الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الهادي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين: أما بعد
[1] - فإن النبي صلى الله عليه وسلم دأب أن يصلي القيام-وغيره من النوافل- في بيته،كذا دلت الأحاديث، وهي كثيرة مستفيضة في كتب السنن، ولما كان يعتكف في رمضان في مسجده، كانت صلاته كلها -ومنها القيام- فيه، وكان يتخذ فيه بيتاً من حصير يحتجب به عن الناس، يخلو بربه ويناجيه، وتكون نوافلها جلها فيه، وخرج بعض أيام ليصل القيام، فصلى بصلاته الناس، وشعر بهم مرة فتجوز في صلاته، ثم صلى صلاة لا يصليها بهم، شفقة عليهم، ورأفة بهم، وصلى بهم ليلة الثالث والعشرين من رمضان فصلى بهم إلى ثلث الليل، وصلى بهم ليلة الخامس والعشرين فصلى إلى شطر الليل، فرغب أبو ذر رضي الله عنه في الخير، فسأله الزيادة، فأخبرهم بفضل القيام مع الإمام، وأنه يكتب به لهم قيام ليلة، وذلك رفقاً بغيره من الأصحاب، وتيسيراً عليهم، ثم قام بهم ليلة السابع والعشرين فجمع أهله ونساءه والناس، وصلى بهم حتى خشوا الفلاح، فانتظروه في ليلة بعدها ليقوم بهم، فلم يخرج، فجعلوا يتنحنحون، فأخبرهم بأنه لم يقم بهم خشية أن تفرض عليهم، وأرشدهم إلى أن الصلاة في البيت أفضل، إلا المكتوبة، وكأنهم حسبوا الصلاة معه وفي مسجده أفضل، وزين لهم ذلك ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر في ليلة الخامس والعشرين، فأزال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك اللبس، مبيناً أن النوافل في البيوت أفضل.
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أنس رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصلي في رمضان، فجئت فقمت إلى جنبه وجاء رجل آخر، فقام أيضا حتى كنا رهطا فلما حس النبي صلى الله عليه وسلم أنا خلفه جعل يتجوز في الصلاة، ثم دخل رحله، فصلى صلاة لا يصليها عندنا، قال: قلنا له: حين أصبحنا أفطنت لنا الليلة قال: فقال: «نعم، ذاك الذي حملني على الذي صنعت» ... الحديث.
وأخرج أصحاب السنن وغيرهم من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، فلم يقم بنا شيئا منه، حتى بقي سبع ليال، فقام بنا ليلة السابعة حتى مضى نحو من ثلث الليل، ثم كانت الليلة السادسة التي تليها، فلم يقمها، حتى كانت الخامسة التي تليها، ثم قام بنا حتى مضى نحو من شطر الليل، فقلت: يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه. فقال: «إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف، فإنه يعدل قيام ليلة» ثم كانت الرابعة التي تليها، فلم يقمها، حتى كانت الثالثة التي تليها، قال: فجمع نساءه وأهله واجتمع الناس، قال: فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قيل: وما الفلاح؟ قال: السحور، قال: ثم لم يقم بنا شيئا من بقية الشهر.
وروى البخاري-واالفظ له- ومسلم وغيرهما من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة - قال: حسبت أنه قال من حصير - في رمضان، فصلى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم بهم جعل يقعد، فخرج إليهم فقال: "قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" .
ولفظه في المنتخب من مسند عبد بن حميد:" أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة في المسجد من حصير فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ليالي حتى اجتمع إليه ناس، ثم فقدوا صوته ليلة فظنوا أنه قد نام، فجعل بعضهم يتنحنح؛ ليخرج إليهم، قال: فقال: «ما زال بكم الذي رأيت من صنعكم حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة»
[2] - وقد حرص الصحابة رضي الله عنهم على القيام في رمضان أشد الحرص، وذلك لما له من فضل، وعظيم أجر، قال النبي صلى الله عليه وسلم:" من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
[ 3] - فكان بعضهم يصلونه في المساجد أوزاعاً متفرقين، ولم يحفل عمر رضي الله عنه بالتفرق الحاصل بين القائمين في المساجد، فجمعهم على إمام واحد، ونبههم على أن الصلاة في آخر الليل أفضل، أخرج البخاري بسنده عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: خرجتُ مع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون؛ يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال: "والله إني لأرى لو جمعتُ هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل"، ثم عزم فجمعهم على أُبَيَّ بن كعب، قال: ثم خرجتُ معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: "نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون".
[4]- فصرح عمر رضي الله عنه بأن ما ينامون عنه أفضل، ولم ير بأن صلاتهم مع إمامهم أفضل، ولا يتم تحصيل هذا الأفضل إلا بأن يصلي المرء القيام في بيته في ذاك الوقت، أو بأن يصلي مع جماعة أخرى آخر الليل، والأول أقرب، لأنه الموافق لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة " .
[5]- وقد صح عن عدد من كبار الصحابة رضي الله عنهم أنهم صلوا القيام في رمضان في بيوتهم، وبعضهم صرح بأنه الأفضل، أو اختاره في أفضل ليالي الشهر، في العشر الأواخر منه، ومن صلى بالناس منهم لم يقل أنه أفضل.
- فهذا عمر رضي الله عنه رغم جمعه للناس على إمام واحد، إلا أن الأثر -سالف الذكر- يدل على أنه لم يصل معهم، فقد جاء وهم يصلون في الليلة الثانية، ولم يحرص على الصلاة معهم.
ويؤكد هذا ما رواه عبد الرزاق في مصنفه (4/ 263) بسنده عن طاوس قال: سمعت ابن عباس يقول: دعاني عمر أتسحر عنده، وأتغذى في شهر رمضان، فسمع عمر هيعة الناس حين خرجوا من المسجد، فقال: «ما هذا؟»، فقلت: الناس حين خرجوا من المسجد قال: «ما بقي من الليل أحب إلي مما ذهب» وقد أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه بالسند نفسه باختلاف يسير باللفظ ( 2/ 396 ).
ويدل هذا على أن ابن عباسٍ لم يشهد الصلاة معهم أيضاً، ولو كانت الصلاة معهم أفضل، لكانوا أحرى بالحرص على الصلاة معهم، وقولهما-أي:عمر-:"ما بقي من اللَّيْلِ خَيْرٌ مِمَّا ذَهَبَ مِنهُ " ، يدل على أنه إنما ترك الصلاة معهم ليصلي في ذاك الوقت الذي يحب، ولم يثنه عن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف، فإنه يعدل قيام ليلة"، لأنه لم يفهم منه تفضيل القيام مع الإمام عليه في البيوت.
وتفضيل آخر الليل قد صح عن ابن عباس أيضاً، فقد أخرج ابن أبي شيبة أيضاً بسنده عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمَدِينِيِّ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ : مَا يَتْرُكُونَ مِنْهُ أَفْضَلُ مِمَّا يَقُومُونَ فِيهِ. (المصنف، 2/ 396 )
- وقد صح عن ابن عمر رضي الله عنهم أن لم يكن يصلي مع الإمام في قيام رمضان، وأنه فضل القيام في البيت على ذلك .
قال ابن أبي شيبة رحمه الله في مصنفه (2/ 396): حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ كَانَ لاَ يَقُومُ مَعَ النَّاسِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ .
وروى عبد الرزاق في مصنفه (4/ 263) : عن الثوري، عن منصور، عن مجاهد قال: جاء رجل إلى ابن عمر قال: أصلي خلف الإمام في رمضان؟ قال: «أتقرأ القرآن؟» قال: نعم قال: «أفتنصت كأنك حمار؟ صل في بيتك» .
- وهذا أبي بن كعبٍ رضي الله عنه، وهو الذي جعله أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه إماماً يؤم الناس في قيام رمضان، وجمعهم عليه، يدع إمامتهم إذا ما تمت عشرون ليلة من الشهر، ليصلي في بيته، فاختار الصلاة في بيته في أفضل ليالي الشهر، روى عبد الرزاق في مصنفه (4/ 259) عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين قال: " كان أُبي يقوم للناس على عهد عمر في رمضان، فإذا كان النصف جهر بالقنوت بعد الركعة، فإذا تمت عشرون ليلة انصرف إلى أهله، وقام للناس أبو حليمة معاذ القارئ وجهر بالقنوت في العشر الأواخر حتى كانوا مما يسمعونه يقول: اللهم قحط المطر، فيقولون: آمين، فيقول: ما أسرع ما تقولون آمين، دعوني حتى أدعو ".
وابن سيرين ممن روى عن معاذ القارئ، ذكر ذلك الذهبي في تاريخ الإسلام 2/ 721.
فهذه الأحاديث والآثار ماثلةٌ أمامك أيها القارئ، تدلك على أن القيام في البيت في رمضان أفضل، فإن قدرت على أن تقوم في بيتك فلا تدع هذه الفضيلة، فقد أخبرك النبي صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل، فلا تغلبنك العوائد، وكن في الخير رائد.
والله الموفق لا رب غيره، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
حذيفة خضر غنيمات - القدس
[1] - فإن النبي صلى الله عليه وسلم دأب أن يصلي القيام-وغيره من النوافل- في بيته،كذا دلت الأحاديث، وهي كثيرة مستفيضة في كتب السنن، ولما كان يعتكف في رمضان في مسجده، كانت صلاته كلها -ومنها القيام- فيه، وكان يتخذ فيه بيتاً من حصير يحتجب به عن الناس، يخلو بربه ويناجيه، وتكون نوافلها جلها فيه، وخرج بعض أيام ليصل القيام، فصلى بصلاته الناس، وشعر بهم مرة فتجوز في صلاته، ثم صلى صلاة لا يصليها بهم، شفقة عليهم، ورأفة بهم، وصلى بهم ليلة الثالث والعشرين من رمضان فصلى بهم إلى ثلث الليل، وصلى بهم ليلة الخامس والعشرين فصلى إلى شطر الليل، فرغب أبو ذر رضي الله عنه في الخير، فسأله الزيادة، فأخبرهم بفضل القيام مع الإمام، وأنه يكتب به لهم قيام ليلة، وذلك رفقاً بغيره من الأصحاب، وتيسيراً عليهم، ثم قام بهم ليلة السابع والعشرين فجمع أهله ونساءه والناس، وصلى بهم حتى خشوا الفلاح، فانتظروه في ليلة بعدها ليقوم بهم، فلم يخرج، فجعلوا يتنحنحون، فأخبرهم بأنه لم يقم بهم خشية أن تفرض عليهم، وأرشدهم إلى أن الصلاة في البيت أفضل، إلا المكتوبة، وكأنهم حسبوا الصلاة معه وفي مسجده أفضل، وزين لهم ذلك ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر في ليلة الخامس والعشرين، فأزال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك اللبس، مبيناً أن النوافل في البيوت أفضل.
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أنس رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصلي في رمضان، فجئت فقمت إلى جنبه وجاء رجل آخر، فقام أيضا حتى كنا رهطا فلما حس النبي صلى الله عليه وسلم أنا خلفه جعل يتجوز في الصلاة، ثم دخل رحله، فصلى صلاة لا يصليها عندنا، قال: قلنا له: حين أصبحنا أفطنت لنا الليلة قال: فقال: «نعم، ذاك الذي حملني على الذي صنعت» ... الحديث.
وأخرج أصحاب السنن وغيرهم من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، فلم يقم بنا شيئا منه، حتى بقي سبع ليال، فقام بنا ليلة السابعة حتى مضى نحو من ثلث الليل، ثم كانت الليلة السادسة التي تليها، فلم يقمها، حتى كانت الخامسة التي تليها، ثم قام بنا حتى مضى نحو من شطر الليل، فقلت: يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه. فقال: «إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف، فإنه يعدل قيام ليلة» ثم كانت الرابعة التي تليها، فلم يقمها، حتى كانت الثالثة التي تليها، قال: فجمع نساءه وأهله واجتمع الناس، قال: فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قيل: وما الفلاح؟ قال: السحور، قال: ثم لم يقم بنا شيئا من بقية الشهر.
وروى البخاري-واالفظ له- ومسلم وغيرهما من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة - قال: حسبت أنه قال من حصير - في رمضان، فصلى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم بهم جعل يقعد، فخرج إليهم فقال: "قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" .
ولفظه في المنتخب من مسند عبد بن حميد:" أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة في المسجد من حصير فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ليالي حتى اجتمع إليه ناس، ثم فقدوا صوته ليلة فظنوا أنه قد نام، فجعل بعضهم يتنحنح؛ ليخرج إليهم، قال: فقال: «ما زال بكم الذي رأيت من صنعكم حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة»
[2] - وقد حرص الصحابة رضي الله عنهم على القيام في رمضان أشد الحرص، وذلك لما له من فضل، وعظيم أجر، قال النبي صلى الله عليه وسلم:" من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
[ 3] - فكان بعضهم يصلونه في المساجد أوزاعاً متفرقين، ولم يحفل عمر رضي الله عنه بالتفرق الحاصل بين القائمين في المساجد، فجمعهم على إمام واحد، ونبههم على أن الصلاة في آخر الليل أفضل، أخرج البخاري بسنده عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: خرجتُ مع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون؛ يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال: "والله إني لأرى لو جمعتُ هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل"، ثم عزم فجمعهم على أُبَيَّ بن كعب، قال: ثم خرجتُ معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: "نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون".
[4]- فصرح عمر رضي الله عنه بأن ما ينامون عنه أفضل، ولم ير بأن صلاتهم مع إمامهم أفضل، ولا يتم تحصيل هذا الأفضل إلا بأن يصلي المرء القيام في بيته في ذاك الوقت، أو بأن يصلي مع جماعة أخرى آخر الليل، والأول أقرب، لأنه الموافق لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة " .
[5]- وقد صح عن عدد من كبار الصحابة رضي الله عنهم أنهم صلوا القيام في رمضان في بيوتهم، وبعضهم صرح بأنه الأفضل، أو اختاره في أفضل ليالي الشهر، في العشر الأواخر منه، ومن صلى بالناس منهم لم يقل أنه أفضل.
- فهذا عمر رضي الله عنه رغم جمعه للناس على إمام واحد، إلا أن الأثر -سالف الذكر- يدل على أنه لم يصل معهم، فقد جاء وهم يصلون في الليلة الثانية، ولم يحرص على الصلاة معهم.
ويؤكد هذا ما رواه عبد الرزاق في مصنفه (4/ 263) بسنده عن طاوس قال: سمعت ابن عباس يقول: دعاني عمر أتسحر عنده، وأتغذى في شهر رمضان، فسمع عمر هيعة الناس حين خرجوا من المسجد، فقال: «ما هذا؟»، فقلت: الناس حين خرجوا من المسجد قال: «ما بقي من الليل أحب إلي مما ذهب» وقد أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه بالسند نفسه باختلاف يسير باللفظ ( 2/ 396 ).
ويدل هذا على أن ابن عباسٍ لم يشهد الصلاة معهم أيضاً، ولو كانت الصلاة معهم أفضل، لكانوا أحرى بالحرص على الصلاة معهم، وقولهما-أي:عمر-:"ما بقي من اللَّيْلِ خَيْرٌ مِمَّا ذَهَبَ مِنهُ " ، يدل على أنه إنما ترك الصلاة معهم ليصلي في ذاك الوقت الذي يحب، ولم يثنه عن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف، فإنه يعدل قيام ليلة"، لأنه لم يفهم منه تفضيل القيام مع الإمام عليه في البيوت.
وتفضيل آخر الليل قد صح عن ابن عباس أيضاً، فقد أخرج ابن أبي شيبة أيضاً بسنده عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمَدِينِيِّ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ : مَا يَتْرُكُونَ مِنْهُ أَفْضَلُ مِمَّا يَقُومُونَ فِيهِ. (المصنف، 2/ 396 )
- وقد صح عن ابن عمر رضي الله عنهم أن لم يكن يصلي مع الإمام في قيام رمضان، وأنه فضل القيام في البيت على ذلك .
قال ابن أبي شيبة رحمه الله في مصنفه (2/ 396): حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ كَانَ لاَ يَقُومُ مَعَ النَّاسِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ .
وروى عبد الرزاق في مصنفه (4/ 263) : عن الثوري، عن منصور، عن مجاهد قال: جاء رجل إلى ابن عمر قال: أصلي خلف الإمام في رمضان؟ قال: «أتقرأ القرآن؟» قال: نعم قال: «أفتنصت كأنك حمار؟ صل في بيتك» .
- وهذا أبي بن كعبٍ رضي الله عنه، وهو الذي جعله أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه إماماً يؤم الناس في قيام رمضان، وجمعهم عليه، يدع إمامتهم إذا ما تمت عشرون ليلة من الشهر، ليصلي في بيته، فاختار الصلاة في بيته في أفضل ليالي الشهر، روى عبد الرزاق في مصنفه (4/ 259) عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين قال: " كان أُبي يقوم للناس على عهد عمر في رمضان، فإذا كان النصف جهر بالقنوت بعد الركعة، فإذا تمت عشرون ليلة انصرف إلى أهله، وقام للناس أبو حليمة معاذ القارئ وجهر بالقنوت في العشر الأواخر حتى كانوا مما يسمعونه يقول: اللهم قحط المطر، فيقولون: آمين، فيقول: ما أسرع ما تقولون آمين، دعوني حتى أدعو ".
وابن سيرين ممن روى عن معاذ القارئ، ذكر ذلك الذهبي في تاريخ الإسلام 2/ 721.
فهذه الأحاديث والآثار ماثلةٌ أمامك أيها القارئ، تدلك على أن القيام في البيت في رمضان أفضل، فإن قدرت على أن تقوم في بيتك فلا تدع هذه الفضيلة، فقد أخبرك النبي صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل، فلا تغلبنك العوائد، وكن في الخير رائد.
والله الموفق لا رب غيره، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
حذيفة خضر غنيمات - القدس
تعليق