السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في ثنائية تقسيم المياه
السـؤال:
هل المياه تنقسم إلى: طهور، وطاهر، ونجس أم إلى: طهور ونجس.
أريد من فضيلتكم أن تبينوا لي أي القسمتين أصح ؟ وجزاكم الله خيرا.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين،
وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فاعلم أن «الطاهر» من القسمة الثلاثية لا وجود له في الشريعة،
إذ لم ترد به الأخبار مع توفر الدواعي إلى نقله لو كان ثابتا،
وذلك لحاجة الناس إلى معرفته،
لأنه إمَّا أن يتطهر بهذا الماء فهو طهور أو يعدل عنه إلى التيمم،
فتبيَّن ثنائية قسمة المياه إلى: طهور ونجس. فما تغير بنجاسة فهو نجس،
وما لم يتغير بنجاسة فهو طهور،
وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية صوَّبها ابن تيمية رحمهم الله جميعا(١).
هذا، ويدل عليه عموم قوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ [النساء:43]
فهو شامل للماء المطلق والمقيّد والمستعمل وغيره،
لأنّ لفظ «الماء» في الآية نكرة في سياق النفي تعم كل ما هو ماء
لا فرق بين نوع وآخر،
ولأنه صلى الله عليه وآله سلم عندما سُئل عن ماء البحر قال:
«هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُهُ»(٢)
ومع حصول تغيير طعم البحر وشدة ملوحيته سماه طهورا،
وما كان دونه في التغير أولى بهذا الاسم،
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
«أمر بغسل المُحرم الذي وقصته دابته بماء وسدر»(٣)
كما «أَمَرَ النَّبيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِغسْلِ ابْنَتِهِ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ»(٤)
فلو كان التغيير بالسدر المضاف يُفسد الماء
وينقله إلى طاهر غير مُطهِّر لم يأمر به،
وكذلك ما روته أم هانئ رضي الله عنها
« أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ
وَمَيْمُونَة مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ في قصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ العَجِينِ»(٥)
وهذا يدل على أن الماء المتغيِّر بالطاهرات
كالعجين والسِّدر والأُشنان والصابون
لا يؤثر في طهوريته مادام يُسمَّى ماءً سواء كان التغيير أصلياً كماء البحر
أو طارئا عليه بفعل فاعل كوضع الملح فيه أو التمر أو نحو ذلك،
وسواء كان التغيير يشق الاحتراز منه أو لا يشق،
ما لم يغلب على الماء أجزاء غيره، وهذا هو المذهب الصحيح
في المسألة إن شاء الله خلافا لمذهب مالك والشافعي وأحمد في
إحدى الروايتين عنه (٦)
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين،
وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين،
وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: 27 من ذي الحجة 1429ﻫ
الموافق ﻟ: 25 ديسمبر 2008م
=========================
في ثنائية تقسيم المياه
السـؤال:
هل المياه تنقسم إلى: طهور، وطاهر، ونجس أم إلى: طهور ونجس.
أريد من فضيلتكم أن تبينوا لي أي القسمتين أصح ؟ وجزاكم الله خيرا.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين،
وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فاعلم أن «الطاهر» من القسمة الثلاثية لا وجود له في الشريعة،
إذ لم ترد به الأخبار مع توفر الدواعي إلى نقله لو كان ثابتا،
وذلك لحاجة الناس إلى معرفته،
لأنه إمَّا أن يتطهر بهذا الماء فهو طهور أو يعدل عنه إلى التيمم،
فتبيَّن ثنائية قسمة المياه إلى: طهور ونجس. فما تغير بنجاسة فهو نجس،
وما لم يتغير بنجاسة فهو طهور،
وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية صوَّبها ابن تيمية رحمهم الله جميعا(١).
هذا، ويدل عليه عموم قوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ [النساء:43]
فهو شامل للماء المطلق والمقيّد والمستعمل وغيره،
لأنّ لفظ «الماء» في الآية نكرة في سياق النفي تعم كل ما هو ماء
لا فرق بين نوع وآخر،
ولأنه صلى الله عليه وآله سلم عندما سُئل عن ماء البحر قال:
«هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُهُ»(٢)
ومع حصول تغيير طعم البحر وشدة ملوحيته سماه طهورا،
وما كان دونه في التغير أولى بهذا الاسم،
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
«أمر بغسل المُحرم الذي وقصته دابته بماء وسدر»(٣)
كما «أَمَرَ النَّبيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِغسْلِ ابْنَتِهِ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ»(٤)
فلو كان التغيير بالسدر المضاف يُفسد الماء
وينقله إلى طاهر غير مُطهِّر لم يأمر به،
وكذلك ما روته أم هانئ رضي الله عنها
« أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ
وَمَيْمُونَة مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ في قصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ العَجِينِ»(٥)
وهذا يدل على أن الماء المتغيِّر بالطاهرات
كالعجين والسِّدر والأُشنان والصابون
لا يؤثر في طهوريته مادام يُسمَّى ماءً سواء كان التغيير أصلياً كماء البحر
أو طارئا عليه بفعل فاعل كوضع الملح فيه أو التمر أو نحو ذلك،
وسواء كان التغيير يشق الاحتراز منه أو لا يشق،
ما لم يغلب على الماء أجزاء غيره، وهذا هو المذهب الصحيح
في المسألة إن شاء الله خلافا لمذهب مالك والشافعي وأحمد في
إحدى الروايتين عنه (٦)
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين،
وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين،
وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: 27 من ذي الحجة 1429ﻫ
الموافق ﻟ: 25 ديسمبر 2008م
=========================
١-المغني لابن قدامة: 1/12. مجموع الفتاوى لابن تيمية: 19/236. 21/24،25. بدائع الصنائع للكساني: 1/15.
٢- أخرجه أبو داود: كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البحر: (83)، والترمذي: كتاب الطهارة، باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور: (69)، والنسائي: كتاب الطهارة، باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور: (59)، وابن ماجه: كتاب الطهارة وسننها، باب الوضوء بماء البحر: (386)، وأحمد: (8855)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال ابن عبد البر في «الاستذكار» (1/185): «اختلف العلماء في هذا الإسناد فقال محمد بن عيسى الترمذي: سألت البخاري عنه فقال: حديث صحيح» وصححه أيضا: ابن الملقن في «البدر المنير»: (9/383)، والألباني في «الإرواء»: (1/42).
٣- أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب الكفن في ثوبين: (1206)، ومسلم: كتاب الحج: (2891)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
٤- أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب يجعل الكافور في آخره: (1200)، ومسلم، كتاب الجنائز: (216، من حديث أم عطية رضي الله عنها.
٥- أخرجه النسائي كتاب الطهارة، باب ذكر الاغتسال في القصعة التي يعجن فيها: (240)، وابن ماجه: كتاب الطهارة وسننها، باب الرجل والمرأة يغتسلان من إناء واحد: (37، وأحمد: (26356)، من حديث أم هانئ رضي الله عنها. والحديث صححه النووي في «الخلاصة»: (1/67)، والألباني في «الإرواء»: (1/64).
٦- «الكافي»: لابن عبد البر: 15. «المغني»: لابن قدامة: 1/12. «منهاج الطالبين»: للنووي:3.
٢- أخرجه أبو داود: كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البحر: (83)، والترمذي: كتاب الطهارة، باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور: (69)، والنسائي: كتاب الطهارة، باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور: (59)، وابن ماجه: كتاب الطهارة وسننها، باب الوضوء بماء البحر: (386)، وأحمد: (8855)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال ابن عبد البر في «الاستذكار» (1/185): «اختلف العلماء في هذا الإسناد فقال محمد بن عيسى الترمذي: سألت البخاري عنه فقال: حديث صحيح» وصححه أيضا: ابن الملقن في «البدر المنير»: (9/383)، والألباني في «الإرواء»: (1/42).
٣- أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب الكفن في ثوبين: (1206)، ومسلم: كتاب الحج: (2891)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
٤- أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب يجعل الكافور في آخره: (1200)، ومسلم، كتاب الجنائز: (216، من حديث أم عطية رضي الله عنها.
٥- أخرجه النسائي كتاب الطهارة، باب ذكر الاغتسال في القصعة التي يعجن فيها: (240)، وابن ماجه: كتاب الطهارة وسننها، باب الرجل والمرأة يغتسلان من إناء واحد: (37، وأحمد: (26356)، من حديث أم هانئ رضي الله عنها. والحديث صححه النووي في «الخلاصة»: (1/67)، والألباني في «الإرواء»: (1/64).
٦- «الكافي»: لابن عبد البر: 15. «المغني»: لابن قدامة: 1/12. «منهاج الطالبين»: للنووي:3.