المطويات الدعوية...80
أحكام المسح على الخفين
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فهذه مسائل اختصرتها من كلام أهل العلم في المسح على الخفين أسأل الله أن ينفع بها.
حكم المسح على الجوربين
في المسح على الجوربين في الوضوء خلاف بين الفقهاء فمنهم من منعه ومنهم من أجازه، والصحيح أنه جائز إذا لبسهما على طهارة وكانا ساترين للقدمين والكعبين لمدة يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر، إلى غير ذلك من شروط المسح التي دلت عليها الأحاديث الصحيحة، لما ثبت عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال: سنن أبو داود الطهارة (159),مسند أحمد بن حنبل (4/252). توضأ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على الجوربين والنعلين رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي : حديث حسن صحيح، وقد عمل بذلك كثير من الصحابة.
قال أبو داود : ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو بن حريث ، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهم . وهو قول جماعة من أهل العلم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة رقم 1946
شروط المسح على الخفين:
من نعمة الله وتيسيره في هذا الوضوء أنه إذا كان على الرجلين ما يسترهما من جوارب أو خفين وهما (الكنادر) فإن الإنسان يمسح عليهما؛ لكن في مدة محددة كما سيُبَيَّن وبشروط:
1 - أن يلبسهما على طهارة:
لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة لما أهوى لينزع خفيه، قال: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) فمسح عليهما. فإن لبسهما على غير طهارة لم يجز المسح، ولو نسي فمسح فإنه يلزمه إعادة الوضوء، وغسل الرجلين، وإعادة الصلاة؛ لأنه صلى على غير طهارة.
2 - أن يكون المسح في الحَدَث الأصغر لا في الأكبر:
ودليله حديث صفوان بن عسال ، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سَفْراً -يعني: مسافرين- ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن إلا من جنابة؛ ولكن من غائط، وبول، ونوم) فإذا حصل على الإنسان جنابة وعليه جوارب وَجَبَ عليه أن يخلعهما، وأن يغسل قدميه؛ وذلك لأن الطهارة الكبرى وهي الغسل من الجنابة ليس فيها مسح إلا إذا كانت هناك جبيرة، ولهذا لا يُمسح الرأس فيها، بل يجب أن يُغسل غسلاً تاماً.
3 - أن تكون الجوارب أو الخفاف طاهرة:
فلا يصح المسح على النجس؛ لأن النجس لا يزيد بالمسح عليه إلا خبثاً وتلويثاً لليد التي باشرت النجاسة؛ ولأن الإنسان في الغالب يمسح ليُصَلي، ولا صلاة في الشيء النجس، والدليل على أنه لا صلاة في الشيء النجس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذات يوم يصلي بأصحابه، فخلع نعليه، فخلع الصحابة نعالهم، فلما سلم سألهم: لماذا خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً) أي: أنه خلعها من أجل ذلك، وهذا يدل على أنه لا بد أن يكون الملبوس طاهراً.
4 - أن يكون في الوقت المحدد شرعاً:
الوقت المحدد شرعاً هو يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، وتبتدئ هذه المدة من أول مرة مَسَحَ بعد الحدث، فإذا لَبِسها من صلاة الفجر مثلاً، وتوضأ لصلاة الظهر ومسحها، فابتداء المدة من الظهر، أي: من الوقت الذي مسح فيه، حتى يأتي مثله من اليوم التالي إذا كان مقيماً، أو في اليوم الثالث إذا كان مسافراً، فهي ثلاثة أيام بلياليها للمسافر، ويوم وليلة للمقيم. والحكمة في هذا واضحة؛ لأن المسافر أحوج إلى ستر قدمه من المقيم. هذه هي شروط المسح على الجوربين، أو على الخفين، وما عدا ذلك من الشروط التي ذكرها بعض الفقهاء فإنه ليس عليها دليل، وإنما هي تعاليم استنبطها الفقهاء تُسَلَّم لهم أو لا تُسَلَّم؛ لكن هذه هي الشروط التي يطمئن إليها الإنسان، وأنه لا بد من أن تتوفر في جواز المسح على الخفين أو الجوربين.
لقاءات الباب المفتوح الجزء 4 ص 1
المسح على الخف أو الجورب المخرق
حكمه الجواز وحجتنا في ذلك أن الأصل الإباحة فمن منع واشترط السلامة من الخرق أو وضع له حدا فهو مردود لقوله صلى الله عليه وسلم :
( صحيح ) ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ) متفق عليه . وأيضا فقد صح عن الثوري أنه قال :
( امسح عليهما ما تعلقت به رجلك وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة مشققة مرقعة ؟ )
أخرجه عبد الرزاق في ( المصنف ) ( 753 ) ومن طريقه البيهقي ( 1 / 283 )
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( اختياراته ) ( ص 13 ) :
( ويجوز المسح على اللفائف في أحد الوجهين حكاه ابن تميم وغيره وعلى الخف المخرق ما دام اسمه باقيا والمشي فيه ممكنا وهو قديم قولي الشافعي واختيار أبي البركات وغيره من العلماء )
قلت : ونسبه الرافعي في ( شرح الوجيز ) ( 2 / 370 ) للأكثرية واحتج له بأن القول بامتناع المسح يضيق باب الرخصة فوجب أن يمسح . ولقد أصاب رحمه الله
المسح على الجوربين تحقيق الإمام الألباني رحمه الله ص 90
خلع الممسوح عليه لا ينقض الوضوء
لموافقته للنظر الصحيح فإنه لو مسح على رأسه ثم حلق لم يجب عليه أن يعيد المسح بله الوضوء وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية فقال في ( اختياراته ) ( ص 15 ) :
( ولا ينتقض وضوء الماسح على الخف والعمامة بنزعهما ولا بانقضاء المدة ولا يجب عليه مسح رأسه ولا غسل قدميه وهو مذهب الحسن البصري . كإزالة الشعر الممسوح على الصحيح من مذهب أحمد وقول الجمهور ) .
المسح على الجوربين تحقيق الإمام الألباني رحمه ص 91
انتهاء مدة المسح لا ينقض الوضوء
وهو الذي اختاره النووي خلافا لمذهبه أيضا فقال رحمه الله ( 1 / 527 ) :
( وهذا المذهب حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وقتادة وسليمان بن حرب واختاره ابن المنذر وهو المختار الأقوى وحكاه أصحابنا عن داود )
قلت : وحكاه الشعراني في ( الميزان ) ( 1 / 150 ) عن الإمام مالك وحكى النووي عنه غيره فليحقق . وهو الذي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية كما تراه في كلامه السابق في المسألة الثالثة ( ص 92 ) تبعا لابن حزم .
المسح على الجوربين تحقيق الإمام الألباني رحمه ص97
والله اعلم.
إعداد
أبي أسامة سمير الجزائري
قدم للمطويات
الشيخ علي الرملي الأردني حفظه الله المشرف العام على شبكة الدين القيم
مدونة المطويات الدعوية
أحكام المسح على الخفين
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فهذه مسائل اختصرتها من كلام أهل العلم في المسح على الخفين أسأل الله أن ينفع بها.
حكم المسح على الجوربين
في المسح على الجوربين في الوضوء خلاف بين الفقهاء فمنهم من منعه ومنهم من أجازه، والصحيح أنه جائز إذا لبسهما على طهارة وكانا ساترين للقدمين والكعبين لمدة يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر، إلى غير ذلك من شروط المسح التي دلت عليها الأحاديث الصحيحة، لما ثبت عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال: سنن أبو داود الطهارة (159),مسند أحمد بن حنبل (4/252). توضأ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على الجوربين والنعلين رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي : حديث حسن صحيح، وقد عمل بذلك كثير من الصحابة.
قال أبو داود : ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو بن حريث ، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهم . وهو قول جماعة من أهل العلم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة رقم 1946
شروط المسح على الخفين:
من نعمة الله وتيسيره في هذا الوضوء أنه إذا كان على الرجلين ما يسترهما من جوارب أو خفين وهما (الكنادر) فإن الإنسان يمسح عليهما؛ لكن في مدة محددة كما سيُبَيَّن وبشروط:
1 - أن يلبسهما على طهارة:
لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة لما أهوى لينزع خفيه، قال: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) فمسح عليهما. فإن لبسهما على غير طهارة لم يجز المسح، ولو نسي فمسح فإنه يلزمه إعادة الوضوء، وغسل الرجلين، وإعادة الصلاة؛ لأنه صلى على غير طهارة.
2 - أن يكون المسح في الحَدَث الأصغر لا في الأكبر:
ودليله حديث صفوان بن عسال ، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سَفْراً -يعني: مسافرين- ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن إلا من جنابة؛ ولكن من غائط، وبول، ونوم) فإذا حصل على الإنسان جنابة وعليه جوارب وَجَبَ عليه أن يخلعهما، وأن يغسل قدميه؛ وذلك لأن الطهارة الكبرى وهي الغسل من الجنابة ليس فيها مسح إلا إذا كانت هناك جبيرة، ولهذا لا يُمسح الرأس فيها، بل يجب أن يُغسل غسلاً تاماً.
3 - أن تكون الجوارب أو الخفاف طاهرة:
فلا يصح المسح على النجس؛ لأن النجس لا يزيد بالمسح عليه إلا خبثاً وتلويثاً لليد التي باشرت النجاسة؛ ولأن الإنسان في الغالب يمسح ليُصَلي، ولا صلاة في الشيء النجس، والدليل على أنه لا صلاة في الشيء النجس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذات يوم يصلي بأصحابه، فخلع نعليه، فخلع الصحابة نعالهم، فلما سلم سألهم: لماذا خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً) أي: أنه خلعها من أجل ذلك، وهذا يدل على أنه لا بد أن يكون الملبوس طاهراً.
4 - أن يكون في الوقت المحدد شرعاً:
الوقت المحدد شرعاً هو يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، وتبتدئ هذه المدة من أول مرة مَسَحَ بعد الحدث، فإذا لَبِسها من صلاة الفجر مثلاً، وتوضأ لصلاة الظهر ومسحها، فابتداء المدة من الظهر، أي: من الوقت الذي مسح فيه، حتى يأتي مثله من اليوم التالي إذا كان مقيماً، أو في اليوم الثالث إذا كان مسافراً، فهي ثلاثة أيام بلياليها للمسافر، ويوم وليلة للمقيم. والحكمة في هذا واضحة؛ لأن المسافر أحوج إلى ستر قدمه من المقيم. هذه هي شروط المسح على الجوربين، أو على الخفين، وما عدا ذلك من الشروط التي ذكرها بعض الفقهاء فإنه ليس عليها دليل، وإنما هي تعاليم استنبطها الفقهاء تُسَلَّم لهم أو لا تُسَلَّم؛ لكن هذه هي الشروط التي يطمئن إليها الإنسان، وأنه لا بد من أن تتوفر في جواز المسح على الخفين أو الجوربين.
لقاءات الباب المفتوح الجزء 4 ص 1
المسح على الخف أو الجورب المخرق
حكمه الجواز وحجتنا في ذلك أن الأصل الإباحة فمن منع واشترط السلامة من الخرق أو وضع له حدا فهو مردود لقوله صلى الله عليه وسلم :
( صحيح ) ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ) متفق عليه . وأيضا فقد صح عن الثوري أنه قال :
( امسح عليهما ما تعلقت به رجلك وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة مشققة مرقعة ؟ )
أخرجه عبد الرزاق في ( المصنف ) ( 753 ) ومن طريقه البيهقي ( 1 / 283 )
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( اختياراته ) ( ص 13 ) :
( ويجوز المسح على اللفائف في أحد الوجهين حكاه ابن تميم وغيره وعلى الخف المخرق ما دام اسمه باقيا والمشي فيه ممكنا وهو قديم قولي الشافعي واختيار أبي البركات وغيره من العلماء )
قلت : ونسبه الرافعي في ( شرح الوجيز ) ( 2 / 370 ) للأكثرية واحتج له بأن القول بامتناع المسح يضيق باب الرخصة فوجب أن يمسح . ولقد أصاب رحمه الله
المسح على الجوربين تحقيق الإمام الألباني رحمه الله ص 90
خلع الممسوح عليه لا ينقض الوضوء
لموافقته للنظر الصحيح فإنه لو مسح على رأسه ثم حلق لم يجب عليه أن يعيد المسح بله الوضوء وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية فقال في ( اختياراته ) ( ص 15 ) :
( ولا ينتقض وضوء الماسح على الخف والعمامة بنزعهما ولا بانقضاء المدة ولا يجب عليه مسح رأسه ولا غسل قدميه وهو مذهب الحسن البصري . كإزالة الشعر الممسوح على الصحيح من مذهب أحمد وقول الجمهور ) .
المسح على الجوربين تحقيق الإمام الألباني رحمه ص 91
انتهاء مدة المسح لا ينقض الوضوء
وهو الذي اختاره النووي خلافا لمذهبه أيضا فقال رحمه الله ( 1 / 527 ) :
( وهذا المذهب حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وقتادة وسليمان بن حرب واختاره ابن المنذر وهو المختار الأقوى وحكاه أصحابنا عن داود )
قلت : وحكاه الشعراني في ( الميزان ) ( 1 / 150 ) عن الإمام مالك وحكى النووي عنه غيره فليحقق . وهو الذي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية كما تراه في كلامه السابق في المسألة الثالثة ( ص 92 ) تبعا لابن حزم .
المسح على الجوربين تحقيق الإمام الألباني رحمه ص97
والله اعلم.
إعداد
أبي أسامة سمير الجزائري
قدم للمطويات
الشيخ علي الرملي الأردني حفظه الله المشرف العام على شبكة الدين القيم
مدونة المطويات الدعوية
تعليق