الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم
فهذا موضوع قد قرأته على شبكة سحاب السلفية
عسى الله أن ينفعنا بعلم مشايخنا الأفاضل -حفظهم الله- فيه
وهو عن كيفية رفع اليدين فى دعاء الإستخارة
نص الموضوع (وهو لأخت -وفقها الله- على شبكة سحاب)
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ،
وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد ؛
فقد وقفتُ على بحث في صفة رفع اليدين في دعاء الاستخارة في شبكة سحاب السلفية
(تحت المنبر الإسلامي)
في تاريخ 22/01/2011 م
لأحد الإخوة الأكارم - وفقه الله تعالى – تحت عنوان
( فائدة نفسية : صفة رفع اليدين في الاستخارة )
ثمَّ وجدتُ نفس البحث في مواقع أخرى تَناقلت هذا البحث .
ووجدتُه وفَّقه الله تعالى قد جانبَ الصَّواب ، وقال بشيء لم نقف على أحدٍ سَبَقه إليه من أهل العلم ، وقد بنى كلامه حفظه الله تعالى في هذه المسألة على نقلٍ مُجمَلٍ لا يُسعِفُ في الخروج بالحكم في هذه المسألة بما توصَّل إليه وفقه الله تعالى لمرضاته .
وهو : أنَّ صفة رفع اليدين في دعاء الاستخارة يكون بجعل بطون الكَفَّين تجاه الأرض .
فقلتُ في نفسي : هذا نقلٌ غير مُصَدَّق ، وبحثٌ غير مُحَقَّق .
فغفر الله لكاتبه ، ووَفَّقنا الله وإيَّاه لما يُحِبُّه ويرضاه .
وكنتُ عندما قرأتُ عنوان الموضوع استوقفني لقراءته ،
حيث أنَّني كنتُ قد بحثتُ سابقاً فيما بحثتُ :
هل أجدُ أحَداً من الصَّحابة رضي الله عنهم قد تكلَّم عن رفع اليدين في دعاء الاستخارة ؟
فلم أقف على شيء يصحُّ حتى السَّاعة في ذلك ،
فما أن شَرَعتُ في قراءة الموضوع ، حتى علمتُ أنَّ في المسألة خَلَلاً غير مقصود ،
وأنا أحسِبُ الأخ الكريم كاتب المقالة ، إنَّما أراد أن ينشُرَ خيراً قد أوقفَه الله عليه .
وصدق ابن مسعود رضي الله عنه : (( وكم من مريدٍ للخير لن يُدرِكه )) .
وإليكَ نَصَّ كلامه :
(( الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
قال ابن أبي شيبة في المصنف 30021- حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ ذُرَيْحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : الإِخْلاصُ هَكَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ ، وَالدُّعَاءُ هَكَذَا يَعْنِي يُشِيرُ بِبُطُونِ كَفَّيْهِ ، وَالاسْتِخَارَةُ هَكَذَا وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَوَلَّى ظَهْرَهُمَا وَجْههَ.
قال ابن أبي حاتم في العلل (2/203) : وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ ؛ رَوَاهُ أَبُو خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : الإِخْلاصُ هَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصْبُعِهِ ، وَالدُّعَاءُ هَكَذَا ، يَعْنِي بِبَطْنِ كَفَّيْهِ ، وَالاسْتِخَارَةُ هَكَذَا ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَوَلَّى ظُهُورَهُمَا وَجْهَهُ.
وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، موقوفًا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ ، عَنْ أَخِيهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَرَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَعْبَدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ : ابْنُ عُيَيْنَةَ أَحْفَظُهُمْ كُلِّهِمْ .
وهذا من أبي زرعة ترجيحٌ لرواية ابن عيينة على غيرها وهي عن عباس بن عبد الله بن معبد بن عبد الله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس
ورجال هذا السند رجال الصحيح عدا عباس فهو من رجال أبي داود ، وقد وثَّقَه ابن معين وابن حبان وقال ابن عيينة : ( كان رجلاً صالحاً ) . ( انظر تهذيب الكمال (14/ 219)
وقوله في الأثر ( الإخلاص هكذا ) لعله يعني كلمة الإخلاص وهي لا إله إلا الله ، فيشرع رفع الإصبع بالوحدانية عند قولها .
وظاهر الأثر أن اليدين في الاستخارة يجعل باطنهما إلى الأرض
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم )) انتهى كلامه وفَّقه الله تعالى .
* وإليك ما استدركتُه عليه : -
أوَّلاً : الإسناد الأوَّل الذي عند ابن أبي شيبة : حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ ذُرَيْحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .
أقول : لم يُبَيِّن وفَّقه الله تعالى الحكم على هذا الإسناد ، والذي يظهر لي من كلامه كاملاً أنَّه اعتمد على سرد الطرق لتصحيح الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما .
وهذا الإسناد الذي ذكره عند ابن أبي شيبة فيه انقطاع بين العباس بن ذريح وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، فهو منقطع ضعيف لا يصح ؛ وذلك أنَّ العباس بن ذريح ، وإن كان ثقة في نفسه ، لكن روايته عن ابن عباس منقطعة ، فإنَّه لم يُدرِك ابن عباس رضي الله عنهما ، وهو من أتباع التابعين ؛ ولذلك قال الحافظ ابن حجر في التقريب : (( ثقة من السادسة )) .
وهو يروي عن طبقة شريح القاضي ، وكميل بن زياد ، والشعبي ، ونحوهم .
فهذا الإسناد الأول ضعيف لا يصح كما يظهر .
* وأمّا ما ذكره عن ابن أبي حاتم في العلل(2/203) ذكر فيه عِدَّة أسانيد ،
ولي على اكتفائه بهذا النقل عِدَّة ملاحظات : -
* الإسناد الأول ، وما يتعلَّق به :-
نَقَلَ – وفَّقه الله - عن العلل : (( رَوَاهُ أَبُو خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : الإِخْلاصُ هَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصْبُعِهِ ، وَالدُّعَاءُ هَكَذَا ، يَعْنِي بِبَطْنِ كَفَّيْهِ ، وَالاسْتِخَارَةُ هَكَذَا ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَوَلَّى ظُهُورَهُمَا وَجْهَهُ ((.
هذا الإسناد اضطرب فيه إمَّا أبو خالد الأحمر أو ابن عجلان ، فإنَّ في حفظهما مقال معروف ، ويدلُّ على هذا الاضطراب ما ذكره الأخ - وفَّقه الله تعالى – في إسناد ابن أبي شيبة ، فإنَّه فيه عن العباس بن ذُرَيح ، وهو هنا عن العباس بن معبد .
وأيضاً ؛ فيه إسقاط ذكر عكرمة من الإسناد ، فيَتأكَّد مِن ذلك ما قاله أبو زرعة رحمه الله تعالى : (( ابن عيينة أحفظهم كلهم )) .
ولكن تبقى الفائدة أنَّهم وافقوا في هذه الرِّواية ابن عُيينة ، في تعيين أحد رجال الإسناد ، وهو العباس بن معبد ، وإن كان الخطأ باقياً في الإسناد .
ويُؤَكِّد ذلك أنَّ الرواية التي ذكرها عن سليمان بن بلال فيها تعيين ذكر العباس بن معبد ، وإن كان هذا الإسناد أيضاً فيه خطأ أيضاً ، وهو محمول على مَن دون سليمان بن بلال - والله أعلم – . فإنَّ الإسناد كما هو في المُستَدرَك للحاكم (7903) ، والبيهقي في الكبرى (2910) من طريق الحاكم . قال : أخبرنا أبو بكر بن إسحاق أخبرنا الحسن بن علي بن زياد حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثني سليمان بن بلال عن عباس بن عبد الله بن معبد بن عباس عن أخيه إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « هكذا الإخلاص ». يُشير بإصبعه التى تلى الإبهام :« وهذا الدعاء». فرفع يديه حذو منكبيه : « وهذا الابتهال » . فرفع يديه مداًّ .
قلت : أما أبو بكر بن إسحاق فهو الإمام الحافظ أبو بكر بن إسحاق بن أيوب بن يزيد الصبغي النيسابوري الشافعي . وكان الحاكم أحياناً إذا روى عنه قال : أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الإمام . وهو خليفة ابن خزيمة في الفتوى كما قال أبو الفضل بن إبراهيم . وانظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (15/483) .
وأما الحسن بن علي بن زياد فهو السَّري الرازي ، ذكره ابن ماكولا في الإكمال(4/569) ، وابن ناصر الدين في توضيح المشتبه ، ولم أجد له توثيقاً ، ولعلَّ الحمل على الخطأ فيه عليه - والله أعلم – فإنَّ عبد العزيز بن عبدالله هو ابن يحيى بن عمرو العامري القرشي الأويسي أبو القاسم المدني ثقة من رجال البخاري .
وقد رُوِيَ هنا مرفوعاً ، وأيضاً ليس فيه ذكر الاستخارة ، وإنَّما فيه ذكر الابتهال ، وهو التَّضَرُّع وشدَّة الاجتهاد في الدعاء ، فهو أكثر من مُجَرَّد الدَّعاء ، انظر لسان العرب (مادة بهل ) حيث قال : (( وابْتَهَل في الدُّعاء : إِذا اجْتَهَدَ . و ( مُبْتَهِلاً ) أَي : مُجْتَهِداً في الدعاء. و ( الابتهال ) التضرُّع . والابتهال : الاجتهاد في الدعاء وإِخْلاصُه لله عز وجل ، وفي التنزيل العزيز : (ثم نَبْتَهِلْ فنجعلْ لعنة الله على الكاذبين) ، أَي : يُخْلِصْ ويجتهد كلٌّ مِنَّا في الدعاء واللَّعْنِ على الكاذب مِنَّا )) ا.هـ .
* وأمَّا طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي التي ذكرها فهي عند أبي داوود برقم (1493) ، والطبراني في كتاب الدعاء برقم (217، وذكر الشيخ الألباني رحمه الله تعالى أنه عند الضياء في المختارة من طريق أبي داوود .
قال أبو داوود رحمه الله تعالى في سننه (رقم1493) : حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العباس بن عبد الله بن معبد بن عباس عن أخيه إبراهيم بن عبد الله عن ابن عباس أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال فذكر نحوه .
قلتُ : هكذا ذكره هنا الدراوردي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم .
ومحمد بن يحيى بن فارس فهو الذهلي النيسابوري الإمام الثقة الحافظ ، ينسب أحياناً إلى جدِّه الثالث . وقد صحَّح إسناده العلامة الألباني رحمه الله تعالى في صحيح أبي داوود (برقم1340) .
فقد قال العلامة رحمه الله تعالى تحت الحديث : (( قلت: وهذا إسناد صحيح مرفوع ، رجاله ثقات كلُّهم ؛ وللعباس بن عبد الله بن معبد فيه شيخان :
الأول : عكرمة ، وهذا رواه عن ابن عباس موقوفاً .
والآخر : أخوه إبراهيم بن عبد الله ، وقد رواه عن ابن عباس مرفوعاً . والرفع زيادة ، وهي من ثقة فيجب قبولها لا سيما ومثله لا يقال بمجرد الرأي )) ا. هـ .
قلتُ : والذي يظهر أنَّ الدراوردي خالف فيه ، وأخطأ في رفعه كما سيأتي .
فإنَّ عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وإن كان من رجال مسلم ؛ إلا أنَّ في حفظه مقال معروف عند أهل الفن . ورواية البخاري له مقرونةٌ بغيره كما ذكره في التهذيب عن المزي . قلت : ولعلَّه لأجل المقال الذي فيه .
ولذلك قال عنه الألباني رحمه الله تعالى : (( ... ، وهو وإنْ كان ثقة ، واحتجَّ به مسلم ؛ ففيه شيء . قال في التقريب : ( صدوق كان يُحَدِّثُ من كتب غيره فيخطئ ) .
فلا يحتج به أيضاً إذا خالف الثقات ، مثل إسماعيل بن إبراهيم ،
وهو ابن علية الثقة الحافظ )) انتهى كلامه من الثمر المُستطاب (1/606) .
قلت : وقد خالف في هذا الحديث غيره من الثقات كما سيأتي .
فقد وقفتُ عليه من طريقين أُخريين عن العباس بن عبد الله بن معبد
موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنهما :
الطريق الأُولى عن وهيب بن خالد : أخرجها أبو داوود (1491) : حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب - يعنى ابن خالد - حدثني العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب عن عكرمة عن ابن عباس قال :
(( المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما ،
والاستغفار أن تشير بإصبع واحدة ،
والابتهال أنْ تَمُدَّ يديك جميعاً )) .
وهذه الرواية خالف فيها وهيب بن خالد رواية الدراوردي فجعله موقوفاً ،
وقد سبق معنا قول الألباني رحمه الله تعالى في الدراوردي إذا خالف الثقات : (( فلا يُحتَجُّ به أيضاً إذا خالف الثقات ، مثل إسماعيل بن إبراهيم وهو ابن علية الثقة الحافظ )) .
قلتُ : ورواية وهيب بن خالد مرجَّحة على رواية إسماعيل بن عليَّة عند عبد الرحمن بن مهدي والإمام أحمد ، قال الفضل بن زياد: (( سألتُ أحمد عن وهيب وابن عُلَـيَّة إذا اختلفا؟ قال : كان عبدالرحمن يختار وهيباً . قلت : في حفظه ؟ قال : في كُلِّ شيء، وإسماعيل ثبت )) . انظر ترجمة وُهَيب في التهذيب .
وقال في التهذيب : (( قال أبو حاتم : ما أنقى حديثه لا تكاد تَجِدُه يُحَدِّثُ عن الضعفاء ، وهو الرابع من حُفَّاظ البصرة ، وهو ثقة . ويُقال : إنَّه لم يكن بعد شعبة أعلم بالرجال منه ، وكان يُقال : إنَّه يَخلُفُ حمَّاد بن سلمة )) ا.هـ .
الطريق الثانية عن سفيان بن عيينة : أخرجها عبد الرزاق في مصنفه (3247) : عن ابن عيينة ، عن عباس بن عبد الله بن معبد ، عن عكرمة قال : قال ابن عباس : (( الابتهال هكذا
- وبسط يديه وظهورهما إلى وجهه - ، والدُّعاء هكذا - ورفع يديه حتى لحيته - ،
والإخلاص هكذا - يشير بإصبعه - )) .
وأبو داوود أيضاً (1492) ، حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا سفيان حدثنى عباس بن عبد الله بن معبد بن عباس بهذا الحديث ؛ قال فيه : (( والابتهال هكذا - ورفع يديه وجعل ظهورهما مِمَّا يَلِي وجهه - )) .
هكذا ساق أبو داوود رحمه الله تعالى الإسناد مُختصراً ، ليس فيه ذكر عكرمة ،
وهو مُصَرَّحٌ به في رواية عبد الرزاق ، فإنَّ أبا داوود ذكر الإسناد مختصراً .
وسفيان هو ابن عيينة ، كما في رواية عبد الرزاق .
وبهذا تظهر المخالفة في الطريقين في رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم لما فيهما من المقال ، لاثنين من الأئمَّة الحُفَّاظ ، وهُما :
وهيب بن خالد ، وسفيان بن عيينة .
فإن قيل : إنَّ هذه الزِّيادة من ثقة فوجب قبولها .
قلنا : مثل هذا يُمكِنُ أن يُقال ، لولا المقال الذي في الدراوردي ، ومن المُتقرِّر عند مَنْ خَبَر هذا الفنَّ ؛ أنَّ الراوي إذا كان في حِفْظِهِ مقال ، فإنَّنا لا نَقبَلُ رِوايَتَه إذا خالف غيره من الأثبات الحُفَّاظ .
وليس المقام هنا مقام التفصيل ، فإنَّ هذا الكلام هنا على بيان شذوذ رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم ، إنَّما جاء استطراداً .
وأمَّا قول الأخ الكريم صاحب المقالة – وفَّقه الله تعالى - : ((وظاهرُ الأثَرِ : أنَّ اليدين في الاستخارة يجعل باطنهما إلى الأرض )) .
فإنَّنا نقول : هذا الحكم إنَّما جاء بناءً على تصحيح لفظ : (( الاستخارة )) ، وهذه اللفظة منكرة كما تبيَّن من البحث السابق ، وإنَّ الصحيح هو اللفظ الآخر : (( الابتهال )) كما هو في الروايتَين الصَّحيحتَين عن ابن عيينة ، ووهيب بن خالد عليهما رحمة الله تعالى عليهما ،
ورواية ابن عيينة هي التي رجَّحها أبو زرعة رحمه الله .
وعليه ؛ فإنَّه يتَّضِحُ لنا الخطأ في إصدار هذا الحكم الشرعي في صفة رفع اليدين في الاستخارة،
والذي بُنِيَ على استعجال من الأخ الكريم حفظه الله تعالى وسدَّد خطاه .
وأنَّ الفائدة النَّفيسة من هذا المقال يجب أنْ تكون :
أنَّ هذه الصِّفة المذكورة في رفع اليدين منكرة لا تصح ،
وأنَّ مَن فعلها على سبيل التَّعَبُّد ،
فقد أتى ببِدعةٍ ما أنزل الله بها من سلطان .
هذا والله أعلى وأعلم .
والخلاف منقول بين أهل العلم في جواز رفع اليدين أو عدمه بين أهل العلم،
ولكن على الصفة المعروفة في رفع اليدين في الدعاء،
وهي : جعل باطن الكفَّين تجاه الوجه .
ولستُ هنا بصدد بيان الراجح من القولين ،
لأنَّ ذلك يحتاج إلى بسط لا يسع في هذا المقام .
وقبل أن أختم ؛ فإنَّني لأدعو الأخ الكريم كاتب المقالة حفظه الله تعالى ووفَّقه إلى رضوانه
وأفسح الله لنا وله في الأجل مع الطاعة
أن يرجع عمَّا كتب ، وأنَّه كما نَشَر هذا المقال ، فإنَّه يجب عليه أن ينشُر مثله ، ولكن بخلافه ، وأنْ يعلم أنَّ الله سبحانه وتعالى سائله عن هذا ،
وهو سبحانه وتعالى الذي قال :
(لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ) النحل: ٢٥
ولا شكَّ أنَّ من أعظم سِمات أتباع المنهج السلفي
( حُسن الاتِّباع ، والانقياد للحقِّ )
ثمَّ إنَّني أَختِمُ هنا بِبَعضِ الوصايا لإخواني طلبة العلم المُشتَغِلين بعِلم الحديث :-
أوَّلاً : أنْ لا يستعجل الطالب في هذا العلم الذي قد لا يُدرِك الطالبُ فيه الخطورة
في نِسبة شيء الله تعالى أو إلى رسوله صلى الله عليه وسلَّم ،
أو إلى أحَدٍ من أصحابه رضي الله عنهم الذين أخذوا العلم
عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم .
ثانياً : أنَّ العَجَلة في هذا العلم قد تكون سبباً في إصدار الأحكام الشرعية ،
فيكون في ذلك من القول على الله تعالى بلا علم ، فإنَّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء:٣٦، وقال سبحانه وتعالى : (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ )النحل: ١١٦ .
ثالثاً : أنْ يَعرِضَ طالب العلم ما وقف عليه من الأحكام على المسائل الحديثيَّة على أهل العلم ؛ لكي يُبَيِّنوا له موضع التقصير أو الخطأ .
رابعاً : أنَّ طالب العلم إذا ظهر له حكمٌ شرعي من بحثٍ مُعَيَّن ، فلا بُدَّ من أنْ يتأكَّد أنَّه قد سُبِقَ بهذا الحُكم مِن أهل العلم المُعتَـبَرين ، وأنْ يُرَدِّدَ بينه وبين نفسه دائماً قول أهل العلم: مَنْ سبَقَكَ إلى هذا . ومثله قول الإمام أحمد : لا تقُل بمسألة ليس لك فيها إمام .
خامساً : أنْ لا يَنشُرَ طالب العلم شيئاً من البحوث التي قام بها حتَّى يتأكَّد أنَّه قد أصاب فيما بَحَثَه ، وإلاَّ فإنَّه قد يكون داعياً إلى بِدعة في الدِّين مِنْ حيث لا يَشعُر .
سادساً : أنْ يَستمرَّ طالب العلم في البحث والنَّظر إلى أنْ ترسخ قدَمُه في هذا العلم الدَّقيق ، فإن آنَسَ من نفسه ذلك فليَقم بعد ذلك بتعليم ما فتح الله به عليه ،
ولْيَنشر هذا الخير الذي وفَّقه الله إليه .
وأخيراً : أرجو أن لا يَظُنَّ أحدٌ أنَّني قد قصدتُ الأخ الكريم كاتب المقالة لأمرٍ ما ،
ولكن هو القيام بالحقِّ الذي لا بدَّ منه ، قبل العرض على الملك الديَّان
سبحانه وتعالى يوم القيامة .
وإنَّني لأَرجو مِنْ كلِّ أخٍ كريمٍ رام العثور على زلَّةٍ فيما كُتِب أن يكتب إلَيَّ فيها ، فإنَّ الخطأ خصلة في بني آدم ، فأسأل الله تعالى التوفيق والسَّداد ،
وأنْ يجعلني وإخواني من طلبة العلم داعين إلى الحق ، ذابِّين عن حِياضه ،
لا تأخُذنا في الله لومة لائم .
وختاماً : فإنَّني أُوَجِّه نِداءً إلى الإخوة الكرام
مِمَّن هم أعضاء في شبكة سحاب الخير ،
أن يقوم أحد الأفاضل بنقل هذا التَّوضيح إلى تلك الشبكة الغرَّاء،
رغبةً في عموم الخير ،
وجزى الله سبحانه القائمين على هذه الشبكة عن المسلمين خير الجزاء .
كتبه الفقير إلى عفو ربه عزَّ وجل
حامد بن خميس بن ربيع الجنيبي
غفر الله له ولوالديه ولمشايخه وأهل بيته
hamed_junaibi@hotmail.com
رابط الموضوع
فهذا موضوع قد قرأته على شبكة سحاب السلفية
عسى الله أن ينفعنا بعلم مشايخنا الأفاضل -حفظهم الله- فيه
وهو عن كيفية رفع اليدين فى دعاء الإستخارة
نص الموضوع (وهو لأخت -وفقها الله- على شبكة سحاب)
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ،
وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد ؛
فقد وقفتُ على بحث في صفة رفع اليدين في دعاء الاستخارة في شبكة سحاب السلفية
(تحت المنبر الإسلامي)
في تاريخ 22/01/2011 م
لأحد الإخوة الأكارم - وفقه الله تعالى – تحت عنوان
( فائدة نفسية : صفة رفع اليدين في الاستخارة )
ثمَّ وجدتُ نفس البحث في مواقع أخرى تَناقلت هذا البحث .
ووجدتُه وفَّقه الله تعالى قد جانبَ الصَّواب ، وقال بشيء لم نقف على أحدٍ سَبَقه إليه من أهل العلم ، وقد بنى كلامه حفظه الله تعالى في هذه المسألة على نقلٍ مُجمَلٍ لا يُسعِفُ في الخروج بالحكم في هذه المسألة بما توصَّل إليه وفقه الله تعالى لمرضاته .
وهو : أنَّ صفة رفع اليدين في دعاء الاستخارة يكون بجعل بطون الكَفَّين تجاه الأرض .
فقلتُ في نفسي : هذا نقلٌ غير مُصَدَّق ، وبحثٌ غير مُحَقَّق .
فغفر الله لكاتبه ، ووَفَّقنا الله وإيَّاه لما يُحِبُّه ويرضاه .
وكنتُ عندما قرأتُ عنوان الموضوع استوقفني لقراءته ،
حيث أنَّني كنتُ قد بحثتُ سابقاً فيما بحثتُ :
هل أجدُ أحَداً من الصَّحابة رضي الله عنهم قد تكلَّم عن رفع اليدين في دعاء الاستخارة ؟
فلم أقف على شيء يصحُّ حتى السَّاعة في ذلك ،
فما أن شَرَعتُ في قراءة الموضوع ، حتى علمتُ أنَّ في المسألة خَلَلاً غير مقصود ،
وأنا أحسِبُ الأخ الكريم كاتب المقالة ، إنَّما أراد أن ينشُرَ خيراً قد أوقفَه الله عليه .
وصدق ابن مسعود رضي الله عنه : (( وكم من مريدٍ للخير لن يُدرِكه )) .
وإليكَ نَصَّ كلامه :
(( الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
قال ابن أبي شيبة في المصنف 30021- حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ ذُرَيْحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : الإِخْلاصُ هَكَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ ، وَالدُّعَاءُ هَكَذَا يَعْنِي يُشِيرُ بِبُطُونِ كَفَّيْهِ ، وَالاسْتِخَارَةُ هَكَذَا وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَوَلَّى ظَهْرَهُمَا وَجْههَ.
قال ابن أبي حاتم في العلل (2/203) : وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ ؛ رَوَاهُ أَبُو خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : الإِخْلاصُ هَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصْبُعِهِ ، وَالدُّعَاءُ هَكَذَا ، يَعْنِي بِبَطْنِ كَفَّيْهِ ، وَالاسْتِخَارَةُ هَكَذَا ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَوَلَّى ظُهُورَهُمَا وَجْهَهُ.
وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، موقوفًا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ ، عَنْ أَخِيهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَرَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَعْبَدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ : ابْنُ عُيَيْنَةَ أَحْفَظُهُمْ كُلِّهِمْ .
وهذا من أبي زرعة ترجيحٌ لرواية ابن عيينة على غيرها وهي عن عباس بن عبد الله بن معبد بن عبد الله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس
ورجال هذا السند رجال الصحيح عدا عباس فهو من رجال أبي داود ، وقد وثَّقَه ابن معين وابن حبان وقال ابن عيينة : ( كان رجلاً صالحاً ) . ( انظر تهذيب الكمال (14/ 219)
وقوله في الأثر ( الإخلاص هكذا ) لعله يعني كلمة الإخلاص وهي لا إله إلا الله ، فيشرع رفع الإصبع بالوحدانية عند قولها .
وظاهر الأثر أن اليدين في الاستخارة يجعل باطنهما إلى الأرض
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم )) انتهى كلامه وفَّقه الله تعالى .
* وإليك ما استدركتُه عليه : -
أوَّلاً : الإسناد الأوَّل الذي عند ابن أبي شيبة : حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ ذُرَيْحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .
أقول : لم يُبَيِّن وفَّقه الله تعالى الحكم على هذا الإسناد ، والذي يظهر لي من كلامه كاملاً أنَّه اعتمد على سرد الطرق لتصحيح الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما .
وهذا الإسناد الذي ذكره عند ابن أبي شيبة فيه انقطاع بين العباس بن ذريح وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، فهو منقطع ضعيف لا يصح ؛ وذلك أنَّ العباس بن ذريح ، وإن كان ثقة في نفسه ، لكن روايته عن ابن عباس منقطعة ، فإنَّه لم يُدرِك ابن عباس رضي الله عنهما ، وهو من أتباع التابعين ؛ ولذلك قال الحافظ ابن حجر في التقريب : (( ثقة من السادسة )) .
وهو يروي عن طبقة شريح القاضي ، وكميل بن زياد ، والشعبي ، ونحوهم .
فهذا الإسناد الأول ضعيف لا يصح كما يظهر .
* وأمّا ما ذكره عن ابن أبي حاتم في العلل(2/203) ذكر فيه عِدَّة أسانيد ،
ولي على اكتفائه بهذا النقل عِدَّة ملاحظات : -
* الإسناد الأول ، وما يتعلَّق به :-
نَقَلَ – وفَّقه الله - عن العلل : (( رَوَاهُ أَبُو خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : الإِخْلاصُ هَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصْبُعِهِ ، وَالدُّعَاءُ هَكَذَا ، يَعْنِي بِبَطْنِ كَفَّيْهِ ، وَالاسْتِخَارَةُ هَكَذَا ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَوَلَّى ظُهُورَهُمَا وَجْهَهُ ((.
هذا الإسناد اضطرب فيه إمَّا أبو خالد الأحمر أو ابن عجلان ، فإنَّ في حفظهما مقال معروف ، ويدلُّ على هذا الاضطراب ما ذكره الأخ - وفَّقه الله تعالى – في إسناد ابن أبي شيبة ، فإنَّه فيه عن العباس بن ذُرَيح ، وهو هنا عن العباس بن معبد .
وأيضاً ؛ فيه إسقاط ذكر عكرمة من الإسناد ، فيَتأكَّد مِن ذلك ما قاله أبو زرعة رحمه الله تعالى : (( ابن عيينة أحفظهم كلهم )) .
ولكن تبقى الفائدة أنَّهم وافقوا في هذه الرِّواية ابن عُيينة ، في تعيين أحد رجال الإسناد ، وهو العباس بن معبد ، وإن كان الخطأ باقياً في الإسناد .
ويُؤَكِّد ذلك أنَّ الرواية التي ذكرها عن سليمان بن بلال فيها تعيين ذكر العباس بن معبد ، وإن كان هذا الإسناد أيضاً فيه خطأ أيضاً ، وهو محمول على مَن دون سليمان بن بلال - والله أعلم – . فإنَّ الإسناد كما هو في المُستَدرَك للحاكم (7903) ، والبيهقي في الكبرى (2910) من طريق الحاكم . قال : أخبرنا أبو بكر بن إسحاق أخبرنا الحسن بن علي بن زياد حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثني سليمان بن بلال عن عباس بن عبد الله بن معبد بن عباس عن أخيه إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « هكذا الإخلاص ». يُشير بإصبعه التى تلى الإبهام :« وهذا الدعاء». فرفع يديه حذو منكبيه : « وهذا الابتهال » . فرفع يديه مداًّ .
قلت : أما أبو بكر بن إسحاق فهو الإمام الحافظ أبو بكر بن إسحاق بن أيوب بن يزيد الصبغي النيسابوري الشافعي . وكان الحاكم أحياناً إذا روى عنه قال : أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الإمام . وهو خليفة ابن خزيمة في الفتوى كما قال أبو الفضل بن إبراهيم . وانظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (15/483) .
وأما الحسن بن علي بن زياد فهو السَّري الرازي ، ذكره ابن ماكولا في الإكمال(4/569) ، وابن ناصر الدين في توضيح المشتبه ، ولم أجد له توثيقاً ، ولعلَّ الحمل على الخطأ فيه عليه - والله أعلم – فإنَّ عبد العزيز بن عبدالله هو ابن يحيى بن عمرو العامري القرشي الأويسي أبو القاسم المدني ثقة من رجال البخاري .
وقد رُوِيَ هنا مرفوعاً ، وأيضاً ليس فيه ذكر الاستخارة ، وإنَّما فيه ذكر الابتهال ، وهو التَّضَرُّع وشدَّة الاجتهاد في الدعاء ، فهو أكثر من مُجَرَّد الدَّعاء ، انظر لسان العرب (مادة بهل ) حيث قال : (( وابْتَهَل في الدُّعاء : إِذا اجْتَهَدَ . و ( مُبْتَهِلاً ) أَي : مُجْتَهِداً في الدعاء. و ( الابتهال ) التضرُّع . والابتهال : الاجتهاد في الدعاء وإِخْلاصُه لله عز وجل ، وفي التنزيل العزيز : (ثم نَبْتَهِلْ فنجعلْ لعنة الله على الكاذبين) ، أَي : يُخْلِصْ ويجتهد كلٌّ مِنَّا في الدعاء واللَّعْنِ على الكاذب مِنَّا )) ا.هـ .
* وأمَّا طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي التي ذكرها فهي عند أبي داوود برقم (1493) ، والطبراني في كتاب الدعاء برقم (217، وذكر الشيخ الألباني رحمه الله تعالى أنه عند الضياء في المختارة من طريق أبي داوود .
قال أبو داوود رحمه الله تعالى في سننه (رقم1493) : حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العباس بن عبد الله بن معبد بن عباس عن أخيه إبراهيم بن عبد الله عن ابن عباس أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال فذكر نحوه .
قلتُ : هكذا ذكره هنا الدراوردي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم .
ومحمد بن يحيى بن فارس فهو الذهلي النيسابوري الإمام الثقة الحافظ ، ينسب أحياناً إلى جدِّه الثالث . وقد صحَّح إسناده العلامة الألباني رحمه الله تعالى في صحيح أبي داوود (برقم1340) .
فقد قال العلامة رحمه الله تعالى تحت الحديث : (( قلت: وهذا إسناد صحيح مرفوع ، رجاله ثقات كلُّهم ؛ وللعباس بن عبد الله بن معبد فيه شيخان :
الأول : عكرمة ، وهذا رواه عن ابن عباس موقوفاً .
والآخر : أخوه إبراهيم بن عبد الله ، وقد رواه عن ابن عباس مرفوعاً . والرفع زيادة ، وهي من ثقة فيجب قبولها لا سيما ومثله لا يقال بمجرد الرأي )) ا. هـ .
قلتُ : والذي يظهر أنَّ الدراوردي خالف فيه ، وأخطأ في رفعه كما سيأتي .
فإنَّ عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وإن كان من رجال مسلم ؛ إلا أنَّ في حفظه مقال معروف عند أهل الفن . ورواية البخاري له مقرونةٌ بغيره كما ذكره في التهذيب عن المزي . قلت : ولعلَّه لأجل المقال الذي فيه .
ولذلك قال عنه الألباني رحمه الله تعالى : (( ... ، وهو وإنْ كان ثقة ، واحتجَّ به مسلم ؛ ففيه شيء . قال في التقريب : ( صدوق كان يُحَدِّثُ من كتب غيره فيخطئ ) .
فلا يحتج به أيضاً إذا خالف الثقات ، مثل إسماعيل بن إبراهيم ،
وهو ابن علية الثقة الحافظ )) انتهى كلامه من الثمر المُستطاب (1/606) .
قلت : وقد خالف في هذا الحديث غيره من الثقات كما سيأتي .
فقد وقفتُ عليه من طريقين أُخريين عن العباس بن عبد الله بن معبد
موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنهما :
الطريق الأُولى عن وهيب بن خالد : أخرجها أبو داوود (1491) : حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب - يعنى ابن خالد - حدثني العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب عن عكرمة عن ابن عباس قال :
(( المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما ،
والاستغفار أن تشير بإصبع واحدة ،
والابتهال أنْ تَمُدَّ يديك جميعاً )) .
وهذه الرواية خالف فيها وهيب بن خالد رواية الدراوردي فجعله موقوفاً ،
وقد سبق معنا قول الألباني رحمه الله تعالى في الدراوردي إذا خالف الثقات : (( فلا يُحتَجُّ به أيضاً إذا خالف الثقات ، مثل إسماعيل بن إبراهيم وهو ابن علية الثقة الحافظ )) .
قلتُ : ورواية وهيب بن خالد مرجَّحة على رواية إسماعيل بن عليَّة عند عبد الرحمن بن مهدي والإمام أحمد ، قال الفضل بن زياد: (( سألتُ أحمد عن وهيب وابن عُلَـيَّة إذا اختلفا؟ قال : كان عبدالرحمن يختار وهيباً . قلت : في حفظه ؟ قال : في كُلِّ شيء، وإسماعيل ثبت )) . انظر ترجمة وُهَيب في التهذيب .
وقال في التهذيب : (( قال أبو حاتم : ما أنقى حديثه لا تكاد تَجِدُه يُحَدِّثُ عن الضعفاء ، وهو الرابع من حُفَّاظ البصرة ، وهو ثقة . ويُقال : إنَّه لم يكن بعد شعبة أعلم بالرجال منه ، وكان يُقال : إنَّه يَخلُفُ حمَّاد بن سلمة )) ا.هـ .
الطريق الثانية عن سفيان بن عيينة : أخرجها عبد الرزاق في مصنفه (3247) : عن ابن عيينة ، عن عباس بن عبد الله بن معبد ، عن عكرمة قال : قال ابن عباس : (( الابتهال هكذا
- وبسط يديه وظهورهما إلى وجهه - ، والدُّعاء هكذا - ورفع يديه حتى لحيته - ،
والإخلاص هكذا - يشير بإصبعه - )) .
وأبو داوود أيضاً (1492) ، حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا سفيان حدثنى عباس بن عبد الله بن معبد بن عباس بهذا الحديث ؛ قال فيه : (( والابتهال هكذا - ورفع يديه وجعل ظهورهما مِمَّا يَلِي وجهه - )) .
هكذا ساق أبو داوود رحمه الله تعالى الإسناد مُختصراً ، ليس فيه ذكر عكرمة ،
وهو مُصَرَّحٌ به في رواية عبد الرزاق ، فإنَّ أبا داوود ذكر الإسناد مختصراً .
وسفيان هو ابن عيينة ، كما في رواية عبد الرزاق .
وبهذا تظهر المخالفة في الطريقين في رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم لما فيهما من المقال ، لاثنين من الأئمَّة الحُفَّاظ ، وهُما :
وهيب بن خالد ، وسفيان بن عيينة .
فإن قيل : إنَّ هذه الزِّيادة من ثقة فوجب قبولها .
قلنا : مثل هذا يُمكِنُ أن يُقال ، لولا المقال الذي في الدراوردي ، ومن المُتقرِّر عند مَنْ خَبَر هذا الفنَّ ؛ أنَّ الراوي إذا كان في حِفْظِهِ مقال ، فإنَّنا لا نَقبَلُ رِوايَتَه إذا خالف غيره من الأثبات الحُفَّاظ .
وليس المقام هنا مقام التفصيل ، فإنَّ هذا الكلام هنا على بيان شذوذ رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم ، إنَّما جاء استطراداً .
وأمَّا قول الأخ الكريم صاحب المقالة – وفَّقه الله تعالى - : ((وظاهرُ الأثَرِ : أنَّ اليدين في الاستخارة يجعل باطنهما إلى الأرض )) .
فإنَّنا نقول : هذا الحكم إنَّما جاء بناءً على تصحيح لفظ : (( الاستخارة )) ، وهذه اللفظة منكرة كما تبيَّن من البحث السابق ، وإنَّ الصحيح هو اللفظ الآخر : (( الابتهال )) كما هو في الروايتَين الصَّحيحتَين عن ابن عيينة ، ووهيب بن خالد عليهما رحمة الله تعالى عليهما ،
ورواية ابن عيينة هي التي رجَّحها أبو زرعة رحمه الله .
وعليه ؛ فإنَّه يتَّضِحُ لنا الخطأ في إصدار هذا الحكم الشرعي في صفة رفع اليدين في الاستخارة،
والذي بُنِيَ على استعجال من الأخ الكريم حفظه الله تعالى وسدَّد خطاه .
وأنَّ الفائدة النَّفيسة من هذا المقال يجب أنْ تكون :
أنَّ هذه الصِّفة المذكورة في رفع اليدين منكرة لا تصح ،
وأنَّ مَن فعلها على سبيل التَّعَبُّد ،
فقد أتى ببِدعةٍ ما أنزل الله بها من سلطان .
هذا والله أعلى وأعلم .
والخلاف منقول بين أهل العلم في جواز رفع اليدين أو عدمه بين أهل العلم،
ولكن على الصفة المعروفة في رفع اليدين في الدعاء،
وهي : جعل باطن الكفَّين تجاه الوجه .
ولستُ هنا بصدد بيان الراجح من القولين ،
لأنَّ ذلك يحتاج إلى بسط لا يسع في هذا المقام .
وقبل أن أختم ؛ فإنَّني لأدعو الأخ الكريم كاتب المقالة حفظه الله تعالى ووفَّقه إلى رضوانه
وأفسح الله لنا وله في الأجل مع الطاعة
أن يرجع عمَّا كتب ، وأنَّه كما نَشَر هذا المقال ، فإنَّه يجب عليه أن ينشُر مثله ، ولكن بخلافه ، وأنْ يعلم أنَّ الله سبحانه وتعالى سائله عن هذا ،
وهو سبحانه وتعالى الذي قال :
(لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ) النحل: ٢٥
ولا شكَّ أنَّ من أعظم سِمات أتباع المنهج السلفي
( حُسن الاتِّباع ، والانقياد للحقِّ )
ثمَّ إنَّني أَختِمُ هنا بِبَعضِ الوصايا لإخواني طلبة العلم المُشتَغِلين بعِلم الحديث :-
أوَّلاً : أنْ لا يستعجل الطالب في هذا العلم الذي قد لا يُدرِك الطالبُ فيه الخطورة
في نِسبة شيء الله تعالى أو إلى رسوله صلى الله عليه وسلَّم ،
أو إلى أحَدٍ من أصحابه رضي الله عنهم الذين أخذوا العلم
عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم .
ثانياً : أنَّ العَجَلة في هذا العلم قد تكون سبباً في إصدار الأحكام الشرعية ،
فيكون في ذلك من القول على الله تعالى بلا علم ، فإنَّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء:٣٦، وقال سبحانه وتعالى : (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ )النحل: ١١٦ .
ثالثاً : أنْ يَعرِضَ طالب العلم ما وقف عليه من الأحكام على المسائل الحديثيَّة على أهل العلم ؛ لكي يُبَيِّنوا له موضع التقصير أو الخطأ .
رابعاً : أنَّ طالب العلم إذا ظهر له حكمٌ شرعي من بحثٍ مُعَيَّن ، فلا بُدَّ من أنْ يتأكَّد أنَّه قد سُبِقَ بهذا الحُكم مِن أهل العلم المُعتَـبَرين ، وأنْ يُرَدِّدَ بينه وبين نفسه دائماً قول أهل العلم: مَنْ سبَقَكَ إلى هذا . ومثله قول الإمام أحمد : لا تقُل بمسألة ليس لك فيها إمام .
خامساً : أنْ لا يَنشُرَ طالب العلم شيئاً من البحوث التي قام بها حتَّى يتأكَّد أنَّه قد أصاب فيما بَحَثَه ، وإلاَّ فإنَّه قد يكون داعياً إلى بِدعة في الدِّين مِنْ حيث لا يَشعُر .
سادساً : أنْ يَستمرَّ طالب العلم في البحث والنَّظر إلى أنْ ترسخ قدَمُه في هذا العلم الدَّقيق ، فإن آنَسَ من نفسه ذلك فليَقم بعد ذلك بتعليم ما فتح الله به عليه ،
ولْيَنشر هذا الخير الذي وفَّقه الله إليه .
وأخيراً : أرجو أن لا يَظُنَّ أحدٌ أنَّني قد قصدتُ الأخ الكريم كاتب المقالة لأمرٍ ما ،
ولكن هو القيام بالحقِّ الذي لا بدَّ منه ، قبل العرض على الملك الديَّان
سبحانه وتعالى يوم القيامة .
وإنَّني لأَرجو مِنْ كلِّ أخٍ كريمٍ رام العثور على زلَّةٍ فيما كُتِب أن يكتب إلَيَّ فيها ، فإنَّ الخطأ خصلة في بني آدم ، فأسأل الله تعالى التوفيق والسَّداد ،
وأنْ يجعلني وإخواني من طلبة العلم داعين إلى الحق ، ذابِّين عن حِياضه ،
لا تأخُذنا في الله لومة لائم .
وختاماً : فإنَّني أُوَجِّه نِداءً إلى الإخوة الكرام
مِمَّن هم أعضاء في شبكة سحاب الخير ،
أن يقوم أحد الأفاضل بنقل هذا التَّوضيح إلى تلك الشبكة الغرَّاء،
رغبةً في عموم الخير ،
وجزى الله سبحانه القائمين على هذه الشبكة عن المسلمين خير الجزاء .
كتبه الفقير إلى عفو ربه عزَّ وجل
حامد بن خميس بن ربيع الجنيبي
غفر الله له ولوالديه ولمشايخه وأهل بيته
hamed_junaibi@hotmail.com
رابط الموضوع