نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، كما جاء ذلك في حديث أبي هريرةَ عند مسلمٍ في "صحيحه"، قالَ: ((نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ)). والمُراد بالغرر هنا: الجهل بالثَّمن، أو بالمُثمن، أو بالأجل، كلَّ هذا غررٌ، الجهل بالثَّمن فيه غررٌ، والجهل بالمُثمن، يعني: العين المبيعة، أو بالأجل، فهذا كلُّهُ منهيٌ عنه، أنْ تبيعه ولا تحدَّد الثَّمن فلا يدري، تبيعه شيئًا غير موصوفٍ ولا معروفٍ، كسمكٍ في ماءٍ وطيرٍ في هواء، هذا مجهولٌ، فيه غررٌ، وهكذا الأجل لا تحدِّد له أجلاً، فهذا أيضًا فيه غرر، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك كلِّه.
وقول ابن بطة رحمه الله -: "وَبَيْعِ مَا لَا تَمْلِكُ"، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لحكيمِ بن حزام: ((لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ))، وكما جاء أيضًا في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه - رضي الله عنه - كما ذكره عندكم المُحشِّي: "لا يحل سلفٌ وبيعٌ، ولا شرطان في بيعٍ، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك" فهذه البيوع كلُّها منهيٌ عنها، فأما ما لا يملك وما ليس عنده لما فيه من الغرر والجهالة به وعدم القدرة على تسليمه، لما فيه من الغرر والجهالة به، سبب الجهالة به وعدم القدرة على تسليمه، كالسَّمك في الماء؛ تقدر تسلمه إيَّاه؟! ما تستطيع، والطَّير في الهواء كذلك، يُستثنى من السَّمك في الماء إذا كان في ماءٍ في بركةٍ أو حوضٍ عنده للتَّجارة، لكن! السَّلف - رحمهم الله - نهوا عن ذلك ومثَّلوا به، المُراد به البحر، فإنَّك لا تدري ماذا تصيد؟ وماذا تُمسك؟ أما إذا كان في الأحواض في المحلَّات التِّجارية؛ هذا لا يُقال نهى عن بيع سمك في ماء، لأنَّ هذا مقدور على تسليمه في الحوض أمامه.
وقوله: "وَعَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ" كأن تقول أبيعك هذا الغلام على أنَّهُ متى أردت بيعهُ فأنا أحقُّ به، هذا لا يجوز، هو ملكهُ، لهُ أنْ يبيعهُ عليك، وأنْ يبيعهُ على غيرك.
أبيعك هذا الغلام على أنَّك متى أردت بيعهُ فأنَّا أحقُّ به، تبيعه منِّي هذا لا يجوز، هذا بيعٌ وشرطٌ، كما ذكرَ ذلك الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-، فالبيع لا علاقة لهُ بهذا الشَّرط، مستقلًا عنه ومنفصلًا عنه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن هذا، وذلك لأنَّ فيه تحكُّمًا في النَّاس فيما يملكونه، وليس ذلك من حقِّه.
مستفاد من: شرح الإبانة الصغرى - الدرس 09 | للشيخ: محمد بن هادي المدخلي