بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الكريم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . وبعد :
فمن المسائل المهمة التي غفل عن معرفتها والتفقه فيها كثيرٌ من شباب المسلمين في هذه العصور مسألة " الجهاد في سبيل الله " ، ولا يخفى أنّ كثيرا من الطوائف والفرق تدعي الجهاد في سبيل الله ، ولمّا تنظر إلى جهادهم تجدهم أخلّوا بأحكامه وشاقوا الرسول واتّبعوا غير سبيل المؤمنين . ومن أول الفرق التي ظهرت " الخوارج " كلاب النار . استباحوا الدماء المعصومة باسم الجهاد في سبيل الله وقاموا بلّي النصوص لمعتقداتهم وأباطيلهم فعاثوا فسادا في كثير من بلاد المسلمين .
قال في شرح الواسطية : " وأول بدعة حدثت في هذه الأمة هي بدعة الخوارج، لأن زعيمهم خرج على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ذو الخويصرة من بني تميم، حين قسم النبي صلى الله عليه وسلم ذهيبة جاءت فقسمها بين الناس، فقال له هذا الرجل: يا محمد اعدل! فكان هذا أول خروج خُرِج به على الشريعة الإسلامية، ثم عظمت فتنتهم في أواخر خلافة عثمان وفي الفتنة بين علي ومعاوية، فكفروا المسلمين واستحلوا دماءهم." العثيمين .
ثم قال : " ولكن ولله الحمد ما ابتدع أحد بدعة، إلا قيض الله له بمنه وكرمه من يبين هذه البدعة ويدحضها بالحق وهذا من تمام مدلول قول الله تبارك وتعالى: )إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)، هذا من حفظ الله لهذا الذكر، وهذا أيضاً هو مقتضى حكمة الله عز وجل، لأن الله تعالى جعل محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، والرسالة لابد أن تبقى في الأرض، وإلا لكان للناس حجة على الله وإذا كانت الرسالة لابد أن تبقى في الأرض، لزم أن يقيض الله عز وجل بمقتضى حكمته عند كل بدعة من يبينها ويكشف عورها، وهذا هو الحاصل، ولهذا أقول لكم دائماً: احرصوا على العلم، لأننا في هذا البلد في مستقبل إذا لم نتسلح بالعلم المبني على الكتاب والسنة، فيوشك أن يحل بنا ما حل في غيرنا من البلاد الإسلامية، "
http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_17952.shtml
ولمعرفة بعض المسائل المتعلّقة بالجهاد تابعوا هذه الحلقات التي أخذتها من دروس السيرة النبوية للشيخ علي بن يحي الحدادي ــ حفظه الله تعالى ــ التي ألقيت في منطقة الطائف ضمن دورة الإمام عبد العزيز ابن باز ــ رحمه الله تعالى ــ ، وأصل هذه الدروس صوتية فرّغها المفرّغون وأُرسلت إليّ لتدقيقها وتصحيحها لغويا ، وكان هذا منذ ثلاث سنوات .
وقمتُ بطباعتها ، إلى أن حان نشرها ، وإلى المقصود .
قال الشيخ علي بن يحي الحدادي ــ حفظه الله تعالى ــ : "....... بعض الحوَادث التِّي جَرَت
في مُقام النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَ سَلَّمَ- بالمدينة؛ وَ لا شك أنَّ من أبرز الحوَادث هي مسألة الجهاد, لأنَّ مكَّة أو المرحلة المكِّية التِّي كان فيها النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَ سَلَّمَ- في مكَّة لم يكن فيها جهاد مسلَّح وَ إنما كان فيها الدعوَة إلى الله -سُبْحَانَهُ وَ تَعَالى ــ وَ تبليغ دين الله -سُبْحَانَهُ وَ تَعَالى- للنَّاس باللِّسان. وَ كان المسلمون قد أُمِرُوَا في مكَّة بعدم قتال المشركين, أُمِرُوا بكفِّ أيديهم عنهم وَ حتىَّ في حالة العُدوَان عَلَيهِم أُمِرُوَا بالصَّفح وَ الإعراض عنهم, قال سبحانه ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَ أَقِيمُوَاْ الصَّلاَةَ وَ ءاتُواْ الزَّكَاةَ ﴾ [ النساء-77] ﴿ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ ﴾ يعني عن قتال المشركين لا ابتِدَاءً وَ لا دِفاعًا. وَ هذه من حكمة الله -سُبْحَانَهُ وَ تَعَالىٰ- لأنَّ المؤمنين كانوَا في مكَّة قِلَّة وَ كانوا أيضًا في ضَعف وَ كانت الكثرة وَ القوَّة وَ العدد وَ العُدَّة لعدوِّهم, فلو أنهم قاتلوا المشركين لكان ذلك وَسيلة إلى استئصال المشركين للمسلمين فَمِن حكمة الله -سُبْحَانَهُ وَ تَعَالى- أن منعهم؛ فكان إذن القتال أو الجهاد بالسَّيف, بالسِّلاح كان في أوَّل الأمر محرَّمًا وَ منهيًّا عنه. لما هاجر النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَ سَلَّمَ- إلى المدينة وَ صار عنده قوَّة وَ صارت له مَنَعَة وَ صار للمسلمين كِيَانٌ مستقل لهم في المدينة شَرَعَ الله -عَزَّ وَ جَلّ- الجِهاد المسلَّح وَ لكن أيضًا على مراحل: فالمرحلة الأولى في مسألة الإذن بالجهاد كان بالإذن للمؤمنين في أن يُدَافِعُوا عن أنفسهم ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ [ الحج-39] فأَذِنَ الله -سُبْحَانَهُ وَ تَعَالى- لهم بالدِّفاع عن أنفسهم. ثمَّ بعد ذلك أَذِنَ الله -عَزَّ وَ جَلّ- لهم بأن يُقَاتِلُوا من قَاتَلَهُم ﴿ وَ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ [البقرة-190] وَ بعد ذلك لما عَظُمَتْ شوكة المسلمين أمرهم اللهُ -عَزَّ وَ جَلّ- بقتال المشركين كآفَّة. فهذه هي المراحل التِّي مرَّ بها الجهاد, فمرَّةً كان الجهاد ممنوعا وَ مرَّةً كان مأذونًا فيه, هذا تفصيل بشكل عام وَ أمَّا التَّفصيل في المراحل فقد تقدَّم ذِكرُهَا وَ أنَّ مجموعها أربعة مراحل: المنع منه, الإذن بالدِّفاع عن النَّفس, الإذن بقتال من يُقَاتِل, وَ المرحلة الرَّابعة وَ الأخيرة الأمر بقتال المشركين كافَّة.
هل يُقال أنَّ المرحلة الثَّانية أو ما بعدها ناسخة للمرحلة الأولى؟ أظنُّنا تكلَّمنا عن هذا في أوَائل هذه الدُّروس لماَّ تكلَّمنا عن مسألة أَذِيَّة المشركين للمؤمنين المستضعفين في مكَّة, وَ قلنا أنَّها ليست نسخا وَ إن كان كثير من السلف يُعبِّرون عنها بالنَّسخ. فيقول أنَّ آية السَّيف نسخت ما قبلها من الآيات التِّي كانت تأمر بالصَّفح وَ الإعراض وَ تنهى عن القتال، وَ لكن استخدامات السَّلف للنَّسخ ليس هوَ الاستخدام الذِّي استقرَّ عَلَيهِ هذا المصطلح عند الأُصُولِيِّين, وَ إنَّما كانوا يُطلِقُون النَّسخ وَ قد يقصدون به التَّخصيص, يطلقون النَّسخ وَ قد يقصدون به التقيِّيد, يطلقون النَّسخ وَ قد يقصدون به النَّسخ الذِّي استقرَّ عَلَيهِ الاصطلاح وَ هوَ رَفِع حكم شرعي مُتقدِّم بدليلٍ شرعيٍّ مُتَأخِّر عنه. فعبارات السَّلف في مسألة نسخ آيات الأمر بالصَّفح وَ الإعراض, المقصوَد أنَّها تُنَزَّل على حالة الضَّعف وَ أمَّا بعد قوَّة المسلمين فإنَّه لا يُعمل بها وَ ليس المقصود بها أنَّ ذلك الحكم رُفِعَ رفعًا نهائيًّا..لا..وَ إنَّما الذِّي رآه جمع من المحققِّين أنَّ كلَّ تلك الآيات مُحْكَمَة وَ يُعمل بها لكن تُنَزَّل كلُّ نوع منها في الحالة التِّي تُنَاسِبُهَا؛ فإذا كان في المسلمين ضَعف لا يستطيعون معه قتال عَدُوِّهِم فإنهم يَعمَلُونَ بآيات الصَّفح وَ الصَّبر حتَّى يجعل الله للمسلمين فرجا وَ مخرجا, وَ إذا كان عند المسلمين قوَّة وَ قُدرَة وَ ليس هناك ما يمنعهم من القتال فإنَّهم يقاتِلُون عَدُوَّهم على ضوء الضَّوَابط التِّي جاءت بها الشَّريعة الإسلاميَّة في مسألة الجهاد." الحمد لله الكريم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . وبعد :
فمن المسائل المهمة التي غفل عن معرفتها والتفقه فيها كثيرٌ من شباب المسلمين في هذه العصور مسألة " الجهاد في سبيل الله " ، ولا يخفى أنّ كثيرا من الطوائف والفرق تدعي الجهاد في سبيل الله ، ولمّا تنظر إلى جهادهم تجدهم أخلّوا بأحكامه وشاقوا الرسول واتّبعوا غير سبيل المؤمنين . ومن أول الفرق التي ظهرت " الخوارج " كلاب النار . استباحوا الدماء المعصومة باسم الجهاد في سبيل الله وقاموا بلّي النصوص لمعتقداتهم وأباطيلهم فعاثوا فسادا في كثير من بلاد المسلمين .
قال في شرح الواسطية : " وأول بدعة حدثت في هذه الأمة هي بدعة الخوارج، لأن زعيمهم خرج على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ذو الخويصرة من بني تميم، حين قسم النبي صلى الله عليه وسلم ذهيبة جاءت فقسمها بين الناس، فقال له هذا الرجل: يا محمد اعدل! فكان هذا أول خروج خُرِج به على الشريعة الإسلامية، ثم عظمت فتنتهم في أواخر خلافة عثمان وفي الفتنة بين علي ومعاوية، فكفروا المسلمين واستحلوا دماءهم." العثيمين .
ثم قال : " ولكن ولله الحمد ما ابتدع أحد بدعة، إلا قيض الله له بمنه وكرمه من يبين هذه البدعة ويدحضها بالحق وهذا من تمام مدلول قول الله تبارك وتعالى: )إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)، هذا من حفظ الله لهذا الذكر، وهذا أيضاً هو مقتضى حكمة الله عز وجل، لأن الله تعالى جعل محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، والرسالة لابد أن تبقى في الأرض، وإلا لكان للناس حجة على الله وإذا كانت الرسالة لابد أن تبقى في الأرض، لزم أن يقيض الله عز وجل بمقتضى حكمته عند كل بدعة من يبينها ويكشف عورها، وهذا هو الحاصل، ولهذا أقول لكم دائماً: احرصوا على العلم، لأننا في هذا البلد في مستقبل إذا لم نتسلح بالعلم المبني على الكتاب والسنة، فيوشك أن يحل بنا ما حل في غيرنا من البلاد الإسلامية، "
http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_17952.shtml
ولمعرفة بعض المسائل المتعلّقة بالجهاد تابعوا هذه الحلقات التي أخذتها من دروس السيرة النبوية للشيخ علي بن يحي الحدادي ــ حفظه الله تعالى ــ التي ألقيت في منطقة الطائف ضمن دورة الإمام عبد العزيز ابن باز ــ رحمه الله تعالى ــ ، وأصل هذه الدروس صوتية فرّغها المفرّغون وأُرسلت إليّ لتدقيقها وتصحيحها لغويا ، وكان هذا منذ ثلاث سنوات .
وقمتُ بطباعتها ، إلى أن حان نشرها ، وإلى المقصود .
قال الشيخ علي بن يحي الحدادي ــ حفظه الله تعالى ــ : "....... بعض الحوَادث التِّي جَرَت
في مُقام النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَ سَلَّمَ- بالمدينة؛ وَ لا شك أنَّ من أبرز الحوَادث هي مسألة الجهاد, لأنَّ مكَّة أو المرحلة المكِّية التِّي كان فيها النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَ سَلَّمَ- في مكَّة لم يكن فيها جهاد مسلَّح وَ إنما كان فيها الدعوَة إلى الله -سُبْحَانَهُ وَ تَعَالى ــ وَ تبليغ دين الله -سُبْحَانَهُ وَ تَعَالى- للنَّاس باللِّسان. وَ كان المسلمون قد أُمِرُوَا في مكَّة بعدم قتال المشركين, أُمِرُوا بكفِّ أيديهم عنهم وَ حتىَّ في حالة العُدوَان عَلَيهِم أُمِرُوَا بالصَّفح وَ الإعراض عنهم, قال سبحانه ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَ أَقِيمُوَاْ الصَّلاَةَ وَ ءاتُواْ الزَّكَاةَ ﴾ [ النساء-77] ﴿ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ ﴾ يعني عن قتال المشركين لا ابتِدَاءً وَ لا دِفاعًا. وَ هذه من حكمة الله -سُبْحَانَهُ وَ تَعَالىٰ- لأنَّ المؤمنين كانوَا في مكَّة قِلَّة وَ كانوا أيضًا في ضَعف وَ كانت الكثرة وَ القوَّة وَ العدد وَ العُدَّة لعدوِّهم, فلو أنهم قاتلوا المشركين لكان ذلك وَسيلة إلى استئصال المشركين للمسلمين فَمِن حكمة الله -سُبْحَانَهُ وَ تَعَالى- أن منعهم؛ فكان إذن القتال أو الجهاد بالسَّيف, بالسِّلاح كان في أوَّل الأمر محرَّمًا وَ منهيًّا عنه. لما هاجر النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَ سَلَّمَ- إلى المدينة وَ صار عنده قوَّة وَ صارت له مَنَعَة وَ صار للمسلمين كِيَانٌ مستقل لهم في المدينة شَرَعَ الله -عَزَّ وَ جَلّ- الجِهاد المسلَّح وَ لكن أيضًا على مراحل: فالمرحلة الأولى في مسألة الإذن بالجهاد كان بالإذن للمؤمنين في أن يُدَافِعُوا عن أنفسهم ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ [ الحج-39] فأَذِنَ الله -سُبْحَانَهُ وَ تَعَالى- لهم بالدِّفاع عن أنفسهم. ثمَّ بعد ذلك أَذِنَ الله -عَزَّ وَ جَلّ- لهم بأن يُقَاتِلُوا من قَاتَلَهُم ﴿ وَ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ [البقرة-190] وَ بعد ذلك لما عَظُمَتْ شوكة المسلمين أمرهم اللهُ -عَزَّ وَ جَلّ- بقتال المشركين كآفَّة. فهذه هي المراحل التِّي مرَّ بها الجهاد, فمرَّةً كان الجهاد ممنوعا وَ مرَّةً كان مأذونًا فيه, هذا تفصيل بشكل عام وَ أمَّا التَّفصيل في المراحل فقد تقدَّم ذِكرُهَا وَ أنَّ مجموعها أربعة مراحل: المنع منه, الإذن بالدِّفاع عن النَّفس, الإذن بقتال من يُقَاتِل, وَ المرحلة الرَّابعة وَ الأخيرة الأمر بقتال المشركين كافَّة.
يتبع ...
( لا تعلقوا قبل النهاية ، ولا تبخلوا علينا بنصائحكم على الخاص )
( لا تعلقوا قبل النهاية ، ولا تبخلوا علينا بنصائحكم على الخاص )
تعليق