الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله أما بعد :
الدعوة إلى الله :
إن الدعوة إلى الله عز وجل من أهم المهمات، ومن أعظم الفرائض، والناس في أشد الحاجة إليها سواء كان مجتمعا مسلما أو مجتمعا كافرا.فالمجتمع المسلم بحاجة إلى التنبيه على ما قد يقع فيه من أخطاء ومنكرات، حتى يتدارك ما وقع من ذلك، وحتى يستقيم على طاعة الله ورسوله، وحتى ينتهي عن ما نهى الله عنه ورسوله.. والكافر يدعى إلى الله، ويبين له أن الله خلقه لعبادته، وأن الواجب عليه الدخول في الإسلام والأخذ بما جاء به نبي الهدى عليه أفضل الصلاة والسلام.ولكن الداعي إلى الله يلزمه مراعاة أمور مهمة في الدعوة حتى تكون دعوته ناجحة، وتكون عاقبتها حميدة، أعظمها وأهمها العلم، فلا بد أن يكون لديه العلم، والعلم إنما يؤخذ من كتاب الله العظيم، وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، كما قال عز وجل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ[1]، قال أهل العلم معناه: على علم؛ لأن العلم بالنسبة إلى المعلومات كالبصر بالنسبة للمرئيات، فيجب على العالم أن يعلم كيف يأمر، وكيف ينهى، وكيف يدعو إلى الله، كالبصير الذي يرى أمامه ما يضره من حفر وأشواك ونحو ذلك فيتجنبه.فالحاصل أن الداعي إلى الله يجب أن يكون لديه من العلم والبصيرة والثقافة الإسلامية المستنبطة من كتاب الله وسنة رسوله عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام، ما يمكنه من توجيه الناس إلى الخير، وتحذيرهم من الشر. وينبغي أن يستعين بكتب أهل العلم المعروفين بالاستقامة والفضل وحسن العقيدة، حتى يكون على بصيرة فيما يدعو إليه، وينهى عنه.ثم أمر آخر وهو أن يتحرى في دعوته ويرفق فيها، فإن كان المدعو يمكن أن يستجيب من غير حاجة إلى موعظة وإلى جدال يوضح له الحق بالأدلة الشرعية والأسلوب الحسن، فإذا تقبل ذلك انتهى الموضوع وحصل المقصود.ومما يلزم في ذلك الإخلاص لله، وأن يحذر الرياء، وأن يكون في دعوته قاصدا وجه الله والدار الآخرة، لا يقصد حمد الناس ولا مراءاتهم، ولا يقصد عرضا في الدنيا، إنما يريد وجه الله، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ[2]، وقال سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا[3].وهناك أمر آخر، وهو اختيار الألفاظ المناسبة، والرفق في الكلام، وعدم الغلظة إلا عند الضرورة إليها، كما أمر الله بذلك في قوله جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[4]، وقوله تعالى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[5] وهم الكفار من اليهود والنصارى:إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ[6] فلا بد من الرفق كما قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من يحرم الرفق يحرم الخير كله)) فعلى المسلم في دعوته الرفق، والأسلوب الحسن، حتى يستجاب له، وحتى لا يقابل بالرد أو بالأسلوب الذي لا يناسبه.فإن بعض الناس لما عنده من الشدة وسوء الخلق قد يقابل بالشتم والسب الذي يزيد الطين بلة. فمتى كان الداعي إلى الله ذا أسلوب حسن، حكيما رفيقا فإنه لا يعدم قبول دعوته أو على الأقل الكلام الحسن والمقابلة الحسنة من المدعو، الذي يرجى من الرفق به أن يتأثر بدعوته ويستجيب لها، والله المستعان.
http://www.binbaz.org.sa/mat/73ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــعن المرأة والدعوة إلى الله ماذا تقولون ؟
هي كالرجل عليها الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن النصوص من القرآن الكريم ، والسنة المطهرة تدل على ذلك ، وكلام أهل العلم صريح في ذلك ، فعليها أن تدعو إلى الله ، وتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر بالآداب الشرعية ، التي تطلب من الرجل ، وعليها مع ذلك أن لا يثنيها عن الدعوة إلى الله الجزع وقلة الصبر ، لاحتقار بعض الناس لها أو سبهم لها أو سخريتهم بها ، بل عليها أن تتحمل وتصبر ، ولو رأت من الناس ما يعتبر نوعا من السخرية والاستهزاء ، ثم عليها أن ترعى أمرا آخر ، وهو أن تكون مثالا للعفة والحجاب عن الرجال الأجانب ، وتبتعد عن الاختلاط ، بل تكون دعوتها مع العناية بالتحفظ من كل ما ينكر عليها ، فإن دعت الرجال دعتهم وهي محتجبة بدون خلوة بأحد منهم ، وإن دعت النساء دعتهن بحكمة ، وأن تكون نزيهة في أخلاقها وسيرتها ، حتى لا يعترضن عليها ، ويقلن لماذا ما بدأت بنفسها .وعليها أن تبتعد عن اللباس الذي قد تفتن الناس به ، وأن تكون بعيدة عن كل أسباب الفتنة ، من إظهار المحاسن ، وخضوع في الكلام ، مما ينكر عليها ، بل تكون عندها العناية بالدعوة إلى الله على وجه لا يضر دينها ، ولا يضر سمعتها .http://www.binbaz.org.sa/mat/75
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
الكتب المفيدة في الدعوة :
أعظم كتاب وأشرف كتاب أنصح به هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.فأنصح كل داع إلى الله، وكل آمر بالمعروف وناه عن المنكر، ومعلم ومدرس ومرشد، ذكرا كان أو أنثى، أن يعتني بكتاب الله ويتدبره، ويكثر من قراءته، فهو أصل كل خير، وهو المعلم، وهو الهادي إلى الخير، كما قال عز وجل : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ[7].وهو يهدي بهداية الله إلى الطريق الأقوم، إلى سبيل الرشاد. فالواجب على الدعاة والآمرين بالمعروف، والمعلمين، أن يجتهدوا في قراءته وتدبر معانيه، فإنهم بذلك يستفيدون الفائدة العظيمة، ويتأهلون بذلك للدعوة والتعليم بتوفيق الله عز وجل. ثم أنصح بالسنة، وما جاء فيها من العلم والهدى، وأن يراجع الداعي إلى الله والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والمدرس ذكورا وإناثا، كتب الحديث، وما ألفه الناس في هذا، حتى يستفيد من ذلك، وأهم كتب الحديث وأصحها، صحيح البخاري، وصحيح مسلم، فليكثر من مراجعتهما والاستفادة منهما، ومن بقية كتب الحديث كالسنن الأربع، ومسند الإمام أحمد، وموطأ الإمام مالك وسنن الدارمي وغيرها من كتب الحديث المعروفة.كما أوصي بمراجعة كتب أهل العلم المفيدة، مثل المنتقى للمجد ابن تيمية، ورياض الصالحين، وبلوغ المرام، وعمدة الحديث، وجامع العلم وفضله لابن عبد البر، وجامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب، وزاد المعاد في هدي خير العباد للعلامة ابن القيم، وأعلام الموقعين، وطريق الهجرتين، والطرق الحكمية، كلها له أيضا.فقد ذكر رحمه الله في هذه الكتب الشيء الكثير حول الدعوة، وحول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.فينبغي للمسلم أن يستفيد منها لأنها كتب عظيمة من أئمة وعلماء لهم القدح المعلى في هذا السبيل مع حسن العقيدة، والتجارب الكثيرة.وكذلك ما كتبه أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية في السياسة الشرعية، والحسبة في الفتاوى ومنهاج السنة، فهو من الأئمة العظماء الذين جربوا هذا الأمر، وبرزوا فيه، ونفع الله به الأمة ونصر به الحق، وأذل به البدع وأهلها فجزاه الله وإخوانه العلماء عن صبرهم وجهادهم أفضل ما جزى به المحسنين، إنه جواد كريم. فأنا أنصح كل مسلم، وكل معلم وكل مرشد أن يعتني بهذه الكتب المفيدة بعد العناية بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.كما أوصي بالكتب المؤلفة في هذا الباب من أئمة العلم والهدى في المذاهب الثلاثة، المالكية والشافعية والحنفية، وغير ذلك من كتب الحنابلة المعروفين بالعلم والهدى، وحسن العقيدة.والمقصود أنه يستعين الداعية بكتب أهل العلم التي ألفت في هذا الباب. لأنها ترشده إلى ما يجهله، وتدله على كثير من العلم، قال الله تعالى : وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى8، ولا شك أن التعلم والتبصر من التقوى.http://www.binbaz.org.sa/mat/74
[1] سورة يوسف الآية 108.
[2] سورة النحل الآية 125.
[3] سورة فصلت الآية 33.
[4] سورة النحل الآية 125.
[5] سورة العنكبوت الآية 46.
[6] سورة العنكبوت الآية 46.[ 7]سورة الإسراء الآية 9. [8] سورة البقرة الآية 197.