بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
هَذَا ، وَقَدْ بَلَغَنِي مِنْ أَحَدِ أَشِقَّائِي أَنَّ هُنَالِكَ مَنْ يُــ[تُــ]ــجَوِّزُ لِلْمَأْمُومِينَ أَنْ يَحْمِلُوا الْمُصْحَفَ وَرَاءَ إِمَامِهِمْ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَالْقِيَامِ فِي رَمَضَانَ ! ، وَذَلِكَ لِأَدِلَّةٍ عِنْدَهُـ[هـَا] رَاجَعْتُ مَعَهُـ[هَـا] مَصَادِرَ عَزْوِهِـ[هَـا] إِلَيْهَا .
لَنَا أَنْ نَقُولَ -بِدَايَةً -: إِنَّ الْمَسْأَلَةَ الْمَسُوقَةَ آنِفًا ، وَهِيَ مَا سَمَّيْتُهَا (مُنَاقَشَةُ اسْتِدْلَالِ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ نَظَرِ الْمَأَمُومِينَ فِي الْمُصْحَفِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ) تَسْهِيلًا عَلَى طَالِبِ الْحَقِّ - الْمُنْصِفِ لِلْحَقِّ - فِي إبْرَازِ مَوْطِنِ النِّزَاعِ وَمِنْ ثَمَّ يَسْهُلُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ بِالدَّلِيلِ الصَّحِيحِ - فَهْمًا وَعِلْمًا وَعَمَلًا - وَهُوَ مِنْهَاجُ النُّبُوَّةِ .
وَيَأْتِي نِقَاشُهُـ[هَـا] فِي سُؤالٍ هُوَ الْحَاصِرُ لَنَا - جَمِيعًا - مَوْطِنَ النِّزِاعِ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَهُوَ هَلْ يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِينَ - دُونَ الْإِمَامِ - أَنْ يَحْمِلُوا الْمُصْحَفَ ، وَيَنْظُرُوا فِيهِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ بِغَرَضِ الْمُتَابَعَةِ ، وَالتَّعَلُّمِ ، وَالتَّرْكِيزِ فَضْلًا عَنِ الْخُشُوعِ ، أَمْ لَا ؟!
قُلْتُ [أحمد] : وَإِذَا مَا عَلِمْتَ - طَالِبَ الْحَقِّ - أَنَّ الْعِبَادَةَ تَوْقِيفِيَّةُ - يَعْنِي - لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ إِحْدَاثٌ فِيهَا إِلَّا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ صَحِيحٍ صَرِيحٍ ، فَقَدْ وَقَفْتَ بِمَا لَكَ بِهِ عِلْمٌ - حَقِيقَةً - عَلَى حَظٍّ وَافِرٍ فَلَا تَتْرُكْهُ بَعْدُ .
وَانْطِلَاقًا مِنَ الْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ : أَنَّهُ لَا عِبَادَةَ إِلَّا بِمَا شَرَعَ اللهُ ، وَذَلِكَ بِاتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَاتِّباعُ سُنَّتِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ بِاتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤمِنِينَ بِإِحْسَانٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - .
وَبِنَاءً عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ السَّلَفِيَّةِ سَتَجِدُنِي - إِنْ شَاءَ اللهُ - مُتَّبِعًا لَهَا - ظَاهِرًا وَبَاطِنًا - فِي هَذَا الْمَبْحَثِ وَغَيْرِهِ .
وَقَدْ قُمْتُ فِي مَبْحَثِي هَذَا - كَمَا سَتَرَى - بِعَرْضِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُخَالِفُ أَوَّلاً ، ثُمَّ أَتْبَعْتُهُ بِمُنَاقَشَةٍ لِمَا تَوَهَّمَ فِيهِ ، وَخَتَمتُ بِجَمْعٍ لِأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ- طُلَّابِ الْعِلْمِ - مِمَّنْ وَقَفْتُ عَلَى كَلَامٍ لَهُمْ مَقْرُوءًا وَمَسْمُوعًا فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ - وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ - .
تَنْبِيهٌ لِكُلِّ نَبِيهٍ : لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُهَوِّنَ مِنْ قَدْرِ ، وَحَجْمِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِينَا ؛ لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ دِينٌ - أَيُّهَا الطَّالِبُ الْحَقَّ - ، وَكُلُّ خَيْرٍ فِي اتِّبَاعِ مَنْ سَلَفَ ..
وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ : لَا أَدْرِي ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّهَا مَسْأَلَةٌ خَفِيفَةٌ سَهْلَةٌ ، فَغَضِبَ وَقَالَ : لَيْسَ فِي الْعِلْمِ شَيْءٌ خَفِيفٌ ، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ جَلَّ ثَنَاؤهُ : ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ [المزمل : 5] فَالْعِلْمُ كُلُّهُ ثَقِيلٌ ، وَخَاصَّةً مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . [انظر بدائع الفوائد لِابْنِ قَيِّمِ الجَوْزِيَّة ، تحقيق : علي بن محمد عمران ، إشراف : بكر بن عبد الله أبو زيد ، دار عالم الفوائد ، المجلد الثالث ص 1285] .
تعليق