أو للتحريم وفي صحيحي ابن حبان وابن خزيمة من حديث حذيفة مرفوعا ((من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله ين عينيه)) وفي رواية لابن خزيمة من حديث ابن عمر مرفوعا ((يبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه))
ولأبي داود بن حبان من حديث السائب بن جلاد أن رجلا أم قوما فبصق في القبلة فلما فرغ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ((لا يصلي بكم)) الحديث وفيه أنه قال ((إنك آذيت الله ورسوله)) انتهى (انظر نيل الأوطار للشوكاني )
كفارة من بزق في المسجد:
قال الإمام البخاري أيضا:
405 حدثنا آدم قال حدثنا شعبة قال حدثنا قتادة قال سمعت أنس بن مالك قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ((البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها)).
قال العيني واختلف العلماء في المراد بدفن البزاق فالجمهور على أنه الدفن في تراب المسجد ورمله وحصياته إن كانت فيه هذه الأشياء وإلا يخرجها فإن لم تكن المساجد تربة وكانت ذات حصير فلا يجوز احتراما للمالية. عون المعبود (2/98-99)
وإذا كان المسجد مبلطا أو مفروشا أو ذا حصير فليبزق في طرف ردائه ثمّ يردّه عليه وهذا أسلم له وأطهر للمسجد لحديث أنس المتقدّم:
((إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنما يناجي ربه أو ربه بينه وبين قبلته فلا يبزقن في قبلته ولكن عن يساره أو تحت قدمه ثم أخذ طرف ردائه فبزق فيه ورد بعضه على بعض قال أو يفعل هكذا)).
وفي الختام هذه بعض الفوائد المستفادة من أحاديث هذه الرسالة:
1) وجوب تطهير المساجد من القاذورات، ولو لم يكن ذلك واجبا لما باشر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إزالته وهو في شدة الغضب ومن باب أولى وجوب تطهيرها من النجاسات، وعلى هذه الفقرة حديث الامر بصب الماء على بول الاعرابي.
2) وفيها تفقد الإمام للمساجد وتعظيمها في حدود الشرع.
3) وفيها جواز النفخ والتنحنح في الصلاة لأن النخامة لا بد أن يقع معها في الغالب من النفخ والتنحنح.
4) وفيها رد على بعض الشافعية القائلين: إن خروج ثلاثة حروف من الحلق مبطل للصلاة.
5) وفيها أن جهة اليمين أفضل من جهة اليسار.
6) وفيها الحث على الاستكثار من الحسنات وإن كان صاحبها مليا فالنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد غفر الله له ذنبه ما تقدم وما تأخر، ومع هذا سارع إلى حك النخاعة بنفسه للإزدياد في الخير.
7) وفيها أن المروءة أن لا تظهر المستقذرات على الثياب لأن النبي لما بزق في ثوبه لف بعضه على بعض، حتى لا تظهر النخاعة.
وفيها تعظيم جهة القبلة على غيرها من الجهات لأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- خصصها بالنهي أن يبزق إليها في الصلاة.
9) وفيها أن القبلة تطلق على جهة القبلة لا على ما يسمونه بالمحراب، لأن مسجد رسول الله لم يكن له محراب قطعا بدليل قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لا يبصق أحدكم قبل القبلة)) والرجل الذي بصق في القبلة أي في جهتها.
10) وفيها الخشوع في الصلاة والاستشعار بأن الله عز وجل قريب من العبد محيط به يسمع أقواله ويرى أفعاله، وهو سبحانه مستو على عرشه كما يليق بجلاله أخذا من قوله ((الله قبل وجهه)).
11) وفيها جواز الالتفات في الصلاة لحاجة من قوله: فليبصق عن يساره وهذا يحتاج إلى التفات.
12) وفيها أن الحركة في الصلاة لحاجة لا تبطلها على تفصيل في هذه الفقرة.
13) وفيها أن هذه الشريعة كاملة شاملة فقد علمنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتى الخراءة آداب البصاق.
14) وفيها رد على من قسم الدين إلى قشور ولباب، فلو كان هذا الفعل من القشور الذي لا يؤبه له لما غضب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتى رؤي الغضب في وجهه.
15) وفيها تحريم أذية الجار لنهيه أن يبصق عن يساره إن كان عن يساره أحد.
16) وفيها تحريم أذيه المسلم لنهيه أن يبصق في المسجد، والعلة في النهي حصول الاذية لبعض المسلمين كما في حديث سعد المتقدم.
17) وفيها عدم احتقار الذنوب وإن صغرت في نظر الناس.
1 وفيها أن هذا الدين يسر حيث أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أبان لهم الانتقال من حالة إلى عدة حالات مباحة.اهـ بتصرف من كتاب ((فتح الوهاب بشرح حديث أنس بن مالك في نهي المصلي أن يبصق إلى القبلة وفيه حكم البصاق في المسجد وحكم المحراب)) للشيخ المحدّث العلامة يحي الحجوري حفظه الله تعالى.
هذا آخر ما أردت أن أجمعه في هذه المسألة المهمّة التي تغافل عنها كثير من الناس حتى أصبح الكلام عنها شبه منسي.
أسأل الله العلي الكبير لي ولكل من قرأ هذه الرسالة أن يغفر لنا ذنوبنا ويرحمنا ويعفو عنا ويتجاوز عن خطايانا وأن يزدنا من فضله وأن يزيدنا علما وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
وكتب
أبو عبد الله غريب بن عبد الله الأثري
قسنطينة 18 رجب 1428للهجرة 2/08/2007 للميلاد