حكم الاختلاط
الشيخ عبد الرزاق البدر
إن الدينَ الإسلاميَّ الحنيف بتوجيهاته السديدة وإرشاداته الحكيمة صان المرأةَ المسلمة ، وحفظَ لها شرفها وكرامتها، وتكفَّل لها بعزِّها وسعادتها وهيَّأ لها أسباب العيش الهنيء بعيداً عن مواطن الرِيَبِ والفتن والشر والفساد ، وهذا كله رحمةً من الله بعباده حيث أنزل لهم شريعته ناصحةً لهم ومُصلحةً لفاسدهم ومقوِّمةً لاعوجاجهم ومتكفِّلةً بسعادتهم ؛ ومن ذلك ما شرعه الله تبارك وتعالى من التدابير الوقائية العظيمة والإجراءات العلاجية القويمة التي تقطع دابر الفتنة بين الرجال والنساء ، وتعين على اجتناب الموبقات والبعد عن الفواحش المهلكات رحمةً منه بهم وصيانةً لأعراضهم وحمايةً لهم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة .
وقد جاء في الإسلام ما يدل على أن الفتنة بالنساء إذا وقعت يترتب عليها من المفاسد والمضار ما لا يُدرَكُ مداه ولا تُحمَد عقباه ، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ))[1]، وعن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ ))[2].
ومن يتأمل التاريخ على طول مداه يجد ذلك ؛ فإن من أكبر أسباب انهيار الحضارات وتفكك المجتمعات وتحلُّل الأخلاق وفساد القيم وفُشوا الجريمة هو تبرج المرأة ومخالطتُها للرجال ، ومبالغتُها في الزينة والاختلاط ، وخَلوتُها مع الأجانب ، وارتيادها للمنتديات والمجالس العامة وهي في أتم زينتها وأبهى حلَّتها وأكمل تعطُّرها .
والإسلام لم يفرض على المرأة الحجاب ولم يمنعها من تلك الأمور إلا ليصونها عن الابتذال ، وليحميَها من التعرض للريبة والفحش ، وليمنعها من الوقوع في الجريمة والفساد ، وليكسوَها بذلك حُلَّة التقوى والطهارة والعفاف ، وسدَّ بذلك كلَّ ذريعةٍ تفضي إلى الفاحشة ، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] ، وقال تعالى : {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [الأحزاب:53] ، وقال تعالى : {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ...} الآية [النور:31] ، وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب:59]، وقال تعالى : {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب:32].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ ))[3].
وعن أم حميد الساعدية رضي الله عنها أَنَّهَا جَاءَتْ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ ، قَالَ : (( قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي ، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي ))[4]. وعن أبى هريرة رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا ، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا))[5].
كل ذلك حفظًا للمرأة من الاختلاط بالرجال ومزاحمتهم ؛ وهذا في حال العبادة والصلاة التي يكون فيها المسلم أو المسلمة أبعد ما يكون عن وسوسة الشيطان وإغوائه ، فكيف إذاً بالأمر في الأسواق والأماكن العامة ونحو ذلك ؟!
ولما دخلت على عائشة رضي الله عنها مولاةٌ لها وقالت : يا أم المؤمنين طُفتُ بالبيت سبعا واستلمت الركن مرتين أو ثلاثا ، فقالت عائشة رضي الله عنها : (( لا آجرَك الله، لا آجرك الله، تدافعين الرجال ألا كبرت ومَررتِ؟! )) قالت لها ذلك مع أنها في أشرف مكان وخيرِ بقعة ومكانِ طاعة جوارَ الكعبة ؛ فكيف الأمر بمن تزاحمُ الرجال في الأسواق والأماكن العامة وهي في كامل زينتها وأجمل حليتها ؟! .
فهنيئا للمرأة المسلمة إذا عاشت حياتها ممتثلةً هذا التوجيه الكريم والهدي القويم غير ملتفتة إلى الهَمَلِ من الناس من دعاة الفاحشة والفتنة {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}[النساء:27].
ثم إن الإسلام إنما حرَّم على المرأة ذلك ومنعها منه حمايةً لها وللمجتمع كلِّه من أن تنحلَّ أخلاقه وتتفكّك عُراه وتفشوَ فيه الجريمة ويعظمَ فيه الفساد . قال العلامة ابن القيم رحمه الله : " ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهنّ بالرجال أصل كلِّ بليةٍ وشر ، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة ، كما أنه من أعظم أسباب فساد أمور العامة والخاصة ، واختلاط الرجال بالنساء سببٌ لكثرة الفواحش والزنا ، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة " انتهى كلامه رحمه الله .
وثمةَ أصل عظيمٌ لابد من التنبيه عليه ألا وهو : أن أحكام الشرع المتعلقة بالمرأة أو غيرها محكمةٌ غاية الإحكام متقنةٌ غاية الإتقان لا نقص فيها ولا خلل ولا ظلم فيها ولا زلل ، كيف وهي أحكام خير الحاكمين وتنزيل رب العالمين !! الحكيمُ في تدبيره ، البصيرُ بعباده ، العليم بما فيه سعادتهم وفلاحهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة ، ولهذا فإن من أعظم العدوان وأشد الإثم والهوان أن يقال في شيء من أحكام الله المتعلقة بالمرأة أو غيرها أن فيها ظلماً أو هضماً أو إجحافاً أو زللاً ، ومن قال ذلك أو شيئاً منه فما قدَر ربه حق قدره ولا وقَّره حق توقيره والله جلّ وعلا يقول : {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح:13] أي لا تعاملونه معاملة من توقرونه . والتوقير: التعظيم ؛ ومن توقيره سبحانه أن تُلتزم أحكامه وتُطاع أوامره ويُعتقد أن فيها السلامة والكمال والرفعة ، ومن اعتقد فيها خلاف ذلك فما أبعده عن الوقار وما أجدره في الدنيا والآخرة بالخزي والعار .
اللهم اشرح صدورنا لالتزام شرعك والتمسك بدينك ، وجنِّبنا اللهم الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن ، اللهم وأصلح نساء المسلمين وبناتهم .
________________
[1] رواه البخاري (5096) ، ومسلم (2740) .
[2] رواه مسلم (2742) .
[3] رواه الترمذي (1173) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن الترمذي) (936) .
[4] رواه أحمد (6/371) ، وحسنه الألباني رحمه الله في (صحيح الترغيب) (340) .
[5] رواه مسلم (440) .
الشيخ عبد الرزاق البدر
إن الدينَ الإسلاميَّ الحنيف بتوجيهاته السديدة وإرشاداته الحكيمة صان المرأةَ المسلمة ، وحفظَ لها شرفها وكرامتها، وتكفَّل لها بعزِّها وسعادتها وهيَّأ لها أسباب العيش الهنيء بعيداً عن مواطن الرِيَبِ والفتن والشر والفساد ، وهذا كله رحمةً من الله بعباده حيث أنزل لهم شريعته ناصحةً لهم ومُصلحةً لفاسدهم ومقوِّمةً لاعوجاجهم ومتكفِّلةً بسعادتهم ؛ ومن ذلك ما شرعه الله تبارك وتعالى من التدابير الوقائية العظيمة والإجراءات العلاجية القويمة التي تقطع دابر الفتنة بين الرجال والنساء ، وتعين على اجتناب الموبقات والبعد عن الفواحش المهلكات رحمةً منه بهم وصيانةً لأعراضهم وحمايةً لهم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة .
وقد جاء في الإسلام ما يدل على أن الفتنة بالنساء إذا وقعت يترتب عليها من المفاسد والمضار ما لا يُدرَكُ مداه ولا تُحمَد عقباه ، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ))[1]، وعن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ ))[2].
ومن يتأمل التاريخ على طول مداه يجد ذلك ؛ فإن من أكبر أسباب انهيار الحضارات وتفكك المجتمعات وتحلُّل الأخلاق وفساد القيم وفُشوا الجريمة هو تبرج المرأة ومخالطتُها للرجال ، ومبالغتُها في الزينة والاختلاط ، وخَلوتُها مع الأجانب ، وارتيادها للمنتديات والمجالس العامة وهي في أتم زينتها وأبهى حلَّتها وأكمل تعطُّرها .
والإسلام لم يفرض على المرأة الحجاب ولم يمنعها من تلك الأمور إلا ليصونها عن الابتذال ، وليحميَها من التعرض للريبة والفحش ، وليمنعها من الوقوع في الجريمة والفساد ، وليكسوَها بذلك حُلَّة التقوى والطهارة والعفاف ، وسدَّ بذلك كلَّ ذريعةٍ تفضي إلى الفاحشة ، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] ، وقال تعالى : {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [الأحزاب:53] ، وقال تعالى : {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ...} الآية [النور:31] ، وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب:59]، وقال تعالى : {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب:32].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ ))[3].
وعن أم حميد الساعدية رضي الله عنها أَنَّهَا جَاءَتْ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ ، قَالَ : (( قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي ، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي ))[4]. وعن أبى هريرة رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا ، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا))[5].
كل ذلك حفظًا للمرأة من الاختلاط بالرجال ومزاحمتهم ؛ وهذا في حال العبادة والصلاة التي يكون فيها المسلم أو المسلمة أبعد ما يكون عن وسوسة الشيطان وإغوائه ، فكيف إذاً بالأمر في الأسواق والأماكن العامة ونحو ذلك ؟!
ولما دخلت على عائشة رضي الله عنها مولاةٌ لها وقالت : يا أم المؤمنين طُفتُ بالبيت سبعا واستلمت الركن مرتين أو ثلاثا ، فقالت عائشة رضي الله عنها : (( لا آجرَك الله، لا آجرك الله، تدافعين الرجال ألا كبرت ومَررتِ؟! )) قالت لها ذلك مع أنها في أشرف مكان وخيرِ بقعة ومكانِ طاعة جوارَ الكعبة ؛ فكيف الأمر بمن تزاحمُ الرجال في الأسواق والأماكن العامة وهي في كامل زينتها وأجمل حليتها ؟! .
فهنيئا للمرأة المسلمة إذا عاشت حياتها ممتثلةً هذا التوجيه الكريم والهدي القويم غير ملتفتة إلى الهَمَلِ من الناس من دعاة الفاحشة والفتنة {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}[النساء:27].
ثم إن الإسلام إنما حرَّم على المرأة ذلك ومنعها منه حمايةً لها وللمجتمع كلِّه من أن تنحلَّ أخلاقه وتتفكّك عُراه وتفشوَ فيه الجريمة ويعظمَ فيه الفساد . قال العلامة ابن القيم رحمه الله : " ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهنّ بالرجال أصل كلِّ بليةٍ وشر ، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة ، كما أنه من أعظم أسباب فساد أمور العامة والخاصة ، واختلاط الرجال بالنساء سببٌ لكثرة الفواحش والزنا ، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة " انتهى كلامه رحمه الله .
وثمةَ أصل عظيمٌ لابد من التنبيه عليه ألا وهو : أن أحكام الشرع المتعلقة بالمرأة أو غيرها محكمةٌ غاية الإحكام متقنةٌ غاية الإتقان لا نقص فيها ولا خلل ولا ظلم فيها ولا زلل ، كيف وهي أحكام خير الحاكمين وتنزيل رب العالمين !! الحكيمُ في تدبيره ، البصيرُ بعباده ، العليم بما فيه سعادتهم وفلاحهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة ، ولهذا فإن من أعظم العدوان وأشد الإثم والهوان أن يقال في شيء من أحكام الله المتعلقة بالمرأة أو غيرها أن فيها ظلماً أو هضماً أو إجحافاً أو زللاً ، ومن قال ذلك أو شيئاً منه فما قدَر ربه حق قدره ولا وقَّره حق توقيره والله جلّ وعلا يقول : {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح:13] أي لا تعاملونه معاملة من توقرونه . والتوقير: التعظيم ؛ ومن توقيره سبحانه أن تُلتزم أحكامه وتُطاع أوامره ويُعتقد أن فيها السلامة والكمال والرفعة ، ومن اعتقد فيها خلاف ذلك فما أبعده عن الوقار وما أجدره في الدنيا والآخرة بالخزي والعار .
اللهم اشرح صدورنا لالتزام شرعك والتمسك بدينك ، وجنِّبنا اللهم الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن ، اللهم وأصلح نساء المسلمين وبناتهم .
*********
[1] رواه البخاري (5096) ، ومسلم (2740) .
[2] رواه مسلم (2742) .
[3] رواه الترمذي (1173) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن الترمذي) (936) .
[4] رواه أحمد (6/371) ، وحسنه الألباني رحمه الله في (صحيح الترغيب) (340) .
[5] رواه مسلم (440) .