مسائل من كتاب الصيام من كتاب المختارات الجلية،
قال الشيخ رحمه الله:
الصواب : أنه إذا كان ليلة الثلاثين من شعبان غيم أو قتر أنه لا يجب صيام ذلك اليوم([1]) , ولا يستحب , بل فطره هو المشروع ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (( فإن غُمَّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً ))([2]) . وهو صحيح صريح , لا يحتمل التأويل , وما استدل به على مشروعية الصيام , فإنه محتمل , وهو محمول على هذا الصريح .
والصواب : أن المطالع إذا اختلفت فلكل قوم رؤيتهم([3]) , وحديث كريب عن ابن عباس الذي في صحيح مسلم([4]) صريح بذلك , فإن ابن عباس لم يعتبر رؤية أهل الشام , وأخبر أن ذلك أمر من النبي صلى الله عليه وسلم . وأما قوله : (( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ))([5]) . فإنه مثل قوله : (( إذا أقبل الليل من ههنا , وأدبر النهار من ههنا , وغربت الشمس فقد أفطر الصائم ))([6]) ,
وقوله تعالى : { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } ] البقرة : 187 [ , وغير ذلك من النصوص المؤقتة للعبادات في أوقات معينة تابعة لجريان الشمس والقمر , فإن هذه الأمور بالاتفاق تختلف باختلاف محالها , ولكل أهل محل حكمهم في ليلهم وفجرهم , وزوالهم وعصرهم , وغير ذلك , فكذلك في رؤيتهم للهلال , وهذا واضح ولله الحمد ....
وإذا قامت البينة في أثناء النهار برؤية هلال رمضان لزمهم الإمساك قولاً واحداً([7]) , واختار شيخ الإسلام ابن تيمية : أنه لا يلزمهم قضاء ذلك اليوم([8]) . وقوله قوي جداً مبني على أصل : وهو أن الأحكام لا تلزم إلا بعد بلوغها , فهم أفطروا لما كان في ظنهم , والحكم الظاهر لهم أنه ليس من رمضان , فإذا بان أنه من رمضان لزمهم إمساك ما بان لهم , ولم يلزمهم قضاء ما لم يبلغهم . يوضح هذا أنهم كانوا مستعدين ناوين موطنين أنفسهم على صيام جميع شهر رمضان , فإذا بان لهم بعد ذلك خطؤهم في فطرهم لم يكن هذا خطأً مؤاخذين به , بل كان هذا المشروع في حقهم : أنهم أفطروا بالحكم الشرعي , وأمسكوا بالحكم الشرعي , فهم لم يخالفوا حكم الشرع بوجه . ويوضح هذا أن الناسي إذا أكل وشرب وهو صائم أن صومه صحيح , وكذلك المخطئ على القول الصحيح ، وهؤلاء أدق أحوالهم أن يكونوا مخطئين , إن لم نقل مصيبين , فكيف يتم الصوم للناسي والمخطئ دون المفطرين بالأمر , الممسكين بالأمر , والناسي والمخطئ مفطرون بالعذر , صائمون بالأمر , فأي الطائفتين أعذر وأولى بعدم القضاء ؟ بل حالة المفطر قبل أن يتبين له أنه من رمضان كحالة الذي يأكل ويشرب قبل أن يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر , فإذا تبين له بعد أنه أكل وشرب بعد طلوع الفجر , فالصواب : أن حكمه حكم الناسي لا حرج عليه , وصيامه صحيح ؛ لأن الله جعل الناسي والمخطئ حكمهما واحداً , ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر المخطئ أن يقضي ذلك اليوم .
ويوضح ذلك أيضاً أن المتأولين من الصحابة رضي الله عنهم للخيط الأبيض من الخيط الأسود ظنوا أنه الخيط المعروف([9]) , فكانوا يأكلون ويشربون حتى يتضح لهم الخيطان , ولم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بإعادة ما فعلوه , والذي كان مفطراً قبل أن يتبين له أنه من رمضان , ثم أمسك بعد أن تبين له أعلى حالة من المتأول .
فإن قيل : يلزم على هذا أن الحائض والنفساء إذا طهرتا , والكافر إذا أسلم في أثناء يوم من رمضان أن لا يقضوا ذلك اليوم , بل يمسكوه فقط .
قيل : أما الكافر فنعم , فلا يجب عليه قضاء ذلك اليوم الذي أسلم فيه ؛ لأنه لم يخاطب به قبل ذلك , ولم يجب عليه حكماً ظاهراً , فهو كالذي لم يعلم أنه من رمضان . وأما الحائض والنفساء فإن الصيام واجب عليهما حتى في حالة جريان الدم , إلا أن من شرط صحته انقطاع الدم , وليست حالتهما كحالة المخطئ والناسي , فإن الشارع جعل دمهما مانعاً من صحة الصيام , وأوجب عليهما إذا طهرتا قضاء الصيام الواجب , والله أعلم .
([1]) انظر : (( الروض المربع )) ( 3/350 ) .
([2]) أخرجه البخاري ( 1909 ) .
([3]) انظر : (( الروض المربع )) ( 3/357 ) .
([4]) أخرجه مسلم ( 1087 ) .
([5]) أخرجه البخاري ( 1909 ) , ومسلم ( 1081 ) .
([6]) أخرجه البخاري ( 1954 ) , ومسلم ( 1100 ) .
([7]) انظر : (( الروض المربع )) ( 3/368 ) .
([8]) انظر : (( مجموع الفتاوى )) ( 25/109-118 ) .
([9]) أخرجه البخاري ( 1916 ) , ومسلم 1090
قال الشيخ رحمه الله:
الصواب : أنه إذا كان ليلة الثلاثين من شعبان غيم أو قتر أنه لا يجب صيام ذلك اليوم([1]) , ولا يستحب , بل فطره هو المشروع ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (( فإن غُمَّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً ))([2]) . وهو صحيح صريح , لا يحتمل التأويل , وما استدل به على مشروعية الصيام , فإنه محتمل , وهو محمول على هذا الصريح .
والصواب : أن المطالع إذا اختلفت فلكل قوم رؤيتهم([3]) , وحديث كريب عن ابن عباس الذي في صحيح مسلم([4]) صريح بذلك , فإن ابن عباس لم يعتبر رؤية أهل الشام , وأخبر أن ذلك أمر من النبي صلى الله عليه وسلم . وأما قوله : (( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ))([5]) . فإنه مثل قوله : (( إذا أقبل الليل من ههنا , وأدبر النهار من ههنا , وغربت الشمس فقد أفطر الصائم ))([6]) ,
وقوله تعالى : { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } ] البقرة : 187 [ , وغير ذلك من النصوص المؤقتة للعبادات في أوقات معينة تابعة لجريان الشمس والقمر , فإن هذه الأمور بالاتفاق تختلف باختلاف محالها , ولكل أهل محل حكمهم في ليلهم وفجرهم , وزوالهم وعصرهم , وغير ذلك , فكذلك في رؤيتهم للهلال , وهذا واضح ولله الحمد ....
وإذا قامت البينة في أثناء النهار برؤية هلال رمضان لزمهم الإمساك قولاً واحداً([7]) , واختار شيخ الإسلام ابن تيمية : أنه لا يلزمهم قضاء ذلك اليوم([8]) . وقوله قوي جداً مبني على أصل : وهو أن الأحكام لا تلزم إلا بعد بلوغها , فهم أفطروا لما كان في ظنهم , والحكم الظاهر لهم أنه ليس من رمضان , فإذا بان أنه من رمضان لزمهم إمساك ما بان لهم , ولم يلزمهم قضاء ما لم يبلغهم . يوضح هذا أنهم كانوا مستعدين ناوين موطنين أنفسهم على صيام جميع شهر رمضان , فإذا بان لهم بعد ذلك خطؤهم في فطرهم لم يكن هذا خطأً مؤاخذين به , بل كان هذا المشروع في حقهم : أنهم أفطروا بالحكم الشرعي , وأمسكوا بالحكم الشرعي , فهم لم يخالفوا حكم الشرع بوجه . ويوضح هذا أن الناسي إذا أكل وشرب وهو صائم أن صومه صحيح , وكذلك المخطئ على القول الصحيح ، وهؤلاء أدق أحوالهم أن يكونوا مخطئين , إن لم نقل مصيبين , فكيف يتم الصوم للناسي والمخطئ دون المفطرين بالأمر , الممسكين بالأمر , والناسي والمخطئ مفطرون بالعذر , صائمون بالأمر , فأي الطائفتين أعذر وأولى بعدم القضاء ؟ بل حالة المفطر قبل أن يتبين له أنه من رمضان كحالة الذي يأكل ويشرب قبل أن يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر , فإذا تبين له بعد أنه أكل وشرب بعد طلوع الفجر , فالصواب : أن حكمه حكم الناسي لا حرج عليه , وصيامه صحيح ؛ لأن الله جعل الناسي والمخطئ حكمهما واحداً , ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر المخطئ أن يقضي ذلك اليوم .
ويوضح ذلك أيضاً أن المتأولين من الصحابة رضي الله عنهم للخيط الأبيض من الخيط الأسود ظنوا أنه الخيط المعروف([9]) , فكانوا يأكلون ويشربون حتى يتضح لهم الخيطان , ولم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بإعادة ما فعلوه , والذي كان مفطراً قبل أن يتبين له أنه من رمضان , ثم أمسك بعد أن تبين له أعلى حالة من المتأول .
فإن قيل : يلزم على هذا أن الحائض والنفساء إذا طهرتا , والكافر إذا أسلم في أثناء يوم من رمضان أن لا يقضوا ذلك اليوم , بل يمسكوه فقط .
قيل : أما الكافر فنعم , فلا يجب عليه قضاء ذلك اليوم الذي أسلم فيه ؛ لأنه لم يخاطب به قبل ذلك , ولم يجب عليه حكماً ظاهراً , فهو كالذي لم يعلم أنه من رمضان . وأما الحائض والنفساء فإن الصيام واجب عليهما حتى في حالة جريان الدم , إلا أن من شرط صحته انقطاع الدم , وليست حالتهما كحالة المخطئ والناسي , فإن الشارع جعل دمهما مانعاً من صحة الصيام , وأوجب عليهما إذا طهرتا قضاء الصيام الواجب , والله أعلم .
([1]) انظر : (( الروض المربع )) ( 3/350 ) .
([2]) أخرجه البخاري ( 1909 ) .
([3]) انظر : (( الروض المربع )) ( 3/357 ) .
([4]) أخرجه مسلم ( 1087 ) .
([5]) أخرجه البخاري ( 1909 ) , ومسلم ( 1081 ) .
([6]) أخرجه البخاري ( 1954 ) , ومسلم ( 1100 ) .
([7]) انظر : (( الروض المربع )) ( 3/368 ) .
([8]) انظر : (( مجموع الفتاوى )) ( 25/109-118 ) .
([9]) أخرجه البخاري ( 1916 ) , ومسلم 1090