رد: من كتاب النوازل في الأشربة
النوازل في الإضافات النجسة في المشروبات الغذائية والدوائية :
والمقصود بالإضافات النجسة مشتقات الخنزير والميتة والكحول والدم (على قول بأنها نجسة) .
ومسألة طهارة النجاسات بالاستحالة والخلط لازمة لمسألتنا هذه والتكلم عليها أمر لازم :
تعريف الاستحالة لغة :
الاستحالة مصدر استحال يستحيل ، فهي استفعالة من حال يحول إذا تغير أو انقلب أو زال ، وأصلها اتحوال بوزن استفعال أعلت بحذف حرف العلة وهو الواو .
وحال الشيءُ واستحال : تغير عن طبعه ووصفه ، وكل ما تحول وتغير من استواء إلى عوج فقد حال وستحال .
تعريف الاستحالة في اصطلاح الفقهاء :
لم يعرفها الفقهاء تعريفا اصطلاحيا متفقا عليه ، وألفاظهم لا تخرج على المعنى اللغوي ، منهم من عبر عليها بانقلاب العين أو تغير العين استحالة الشيء .
وهم يقصدون أنه يحصل تغير في العين النجسة يؤدي إلى انقلاب حقيقتها وزوال أعراضها وتبدل أوصافها ، يزول بسببه الاسم الأول لزوال الصفات التي اشتقت منها التسمية وتأخذ اسما جديدا يناسب الصفات الجديدة كانقلاب الخمر خلا والخنزير ملحا وبهذا المعنى تختلف عن تحول الوصف كتحول اللبن جبنا والبر طحينا لأن الحقيقة لم تتغير وإنما تغير الوصف فقط .
تعريف الاستحالة في الإصطلاح العلمي الحديث :
وهو بما يعرف بالتفاعل الكيميائي وعرف بعدة تعاريف :
1 - تغير يطرأ على المادة فيؤثر في جوهرها الأصلي ويغيُّره ويحول المادة إلى مادة جديدة تختلف عن الاولى .
2 - كل تفاعل كيميائي يحول المادة إلى مركب آخر .
3 - هي عبارة عن تحول المادة إلى مادة أخرى ، لها صفات فيزيائية وكيميائية نتيجة للتغيرات الكيميائية في البناء الجزئي للمادة .
ويمثلون الكيميائيون بتحول الزيوت والشحوم إلى صابون .
تعريف الخلط في اللغة :
ضم شيء إلى آخر .
تعريف الخلط في الاصطلاح :
1 - الجمع بين أجزاء شيئين فأكثر مائعين أو جامدين أو متخالفين .
2 - ضم الشيء إلى غيره . وهذا التعريف لا يخرج على المعنى اللغوي .
وحقيقة الخلط بالنسبة للأطعمة والأشربة هو امتزاج مادة محرمة أو نجسة بمادة طاهرة حلال .
فإذا تقاربت نسبة الكميات المخلوطة بقيت كل مادة محتفظة بصفاتها وتأثيرها .
أما عما يسمى بالاستهلاك1 فقد اتفق الفقهاء فيما يخص استهلاك المواد النجسة أو المحرمة في الماء يصيرها طاهرة وذلك لما في خصوصية ذلك في الماء من التطهير وقوة دفع النجاسات ، أما استهلاك المواد المحرمة أو النجسة في غير الماء من المائعات فمحل خلاف بين الفقهاء .
خلاف الفقهاء في طهارة الأعيان النجسة بالإستحالة :
تحرير محل النزاع :
اتفق الفقهاء على أن الخمر إذا استحالت بنفسها إلى خل طهرت وحل شربها ، كما حكى ذلك ابن رشد في بداية المجتهد .
واختلفوا في الاستحالة التي تتم بفعل الإنسان كتخليل الخمر بوضع شيء فيه أو قصد تخليلها بأي طريقة وفي طهارة الأعيان النجسة بالاستحالة كالخنزير والكلب إذا وقعا في مملحة فاستحالا ملحا وطهارة جلد الميتة بالدباغ وطهارة الزرع الذي يسقى بالماء النجس والصابون الذي يصنع من زيت نجس ونحوه .
الخلاف في الخمر إذا خُللت :
القول الأول : يحل تخليل الخمر بوضع شيء فيها وإذا خللت حلت وطهرت . وهو مذهب الحنفية ، والمشهور من مذهب المالكية .
واستدلوا :
الدليل الأول :
قول الله تعالى : ﴿ ويحِلّ لهم الطّيِّباتِ ويحرِّم عليْهِم الْخبائِث ﴾[ الأعراف:157] .
وجه الاستدلال من الآية أن الخمر بعد تخليلها قد تغيرت إلى خل والخل طيب بالإتفاق ولا فرق إذا تخلل بنفسه أو بفعل فاعل .
ونوقش بأنه عموم وقد خصص بالأحاديث التي استدل بها أصحاب القول الثاني .
الدليل الثاني:
ما رواه مسلم في صحيحه كتاب الأشربة باب فضيلة الخل والتأدم به قال : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِى بِشْرٍ عَنْ أَبِى سُفْيَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ أَهْلَهُ الأُدُمَ فَقَالُوا مَا عِنْدَنَا إِلاَّ خَلٌّ فَدَعَا بِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ بِهِ وَيَقُولُ نِعْمَ الأُدُمُ الْخَلُّ نِعْمَ الأُدُمُ الْخَلُّ .
ونوقش بأنه عموم وقد خصص بالأحاديث التي استدل بها أصحاب القول الثاني .
الدليل الثالث:
ما رواه البيهقي في السنن الكبير كتاب الرهن باب ذكر الخبر الذي ورد في خل قال : أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ : عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّهْقَانِ بِالْكُوفَةِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِى غَرَزَةَ أَخْبَرَنَا حَسَنُ بْنُ قُتَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُوَ هُوَ ابْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :« مَا أَقْفَرَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ أُدْمٍ فِيهِ خَلٌّ وَخَيْرُ خَلِّكُمْ خَلُّ خَمْرِكُمْ ».
{ج} قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : هَذَا حَدِيثٌ وَاهِى وَالْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ صَاحِبُ مَنَاكِيرَ. {ق} قَالَ الشَّيْخُ : وَأَهْلُ الْحِجَازِ يَقُولُونَ لِخَلِّ الْعِنَبِ خَلُّ الْخَمْرِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْخَبَرِ إِنْ صَحَّ الْخَبَرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ خَمْرًا تَخَلَّلَتْ بِنَفْسِهَا.
وجه الاستدلال من الحديثين أن النبي صلى الله عليه وسلم ﷺ امتدح الخل وهذا شامل لجميع أنواع الخل ، ولا فرق بين ذلك ما تخلل بنفسه وبين ما تخلل بفعل فاعل لأن التخليل سبب لحصول الحل فلا يكون موجبا للحرمة بل يكون من الحكمة .
والحديث الذي رواه البيهقي منكر كما ذكر العلامة المحدث الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (198/3) ح 1199 .
الدليل الرابع:
ما رواه الطبراني في الأوسط قال : [حدثنا أحمد بن خليد قال حدثنا محمد بن عيسى الطباع قال حدثنا فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة ] أم سلمة زوج النبي : أنها كانت لها شاة تحلبها ففقدها رسول الله فسأل عنها أم سلمة فقالت أم سلمة ماتت يا رسول الله قال أفلا انتفعتم بإهابها قالوا يا رسول الله إنها ميتة فقال النبي يحلها دباغها كما يحل خل الخمر. [لم يرو هذا الحديث عن يحيى بن سعيد إلا فرج بن فضالة] .
ورواه في موضع آخر قال : [حدثنا هيثم بن خالد المصيصي ثنا محمد بن عيسى الطباع نا فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن أم سلمة أنها كانت لها شاة تحتلبها ففقدها النبي صلى الله عليه و سلم فقال ما فعلت شاتكم قالوا ماتت قال أفلا انتفعتم بإهابها قلنا إنها ميتة قال إن دباغها يحلها كما يحل الخل الخمر لم يرو هذا الحديث عن يحيى بن سعيد إلا فرج بن فضالة ولا يروى عن أم سلمة إلا بهذا الإسناد] .
وفرج بن فضالة ضعيف كما ذكر الدارقطني في سننه والبيهقي في سننه الكبير ايضا .
وجه الاستدلال من الحديث : أن الدباغ إنما يكون من صنع العباد ، فتبين بذلك أن المقصود هو التخليل الذي يكون بصنع العباد .
الدليل الخامس:
أن الخمر إذا انتقلت من التخمير إلى التخليل فإنها تطهر لأن النجاسة فيها متعلقة بالشدة والإسكار فإذا زال ذلك ذهب التنجس ، والتحريم والنجاسة يدوران مع العلة وجودا وعدما ، ولا فرق في ذلك بين ما تخلل بنفسه أو بفعل فاعل .
القول الثاني : لا يحل تخليل الخمر وإن خللت لم تحل ولم تطهر ، وهو المشهور من مذهب الشافعية والظاهر من مذهب الحنابلة .
واستدلوا بما يأتي :
الدليل الأول :
قال مسلم في صحيحه كتاب الأشربة باب تحريم تخليل الخمر : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ السُّدِّىِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلاًّ فَقَالَ لاَ .
الدليل الثاني:
قال أبو داود في سننه في كتاب الأشربة باب ما جاء في الخمر تخلل : حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ السُّدِّىِّ عَنْ أَبِى هُبَيْرَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا قَالَ أَهْرِقْهَا قَالَ أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلًّا قَالَ لَا . والحديث صححه الألباني في سنن أبي داود .
وجه الاستدلال من الحديثين : أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن تخليل الخمر فنهى عنه ، وأمر بإراقتها ولما أمر بإراقة خمر الأيتام ومال الأيتام أولى الأموال بالحفظ والرعاية .
وقد رجح المؤلف حفظه الله القول الأول فقال :
الراجح -والله أعلم- ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من القول بطهارة الخمر بالتخليل ، لأن الأحكام الشرعية مرتبة على حقائق الأشياء وصفاتها ، فإذا تغيرت تلك الحقائق وتبدلت تلك الصفات ، تغيرت الأحكام الشرعية تبعا لذلك ، وأما الأحاديث التي وردت فيها النهي عن التخليل فإنها كانت في بداية الأمر ، فحملها على التغليظ والزجر أولى ، وقد أومأ إلى هذا المعنى بعض المحدثين منهم البخاري كما في كتاب المظالم باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر والقرطبي في تفسيره والحافظ ابن حجر عند شرحه لقول البخاري السابق والشوكاني في نيل الأوطار ، وقال الزيلعي رحمه الله كما في نصب الراية :وَهَذَا صَرِيحٌ في التغليظ، لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافَ مَالِ الْغَيْرِ، وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ إرَاقَةُ الدِّنَانِ ، وَالزِّقَاقِ ، وَتَطْهِيرُهَا ، وَلَكِنْ قَصَدَ بِإِتْلَافِهَا التَّشْدِيدَ ، لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الرَّدْعِ . ومما يدل على أن النهي كان للزجر تعويضه صلى الله عليه وسلم للأيتام . وذلك ما رواه أبو يعلى في مسنده 2 .
---------------------
1 - الاستهلاك هو امتزاج لمادة بالماء بحيث يذهب كل صفات تلك المادة الاخرى طعمها ولونها ورائحتها فلا يبقى لها أثر أي .
2 - (404/3) ح 1884 : حدثنا جعفر بن حميد الكوفيأ حدثنا يعقوب يعني : القميب عن عيسى بن جاريةج عن جابر قال : كان رجل يحمل الخمر من خيبر إلى المدينة فيبيعها من المسلمين فحمل منها بمال فقدم به المدينة فلقيه رجل من المسلمين فقال : يا فلان إن الخمر قد حرمت فوضعها حيث انتهى على تل وسجى عليها بالأكسية ثم أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله بلغني أن الخمر قد حرمت قال : أجل قال : إلى أن أردها على من ابتعتها منه قال : لا يصلح ردها قال : إلى أن أهديها لمن يكافئني منها قال : لا قال : إن فيها مالا ليتامى في حجري قال : إذا أتانا مال البحرين فأتنا نعوض أيتامك من مالهم ثم نادى بالمدينة قال : فقال الرجل : يا رسول الله الأوعية ننتفع بها ؟ قال : فحلوا أوكيتها فانصبت حتى استقرت في بطن الوادي .
أ - وثقه ابن الجوزي وذكره ابن حبان في الثقات وابن حجر والذهبي .
ب - وثقه يحيى بن معين والطبراني وذكره ابن حبان في الثقات وقال النسائي ليس به بأس وقال الحافظ في التقريب صدوق يهم وقال الدارقطني ليس بالقوي
ج - قال بن عدي أحاديثه غير محفوظة وضعفه العقلي وقال ابن معين يروي عنه يعقوب القمي لا أعلم روى عنه غيره وحديثه ليس بذاك ، ومرة : عنده أحاديث مناكير وقال أبو داود منكر الحديث ومرة ما أعرفه روى المناكير وقال النسائي منكر الحديث وقال الحافظ في التقريب فيه لين .
النوازل في الإضافات النجسة في المشروبات الغذائية والدوائية :
والمقصود بالإضافات النجسة مشتقات الخنزير والميتة والكحول والدم (على قول بأنها نجسة) .
ومسألة طهارة النجاسات بالاستحالة والخلط لازمة لمسألتنا هذه والتكلم عليها أمر لازم :
تعريف الاستحالة لغة :
الاستحالة مصدر استحال يستحيل ، فهي استفعالة من حال يحول إذا تغير أو انقلب أو زال ، وأصلها اتحوال بوزن استفعال أعلت بحذف حرف العلة وهو الواو .
وحال الشيءُ واستحال : تغير عن طبعه ووصفه ، وكل ما تحول وتغير من استواء إلى عوج فقد حال وستحال .
تعريف الاستحالة في اصطلاح الفقهاء :
لم يعرفها الفقهاء تعريفا اصطلاحيا متفقا عليه ، وألفاظهم لا تخرج على المعنى اللغوي ، منهم من عبر عليها بانقلاب العين أو تغير العين استحالة الشيء .
وهم يقصدون أنه يحصل تغير في العين النجسة يؤدي إلى انقلاب حقيقتها وزوال أعراضها وتبدل أوصافها ، يزول بسببه الاسم الأول لزوال الصفات التي اشتقت منها التسمية وتأخذ اسما جديدا يناسب الصفات الجديدة كانقلاب الخمر خلا والخنزير ملحا وبهذا المعنى تختلف عن تحول الوصف كتحول اللبن جبنا والبر طحينا لأن الحقيقة لم تتغير وإنما تغير الوصف فقط .
تعريف الاستحالة في الإصطلاح العلمي الحديث :
وهو بما يعرف بالتفاعل الكيميائي وعرف بعدة تعاريف :
1 - تغير يطرأ على المادة فيؤثر في جوهرها الأصلي ويغيُّره ويحول المادة إلى مادة جديدة تختلف عن الاولى .
2 - كل تفاعل كيميائي يحول المادة إلى مركب آخر .
3 - هي عبارة عن تحول المادة إلى مادة أخرى ، لها صفات فيزيائية وكيميائية نتيجة للتغيرات الكيميائية في البناء الجزئي للمادة .
ويمثلون الكيميائيون بتحول الزيوت والشحوم إلى صابون .
تعريف الخلط في اللغة :
ضم شيء إلى آخر .
تعريف الخلط في الاصطلاح :
1 - الجمع بين أجزاء شيئين فأكثر مائعين أو جامدين أو متخالفين .
2 - ضم الشيء إلى غيره . وهذا التعريف لا يخرج على المعنى اللغوي .
وحقيقة الخلط بالنسبة للأطعمة والأشربة هو امتزاج مادة محرمة أو نجسة بمادة طاهرة حلال .
فإذا تقاربت نسبة الكميات المخلوطة بقيت كل مادة محتفظة بصفاتها وتأثيرها .
أما عما يسمى بالاستهلاك1 فقد اتفق الفقهاء فيما يخص استهلاك المواد النجسة أو المحرمة في الماء يصيرها طاهرة وذلك لما في خصوصية ذلك في الماء من التطهير وقوة دفع النجاسات ، أما استهلاك المواد المحرمة أو النجسة في غير الماء من المائعات فمحل خلاف بين الفقهاء .
خلاف الفقهاء في طهارة الأعيان النجسة بالإستحالة :
تحرير محل النزاع :
اتفق الفقهاء على أن الخمر إذا استحالت بنفسها إلى خل طهرت وحل شربها ، كما حكى ذلك ابن رشد في بداية المجتهد .
واختلفوا في الاستحالة التي تتم بفعل الإنسان كتخليل الخمر بوضع شيء فيه أو قصد تخليلها بأي طريقة وفي طهارة الأعيان النجسة بالاستحالة كالخنزير والكلب إذا وقعا في مملحة فاستحالا ملحا وطهارة جلد الميتة بالدباغ وطهارة الزرع الذي يسقى بالماء النجس والصابون الذي يصنع من زيت نجس ونحوه .
الخلاف في الخمر إذا خُللت :
القول الأول : يحل تخليل الخمر بوضع شيء فيها وإذا خللت حلت وطهرت . وهو مذهب الحنفية ، والمشهور من مذهب المالكية .
واستدلوا :
الدليل الأول :
قول الله تعالى : ﴿ ويحِلّ لهم الطّيِّباتِ ويحرِّم عليْهِم الْخبائِث ﴾[ الأعراف:157] .
وجه الاستدلال من الآية أن الخمر بعد تخليلها قد تغيرت إلى خل والخل طيب بالإتفاق ولا فرق إذا تخلل بنفسه أو بفعل فاعل .
ونوقش بأنه عموم وقد خصص بالأحاديث التي استدل بها أصحاب القول الثاني .
الدليل الثاني:
ما رواه مسلم في صحيحه كتاب الأشربة باب فضيلة الخل والتأدم به قال : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِى بِشْرٍ عَنْ أَبِى سُفْيَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ أَهْلَهُ الأُدُمَ فَقَالُوا مَا عِنْدَنَا إِلاَّ خَلٌّ فَدَعَا بِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ بِهِ وَيَقُولُ نِعْمَ الأُدُمُ الْخَلُّ نِعْمَ الأُدُمُ الْخَلُّ .
ونوقش بأنه عموم وقد خصص بالأحاديث التي استدل بها أصحاب القول الثاني .
الدليل الثالث:
ما رواه البيهقي في السنن الكبير كتاب الرهن باب ذكر الخبر الذي ورد في خل قال : أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ : عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّهْقَانِ بِالْكُوفَةِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِى غَرَزَةَ أَخْبَرَنَا حَسَنُ بْنُ قُتَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُوَ هُوَ ابْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :« مَا أَقْفَرَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ أُدْمٍ فِيهِ خَلٌّ وَخَيْرُ خَلِّكُمْ خَلُّ خَمْرِكُمْ ».
{ج} قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : هَذَا حَدِيثٌ وَاهِى وَالْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ صَاحِبُ مَنَاكِيرَ. {ق} قَالَ الشَّيْخُ : وَأَهْلُ الْحِجَازِ يَقُولُونَ لِخَلِّ الْعِنَبِ خَلُّ الْخَمْرِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْخَبَرِ إِنْ صَحَّ الْخَبَرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ خَمْرًا تَخَلَّلَتْ بِنَفْسِهَا.
وجه الاستدلال من الحديثين أن النبي صلى الله عليه وسلم ﷺ امتدح الخل وهذا شامل لجميع أنواع الخل ، ولا فرق بين ذلك ما تخلل بنفسه وبين ما تخلل بفعل فاعل لأن التخليل سبب لحصول الحل فلا يكون موجبا للحرمة بل يكون من الحكمة .
والحديث الذي رواه البيهقي منكر كما ذكر العلامة المحدث الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (198/3) ح 1199 .
الدليل الرابع:
ما رواه الطبراني في الأوسط قال : [حدثنا أحمد بن خليد قال حدثنا محمد بن عيسى الطباع قال حدثنا فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة ] أم سلمة زوج النبي : أنها كانت لها شاة تحلبها ففقدها رسول الله فسأل عنها أم سلمة فقالت أم سلمة ماتت يا رسول الله قال أفلا انتفعتم بإهابها قالوا يا رسول الله إنها ميتة فقال النبي يحلها دباغها كما يحل خل الخمر. [لم يرو هذا الحديث عن يحيى بن سعيد إلا فرج بن فضالة] .
ورواه في موضع آخر قال : [حدثنا هيثم بن خالد المصيصي ثنا محمد بن عيسى الطباع نا فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن أم سلمة أنها كانت لها شاة تحتلبها ففقدها النبي صلى الله عليه و سلم فقال ما فعلت شاتكم قالوا ماتت قال أفلا انتفعتم بإهابها قلنا إنها ميتة قال إن دباغها يحلها كما يحل الخل الخمر لم يرو هذا الحديث عن يحيى بن سعيد إلا فرج بن فضالة ولا يروى عن أم سلمة إلا بهذا الإسناد] .
وفرج بن فضالة ضعيف كما ذكر الدارقطني في سننه والبيهقي في سننه الكبير ايضا .
وجه الاستدلال من الحديث : أن الدباغ إنما يكون من صنع العباد ، فتبين بذلك أن المقصود هو التخليل الذي يكون بصنع العباد .
الدليل الخامس:
أن الخمر إذا انتقلت من التخمير إلى التخليل فإنها تطهر لأن النجاسة فيها متعلقة بالشدة والإسكار فإذا زال ذلك ذهب التنجس ، والتحريم والنجاسة يدوران مع العلة وجودا وعدما ، ولا فرق في ذلك بين ما تخلل بنفسه أو بفعل فاعل .
القول الثاني : لا يحل تخليل الخمر وإن خللت لم تحل ولم تطهر ، وهو المشهور من مذهب الشافعية والظاهر من مذهب الحنابلة .
واستدلوا بما يأتي :
الدليل الأول :
قال مسلم في صحيحه كتاب الأشربة باب تحريم تخليل الخمر : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ السُّدِّىِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلاًّ فَقَالَ لاَ .
الدليل الثاني:
قال أبو داود في سننه في كتاب الأشربة باب ما جاء في الخمر تخلل : حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ السُّدِّىِّ عَنْ أَبِى هُبَيْرَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا قَالَ أَهْرِقْهَا قَالَ أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلًّا قَالَ لَا . والحديث صححه الألباني في سنن أبي داود .
وجه الاستدلال من الحديثين : أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن تخليل الخمر فنهى عنه ، وأمر بإراقتها ولما أمر بإراقة خمر الأيتام ومال الأيتام أولى الأموال بالحفظ والرعاية .
وقد رجح المؤلف حفظه الله القول الأول فقال :
الراجح -والله أعلم- ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من القول بطهارة الخمر بالتخليل ، لأن الأحكام الشرعية مرتبة على حقائق الأشياء وصفاتها ، فإذا تغيرت تلك الحقائق وتبدلت تلك الصفات ، تغيرت الأحكام الشرعية تبعا لذلك ، وأما الأحاديث التي وردت فيها النهي عن التخليل فإنها كانت في بداية الأمر ، فحملها على التغليظ والزجر أولى ، وقد أومأ إلى هذا المعنى بعض المحدثين منهم البخاري كما في كتاب المظالم باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر والقرطبي في تفسيره والحافظ ابن حجر عند شرحه لقول البخاري السابق والشوكاني في نيل الأوطار ، وقال الزيلعي رحمه الله كما في نصب الراية :وَهَذَا صَرِيحٌ في التغليظ، لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافَ مَالِ الْغَيْرِ، وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ إرَاقَةُ الدِّنَانِ ، وَالزِّقَاقِ ، وَتَطْهِيرُهَا ، وَلَكِنْ قَصَدَ بِإِتْلَافِهَا التَّشْدِيدَ ، لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الرَّدْعِ . ومما يدل على أن النهي كان للزجر تعويضه صلى الله عليه وسلم للأيتام . وذلك ما رواه أبو يعلى في مسنده 2 .
---------------------
1 - الاستهلاك هو امتزاج لمادة بالماء بحيث يذهب كل صفات تلك المادة الاخرى طعمها ولونها ورائحتها فلا يبقى لها أثر أي .
2 - (404/3) ح 1884 : حدثنا جعفر بن حميد الكوفيأ حدثنا يعقوب يعني : القميب عن عيسى بن جاريةج عن جابر قال : كان رجل يحمل الخمر من خيبر إلى المدينة فيبيعها من المسلمين فحمل منها بمال فقدم به المدينة فلقيه رجل من المسلمين فقال : يا فلان إن الخمر قد حرمت فوضعها حيث انتهى على تل وسجى عليها بالأكسية ثم أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله بلغني أن الخمر قد حرمت قال : أجل قال : إلى أن أردها على من ابتعتها منه قال : لا يصلح ردها قال : إلى أن أهديها لمن يكافئني منها قال : لا قال : إن فيها مالا ليتامى في حجري قال : إذا أتانا مال البحرين فأتنا نعوض أيتامك من مالهم ثم نادى بالمدينة قال : فقال الرجل : يا رسول الله الأوعية ننتفع بها ؟ قال : فحلوا أوكيتها فانصبت حتى استقرت في بطن الوادي .
أ - وثقه ابن الجوزي وذكره ابن حبان في الثقات وابن حجر والذهبي .
ب - وثقه يحيى بن معين والطبراني وذكره ابن حبان في الثقات وقال النسائي ليس به بأس وقال الحافظ في التقريب صدوق يهم وقال الدارقطني ليس بالقوي
ج - قال بن عدي أحاديثه غير محفوظة وضعفه العقلي وقال ابن معين يروي عنه يعقوب القمي لا أعلم روى عنه غيره وحديثه ليس بذاك ، ومرة : عنده أحاديث مناكير وقال أبو داود منكر الحديث ومرة ما أعرفه روى المناكير وقال النسائي منكر الحديث وقال الحافظ في التقريب فيه لين .
تعليق