الصنف: فتاوى الجنـائز
السـؤال للفتوى رقم 704:
تقدّمت جمعيةٌ من الجالية الجزائرية بفرنسا، إلى الإدارة الفرنسية المتمثِّلة في البلدية بطلب منحهم قطعة أرض يتّخذونها مقبرة، وقد قُبِل الطلب بشرط أن يتم بناء القبر بالإسمنت الصلب: قاعِه وجوانبِه الأربع، ويوضع الميت في صندوق ثم يغلق عليه بقطعة من الإسمنت الصلب حتى سطح الأرض بدون رمي التربة فوقه بحجة أنّ الأرض التي تتخذ مقبرة معرّضة للحركة والانجراف. فما حكم بناء القبر على هذا الشكل؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فإذا مُنِحَتْ أرضٌ بديار الكفر لدفن موتى المسلمين خاصّة دون سائر الملل؛ فإنه يجوز دفنهم فيها، إذ المعلوم عدم جواز دفن كافر في مقبرة المسلمين ولا مسلم في مقبرة الكفار، أمَّا دفنه في تابوت اسمنتيٍّ أو خشبي يحول بينه وبين الأرض فإنه يكره ذلك اتفاقًا، قال النووي: «هو مذهبنا ومذهب العلماء كافة وأظـنُّه إجماعًا»(١- «المجموع» للنووي: (5/287-28)؛ لأنَّ هذا الطريق في الدفن لا أصل له في شريعتنا، ولم يفعله الصحابة رضي الله عنهم بالنبي صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّم ولا بغيره من المسلمين، قال ابن قدامة في «المغني»: «ولا يستحب الدفن في تابوت؛ لأنه لم ينقل عن النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ولا أصحابه، وفيه تشبُّه بأهل الدنيا، والأرض أنشف لفضلاته»(٢- «المغني» لابن قدامة: (2/503)).
هذا، غير أنّ العلماء استثنوا من هذا الأصل ما إذا كانت الأرض رخوةً غيرَ متماسكةٍ لكثرة المياه أو الوحل والطين، قال النووي عن الشيرازي وسائر الأصحاب: «يكره أن يدفن الميت في تابوت إلاّ إذا كانت رخوةً أو نديةً، قالوا: ولا تنفذ وصيته به إلاّ في مثل هذا الحال»(٣- «المجموع» للنووي: (5/287). انظر: «المغني المحتاج» للشربيني: (1/361)). وهذا كله فيما إذا لَمْ تُهَنْ أجسادُ موتى المسلمين في ديار الكفر بالإتلاف أو الإحراق ونحو ذلك إذا لم تدفع المبالغ المالية على وجه الاستحقاق للإدارة العمومية في ديار الكفر، فإنّ احتمال وجود هذا الشرط يعرِّض موتى المسلمين للابتذال والإهانة ويمنع تجويز الدفن بتلك الأراضي ولو في مقبرة خاصَّة بالمسلمين، سدًّا لذريعة الإهانة والتحقير بأهل الإسلام، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «كَسْرُ عَظْمِ المُؤمِنِ مَيْـتًا كَكَسْرِِهِ حَـيًّا»(٤- أخرجه أبو داود في «الجنائز»: (3207)، وابن ماجه في «الجنائز»: (1616)، وأحمد: (6/5، والطحاوي في «مشكل الآثار»: (2/10، من حديث عائشة رضي الله عنها، وصحّحه الألباني في «الإرواء»: (3/214) رقم (763)، وحسنه الوادعي في «الصحيح المسند»: (1597)).
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: 22 صفر 1428ﻫ الموافق ﻟ: 11 مارس 2007 .
---------------------------------
١- «المجموع» للنووي: (5/287-28.
٢- «المغني» لابن قدامة: (2/503).
٣- «المجموع» للنووي: (5/287). انظر: «المغني المحتاج» للشربيني: (1/361).
٤- أخرجه أبو داود في «الجنائز»: (3207)، وابن ماجه في «الجنائز»: (1616)، وأحمد: (6/5، والطحاوي في «مشكل الآثار»: (2/10، من حديث عائشة رضي الله عنها، وصحّحه الألباني في «الإرواء»: (3/214) رقم (763)، وحسنه الوادعي في «الصحيح المسند»: (1597).
الرابط: http://www.ferkous.com/rep/Be12.php
السـؤال للفتوى رقم 704:
تقدّمت جمعيةٌ من الجالية الجزائرية بفرنسا، إلى الإدارة الفرنسية المتمثِّلة في البلدية بطلب منحهم قطعة أرض يتّخذونها مقبرة، وقد قُبِل الطلب بشرط أن يتم بناء القبر بالإسمنت الصلب: قاعِه وجوانبِه الأربع، ويوضع الميت في صندوق ثم يغلق عليه بقطعة من الإسمنت الصلب حتى سطح الأرض بدون رمي التربة فوقه بحجة أنّ الأرض التي تتخذ مقبرة معرّضة للحركة والانجراف. فما حكم بناء القبر على هذا الشكل؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فإذا مُنِحَتْ أرضٌ بديار الكفر لدفن موتى المسلمين خاصّة دون سائر الملل؛ فإنه يجوز دفنهم فيها، إذ المعلوم عدم جواز دفن كافر في مقبرة المسلمين ولا مسلم في مقبرة الكفار، أمَّا دفنه في تابوت اسمنتيٍّ أو خشبي يحول بينه وبين الأرض فإنه يكره ذلك اتفاقًا، قال النووي: «هو مذهبنا ومذهب العلماء كافة وأظـنُّه إجماعًا»(١- «المجموع» للنووي: (5/287-28)؛ لأنَّ هذا الطريق في الدفن لا أصل له في شريعتنا، ولم يفعله الصحابة رضي الله عنهم بالنبي صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّم ولا بغيره من المسلمين، قال ابن قدامة في «المغني»: «ولا يستحب الدفن في تابوت؛ لأنه لم ينقل عن النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ولا أصحابه، وفيه تشبُّه بأهل الدنيا، والأرض أنشف لفضلاته»(٢- «المغني» لابن قدامة: (2/503)).
هذا، غير أنّ العلماء استثنوا من هذا الأصل ما إذا كانت الأرض رخوةً غيرَ متماسكةٍ لكثرة المياه أو الوحل والطين، قال النووي عن الشيرازي وسائر الأصحاب: «يكره أن يدفن الميت في تابوت إلاّ إذا كانت رخوةً أو نديةً، قالوا: ولا تنفذ وصيته به إلاّ في مثل هذا الحال»(٣- «المجموع» للنووي: (5/287). انظر: «المغني المحتاج» للشربيني: (1/361)). وهذا كله فيما إذا لَمْ تُهَنْ أجسادُ موتى المسلمين في ديار الكفر بالإتلاف أو الإحراق ونحو ذلك إذا لم تدفع المبالغ المالية على وجه الاستحقاق للإدارة العمومية في ديار الكفر، فإنّ احتمال وجود هذا الشرط يعرِّض موتى المسلمين للابتذال والإهانة ويمنع تجويز الدفن بتلك الأراضي ولو في مقبرة خاصَّة بالمسلمين، سدًّا لذريعة الإهانة والتحقير بأهل الإسلام، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «كَسْرُ عَظْمِ المُؤمِنِ مَيْـتًا كَكَسْرِِهِ حَـيًّا»(٤- أخرجه أبو داود في «الجنائز»: (3207)، وابن ماجه في «الجنائز»: (1616)، وأحمد: (6/5، والطحاوي في «مشكل الآثار»: (2/10، من حديث عائشة رضي الله عنها، وصحّحه الألباني في «الإرواء»: (3/214) رقم (763)، وحسنه الوادعي في «الصحيح المسند»: (1597)).
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: 22 صفر 1428ﻫ الموافق ﻟ: 11 مارس 2007 .
---------------------------------
١- «المجموع» للنووي: (5/287-28.
٢- «المغني» لابن قدامة: (2/503).
٣- «المجموع» للنووي: (5/287). انظر: «المغني المحتاج» للشربيني: (1/361).
٤- أخرجه أبو داود في «الجنائز»: (3207)، وابن ماجه في «الجنائز»: (1616)، وأحمد: (6/5، والطحاوي في «مشكل الآثار»: (2/10، من حديث عائشة رضي الله عنها، وصحّحه الألباني في «الإرواء»: (3/214) رقم (763)، وحسنه الوادعي في «الصحيح المسند»: (1597).
الرابط: http://www.ferkous.com/rep/Be12.php