الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فقد شاهدت عدنان عرعور على بعض الفضائيات يتحدث عن مسألة إخراج الزكاة من بلد آخر لمناسبة أحداث سوريا ، فانتقد القول بعدم إخراج الزكاة من بلد إلى آخر وزعم أنه قول لا مستند له من الكتاب أو السنة ، وأنه تفريق بين المسلمين ، وأن المسلمين بلدهم واحدة قبل ( سايس بيكو ) وكلامه هذا في الحقيقة تخليط بل القول بعدم جواز إخراج الزكاة من بلد إلى آخر قول معروف لجماعة من فقهاء السلف وليس قولاً محدثاً
قال عبد الله بن الإمام أحمد في مسائله عن أبيه
556 - سَمِعت ابي سُئِلَ عَن زَكَاة بَلَده هَل يخرج من رستاق الى رستاق الى من لَهُ حُرْمَة وقرابة اَوْ اسْتِحْقَاق فِي نَفسه
فَقَالَ لَا تخرج الزَّكَاة من بلد الى بلد تقسم الزَّكَاة الى الْبَلَد الَّذِي هُوَ فِيهِ قلت لابي فَإِن كَانَ لَهُ قرَابَة فُقَرَاءقَالَ كَانَ معَاذ بن جبل يَقُول لَا تخرج من مخلاف الى مخلاف يَقُول طسوج الى طسوج
أقول : فهل معاذ بن جبل أعلم الصحابة بالحلال والحرام وأحمد ابن حنبل إمام أهل السنة يفرقان بين المسلمين ، ويفتيان بما لا أصل ، ومتأثران ب( سايس بيكو )
والأثر الذي ذكره أحمد رواه ابن زنجويه في الأموال 1819 - ثنا يحيى بن يحيى ، أنا سفيان بن عيينة ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، أنه وجد في كتاب عند أبيه أن معاذا قضى : أن من يحول من مخلاف إلى مخلاف ، فإن عشره وصدقته إلى مخلافه
وقد ورد عن معاذ بمثل هذا السند ما يدل على جواز نقل الزكاة من مصر إلى مصر ، وهذا أصرح من ذاك ولعل ذاك يحمل على أن الزكاة عندهم فاضت عن الحاجة
وقال أبو داود في مسائله عن أحمد ص121 سَمِعْتُ أَحْمَدَ، " سُئِلَ عَنِ الزَّكَاةِ يُبْعَثُ بِهَا مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ؟ قَالَ: لَا، قِيلَ: وَإِنْ كَانَ قَرَابَتُهُ بِهَا؟ قَالَ: لَا «.
قُلْتُ لِأَحْمَدَ» رَجُلٌ لَهُ قَرَابَةٌ بِالثَّغْرِ، يَبْعَثُ إِلَيْهِ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ؟ قَالَ: لَا ".
أقول : فلم يجوز أحمد إرسالها إلى أهل الثغر الذين يجاهدون لنشر التوحيد لا غيره فتأمل !
وقد استدل أبو داود بحديث صحيح على عدم جواز إخراج الزكاة من بلد إلى آخر
قال أبو داود في سننه باب في الزكاة هل تحمل من بلد إلى بلد ؟
1625 - حدثنا نصر بن علي أخبرنا أبي أخبرنا إبراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين عن أبيه أن زيادا أو بعض الأمراء بعث عمران بن حصين على الصدقة فلما رجع قال لعمران أين المال ؟ قال وللمال أرسلتني ؟ أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم .
أقول : فاستدل أبو داود بهذا الحديث الثابت ، على أن عدم جواز إخراج الزكاة من بلد إلى بلد ، لأن الصحابي قسمها حيث جمعها ، وأخبر بأن ذلك السنة
وقال النسائي في الكبرى
إخراج الزكاة من بلد إلى بلد 2301 - أنبأ محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي قال ثنا وكيع قال ثنا زكريا بن إسحاق وكان ثقة عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي سعيد عن بن عباس : أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث معاذ بن جبل إلى اليمن فقال إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وتوضع في فقرائهم فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال بعد ذكر مذهب من ذهب من التابعين إلى عدم جواز إخراجها من بلد إلى بلد ص709:" وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَصِيَّتِهِ مُعَاذًا حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالصَّلَاةِ، قَالَ: " فَإِذَا أَقَرُّوا لَكَ بِذَلِكَ فَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ صَدَقَةَ أَمْوَالِكُمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِكُمْ " قَالَ: وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ لِمُعَاذٍ فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ"
وسواءً رجح المرجح هذا المذهب أو غيره فإن البخاري وغيره نازعوا في دلالة هذا الحديث على المقصود غير إن احتجاج أبي داود قوي ، فإنه لا يجوز له اتهام الفقهاء بأنهم يفرقون المسلمين فلم تزل بلدان المسلمين مقسمة إلى أمصار ، وهذه الأمصار لها أحكامها المعروفة في أمر الجهاد والجمعة والعيدين وغيرها
كما أنه لا يجوز نسبة علماء المسلمين إلى التأثر ب ( سايس بيكو ) وغيرها ، والعجيب من صاحب هذا الكلام أنه يؤصل قاعدة ( نصحح ولا نجرح ) ويريد تطبيقها حتى مع الرافضة ثم هو يجرح علماء أهل السنة بهذا الكلام
وقال شيخ الإسلام كما في الاختيارات الفقهية للبعلي ص453 :" وإذا نُقل الزكاة إلى المستحقين بالمصر الجامع مثل أن يعطي مَن بالقاهرة من العشور التي بأرض مصر فالصحيح جواز ذلك فإنَّ سكان المصر إنما يعانون من مزارعهم بخلاف النقل من إقليم مع حاجة أهل المنقول عنها وإنّما قال السلف: جيران المال أحق بزكاته وكرهوا نقل الزكاة إلى بلد السلطان وغيره ليكتفي كل ناحية بما عندهم من الزكاة ولهذا في كتاب معاذ بن جبل: من انتقل من مخلاف إلى مخلاف فإن صدقته وعشره في مخلاف جيرانه والمخلاف عندهم كما يقال المعاملة: ما يكون فيه الوالي والقاضي وهو الذي يستحلف فيه ولي الأمر جابياً بأخذ الزكاة من أغنيائهم فيردها على فقرائهم ولم يقيد ذلك بمسير يومين وتحديد المنع من نقل الزكاة بمسافة القصر ليس عليه دليل شرعي ويجوز نقل الزكاة وما في حكمها لمصحلة شرعية وإذا أخذ الساعي من أحد الشريكين رجع المأخوذ منه على شريكه بحصته ولو اختلفا في قيمة المدفوع"
فظاهر كلام الشيخ _ رحمه الله _ جواز ذلك بشرط كفاية أهل البلد المنقول الزكاة عنهم ووجود المصلحة الراجحة في ذلك ويشير إلى ذلك بقوله (وإنّما قال السلف: جيران المال أحق بزكاته وكرهوا نقل الزكاة إلى بلد السلطان وغيره ليكتفي كل ناحية بما عندهم من الزكاة)
وقال ابن قدامة في المغني (2/501) :" مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ الصَّدَقَةِ مِنْ بَلَدِهَا إلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ) الْمَذْهَبُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُ الصَّدَقَةِ مِنْ بَلَدِهَا إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ. قَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ الزَّكَاةِ يُبْعَثُ بِهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ؟ قَالَ لَا. قِيلَ: وَإِنْ كَانَ قَرَابَتُهُ بِهَا؟ قَالَ: لَا. وَاسْتَحَبَّ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَا تُنْقَلَ مِنْ بَلَدِهَا.
وَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ فِي كِتَابِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: مَنْ أَخْرَجَ مِنْ مِخْلَافٍ إلَى مِخْلَافٍ، فَإِنَّ صَدَقَتَهُ وَعُشْرَهُ تُرَدُّ إلَى مِخْلَافِهِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ رَدَّ زَكَاةً أُتِيَ بِهَا مِنْ خُرَاسَانَ إلَى الشَّامِ، إلَى خُرَاسَانَ.
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا كَرِهَا نَقْلَ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ، إلَّا لِذِي قَرَابَةٍ. وَكَانَ أَبُو الْعَالِيَةِ يَبْعَثُ بِزَكَاتِهِ إلَى الْمَدِينَةِ. وَلَنَا، «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ: أَخْبِرْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» . وَهَذَا يَخْتَصُّ بِفُقَرَاءِ بَلَدِهِمْ.
وَلَمَّا بَعَثَ مُعَاذٌ الصَّدَقَةَ مِنْ الْيَمَنِ إلَى عُمَرَ، أَنْكَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ عُمَرُ، وَقَالَ: لَمْ أَبْعَثْك جَابِيًا، وَلَا آخِذَ جِزْيَةٍ، وَلَكِنْ بَعَثْتُك لِتَأْخُذَ مِنْ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ، فَتَرُدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ. فَقَالَ مُعَاذٌ: مَا بَعَثْت إلَيْك بِشَيْءِ وَأَنَا أَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهُ مِنِّي رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَطَاءٍ مَوْلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ زِيَادًا، أَوْ بَعْضَ الْأُمَرَاءِ، بَعَثَ عِمْرَانَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: أَيْنَ الْمَالُ؟ قَالَ: أَلِلْمَالِ بَعَثْتَنِي؟ أَخَذْنَاهَا مِنْ حَيْثُ كُنَّا نَأْخُذُهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَضَعْنَاهَا حَيْثُ كُنَّا نَضَعُهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إغْنَاءُ الْفُقَرَاءِ بِهَا، فَإِذَا أَبَحْنَا نَقْلَهَا أَفْضَى إلَى بَقَاءِ فُقَرَاءِ ذَلِكَ الْبَلَدِ مُحْتَاجِينَ"
أقول : فلو رفق عدنان عرعور بنفسه وصان لسانه عن ذلك الكلام وبحث المسألة كما يبحثها أهل العلم والإنصاف لكان خيراً له ، ومن لا يحسن تحرير مسألة في الزكاة ولا يميز بين الخلاف القوي من الضعيف أنى له الافتاء بالنوازل والدماء والله المستعان
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد :
فقد شاهدت عدنان عرعور على بعض الفضائيات يتحدث عن مسألة إخراج الزكاة من بلد آخر لمناسبة أحداث سوريا ، فانتقد القول بعدم إخراج الزكاة من بلد إلى آخر وزعم أنه قول لا مستند له من الكتاب أو السنة ، وأنه تفريق بين المسلمين ، وأن المسلمين بلدهم واحدة قبل ( سايس بيكو ) وكلامه هذا في الحقيقة تخليط بل القول بعدم جواز إخراج الزكاة من بلد إلى آخر قول معروف لجماعة من فقهاء السلف وليس قولاً محدثاً
قال عبد الله بن الإمام أحمد في مسائله عن أبيه
556 - سَمِعت ابي سُئِلَ عَن زَكَاة بَلَده هَل يخرج من رستاق الى رستاق الى من لَهُ حُرْمَة وقرابة اَوْ اسْتِحْقَاق فِي نَفسه
فَقَالَ لَا تخرج الزَّكَاة من بلد الى بلد تقسم الزَّكَاة الى الْبَلَد الَّذِي هُوَ فِيهِ قلت لابي فَإِن كَانَ لَهُ قرَابَة فُقَرَاءقَالَ كَانَ معَاذ بن جبل يَقُول لَا تخرج من مخلاف الى مخلاف يَقُول طسوج الى طسوج
أقول : فهل معاذ بن جبل أعلم الصحابة بالحلال والحرام وأحمد ابن حنبل إمام أهل السنة يفرقان بين المسلمين ، ويفتيان بما لا أصل ، ومتأثران ب( سايس بيكو )
والأثر الذي ذكره أحمد رواه ابن زنجويه في الأموال 1819 - ثنا يحيى بن يحيى ، أنا سفيان بن عيينة ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، أنه وجد في كتاب عند أبيه أن معاذا قضى : أن من يحول من مخلاف إلى مخلاف ، فإن عشره وصدقته إلى مخلافه
وقد ورد عن معاذ بمثل هذا السند ما يدل على جواز نقل الزكاة من مصر إلى مصر ، وهذا أصرح من ذاك ولعل ذاك يحمل على أن الزكاة عندهم فاضت عن الحاجة
وقال أبو داود في مسائله عن أحمد ص121 سَمِعْتُ أَحْمَدَ، " سُئِلَ عَنِ الزَّكَاةِ يُبْعَثُ بِهَا مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ؟ قَالَ: لَا، قِيلَ: وَإِنْ كَانَ قَرَابَتُهُ بِهَا؟ قَالَ: لَا «.
قُلْتُ لِأَحْمَدَ» رَجُلٌ لَهُ قَرَابَةٌ بِالثَّغْرِ، يَبْعَثُ إِلَيْهِ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ؟ قَالَ: لَا ".
أقول : فلم يجوز أحمد إرسالها إلى أهل الثغر الذين يجاهدون لنشر التوحيد لا غيره فتأمل !
وقد استدل أبو داود بحديث صحيح على عدم جواز إخراج الزكاة من بلد إلى آخر
قال أبو داود في سننه باب في الزكاة هل تحمل من بلد إلى بلد ؟
1625 - حدثنا نصر بن علي أخبرنا أبي أخبرنا إبراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين عن أبيه أن زيادا أو بعض الأمراء بعث عمران بن حصين على الصدقة فلما رجع قال لعمران أين المال ؟ قال وللمال أرسلتني ؟ أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم .
أقول : فاستدل أبو داود بهذا الحديث الثابت ، على أن عدم جواز إخراج الزكاة من بلد إلى بلد ، لأن الصحابي قسمها حيث جمعها ، وأخبر بأن ذلك السنة
وقال النسائي في الكبرى
إخراج الزكاة من بلد إلى بلد 2301 - أنبأ محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي قال ثنا وكيع قال ثنا زكريا بن إسحاق وكان ثقة عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي سعيد عن بن عباس : أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث معاذ بن جبل إلى اليمن فقال إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وتوضع في فقرائهم فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال بعد ذكر مذهب من ذهب من التابعين إلى عدم جواز إخراجها من بلد إلى بلد ص709:" وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَصِيَّتِهِ مُعَاذًا حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالصَّلَاةِ، قَالَ: " فَإِذَا أَقَرُّوا لَكَ بِذَلِكَ فَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ صَدَقَةَ أَمْوَالِكُمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِكُمْ " قَالَ: وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ لِمُعَاذٍ فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ"
وسواءً رجح المرجح هذا المذهب أو غيره فإن البخاري وغيره نازعوا في دلالة هذا الحديث على المقصود غير إن احتجاج أبي داود قوي ، فإنه لا يجوز له اتهام الفقهاء بأنهم يفرقون المسلمين فلم تزل بلدان المسلمين مقسمة إلى أمصار ، وهذه الأمصار لها أحكامها المعروفة في أمر الجهاد والجمعة والعيدين وغيرها
كما أنه لا يجوز نسبة علماء المسلمين إلى التأثر ب ( سايس بيكو ) وغيرها ، والعجيب من صاحب هذا الكلام أنه يؤصل قاعدة ( نصحح ولا نجرح ) ويريد تطبيقها حتى مع الرافضة ثم هو يجرح علماء أهل السنة بهذا الكلام
وقال شيخ الإسلام كما في الاختيارات الفقهية للبعلي ص453 :" وإذا نُقل الزكاة إلى المستحقين بالمصر الجامع مثل أن يعطي مَن بالقاهرة من العشور التي بأرض مصر فالصحيح جواز ذلك فإنَّ سكان المصر إنما يعانون من مزارعهم بخلاف النقل من إقليم مع حاجة أهل المنقول عنها وإنّما قال السلف: جيران المال أحق بزكاته وكرهوا نقل الزكاة إلى بلد السلطان وغيره ليكتفي كل ناحية بما عندهم من الزكاة ولهذا في كتاب معاذ بن جبل: من انتقل من مخلاف إلى مخلاف فإن صدقته وعشره في مخلاف جيرانه والمخلاف عندهم كما يقال المعاملة: ما يكون فيه الوالي والقاضي وهو الذي يستحلف فيه ولي الأمر جابياً بأخذ الزكاة من أغنيائهم فيردها على فقرائهم ولم يقيد ذلك بمسير يومين وتحديد المنع من نقل الزكاة بمسافة القصر ليس عليه دليل شرعي ويجوز نقل الزكاة وما في حكمها لمصحلة شرعية وإذا أخذ الساعي من أحد الشريكين رجع المأخوذ منه على شريكه بحصته ولو اختلفا في قيمة المدفوع"
فظاهر كلام الشيخ _ رحمه الله _ جواز ذلك بشرط كفاية أهل البلد المنقول الزكاة عنهم ووجود المصلحة الراجحة في ذلك ويشير إلى ذلك بقوله (وإنّما قال السلف: جيران المال أحق بزكاته وكرهوا نقل الزكاة إلى بلد السلطان وغيره ليكتفي كل ناحية بما عندهم من الزكاة)
وقال ابن قدامة في المغني (2/501) :" مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ الصَّدَقَةِ مِنْ بَلَدِهَا إلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ) الْمَذْهَبُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُ الصَّدَقَةِ مِنْ بَلَدِهَا إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ. قَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ الزَّكَاةِ يُبْعَثُ بِهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ؟ قَالَ لَا. قِيلَ: وَإِنْ كَانَ قَرَابَتُهُ بِهَا؟ قَالَ: لَا. وَاسْتَحَبَّ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَا تُنْقَلَ مِنْ بَلَدِهَا.
وَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ فِي كِتَابِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: مَنْ أَخْرَجَ مِنْ مِخْلَافٍ إلَى مِخْلَافٍ، فَإِنَّ صَدَقَتَهُ وَعُشْرَهُ تُرَدُّ إلَى مِخْلَافِهِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ رَدَّ زَكَاةً أُتِيَ بِهَا مِنْ خُرَاسَانَ إلَى الشَّامِ، إلَى خُرَاسَانَ.
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا كَرِهَا نَقْلَ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ، إلَّا لِذِي قَرَابَةٍ. وَكَانَ أَبُو الْعَالِيَةِ يَبْعَثُ بِزَكَاتِهِ إلَى الْمَدِينَةِ. وَلَنَا، «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ: أَخْبِرْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» . وَهَذَا يَخْتَصُّ بِفُقَرَاءِ بَلَدِهِمْ.
وَلَمَّا بَعَثَ مُعَاذٌ الصَّدَقَةَ مِنْ الْيَمَنِ إلَى عُمَرَ، أَنْكَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ عُمَرُ، وَقَالَ: لَمْ أَبْعَثْك جَابِيًا، وَلَا آخِذَ جِزْيَةٍ، وَلَكِنْ بَعَثْتُك لِتَأْخُذَ مِنْ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ، فَتَرُدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ. فَقَالَ مُعَاذٌ: مَا بَعَثْت إلَيْك بِشَيْءِ وَأَنَا أَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهُ مِنِّي رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَطَاءٍ مَوْلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ زِيَادًا، أَوْ بَعْضَ الْأُمَرَاءِ، بَعَثَ عِمْرَانَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: أَيْنَ الْمَالُ؟ قَالَ: أَلِلْمَالِ بَعَثْتَنِي؟ أَخَذْنَاهَا مِنْ حَيْثُ كُنَّا نَأْخُذُهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَضَعْنَاهَا حَيْثُ كُنَّا نَضَعُهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إغْنَاءُ الْفُقَرَاءِ بِهَا، فَإِذَا أَبَحْنَا نَقْلَهَا أَفْضَى إلَى بَقَاءِ فُقَرَاءِ ذَلِكَ الْبَلَدِ مُحْتَاجِينَ"
أقول : فلو رفق عدنان عرعور بنفسه وصان لسانه عن ذلك الكلام وبحث المسألة كما يبحثها أهل العلم والإنصاف لكان خيراً له ، ومن لا يحسن تحرير مسألة في الزكاة ولا يميز بين الخلاف القوي من الضعيف أنى له الافتاء بالنوازل والدماء والله المستعان
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم