اعلموا - وفقني الله وإياكم - أنه لا بد من معرفة تفاصيل أحكام الزكاة وشروطها وبيان من تجب عليه ومن تجب له وما تجب فيه من الأموال.
فالزكاة أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام - كما تظاهرت بذلك دلالة الكتاب والسنة -، وقد قرنها الله تعالى بالصلاة في كتابه في اثنين وثمانين موضعا، مما يدل على عظم شأنها، وكمال الاتصال بينها وبين الصلاة، ووثاقة الارتباط بينهما، حتى قال صديق هذه الأمة وخليفة الرسول الأول أبو بكر الصديق: " لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ".
قال الله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)، وقال تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم: " بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة..." الحديث.
وأجمع المسلمون على فرضيتها، وأنها الركن الثالث من أركان الإسلام، وعلى كفر من جحد وجوبها، وقتال من منع إخراجها.
فرضت في السنة الثانية للهجرة النبوية، وبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السعاة لقبضها وجبايتها لإيصالها إلى مستحقيها، ومضت بذلك سنة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين.
وفي الزكاة إحسان إلى الخلق، وهي مطهرة للمال من الدنس، وحصانة له من الآفات، وعبودية للرب سبحانه، قال الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، وبالتالي؛ فهي تطهير للنفوس من الشح والبخل، وامتحان للغني حيث يتقرب إلى الله بإخراج شيء من ماله المحبوب إليه.
وقد أوجبها الله في الأموال التي تحتمل المواساة. ويكثر فيها النمو والربح - ما ينمو فيها بنفسه كالماشية والحرث، وما ينمو بالتصرف وإدارته في التجارة كالذهب والفضة وعروض التجارة -، وجعل الله قدر المخرج في الزكاة على حسب التعب في المال الذي تخرج منه ،. فأوجب في الركاز، - وهو ما وجد من أموال الجاهلية - الخمس، وما فيه التعب من طرف واحد - وهو ما سقي بلا مؤنة - نصف الخمس، وما وجد فيه التعب من طرفين ربع الخمس، وفيما يكثر فيه التعب والتقلب - كالنقود - وعروض التجارة ثمن الخمس.
وقد سماها الله بالزكاة، لأنها تزكي النفس والمال، فهي ليست غرامة ولا ضريبة تنقص الحال وتضر صاحبه، بل هي على العكس تزيد المال نموا من حيث لا يشعر الناس، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما نقص مال من صدقة ".
والزكاة في الشرع حق واجب في مال خاص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص، هو تمام الحول في الماشية والنقود وعروض التجارة، وعند اشتداد الحب وبدو الصلاح في الثمار، وحصول ما تجب فيه من العسل، واستخراج ما تجب فيه من المعادن، وغروب الشمس ليلة العيد في زكاة الفطر.
وتجب الزكاة على المسلم إذا توفرت فيه شروط خمسة:
أحدها: الحرية، فلا تجب على مملوك ؛ لأنه لا مال له، وما بيده ملك لسيده، فتكون زكاته على السيد.
الشرط الثاني: أن يكون صاحب المال مسلما، فلا تجب على كافر، بحيث لا يطالب بأدائها ؛ لأنها قربة وطاعة، والكافر ليس من أهل القربة والطاعة، ولأنها تحتاج إلى نية، ولا تتأتى من الكافر، أما وجوبها عليه بمعنى أنه مخاطب بها ويعاقب عليها في الآخرة عقابا خاصا، فمحل خلاف بين أهل العلم، وفي حديث معاذ -رضي الله عنه-: "فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، ثم ذكر الصلاة، ثم قال: "فإن هم أطاعوك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم" متفق عليه، فجعل الإسلام شرطا لوجوب الزكاة.
الشرط الثالث: امتلاك نصاب، فلا تجب فيما دون النصاب، وهو قدر معلوم من المال يأتي تفصيله، سواء كان مالك النصاب كبيرا أو صغيرا، عاقلا أو مجنونا، لعموم الأدلة.
الشرط الرابع: استقرار الملكية، بأن لا يتعلق بها حق غيره، فلا زكاة في مال لم تستقر ملكيته، كدين الكتابة ؛ لأن المكاتب يملك تعجيز نفسه، ويمتنع من الأداء.
الشرط الخامس: مضي الحول على المال، لحديث عائشة -رضي الله عنها-: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول رواه ابن ماجه"، وروى الترمذي معناه.
وهذا في غير الخارج من الأرض كالحبوب والثمار، فأما الخارج من الأرض، فتجب فيه الزكاة عند وجوده فلا يعتبر فيه الحول، وإنما يبقى تمام الحول مشترطا في النقود والماشية وعروض التجارة رفقا بالمالك، ليتكامل النماء فيها.
ونتاج البهائم التي تجب فيها الزكاة وربح التجارة حولهما حول أصلهما، فلا يشترط أن يأتي عليهما حول مستقل إذا كان أصلهما قد بلغ النصاب، فإن لم يكن كذلك، ابتدئ الحول من تمامهما النصاب.
ومن له دين على معسر، فإنه يخرج زكاته إذا قبضه لعام واحد على الصحيح، وإن كان له دين على مليء باذل، فإنه يزكيه كل عام.
و ما أعد من الأموال للقنية والاستعمال، فلا زكاة فيه، كدور السكنى، وثياب البذلة، وأثاث المنزل، والسيارات، والدواب المعدة للركوب والاستعمال.
وما أعد للكراء كالسيارات والدكاكين والبيوت ؛ فلا " زكاة في أصله، وإنما تجب الزكاة في أجرته إذا بلغت النصاب بنفسها أو بضمها إلى غيرها وحال عليها الحول.
ومن وجبت عليه الزكاة، ثم مات قبل إخراجها، " وجب إخراجها من تركته، فلا تسقط بالموت، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فدين الله أحق بالوفاء"، رواه البخاري ومسلم وغيرهما، فيخرجهما الوارث أو غيره من تركة الميت ؛ لأنها حق واجب، فلا تسقط بالموت، وهي دين في ذمة الميت، يجب إبراؤه منها.
(من كتاب الملخص الفقهي، لمعالي الشيخ الدكتور صالح الفوزان-ج1)
المصدر
فالزكاة أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام - كما تظاهرت بذلك دلالة الكتاب والسنة -، وقد قرنها الله تعالى بالصلاة في كتابه في اثنين وثمانين موضعا، مما يدل على عظم شأنها، وكمال الاتصال بينها وبين الصلاة، ووثاقة الارتباط بينهما، حتى قال صديق هذه الأمة وخليفة الرسول الأول أبو بكر الصديق: " لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ".
قال الله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)، وقال تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم: " بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة..." الحديث.
وأجمع المسلمون على فرضيتها، وأنها الركن الثالث من أركان الإسلام، وعلى كفر من جحد وجوبها، وقتال من منع إخراجها.
فرضت في السنة الثانية للهجرة النبوية، وبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السعاة لقبضها وجبايتها لإيصالها إلى مستحقيها، ومضت بذلك سنة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين.
وفي الزكاة إحسان إلى الخلق، وهي مطهرة للمال من الدنس، وحصانة له من الآفات، وعبودية للرب سبحانه، قال الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، وبالتالي؛ فهي تطهير للنفوس من الشح والبخل، وامتحان للغني حيث يتقرب إلى الله بإخراج شيء من ماله المحبوب إليه.
وقد أوجبها الله في الأموال التي تحتمل المواساة. ويكثر فيها النمو والربح - ما ينمو فيها بنفسه كالماشية والحرث، وما ينمو بالتصرف وإدارته في التجارة كالذهب والفضة وعروض التجارة -، وجعل الله قدر المخرج في الزكاة على حسب التعب في المال الذي تخرج منه ،. فأوجب في الركاز، - وهو ما وجد من أموال الجاهلية - الخمس، وما فيه التعب من طرف واحد - وهو ما سقي بلا مؤنة - نصف الخمس، وما وجد فيه التعب من طرفين ربع الخمس، وفيما يكثر فيه التعب والتقلب - كالنقود - وعروض التجارة ثمن الخمس.
وقد سماها الله بالزكاة، لأنها تزكي النفس والمال، فهي ليست غرامة ولا ضريبة تنقص الحال وتضر صاحبه، بل هي على العكس تزيد المال نموا من حيث لا يشعر الناس، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما نقص مال من صدقة ".
والزكاة في الشرع حق واجب في مال خاص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص، هو تمام الحول في الماشية والنقود وعروض التجارة، وعند اشتداد الحب وبدو الصلاح في الثمار، وحصول ما تجب فيه من العسل، واستخراج ما تجب فيه من المعادن، وغروب الشمس ليلة العيد في زكاة الفطر.
وتجب الزكاة على المسلم إذا توفرت فيه شروط خمسة:
أحدها: الحرية، فلا تجب على مملوك ؛ لأنه لا مال له، وما بيده ملك لسيده، فتكون زكاته على السيد.
الشرط الثاني: أن يكون صاحب المال مسلما، فلا تجب على كافر، بحيث لا يطالب بأدائها ؛ لأنها قربة وطاعة، والكافر ليس من أهل القربة والطاعة، ولأنها تحتاج إلى نية، ولا تتأتى من الكافر، أما وجوبها عليه بمعنى أنه مخاطب بها ويعاقب عليها في الآخرة عقابا خاصا، فمحل خلاف بين أهل العلم، وفي حديث معاذ -رضي الله عنه-: "فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، ثم ذكر الصلاة، ثم قال: "فإن هم أطاعوك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم" متفق عليه، فجعل الإسلام شرطا لوجوب الزكاة.
الشرط الثالث: امتلاك نصاب، فلا تجب فيما دون النصاب، وهو قدر معلوم من المال يأتي تفصيله، سواء كان مالك النصاب كبيرا أو صغيرا، عاقلا أو مجنونا، لعموم الأدلة.
الشرط الرابع: استقرار الملكية، بأن لا يتعلق بها حق غيره، فلا زكاة في مال لم تستقر ملكيته، كدين الكتابة ؛ لأن المكاتب يملك تعجيز نفسه، ويمتنع من الأداء.
الشرط الخامس: مضي الحول على المال، لحديث عائشة -رضي الله عنها-: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول رواه ابن ماجه"، وروى الترمذي معناه.
وهذا في غير الخارج من الأرض كالحبوب والثمار، فأما الخارج من الأرض، فتجب فيه الزكاة عند وجوده فلا يعتبر فيه الحول، وإنما يبقى تمام الحول مشترطا في النقود والماشية وعروض التجارة رفقا بالمالك، ليتكامل النماء فيها.
ونتاج البهائم التي تجب فيها الزكاة وربح التجارة حولهما حول أصلهما، فلا يشترط أن يأتي عليهما حول مستقل إذا كان أصلهما قد بلغ النصاب، فإن لم يكن كذلك، ابتدئ الحول من تمامهما النصاب.
ومن له دين على معسر، فإنه يخرج زكاته إذا قبضه لعام واحد على الصحيح، وإن كان له دين على مليء باذل، فإنه يزكيه كل عام.
و ما أعد من الأموال للقنية والاستعمال، فلا زكاة فيه، كدور السكنى، وثياب البذلة، وأثاث المنزل، والسيارات، والدواب المعدة للركوب والاستعمال.
وما أعد للكراء كالسيارات والدكاكين والبيوت ؛ فلا " زكاة في أصله، وإنما تجب الزكاة في أجرته إذا بلغت النصاب بنفسها أو بضمها إلى غيرها وحال عليها الحول.
ومن وجبت عليه الزكاة، ثم مات قبل إخراجها، " وجب إخراجها من تركته، فلا تسقط بالموت، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فدين الله أحق بالوفاء"، رواه البخاري ومسلم وغيرهما، فيخرجهما الوارث أو غيره من تركة الميت ؛ لأنها حق واجب، فلا تسقط بالموت، وهي دين في ذمة الميت، يجب إبراؤه منها.
(من كتاب الملخص الفقهي، لمعالي الشيخ الدكتور صالح الفوزان-ج1)
المصدر