الحمد لله ، وأصلي واسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه .
وبعد :
فقد روى البخاري عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَيَمْكُثُ هُوَ فِي مَقَامِهِ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ . قَالَ أحد رواة الحديث : نَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ .
قال أهل العلم : " وَلِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِذَلِكَ مِنْ أَحَدِهِمَا يُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ نِسَاءٌ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ إطَالَةُ الْجُلُوسِ ; لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ , وَمِنْكَ السَّلَامُ , تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) , رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وأما ما رواه مسلم عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ : (أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنِّي إِمَامُكُمْ ، فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ ، وَلَا بِالسُّجُودِ ، وَلَا بِالْقِيَامِ ، وَلَا بِالِانْصِرَافِ ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ أَمَامِي وَمِنْ خَلْفِي)
فالمراد بالانصراف هنا : السلام .
قال النووي رحمه الله في " شرح مسلم " ( 4 / 150 ) : " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ ، وَلَا بِالْقِيَامِ ، وَلَا بِالِانْصِرَافِ ) فِيهِ تَحْرِيم هَذِهِ الْأُمُور وَمَا فِي مَعْنَاهَا , وَالْمُرَاد بِالِانْصِرَافِ : السَّلَام " انتهى.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (1/151) : " وللمأموم أن ينصرف إذا قضى الإمام السلام قبل قيام الإمام ، وأن يؤخر ذلك حتى ينصرف بعد انصراف الإمام ، أو معه أحب إلي له " انتهى .
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/32) : " ويستحب للمأمومين أن لا يثبوا قبل الإمام , لئلا يذكر سهوا فيسجد " انتهى .
وقال الشيخ عبد المحسن العباد في شرح ( ما جاء فيمن ينصرف قبل الإمام ) جزء من محاضرة : ( شرح سنن أبي داود [083] ) : " شرح حديث: (أن النبي حضهم على الصلاة، ونهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن ينصرف قبل الإمام] .
حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص بن بغيل المرهبي حدثنا زائدة عن المختار بن فلفل عن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم حضهم على الصلاة، ونهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة) ]. قوله: [ باب فيمن ينصرف قبل الإمام ] الانصراف قبل الإمام يحتمل أن يراد به الانصراف من الصلاة بالسلام، وكما هو معلوم هذا مثل بقية الأركان إذا سلم قبل الإمام فعليه أن يرجع إلى الصلاة، ويسلم بعد ما يسلم الإمام إذا كان سلم ناسياً، وأما التعمد فإنه لا يجوز. وإما أن يراد به انصراف الناس قبل أن ينصرف الإمام، يعني: كونهم يبادرون بالانصراف قبل أن ينحرف الإمام ويقوم من مقامه، وقالوا: إن هذا كان المقصود منه أن النساء كانت تصلي معهم فيؤمرون بأن يبقوا حتى تنصرف النساء ثم ينصرفوا مع الإمام، فالإمام يتأخر في الانصراف، وهم ينصرفون إذا انصرفت النساء، قالوا: إن هذه هي الحكمة في ذلك، وعلى هذا فإن الانصراف يحتمل بأن يكون الانصراف من السلام، وهذا لا يجوز؛ لأنه داخل تحت قوله: (لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالانصراف)، ويحتمل المعنى الثاني: وهو أنهم لا ينصرفون قبل الإمام فيما إذا كان معهم نساء حتى تنصرف النساء، ولا يحصل الاختلاط بين الرجال والنساء. أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه. قوله: [ (ونهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة) ] فقوله: [ (من الصلاة) ] هذا قد يبين أو يرجح أن المقصود هو الانصراف من الصلاة بالسلام. ولا ينبغي للمأموم أن يقوم بعد تسليم الإمام مباشرة، وإنما يمكث ولو فترة وجيزة بحيث ينصرف الإمام إلى المأمومين ويتجه إليهم، وهو لا يبقى إلا مقدار قوله: أستغفر الله! أستغفر الله! أستغفر الله اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. انتهى كلامه حفظه الله .
والحديث ضعيف ، فيه : حفص بن بغيل الموهبي ، قال ابن حزم : مجهول ، وقال ابن القطان : لا يعرف له حال .
عن عبد الله بن مسعود قال : علَّمني النبي صلى الله عليه وسلم التشهد - فذكره إلى " عبده ورسوله " قال عبد الله بن مسعود : فإذا فرغت من صلاتك فإن شئت فاثبت وإن شئت فانصرف .
قال البيهقي في " سنن البيهقي " ( 2 / 175 ) : وهذه اللفظه " فإذا فرغت من صلاتك " إن كانت محفوظة أشبه بما روينا عن ابن مسعود في انقضاء الصلاة بالتسليم ، وبما سنرويه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في التسليم ، وكأنه أراد خلاف من زعم أنه لا يجوز للمأموم أن ينصرف بعد الفراغ من الصلاة قبل انصراف الإمام .انتهى
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .