حكم إلقاء خطبة الجمعة بلغة أعجميَّةٍ؟
* الجواب: قد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أقوال ثلاثة:
(1): القول الأول: أن إلقاء خطبة الجمعة باللغة العربية شرط من شروط صحتها، سواء ذلك مع العجز او القدرة، وهو قول المالكية (*)
(2): القول الثاني: أنَّ إلقاء خطبة الجمعة باللغة العربية ليس شرطاً من شروط صحتها، سواء ذلك مع العجز أو القدرة، وهو قول الحنفية، وبه قال بعض الشافعية والحنابلة (**)
(3): القول الثالث: أنَّ إلقاء خطبة الجمعة باللغة العربية شرط من شروط صحتها حال القدرة، ويسقط بالعجز، وهو قول محمد بن الحسن وأبي يوسف صاحبي أبي حنيفة، وهو المشهور من مذهب الحنابلة، والمصحح من مذهب الشافعية ( ... )
___________________________
(*): انظر: حاشية الدسوقي (1/ 592)، وحاشية العدوي (1/ 331).
(**): انظر: شرح فتح القدير (1/ 290)، حاشية ابن عابدين (2/ 184)، المجموع (4/ 391)، تحفة المحتاج (3/ 353)، الإنصاف (5/ 219).
( ... ): انظر: شرح فتح القدير (1/ 290)، المجموع (4/ 391)، العزيز (2/ 285)، الإنصاف (5/ 219)، الإقناع (1/ 17، معونة أولي النهى (2/ 294).
______________________________ ____
تتمَّة: وقد ذهب أكثر أهل العلم في هذا العصر إلى جواز إلقاء خطبة الجمعة بغير العربية، وإليك نقل فتاواهم في ذلك:
@ ففي قرارات مجمع الفقه الإسلامي (ص/97 - 9، الدورة الخامسة؛ المنعقدة من ( إلى (16) ربيع الآخر، سنة (1402 هـ)، القرار الخامس] ما يؤيد جواز إلقاء خطبة الجمعة أو العيدين بغير اللغة العربية، فقد قرَّر المجمع ما يلي:
((القرار الخامس: خطبة الجمعة والعيدين بغير اللغة العربية في غير البلاد العربية، واستخدام مكبِّر الصوت فيها:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيِّدنا ونبيِّنا محمَّد، أما بعد ..
فإنَّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد نظر في السؤال المحال إليه؛ حول الخلاف القائم بين بعض المسلمين في الهند؛ بشأن جواز خطبة الجمعة باللغة المحلِّية غير العربية، أو عدم جوازها؛ لأنَّ هناك من يرى عدم الجواز؛ بحجَّة أنَّ خطبة الجمعة تقوم مقام الركعتين من صلاة الفرض.
ويسأل السائل أيضاً: هل يجوز استخدام مكبِّر الصوت في أداء الخطبة، أو لا يجوز؟ أنَّ بعض طلبة العلم يعلن عدم جواز استخدامه؛ بمزاعم وحجج واهيةٍ.
وقد قرَّر المجلس بعد اطِّلاعه على آراء فقهاء المذاهب:
1 - أنَّ الرأي الأعدل الذي نختاره هو أنَّ اللغة العربيَّة في أداء خطبة الجمعة والعيدين، في غير البلاد الناطقة بالعربية ليست شرطاً لصحَّتها.
ولكن الأحسن أداء مقدّمات الخطبة، وما تضمَّنته من آيات قرآنية باللغة العربيَّة؛ لتعويد غير العرب على سماع العربيَّة والقرآن، ممَّا يسهِّل عليهم تعلُّمها، وقراءة القرآن باللغة التي نزل بها، ثم يتابع الخطيب ما يعظهم وينوِّرهم به؛ بلغتهم التي يفهمونها.
2 - أنَّ استخدام مكبِّر الصوت في أداء خطبة الجمعة والعيدين، وكذا القراءة في الصلاة، وتكبيرات الانتقال لا مانع منه شرعاً.
بل إنه ينبغي استعماله في المساجد الكبيرة المتباعدة الأطراف؛ لما يترتَّب عليه من المصالح الشرعيَّة.
فكلُّ أداة وصل إليها الإنسان؛ بما علَّمه الله وسخَّر له من وسائل إذا كانت تخدم غرضاً شرعيَّاً،أو واجباً من واجبات الإسلام، وتحقَّق فيه النجاح ما لا يتحقَّق بدونها تصبح مطلوبةً، بقدر درجة الأمر الذي تخدمه، وتحقِّقه من المطالب الشرعيَّة.
وفقاً للقاعدة الأصوليَّة المعروفة، وهي: أنَّ ما يتوقَّف عليه تحقيق الواجب فهو واجب.
والله سبحانه هو الموفِّق، وصلَّى الله على سيِّدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلِّم)).
@ ومما يؤيِّد ما سبق تقريره ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية؛ إذ أجابوا عن استفتاءات وردتهم في ذا الشأن بجواب يماثل المقرَّر آنفاً.
• فقد سُئلت اللجنة الدائمة بالمملكة العربية السعودية [فتاوى اللجنة الدائمة (8/ 253 - 254)، الفتوى رقم: (1495)] السؤال التالي: قد وقع بيننا مشادة ومجادلة شديدة؛ بيني وبين قومي في خطبة الجمعة؛ هل يجوز للإمام أن يترجمها إلى لغة أجنبية عندما يقرؤها على المنبر أو لا يجوز؟
أرجوكم إذا كان من الممكن أن نترجمها إلى اللغة الإنجليزية، جزاكم الله خيراً.
• فأجابت بالجواب الآتي نصه:
ج: لم يثبت في حديثٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم ; ما يدلُّ على أنه يشترط في خطبة الجمعة أن تكون باللغة العربية؛ وإنما كان صلى الله عليه وسلم يخطب باللغة العربية في الجمعة وغيرها؛ لأنها لغته ولغة قومه.
فوعظ من يخطب فيهم وأرشدهم وذكَّرهم بلغتهم التي يفهمونها.
لكنه أرسل إلى الملوك وعظماء الأمم كتباً باللغة العربية، وهو يعلم أنَّ لغتهم غير اللغة العربية، ويعلم أنهم يترجمونها إلى لغتهم؛ ليعرفوا ما فيها.
وعلى هذا يجوز لخطيب الجمعة في البلاد التي لا يعرف أهلها، أو السواد الأعظم من سكانها اللغة العربية أن يخطب باللغة العربية، ثم يترجمها إلى لغة بلاده؛ ليفهموا نا نصحهم وذكَّرهم به، فيستفيدوا من خطبته.
وله أن يخطب بلغة بلاده، مع أنها غير عربية؛ وبذلك يتمُّ الإرشاد والتعليم، والوعظ والتذكير، ويتحقَّق المقصود من الخطبة.
غير أنَّ أداء الخطبة باللغة العربية ثم ترجمتها إلى المستمعين أولى؛ جمعاً بين الاهتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم ; في خطبه وطتبه، وبين تحقيق المقصود من الخطبة خروجاً من الخلاف في ذلك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: عبدالله بن غديَّان، عبدالرزاق عفيفي، عبدالعزيز ابن باز.
انتقاء أبي أسامة الجزائري