بسم الله
التفريغ :
ووقع سياقها هنا مجردة من الدليل بأقصر العبارات، لأن مما تقوى به الملكة الفقهية أمران روعي في المختصرات أحدهما إيجاز الكلام، فإن صناعة الفقه مبنية على الإيجاز، وأنت تجد متنا مختصرا يشرح في مجلدات كثيرة كالذي تراه في مختصر القدور عند الحنفية والشروح التي كتبت عليه، أو مختصر الخرق عند الحنابلة، والشروح التي كتبت عليه وأشهرها المغني. فهذا وذاك ونظائرها في المذاهب المتبوعة تكون أصلا في أوراق يسيرة، ثم عند بسط القول فيها يكتب أهل العلم في بيانها مطولات تعد في المجلدات ووضع الفقه على هذه الحال من اختصاره المقصود منه تسهيل حفظه وإيصاله، فإن الكلام إذا جمع حفظ، وإذا بسط أضاع أوله آخره فالعناية بمختصرات يدعو إليها ما جبل الله عز وجل عليه الخلق من كون الكلام الجامع أوقع في قلوبهم وأنفع لهم. والآخر أنها تقيد مجردة عن الدليل لأن مفتاح الفقه تصوير المسائل قبل معرفة الدلائل، فإنه إذا غلط في تصوير المسألة لم يقع الدليل موقعه. وأنا أضرب لك مثلا وهو ما يذكره الفقهاء رحمهم الله في كل مذهب من كراهة ذكر الله سبحانه وتعالى في الخلاء، فإن هذه المسألة يتكلم فيها الناس اليوم في كثير منهم، ولكنهم لا يحسنون تصوير المسألة، ويجعلون أحكام ما يسمى بالحمامات عندنا اليوم كأحكام ما يذكره الفقهاء في بيت الخلاء، وهذا غلط فإن بيت الخلاء عند الفقهاء كان فيما سلف في تاريخ الأمة تحبس فيه النجاسة ولا تخرج منه بخلاف الواقع اليوم. فالواقع اليوم أن الأصل أن النجاسة تندفع منه ولا تبقى فيه بنقلها بماء كثير خارجه، وهي المحل الموضوعة لجمعه التي تجعل في بيوت الناس خارجة عن أصل هذا البناء. فمن الغلط تصوير هذه المسألة وفق ما عليه أحوال الناس اليوم فيما يسمى بالحمامات، فبيت الخلاء عند المتقدمين صورته غير بيت الخلاء عند المتأخرين، ومثله اسم المصلى، فاسم المصلى في عرف الفقهاء هو موضع ظاهر البلد خارج عنه منفصل منه، وليس موضعا يكون وسط البلد.
والأول هو مقصود الشرع في ما رتب من الصلوات، لأن المقصود بإبراز ظاهر البلد أن يبين خروج الناس إليه ويظهر اجتماعهم فيه. فمثل هذا وذاك وغيره من أحكام الفقه غلط كثير من الناس في تصويرها اليوم وتنزيل الأحكام عليها لأنهم شغلوا عن تصوير المسائل بغيرها، فمفتتح الفقه تصوير المسائل، ويعين على هذا تجريد تلك المسائل من الدلائل، فإذا كملت تصور المسائل جملة بعد ذلك معرفة الدلائل. أما مزاحمة تصوير المسائل بذكر الدلائل فهذا مما يوهن أصل الفقه، وهو تصور الأحكام الشرعية وفق ما قدرت عليه شرعا وعلقت به من صورها وعللها ومصالحها وأحكامها، فإذا وقر اسم الفقه بمسائله المصورة في قلب المتعلم انتقل بعد ذلك إلى معرفة الدلائل وأربى الناس سوءا في تلقي الثقة لأنهم لم يقتصروا على معرفة الدلائل، بل جمعوا إلى ذلك علما شائكا غائرا وهو علم الخلاف، فتجد أحدهم يذكر المسألة كلها ثم يذكر دليلها، ثم يطلب في ذكر أقوال المذاهب الأخرى مع دلائلها، فلا يتخرج من ذلك فقيه لأن هذه الحال تقطع عن استكمال الفقه كما ينبغي، فهي تجعل تصوير المسائل باهتا، وضبط الدلائل ضعيفا، ومعرفة الراجح مقرونا بقول هذا أو ذاك، مما لا يعول على ترجيحه لفقده آلة الفقه التي كانت عند الأوائل غالبا. وطريق السلامة أن يتلقى المتفقه المسائل الفقهية مصورة. ثم إذا قوي تصويره للمسائل وضبط وجوهها كالذي ذكرناه في معنى الخلاء أو معنى المصلى، انتقل بعد ذلك إلى رتبة أخرى وهي رتبة معرفة الدلائل. فإذا أحكم معرفة الدلائل المتعلقة بالمسائل التي تلقاها في مذهب متبوع ارتفع بعد ذلك إلى قوة أعظم ما تكون عنده، وهي النظر في الخلاف، ومعرفة أدلة الأقوال الأخرى في المذاهب المتبوعة، وما يترشح للترجيح من هذه الأقوال بدليله، فإذا أخذ الفقه على هذه الصفة قوي الفقيه فيه وصار محكما البناء، وإذا مزج هذا بذاك أضاع المتفقه ولم يرجع بكبير علم.
التفريغ :
ووقع سياقها هنا مجردة من الدليل بأقصر العبارات، لأن مما تقوى به الملكة الفقهية أمران روعي في المختصرات أحدهما إيجاز الكلام، فإن صناعة الفقه مبنية على الإيجاز، وأنت تجد متنا مختصرا يشرح في مجلدات كثيرة كالذي تراه في مختصر القدور عند الحنفية والشروح التي كتبت عليه، أو مختصر الخرق عند الحنابلة، والشروح التي كتبت عليه وأشهرها المغني. فهذا وذاك ونظائرها في المذاهب المتبوعة تكون أصلا في أوراق يسيرة، ثم عند بسط القول فيها يكتب أهل العلم في بيانها مطولات تعد في المجلدات ووضع الفقه على هذه الحال من اختصاره المقصود منه تسهيل حفظه وإيصاله، فإن الكلام إذا جمع حفظ، وإذا بسط أضاع أوله آخره فالعناية بمختصرات يدعو إليها ما جبل الله عز وجل عليه الخلق من كون الكلام الجامع أوقع في قلوبهم وأنفع لهم. والآخر أنها تقيد مجردة عن الدليل لأن مفتاح الفقه تصوير المسائل قبل معرفة الدلائل، فإنه إذا غلط في تصوير المسألة لم يقع الدليل موقعه. وأنا أضرب لك مثلا وهو ما يذكره الفقهاء رحمهم الله في كل مذهب من كراهة ذكر الله سبحانه وتعالى في الخلاء، فإن هذه المسألة يتكلم فيها الناس اليوم في كثير منهم، ولكنهم لا يحسنون تصوير المسألة، ويجعلون أحكام ما يسمى بالحمامات عندنا اليوم كأحكام ما يذكره الفقهاء في بيت الخلاء، وهذا غلط فإن بيت الخلاء عند الفقهاء كان فيما سلف في تاريخ الأمة تحبس فيه النجاسة ولا تخرج منه بخلاف الواقع اليوم. فالواقع اليوم أن الأصل أن النجاسة تندفع منه ولا تبقى فيه بنقلها بماء كثير خارجه، وهي المحل الموضوعة لجمعه التي تجعل في بيوت الناس خارجة عن أصل هذا البناء. فمن الغلط تصوير هذه المسألة وفق ما عليه أحوال الناس اليوم فيما يسمى بالحمامات، فبيت الخلاء عند المتقدمين صورته غير بيت الخلاء عند المتأخرين، ومثله اسم المصلى، فاسم المصلى في عرف الفقهاء هو موضع ظاهر البلد خارج عنه منفصل منه، وليس موضعا يكون وسط البلد.
والأول هو مقصود الشرع في ما رتب من الصلوات، لأن المقصود بإبراز ظاهر البلد أن يبين خروج الناس إليه ويظهر اجتماعهم فيه. فمثل هذا وذاك وغيره من أحكام الفقه غلط كثير من الناس في تصويرها اليوم وتنزيل الأحكام عليها لأنهم شغلوا عن تصوير المسائل بغيرها، فمفتتح الفقه تصوير المسائل، ويعين على هذا تجريد تلك المسائل من الدلائل، فإذا كملت تصور المسائل جملة بعد ذلك معرفة الدلائل. أما مزاحمة تصوير المسائل بذكر الدلائل فهذا مما يوهن أصل الفقه، وهو تصور الأحكام الشرعية وفق ما قدرت عليه شرعا وعلقت به من صورها وعللها ومصالحها وأحكامها، فإذا وقر اسم الفقه بمسائله المصورة في قلب المتعلم انتقل بعد ذلك إلى معرفة الدلائل وأربى الناس سوءا في تلقي الثقة لأنهم لم يقتصروا على معرفة الدلائل، بل جمعوا إلى ذلك علما شائكا غائرا وهو علم الخلاف، فتجد أحدهم يذكر المسألة كلها ثم يذكر دليلها، ثم يطلب في ذكر أقوال المذاهب الأخرى مع دلائلها، فلا يتخرج من ذلك فقيه لأن هذه الحال تقطع عن استكمال الفقه كما ينبغي، فهي تجعل تصوير المسائل باهتا، وضبط الدلائل ضعيفا، ومعرفة الراجح مقرونا بقول هذا أو ذاك، مما لا يعول على ترجيحه لفقده آلة الفقه التي كانت عند الأوائل غالبا. وطريق السلامة أن يتلقى المتفقه المسائل الفقهية مصورة. ثم إذا قوي تصويره للمسائل وضبط وجوهها كالذي ذكرناه في معنى الخلاء أو معنى المصلى، انتقل بعد ذلك إلى رتبة أخرى وهي رتبة معرفة الدلائل. فإذا أحكم معرفة الدلائل المتعلقة بالمسائل التي تلقاها في مذهب متبوع ارتفع بعد ذلك إلى قوة أعظم ما تكون عنده، وهي النظر في الخلاف، ومعرفة أدلة الأقوال الأخرى في المذاهب المتبوعة، وما يترشح للترجيح من هذه الأقوال بدليله، فإذا أخذ الفقه على هذه الصفة قوي الفقيه فيه وصار محكما البناء، وإذا مزج هذا بذاك أضاع المتفقه ولم يرجع بكبير علم.