إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.
أما بعد :
فقد جاءت الأوامر الشرعية والنصوص النبوية في وجوب متابعة الإمام في صلاته وكان للعلماء مذاهب في بيان حقيقة ذلك وقد جمعت بعض النصوص التي من شأنها توضح حقيقة هذه المتابعة.
وقد قال شيخ الإسلام في القواعد النورانية(ص81):" فصل في انعقاد صلاة المأموم بصلاة الإمام.
الناس فيه على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه لا ارتباط بينهما وأن كل امرئ يصلي لنفسه وفائدة الائتمام في تكثير الثواب بالجماعة وهذا هو الغالب على أصل الشافعي لكن قد عورض بمنعه اقتداء القارئ بالأمي والرجل بالمرأة وإبطال صلاة المؤتم بمن لا صلاة له كالكافر والمحدث وفي هذه المسائل كلام ليس هذا موضعه ومن الحجة فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الأئمة إن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم .
قلت (أبو الحسين): يستدل أصحاب هذا القول بالحديث الذي ذكره شيخ الإسلام " إن أساءوا فلكم وعليهم" على أن الغاية من وجود الإمام لتكثير الثواب بالجماعة، وهذا النص عليهم لا لهم وسيأتي من النصوص ما يبطل هذا القول؛ أما إمامة المرأة للرجل والكافر للمسلم فليس حجة قوية ترد هذا القول فإنه قد يكون تخصيصا.
والقول الثاني: أنها منعقدة بصلاة الإمام فرع عليها مطلقا فكل خلل حصل في صلاة الإمام يسري إلى صلاة المأموم لقوله صلى الله عليه وسلم الإمام ضامن وعلى هذا فالمؤتمن بالمحدث الناسي لحدثه يعيد كما يعيد إمامه وهذا مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد اختارها أبو الخطاب حتى اختار بعض هؤلاء كمحمد بن الحسن أن لا يأتم المتوضئ بالمتيمم لنقص طهارته عنه.
قلت ( أبو الحسين): سيأتي من النصوص ما يبطله أيضا.
والقول الثالث: أنها منعقدة بصلاة الإمام بها لكن إنما يسري النقص إلى صلاة المأموم مع عدم العذر منهما فأما مع العذر فلا يسري النقص فإذا كان الإمام يعتقد طهارته فهو معذور في الإمامة والمأموم معذور في الائتمام وهذا قول مالك وأحمد وغيرهما وعليه ينزل ما يؤثر عن الصحابة في هذه المسألة وهو أوسط الأقوال كما ذكرنا في نفس صفة الإمام الناقص أن حكمه مع الحاجة يخالف حكمه مع عدم الحاجة فحكم صلاته كحكم نفسه وعلى هذا أيضا ينبني اقتداء المؤتم بإمام قد ترك ما يعتقده المأموم من فرائض الصلاة إذا كان الإمام متأولا تأويلا يسوغ كأن لا يتوضأ من خروج النجاسات من غير السبيلين ولا من مس الذكر ونحو ذلك فإن اعتقاد الإمام هنا صحة صلاته كاعتقاده صحتها مع عدم العلم بالحدث وأولى فإنه هناك تجب عليه الإعادة و هذا أصل نافع أيضا.
ويدل على صحة هذا القول ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطئوا فلكم وعليهم فهذا نص في أن الإمام إذا أخطأ كان درك خطأه عليه لا على المأمومين فمن صلى معتقدا لطهارته وكان محدثا أو جنبا أو كانت عليه نجاسة وقلنا عليه الإعادة للنجاسة كما يعيد من الحدث فهذا الإمام مخطئ في هذا الاعتقاد فيكون خطؤه عليه فيعيد صلاته وأما المأمومون فلهم هذه الصلاة وليس عليهم من خطئه شيء كما صرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم و هذا نص في إجزاء صلاتهم وكذلك لو ترك الإمام بعض فرائض الصلاة بتأويل أخطأ فيه عند المأموم مثل أن يمس ذكره ويصلي أو يحتجم ويصلي أو يترك قراءة البسملة ".
وبعد عرض مذاهب العلماء في ارتباط المأموم بالإمام نقول جاءت نصوص كثيرة وفيرة في بيان وجوب متابعة الإمام ونصوص بخلاف ذلك .
ومما ورد في هذه المسألة النصوص الآتية:
أخرج الإمام أحمد(7169 ) وأبو داود(517) والترمذي (191) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" الإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ اللَّهُمَّ أَرْشِدِ الأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ".
قال ابن منظور في لسان العرب 13/258:" أراد بالضمان هنا الحفظ والرعاية لا ضمان الغرامة لأنه يحفظ على القوم صلاتهم وقيل إن صلاة المقتدين به في عهدته وصحتها مقرونة بصحة صلاته فهو كالمتكفل لهم صحة ".
وقال الجزري في النهاية في غريب الأثر3/216:" أرادَ بالضَّمَان ها هنا الحِفظَ والرِّعاية لا ضَمَانَ الغَرَامة لأنه يَحْفَظُ على القوم صَلاتَهم. وقيل: إنَّ صلاة المُقْتَدِين به في عُهْدته وصِحَّتها مقرونةٌ بصِحَّة صلاته فهو كالمُتكفِّل لهم صحَّة صلاتهم".
وفي غريب الحديث للخطابي1/636:" معنى الضمان في كلام العرب الرعاية للشيء والمحافظة عليه ومنه قولهم في الدعاء للمسافر في حفظ الله وضمانه. قال الشاعر رعاك ضمان الله يا أم مالك ولله أن يشقيك أغنى وأوسع وقال الفرزدق أنا الضمان الراعي عليهم وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي فقوله الإمام ضامن تأويله أنه يحفظ على القوم صلاتهم ويرعاها لهم وليس من ضمان الغرامة في شيء ويقال إنه قد ضمن الدعاء لهم".
وقال الشوكاني في نيل الأوطار ج2/ص13:" الضَّمَانُ في اللُّغَةِ الْكَفَالَةُ وَالْحِفْظُ وَالرِّعَايَةُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ ضُمَنَاءُ على الأسرار بِالْقِرَاءَةِ وَالْأَذْكَارِ حُكِيَ ذلك عن الشَّافِعِيِّ في الْأُمِّ وَقِيلَ الْمُرَادُ ضَمَانُ الدُّعَاءِ أَنْ يَعُمَّ الْقَوْمَ بِهِ وَلا يَخُصَّ نَفْسَهُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ يَتَحَمَّلُ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ عن الْمَسْبُوقِ ".
وفي تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة ونبذ مذهبية نافعة لأبي شجاع محمد بن علي بن شعيب بن الدهان1/359:" المسألة السابعة والأربعون : إذا اقتدى مفترض بمتنفل:
المذهب : يجوز ويجوز مفترض مع اختلاف النية .
الدليل من المنقول :
لنا: كان معاذ يصلي مع النبي عليه السلام العشاء ويعود إلى قومه فيصلي بهم هي له نافلة ولهم مكتوبة، ومثل معاذ لا يفوت على نفسه فضل الفريضة خلف رسول الله، وما كان يستبد بهذا دون إعلام النبي وكيف يخفي ذلك عنه مع صغر عرصة المدينة حماها الله تعالى أبدا .
لهم: ما أراد أن الإمام يلتزم صلاة المأموم في ذمته كالديون بل أراد أن صلاة المأموم تدخل في ضمن صلاة الإمام.
الدليل من المعقول لنا: كان يصلي لنفسه والاقتداء بالأفعال الظاهرة؛ والنية أمر باطن فإذا أتى بالأفعال حصلت فضيلة الجماعة فنقول صلاتان متفقتان في الظاهر فصح أن تكون كل واحدة تابعة للأخرى في الاقتداء كالمتنفل خلف المفترض.
لهم: ارتباط صلاة المأموم بالإمام يمنع من اختلاف نيتيهما واختلاف الأفعال يمنع صحة الاقتداء فلا تجوز الظهر خلف من يصلي الجمعة ولا الجمعة خلف متنفل ولا الظهر خلف من يصلي المغرب فإذا كان اختلاف الأفعال يمنع فاختلاف النيات أولى.
واعتذروا عن اقتداء المتنفل بالمفترض بأنه يجوز بناء النافلة على تحريمة الفريضة بأن يؤدي صلاة ويتبين أن وقتها ما دخل فتنعقد له نفلا أما نحن فالأحكام التي ذكروها كلها لنا فيها كلام وعلى التسليم نقول إنما لم يصح الاقتداء لاختلاف الأفعال الظاهرة فبطل معه الاقتداء أما الخبر فيراد بالضامن من ضمان الإكمال وبكمال صلاته تكمل الصلاتان ولا يراد أن أحدهما يدخل في الأخرى ولو قدر ذلك سقطت الأفعال والشرائط كما يدخل الوضوء في الغسل وأما المبالغة فلأنه التزم ذلك فإن قالوا لو سها الإمام ولم يسجد سجد المأموم نمنع وإن سلمنا فإنما سجد لأنه أدخل النقص على صلاته والإمام ضمن كمالها فإذا لم يف كملها المأموم وأما إذا سها المأموم لم يسجد لأنه ضمن المتابعة فلو سجد خالف أو نقول يجبر نقصان سهو الإمام فضيلة المتابعة".
وفي المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل لعبد القادر بن بدران الدمشقي2/202:" وينبغي له أن يتحفظ على الأوقات أكثر من تحفظ المؤذن عليها إذ أنه قد يخطئ المؤذن في بعض الأوقات فيكون ذلك سببا لإيقاع الصلاة في غير وقتها والمؤمن كفيل لأخيه فإذا كان الإمام يتحفظ على الأوقات فقل أن يتأتى خطؤهما معا بل إذا أخطأ هذا أصاب هذا في الغالب ومذهب مالك رحمه الله أن معرفة الأوقات فرض في حق كل مكلف وإذا كان ذلك كذلك فما بالك بمن له الإمامة إذ به الحل والربط في الصلاة وينبغي له أن يتحفظ على منصب الإمامة مما يتعاطاه بعض الناس من الأشياء التي تزري بصاحبها من المزاح وكثرة الضحك سيما مع الأجانب والمشي في الأسواق لغير ضرورة شرعية وما أشبه ذلك من الأشياء التي تزري بصاحبها وليس ذلك من منصب الإمامة في شيء وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على الطرقات كما تقدم وبعضهم يقعد على دكان البياع لا لحاجة وذلك جلوس على الطرقات وهو موضع النهي كما تقدم وينبغي له أن يكون أعظم الجماعة قلقا وخوفا وأكثرهم علما وخشية ورقة وقد ورد أن الصلاة ترفع على أتقى قلب رجل من الجماعة فينبغي أن يكون الإمام هو المتصف بذلك حتى يحصل جميع من خلفه في صحيفته وفي خفارته وينبغي له أن لا يرى لنفسه على من تقدمهم فضلا ويرى الفضل لهم عليه ويتخوف على ذمته لقوله عليه الصلاة والسلام الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن أو كما قال عليه الصلاة والسلام وينبغي له بل يتعين عليه أن يكون أكبر مهماته التحفظ من العوائد المتخذة والبدع المحدثة التي أحدثها كثير من الناس حتى صارت كأنها من السنن المعمول بها عندهم المدخل حتى لو تركها أحد اليوم لوجدوا عليه وقالوا ترك السنة فظهر ذلك ما أخبر به عليه الصلاة والسلام حيث قال كيف بك يا حذيفة إذا تركت بدعة قالوا ترك سنة فيتحفظ من هذا الأمر الخطر جهده إذ أنه علم للعامة في المسجد في الاقتداء به في الغالب ".
وقال أيضا في المدخل2/240:" فيتعين على الإمام أن يكون أكثر الناس تقوى وأفضلهم وأورعهم إلى غير ذلك من الأوصاف الجميلة إن اجتمعت فإن تعذر اجتماعها فأكثرها".
قال الإمام الألباني رحمه الله تعالى وجعله الفردوس الأعلى مأواه في الصحيحة 15/16:" أن الثناء المذكور على المؤذنين في هذا الحديث؛صاروا اليوم غير مستحقين له؛ بسبب أنهم لا يراعون الشمس و.. ولمعرفة أوقات الصلاة التي ائتمنوا عليها، ودعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمغفرة لو قاموا بها في قوله صلى الله عليه وسلم: " الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين ".
قلت: ( أبو الحسين):" وربما ينتظم الأئمة فيما ذكره الشيخ الألباني في المؤذنين بدليل ما رواه البخاري(ح653):" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ".
والمعنى: "يصلون" أي الأئمة "لكم" أي لأجلكم، "فإن أصابوا" في الأركان والشروط، والواجبات، والسنن "فلكم" ثواب صلاتكم، "ولهم" ثواب صلاتهم، "وإن أخطأوا" أي ارتكبوا الخطيئة في صلاتهم، ككونهم محدثين "فلكم"، ثوابها، "وعليهم" عقابه".
وجاء في الدرر السنية في الأجوبة النجدية15/49:" وعلى أئمة المساجد والمؤذنين ما ليس على غيرهم، من تفقد جماعتهم، وإرشادهم وتعليمهم، والقيام على المتخلف منهم، ورفع أمره إلى أهل الحسبة؛ فإن الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن ومن لم يقم بهذه الوظيفة على وجهها، فليتق الله وليعاف المسلمين من شره، فإن بقاءه على هذه الحالة نقص ظاهر عليه وعلى جماعته؛ كما أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل أحد بحسبه، والرجل مسؤول عن أهل بيته ومن تحت يده، ومسؤول عن جاره".
وقال الإمام الماوردي في الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني 2/352:" يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَى الْإِمَامَةِ مَنْ جَمَعَ أَوْصَافَهَا ، وَهِيَ خَمْسَةٌ : الْقِرَاءَةُ ، وَالْفِقْهُ ، وَالنَّسَبُ ، وَالسِّنُّ ، وَالْهِجْرَةُ بَعْدَ صِحَّةِ الدِّينِ ، وَحُسْنِ الِاعْتِقَادِ ، فَمَنْ جَمَعَهَا ، وَكَمُلَتْ فِيهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِمَّنْ أَخَلَّ بِبَعْضِهَا : لِأَنَّ الْإِمَامَةَ مَنْزِلَةُ اتِّبَاعِ وَاقْتِدَاءٍ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مُتَحَمِّلُهَا كَامِلَ الْأَوْصَافِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهَا ".
قلت(أبو الحسين): وعلى الإمام أن يكون مرضيا قائما بالناس على السنة الصحيحة والنية الصالحة وذا خلق طيب وسيرة حسنة مبتعدا عن البدعة وسوء القصد ورذائل الأخلاق.
قال عبد القادر بن بدران الدمشقي في المدخل 2/201:" وينبغي له إذا تولى الإمامة أن يكون ذلك منه بنية صالحة صادقة لله تعالى لا يطلب بذلك عوضا عن ثناء ولا راحة دنيوية ولا صورة مميزة بين الناس بل يجعل ذلك لوجه ربه خالصا لأن الإمامة من أكبر مهمات الدين وقد ورد في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال من عمل من هذه الأعمال شيئا يريد به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة وعرفها يوجد من مسيرة خمسمائة عام فيحذر من هذا الخطر العظيم وقد ورد في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة يغبطهم الأولون والآخرون عبد أدى حق الله تعالى وحق مواليه ورجل أم قوما وهم به راضون ورجل ينادي بالصلوات الخمس كل يوم وليلة فإن خاف أن يكون في الجماعة من يكره إمامته فتركها إذ ذاك أفضل له وذلك بشرط أن تكون الكراهة على موجب شرعي حذرا أن يكره أحد إمامته لحظ دنيوي أو نفساني أو ما أشبه ذلك فإن كانت الكراهة شرعية فلا يتقدم لما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن ثلاثا رجل أم قوما وهم له كارهون وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ورجل سمع حي على الفلاح لم يجب فإن كان له على الإمامة معلوم فلا يأخذه بنية الإجارة بل يأخذه على نية الفتوح من الله تعالى لا على أنه عوض على فعل الإمامة وإذا كان ذلك كذلك فعلامته أن لا يطلبه ولا يجد القلق حين قطعه عنه ولا يتضجر ولا يترك ما هو بصدده فإن طلب أو تضجر فقد خرج عن باب المندوب إلى باب المكروه أو المحرم كما تقدم في أمر العالم ولو تكلم في ذلك بنية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإرشاد المسلمين لمصالح دينهم فذلك سائغ ما لم يصحبه حظ ما فإن صحبه فيكره أو يمنع بحسب الحال وينبغي له أن يتحفظ على الأوقات أكثر من تحفظ المؤذن عليها إذ أنه قد يخطئ المؤذن في بعض الأوقات فيكون ذلك سببا لإيقاع الصلاة في غير وقتها والمؤمن كفيل لأخيه فإذا كان الإمام يتحفظ على الأوقات فقل أن يتأتى خطؤهما معا بل إذا أخطأ هذا أصاب هذا في الغالب ومذهب مالك رحمه الله أن معرفة الأوقات فرض في حق كل مكلف وإذا كان ذلك كذلك فما بالك بمن له الإمامة إذ به الحل والربط في الصلاة وينبغي له أن يتحفظ على منصب الإمامة مما يتعاطاه بعض الناس من الأشياء التي تزري بصاحبها من المزاح وكثرة الضحك سيما مع الأجانب والمشي في الأسواق لغير ضرورة شرعية وما أشبه ذلك من الأشياء التي تزري بصاحبها وليس ذلك من منصب الإمامة في شيء وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على الطرقات كما تقدم وبعضهم يقعد على دكان البياع لا لحاجة وذلك جلوس على الطرقات وهو موضع النهي كما تقدم وينبغي له أن يكون أعظم الجماعة قلقا وخوفا وأكثرهم علما وخشية ورقة وقد ورد أن الصلاة ترفع على أتقى قلب رجل من الجماعة فينبغي أن يكون الإمام هو المتصف بذلك حتى يحصل جميع من خلفه في صحيفته وفي خفارته وينبغي له أن لا يرى لنفسه على من تقدمهم فضلا ويرى الفضل لهم عليه ويتخوف على ذمته لقوله عليه الصلاة والسلام الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن أو كما قال عليه الصلاة والسلام وينبغي له بل يتعين عليه أن يكون أكبر مهماته التحفظ من العوائد المتخذة والبدع المحدثة التي أحدثها كثير من الناس حتى صارت كأنها من السنن المعمول بها عندهم حتى لو تركها أحد اليوم لوجدوا عليه وقالوا ترك السنة فظهر ذلك ما أخبر به عليه الصلاة والسلام حيث قال كيف بك يا حذيفة إذا تركت بدعة قالوا ترك سنة فيتحفظ من هذا الأمر الخطر جهده إذ أنه علم للعامة في المسجد في الاقتداء به في الغالب".
قلت (أبو الحسين): وليحذر إمام المسجد كل الحذر مما من شأنه تبغيض المسلمين إليه وكراهيتهم له من التعالي والأنفة والعجب أو الفجور والكذب وغيرها من الأمراض، أما إذا كانت الكراهية لغير الدين فلا عبرة بها غالبا ؛ وكراهية أهل الدين والورع له هي المعتبرة دون غيرهم من عامة الناس الذين يعادون للدنيا لا غير؛ والله أعلم.
وقد بوب أبو داود1/162 باب الرجل يؤم القوم وهم له كارهون
وأخرج عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول:" ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة:من تقدم قوماً وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دِباراً- والدبار: أن يأتيها بعد أن تفوته، ورجل اعتَبَد مُحَرَّرَه ". صححه الألباني.
وقال الترمذي ج2/ص191:" وقد كَرِهَ قَوْمٌ من أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَؤُمَّ الرَّجُلُ قَوْمًا وَهُمْ له كَارِهُونَ فإذا كان الْإِمَامُ غير ظَالِمٍ فَإِنَّمَا الْإِثْمُ على من كَرِهَهُ وقال أَحْمَدُ وإسحاق في هذا إذا كَرِهَ وَاحِدٌ أو اثْنَانِ أو ثَلَاثَةٌ فلا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ حتى يَكْرَهَهُ أَكْثَرُ الْقَوْمِ".
وفي سنن الترمذي2/192:" قال مَنْصُورٌ فَسَأَلْنَا عن أَمْرِ الْإِمَامِ فَقِيلَ لنا إنما عني بهذا أَئِمَّةً ظَلَمَةً فَأَمَّا من أَقَامَ السُّنَّةَ فَإِنَّمَا الْإِثْمُ على من كَرِهَهُ".
وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار2/408:" قال الشافعي وإنما يعني به- والله اعلم - الرجل غير الوالي يأم جماعة يكرهونه فأكره ذلك للإمام".
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 23/373:" إن كانوا يكرهون هذا الإمام لأمر في دينه مثل كذبه أو ظلمه أو جهله أو بدعته ونحو ذلك ويحبون الآخر لأنه أصلح في دينه منه مثل أن يكون أصدق وأعلم وأدين فانه يجب أن يولى عليهم هذا الإمام الذي يحبونه وليس لذلك الإمام الذي يكرهونه أن يؤمهم كما في الحديث".
وفي تحفة الأحوذي 2/288: كارهون لأمر مذموم في الشرع وإن كرهوا لخلاف ذلك فلا كراهة قال ابن الملك كارهون لبدعته أو فسقه أو جهله أما إذا كان بينه وبينهم كراهة عداوة بسبب أمر دنيوي فلا يكون له هذا الحكم ... والاعتبار بكراهة أهل الدين دون غيرهم حتى قال الغزالي في الإحياء لو كان الأقل من أهل الدين يكرهونه فالنظر إليهم".
وقال الشيخ العباد في شرح سنن أبي داود:" وهذا ورد فيه هذا الوعيد محمول على ما إذا كانت الكراهية من أجل الدين، وأنه تقدم من غير اختيارهم أو فرض عليهم، أما إذا كان من أجل شيء في النفوس بينهم وبينه، أو بين بعضهم وبينه فإن هذا لا يؤثر، وإنما الذي يؤثر إذا كان من أجل الدين، ومن أجل عدم ارتياح إليه في دينه؛ لكونه يتصف بفسق أو ببدعة أو ما إلى ذلك، فهذا هو الذي له هذا الذنب، وأما إذا كان من أجل شحناء وعداوة دنيوية وليس لها أساس من الدين وليست مبنية على دين فإن هذا لا يؤثر".
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.
أما بعد :
فقد جاءت الأوامر الشرعية والنصوص النبوية في وجوب متابعة الإمام في صلاته وكان للعلماء مذاهب في بيان حقيقة ذلك وقد جمعت بعض النصوص التي من شأنها توضح حقيقة هذه المتابعة.
وقد قال شيخ الإسلام في القواعد النورانية(ص81):" فصل في انعقاد صلاة المأموم بصلاة الإمام.
الناس فيه على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه لا ارتباط بينهما وأن كل امرئ يصلي لنفسه وفائدة الائتمام في تكثير الثواب بالجماعة وهذا هو الغالب على أصل الشافعي لكن قد عورض بمنعه اقتداء القارئ بالأمي والرجل بالمرأة وإبطال صلاة المؤتم بمن لا صلاة له كالكافر والمحدث وفي هذه المسائل كلام ليس هذا موضعه ومن الحجة فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الأئمة إن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم .
قلت (أبو الحسين): يستدل أصحاب هذا القول بالحديث الذي ذكره شيخ الإسلام " إن أساءوا فلكم وعليهم" على أن الغاية من وجود الإمام لتكثير الثواب بالجماعة، وهذا النص عليهم لا لهم وسيأتي من النصوص ما يبطل هذا القول؛ أما إمامة المرأة للرجل والكافر للمسلم فليس حجة قوية ترد هذا القول فإنه قد يكون تخصيصا.
والقول الثاني: أنها منعقدة بصلاة الإمام فرع عليها مطلقا فكل خلل حصل في صلاة الإمام يسري إلى صلاة المأموم لقوله صلى الله عليه وسلم الإمام ضامن وعلى هذا فالمؤتمن بالمحدث الناسي لحدثه يعيد كما يعيد إمامه وهذا مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد اختارها أبو الخطاب حتى اختار بعض هؤلاء كمحمد بن الحسن أن لا يأتم المتوضئ بالمتيمم لنقص طهارته عنه.
قلت ( أبو الحسين): سيأتي من النصوص ما يبطله أيضا.
والقول الثالث: أنها منعقدة بصلاة الإمام بها لكن إنما يسري النقص إلى صلاة المأموم مع عدم العذر منهما فأما مع العذر فلا يسري النقص فإذا كان الإمام يعتقد طهارته فهو معذور في الإمامة والمأموم معذور في الائتمام وهذا قول مالك وأحمد وغيرهما وعليه ينزل ما يؤثر عن الصحابة في هذه المسألة وهو أوسط الأقوال كما ذكرنا في نفس صفة الإمام الناقص أن حكمه مع الحاجة يخالف حكمه مع عدم الحاجة فحكم صلاته كحكم نفسه وعلى هذا أيضا ينبني اقتداء المؤتم بإمام قد ترك ما يعتقده المأموم من فرائض الصلاة إذا كان الإمام متأولا تأويلا يسوغ كأن لا يتوضأ من خروج النجاسات من غير السبيلين ولا من مس الذكر ونحو ذلك فإن اعتقاد الإمام هنا صحة صلاته كاعتقاده صحتها مع عدم العلم بالحدث وأولى فإنه هناك تجب عليه الإعادة و هذا أصل نافع أيضا.
ويدل على صحة هذا القول ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطئوا فلكم وعليهم فهذا نص في أن الإمام إذا أخطأ كان درك خطأه عليه لا على المأمومين فمن صلى معتقدا لطهارته وكان محدثا أو جنبا أو كانت عليه نجاسة وقلنا عليه الإعادة للنجاسة كما يعيد من الحدث فهذا الإمام مخطئ في هذا الاعتقاد فيكون خطؤه عليه فيعيد صلاته وأما المأمومون فلهم هذه الصلاة وليس عليهم من خطئه شيء كما صرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم و هذا نص في إجزاء صلاتهم وكذلك لو ترك الإمام بعض فرائض الصلاة بتأويل أخطأ فيه عند المأموم مثل أن يمس ذكره ويصلي أو يحتجم ويصلي أو يترك قراءة البسملة ".
وبعد عرض مذاهب العلماء في ارتباط المأموم بالإمام نقول جاءت نصوص كثيرة وفيرة في بيان وجوب متابعة الإمام ونصوص بخلاف ذلك .
ومما ورد في هذه المسألة النصوص الآتية:
أخرج الإمام أحمد(7169 ) وأبو داود(517) والترمذي (191) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" الإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ اللَّهُمَّ أَرْشِدِ الأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ".
قال ابن منظور في لسان العرب 13/258:" أراد بالضمان هنا الحفظ والرعاية لا ضمان الغرامة لأنه يحفظ على القوم صلاتهم وقيل إن صلاة المقتدين به في عهدته وصحتها مقرونة بصحة صلاته فهو كالمتكفل لهم صحة ".
وقال الجزري في النهاية في غريب الأثر3/216:" أرادَ بالضَّمَان ها هنا الحِفظَ والرِّعاية لا ضَمَانَ الغَرَامة لأنه يَحْفَظُ على القوم صَلاتَهم. وقيل: إنَّ صلاة المُقْتَدِين به في عُهْدته وصِحَّتها مقرونةٌ بصِحَّة صلاته فهو كالمُتكفِّل لهم صحَّة صلاتهم".
وفي غريب الحديث للخطابي1/636:" معنى الضمان في كلام العرب الرعاية للشيء والمحافظة عليه ومنه قولهم في الدعاء للمسافر في حفظ الله وضمانه. قال الشاعر رعاك ضمان الله يا أم مالك ولله أن يشقيك أغنى وأوسع وقال الفرزدق أنا الضمان الراعي عليهم وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي فقوله الإمام ضامن تأويله أنه يحفظ على القوم صلاتهم ويرعاها لهم وليس من ضمان الغرامة في شيء ويقال إنه قد ضمن الدعاء لهم".
وقال الشوكاني في نيل الأوطار ج2/ص13:" الضَّمَانُ في اللُّغَةِ الْكَفَالَةُ وَالْحِفْظُ وَالرِّعَايَةُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ ضُمَنَاءُ على الأسرار بِالْقِرَاءَةِ وَالْأَذْكَارِ حُكِيَ ذلك عن الشَّافِعِيِّ في الْأُمِّ وَقِيلَ الْمُرَادُ ضَمَانُ الدُّعَاءِ أَنْ يَعُمَّ الْقَوْمَ بِهِ وَلا يَخُصَّ نَفْسَهُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ يَتَحَمَّلُ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ عن الْمَسْبُوقِ ".
وفي تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة ونبذ مذهبية نافعة لأبي شجاع محمد بن علي بن شعيب بن الدهان1/359:" المسألة السابعة والأربعون : إذا اقتدى مفترض بمتنفل:
المذهب : يجوز ويجوز مفترض مع اختلاف النية .
الدليل من المنقول :
لنا: كان معاذ يصلي مع النبي عليه السلام العشاء ويعود إلى قومه فيصلي بهم هي له نافلة ولهم مكتوبة، ومثل معاذ لا يفوت على نفسه فضل الفريضة خلف رسول الله، وما كان يستبد بهذا دون إعلام النبي وكيف يخفي ذلك عنه مع صغر عرصة المدينة حماها الله تعالى أبدا .
لهم: ما أراد أن الإمام يلتزم صلاة المأموم في ذمته كالديون بل أراد أن صلاة المأموم تدخل في ضمن صلاة الإمام.
الدليل من المعقول لنا: كان يصلي لنفسه والاقتداء بالأفعال الظاهرة؛ والنية أمر باطن فإذا أتى بالأفعال حصلت فضيلة الجماعة فنقول صلاتان متفقتان في الظاهر فصح أن تكون كل واحدة تابعة للأخرى في الاقتداء كالمتنفل خلف المفترض.
لهم: ارتباط صلاة المأموم بالإمام يمنع من اختلاف نيتيهما واختلاف الأفعال يمنع صحة الاقتداء فلا تجوز الظهر خلف من يصلي الجمعة ولا الجمعة خلف متنفل ولا الظهر خلف من يصلي المغرب فإذا كان اختلاف الأفعال يمنع فاختلاف النيات أولى.
واعتذروا عن اقتداء المتنفل بالمفترض بأنه يجوز بناء النافلة على تحريمة الفريضة بأن يؤدي صلاة ويتبين أن وقتها ما دخل فتنعقد له نفلا أما نحن فالأحكام التي ذكروها كلها لنا فيها كلام وعلى التسليم نقول إنما لم يصح الاقتداء لاختلاف الأفعال الظاهرة فبطل معه الاقتداء أما الخبر فيراد بالضامن من ضمان الإكمال وبكمال صلاته تكمل الصلاتان ولا يراد أن أحدهما يدخل في الأخرى ولو قدر ذلك سقطت الأفعال والشرائط كما يدخل الوضوء في الغسل وأما المبالغة فلأنه التزم ذلك فإن قالوا لو سها الإمام ولم يسجد سجد المأموم نمنع وإن سلمنا فإنما سجد لأنه أدخل النقص على صلاته والإمام ضمن كمالها فإذا لم يف كملها المأموم وأما إذا سها المأموم لم يسجد لأنه ضمن المتابعة فلو سجد خالف أو نقول يجبر نقصان سهو الإمام فضيلة المتابعة".
وفي المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل لعبد القادر بن بدران الدمشقي2/202:" وينبغي له أن يتحفظ على الأوقات أكثر من تحفظ المؤذن عليها إذ أنه قد يخطئ المؤذن في بعض الأوقات فيكون ذلك سببا لإيقاع الصلاة في غير وقتها والمؤمن كفيل لأخيه فإذا كان الإمام يتحفظ على الأوقات فقل أن يتأتى خطؤهما معا بل إذا أخطأ هذا أصاب هذا في الغالب ومذهب مالك رحمه الله أن معرفة الأوقات فرض في حق كل مكلف وإذا كان ذلك كذلك فما بالك بمن له الإمامة إذ به الحل والربط في الصلاة وينبغي له أن يتحفظ على منصب الإمامة مما يتعاطاه بعض الناس من الأشياء التي تزري بصاحبها من المزاح وكثرة الضحك سيما مع الأجانب والمشي في الأسواق لغير ضرورة شرعية وما أشبه ذلك من الأشياء التي تزري بصاحبها وليس ذلك من منصب الإمامة في شيء وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على الطرقات كما تقدم وبعضهم يقعد على دكان البياع لا لحاجة وذلك جلوس على الطرقات وهو موضع النهي كما تقدم وينبغي له أن يكون أعظم الجماعة قلقا وخوفا وأكثرهم علما وخشية ورقة وقد ورد أن الصلاة ترفع على أتقى قلب رجل من الجماعة فينبغي أن يكون الإمام هو المتصف بذلك حتى يحصل جميع من خلفه في صحيفته وفي خفارته وينبغي له أن لا يرى لنفسه على من تقدمهم فضلا ويرى الفضل لهم عليه ويتخوف على ذمته لقوله عليه الصلاة والسلام الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن أو كما قال عليه الصلاة والسلام وينبغي له بل يتعين عليه أن يكون أكبر مهماته التحفظ من العوائد المتخذة والبدع المحدثة التي أحدثها كثير من الناس حتى صارت كأنها من السنن المعمول بها عندهم المدخل حتى لو تركها أحد اليوم لوجدوا عليه وقالوا ترك السنة فظهر ذلك ما أخبر به عليه الصلاة والسلام حيث قال كيف بك يا حذيفة إذا تركت بدعة قالوا ترك سنة فيتحفظ من هذا الأمر الخطر جهده إذ أنه علم للعامة في المسجد في الاقتداء به في الغالب ".
وقال أيضا في المدخل2/240:" فيتعين على الإمام أن يكون أكثر الناس تقوى وأفضلهم وأورعهم إلى غير ذلك من الأوصاف الجميلة إن اجتمعت فإن تعذر اجتماعها فأكثرها".
قال الإمام الألباني رحمه الله تعالى وجعله الفردوس الأعلى مأواه في الصحيحة 15/16:" أن الثناء المذكور على المؤذنين في هذا الحديث؛صاروا اليوم غير مستحقين له؛ بسبب أنهم لا يراعون الشمس و.. ولمعرفة أوقات الصلاة التي ائتمنوا عليها، ودعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمغفرة لو قاموا بها في قوله صلى الله عليه وسلم: " الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين ".
قلت: ( أبو الحسين):" وربما ينتظم الأئمة فيما ذكره الشيخ الألباني في المؤذنين بدليل ما رواه البخاري(ح653):" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ".
والمعنى: "يصلون" أي الأئمة "لكم" أي لأجلكم، "فإن أصابوا" في الأركان والشروط، والواجبات، والسنن "فلكم" ثواب صلاتكم، "ولهم" ثواب صلاتهم، "وإن أخطأوا" أي ارتكبوا الخطيئة في صلاتهم، ككونهم محدثين "فلكم"، ثوابها، "وعليهم" عقابه".
وجاء في الدرر السنية في الأجوبة النجدية15/49:" وعلى أئمة المساجد والمؤذنين ما ليس على غيرهم، من تفقد جماعتهم، وإرشادهم وتعليمهم، والقيام على المتخلف منهم، ورفع أمره إلى أهل الحسبة؛ فإن الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن ومن لم يقم بهذه الوظيفة على وجهها، فليتق الله وليعاف المسلمين من شره، فإن بقاءه على هذه الحالة نقص ظاهر عليه وعلى جماعته؛ كما أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل أحد بحسبه، والرجل مسؤول عن أهل بيته ومن تحت يده، ومسؤول عن جاره".
وقال الإمام الماوردي في الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني 2/352:" يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَى الْإِمَامَةِ مَنْ جَمَعَ أَوْصَافَهَا ، وَهِيَ خَمْسَةٌ : الْقِرَاءَةُ ، وَالْفِقْهُ ، وَالنَّسَبُ ، وَالسِّنُّ ، وَالْهِجْرَةُ بَعْدَ صِحَّةِ الدِّينِ ، وَحُسْنِ الِاعْتِقَادِ ، فَمَنْ جَمَعَهَا ، وَكَمُلَتْ فِيهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِمَّنْ أَخَلَّ بِبَعْضِهَا : لِأَنَّ الْإِمَامَةَ مَنْزِلَةُ اتِّبَاعِ وَاقْتِدَاءٍ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مُتَحَمِّلُهَا كَامِلَ الْأَوْصَافِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهَا ".
قلت(أبو الحسين): وعلى الإمام أن يكون مرضيا قائما بالناس على السنة الصحيحة والنية الصالحة وذا خلق طيب وسيرة حسنة مبتعدا عن البدعة وسوء القصد ورذائل الأخلاق.
قال عبد القادر بن بدران الدمشقي في المدخل 2/201:" وينبغي له إذا تولى الإمامة أن يكون ذلك منه بنية صالحة صادقة لله تعالى لا يطلب بذلك عوضا عن ثناء ولا راحة دنيوية ولا صورة مميزة بين الناس بل يجعل ذلك لوجه ربه خالصا لأن الإمامة من أكبر مهمات الدين وقد ورد في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال من عمل من هذه الأعمال شيئا يريد به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة وعرفها يوجد من مسيرة خمسمائة عام فيحذر من هذا الخطر العظيم وقد ورد في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة يغبطهم الأولون والآخرون عبد أدى حق الله تعالى وحق مواليه ورجل أم قوما وهم به راضون ورجل ينادي بالصلوات الخمس كل يوم وليلة فإن خاف أن يكون في الجماعة من يكره إمامته فتركها إذ ذاك أفضل له وذلك بشرط أن تكون الكراهة على موجب شرعي حذرا أن يكره أحد إمامته لحظ دنيوي أو نفساني أو ما أشبه ذلك فإن كانت الكراهة شرعية فلا يتقدم لما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن ثلاثا رجل أم قوما وهم له كارهون وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ورجل سمع حي على الفلاح لم يجب فإن كان له على الإمامة معلوم فلا يأخذه بنية الإجارة بل يأخذه على نية الفتوح من الله تعالى لا على أنه عوض على فعل الإمامة وإذا كان ذلك كذلك فعلامته أن لا يطلبه ولا يجد القلق حين قطعه عنه ولا يتضجر ولا يترك ما هو بصدده فإن طلب أو تضجر فقد خرج عن باب المندوب إلى باب المكروه أو المحرم كما تقدم في أمر العالم ولو تكلم في ذلك بنية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإرشاد المسلمين لمصالح دينهم فذلك سائغ ما لم يصحبه حظ ما فإن صحبه فيكره أو يمنع بحسب الحال وينبغي له أن يتحفظ على الأوقات أكثر من تحفظ المؤذن عليها إذ أنه قد يخطئ المؤذن في بعض الأوقات فيكون ذلك سببا لإيقاع الصلاة في غير وقتها والمؤمن كفيل لأخيه فإذا كان الإمام يتحفظ على الأوقات فقل أن يتأتى خطؤهما معا بل إذا أخطأ هذا أصاب هذا في الغالب ومذهب مالك رحمه الله أن معرفة الأوقات فرض في حق كل مكلف وإذا كان ذلك كذلك فما بالك بمن له الإمامة إذ به الحل والربط في الصلاة وينبغي له أن يتحفظ على منصب الإمامة مما يتعاطاه بعض الناس من الأشياء التي تزري بصاحبها من المزاح وكثرة الضحك سيما مع الأجانب والمشي في الأسواق لغير ضرورة شرعية وما أشبه ذلك من الأشياء التي تزري بصاحبها وليس ذلك من منصب الإمامة في شيء وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على الطرقات كما تقدم وبعضهم يقعد على دكان البياع لا لحاجة وذلك جلوس على الطرقات وهو موضع النهي كما تقدم وينبغي له أن يكون أعظم الجماعة قلقا وخوفا وأكثرهم علما وخشية ورقة وقد ورد أن الصلاة ترفع على أتقى قلب رجل من الجماعة فينبغي أن يكون الإمام هو المتصف بذلك حتى يحصل جميع من خلفه في صحيفته وفي خفارته وينبغي له أن لا يرى لنفسه على من تقدمهم فضلا ويرى الفضل لهم عليه ويتخوف على ذمته لقوله عليه الصلاة والسلام الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن أو كما قال عليه الصلاة والسلام وينبغي له بل يتعين عليه أن يكون أكبر مهماته التحفظ من العوائد المتخذة والبدع المحدثة التي أحدثها كثير من الناس حتى صارت كأنها من السنن المعمول بها عندهم حتى لو تركها أحد اليوم لوجدوا عليه وقالوا ترك السنة فظهر ذلك ما أخبر به عليه الصلاة والسلام حيث قال كيف بك يا حذيفة إذا تركت بدعة قالوا ترك سنة فيتحفظ من هذا الأمر الخطر جهده إذ أنه علم للعامة في المسجد في الاقتداء به في الغالب".
قلت (أبو الحسين): وليحذر إمام المسجد كل الحذر مما من شأنه تبغيض المسلمين إليه وكراهيتهم له من التعالي والأنفة والعجب أو الفجور والكذب وغيرها من الأمراض، أما إذا كانت الكراهية لغير الدين فلا عبرة بها غالبا ؛ وكراهية أهل الدين والورع له هي المعتبرة دون غيرهم من عامة الناس الذين يعادون للدنيا لا غير؛ والله أعلم.
وقد بوب أبو داود1/162 باب الرجل يؤم القوم وهم له كارهون
وأخرج عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول:" ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة:من تقدم قوماً وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دِباراً- والدبار: أن يأتيها بعد أن تفوته، ورجل اعتَبَد مُحَرَّرَه ". صححه الألباني.
وقال الترمذي ج2/ص191:" وقد كَرِهَ قَوْمٌ من أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَؤُمَّ الرَّجُلُ قَوْمًا وَهُمْ له كَارِهُونَ فإذا كان الْإِمَامُ غير ظَالِمٍ فَإِنَّمَا الْإِثْمُ على من كَرِهَهُ وقال أَحْمَدُ وإسحاق في هذا إذا كَرِهَ وَاحِدٌ أو اثْنَانِ أو ثَلَاثَةٌ فلا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ حتى يَكْرَهَهُ أَكْثَرُ الْقَوْمِ".
وفي سنن الترمذي2/192:" قال مَنْصُورٌ فَسَأَلْنَا عن أَمْرِ الْإِمَامِ فَقِيلَ لنا إنما عني بهذا أَئِمَّةً ظَلَمَةً فَأَمَّا من أَقَامَ السُّنَّةَ فَإِنَّمَا الْإِثْمُ على من كَرِهَهُ".
وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار2/408:" قال الشافعي وإنما يعني به- والله اعلم - الرجل غير الوالي يأم جماعة يكرهونه فأكره ذلك للإمام".
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 23/373:" إن كانوا يكرهون هذا الإمام لأمر في دينه مثل كذبه أو ظلمه أو جهله أو بدعته ونحو ذلك ويحبون الآخر لأنه أصلح في دينه منه مثل أن يكون أصدق وأعلم وأدين فانه يجب أن يولى عليهم هذا الإمام الذي يحبونه وليس لذلك الإمام الذي يكرهونه أن يؤمهم كما في الحديث".
وفي تحفة الأحوذي 2/288: كارهون لأمر مذموم في الشرع وإن كرهوا لخلاف ذلك فلا كراهة قال ابن الملك كارهون لبدعته أو فسقه أو جهله أما إذا كان بينه وبينهم كراهة عداوة بسبب أمر دنيوي فلا يكون له هذا الحكم ... والاعتبار بكراهة أهل الدين دون غيرهم حتى قال الغزالي في الإحياء لو كان الأقل من أهل الدين يكرهونه فالنظر إليهم".
وقال الشيخ العباد في شرح سنن أبي داود:" وهذا ورد فيه هذا الوعيد محمول على ما إذا كانت الكراهية من أجل الدين، وأنه تقدم من غير اختيارهم أو فرض عليهم، أما إذا كان من أجل شيء في النفوس بينهم وبينه، أو بين بعضهم وبينه فإن هذا لا يؤثر، وإنما الذي يؤثر إذا كان من أجل الدين، ومن أجل عدم ارتياح إليه في دينه؛ لكونه يتصف بفسق أو ببدعة أو ما إلى ذلك، فهذا هو الذي له هذا الذنب، وأما إذا كان من أجل شحناء وعداوة دنيوية وليس لها أساس من الدين وليست مبنية على دين فإن هذا لا يؤثر".