إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم؛
(يا أيّها الّذِين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاتِهِ ولا تموتنّ إِلّا وأنْتمْ مسْلِمون)[ آل عمران:102]
(يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذِي خلقكمْ مِنْ نفْسٍ واحِدةٍ وخلق مِنْها زوْجها وبثّ مِنْهما رِجالًا كثِيرًا ونِساءً واتّقوا اللّه الّذِي تساءلون بِهِ والْأرْحام إِنّ اللّه كان عليْكمْ رقِيبًا)[ النساء:1]
(يا أيّها الّذِين آمنوا اتّقوا اللّه وقولوا قوْلًا سدِيدًا (70) يصْلِحْ لكمْ أعْمالكمْ ويغْفِرْ لكمْ ذنوبكمْ ومنْ يطِعِ اللّه ورسوله فقدْ فاز فوْزًا عظِيمً)[ الأحزاب:70 - 71]
ألا وإن أصدق الحديث كلام الله تعالى ، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم؛ ، وشر الأمر محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة
أما بعد:
فقد روى أبو داود في سننه في كتاب الصوم باب في صوم العشر قال:
* حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ الْحُرِّ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ امْرَأَتِهِ، عَن بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ".
وأخرجه النسائي في المجتبى والكبرى وأحمد في المسند والطحاوي في شرح معاني الآثار والبيهقي في السنن الكبير الشعب كلهم من طريق أبي عوانة به.
ضعفه الزيلعي في نصب الراية، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود.
والحديث فيه اختلاف في السند والمتن.
وجاء في العلل للدارقطني (198/9-199):
3945- وسُئِل عَن حَديث هنيدة بن خالد الخُزاعي، عَن حَفصَة، قالَت: أَربَع لَم يَدَعهُن النَّبي صَلى الله عَليه وسَلم: صيام عاشُوراء، والعَشر، وثَلاثَة أَيام من كُل شَهر، والرَّكعَتين قَبل الغَداةِ.
فقال: يَرويه الحُر بن الصَّياح، عَن هُنَيدَة بن خالد الخُزاعي، عَن حَفصَة؛
وخالَفه الحَسن بن عُبيد الله، واختُلِف عَنه؛
فرَواه عَبد الرَّحيم بن سُليمان، عَن الحَسن بن عُبيد الله، عَن أُمِّه، عَن أُم سَلَمة.
ورَواه أَبو عَوانة، عَن الحُر بن الصَّياح، عَن هُنَيدَة، عَن امرَأَته، عَن بَعض أَزواج النَّبي صَلى الله عَليه وسَلم، ولَم يُسَمِّها.
فذكر الاختلاف ولم يُعلّ ولم يُرجِّح.
ورواه هنيدة عن أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها روى حديثها النسائي في المجتبى والكبرى قال:
* أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي النَّضْرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْأَشْجَعِيُّ كُوفِيٌّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ، عَنِ الْحُرِّ بْنِ الصَّيَّاحِ، عَنْ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ الْخُزَاعِيِّ، عَنْ حَفْصَةَ، قَالَتْ: "أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: صِيَامَ عَاشُورَاءَ، وَالْعَشْرَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ".
وأخرجه أحمد في مسنده وأبو يعلى في مسنده وابن حبان في صحيحه والطبراني في الكبير والأوسط كلهم من طريق هاشم بن القاسم عن أبي إسحاق الأشجعي به
وأبو إسحاق الأشجعي الكوفي مجهول.
قال الترمذي في كتاب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب ما جاء في العمل في أيام العشر:
* حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْبَصْرِىُّ، حَدَّثَنَا مَسْعُودُ بْنُ وَاصِلٍ، عَنْ نَهَّاسِ بْنِ قَهْمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِى الْحِجَّةِ، يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ وَقِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ".
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ مَسْعُودِ بْنِ وَاصِلٍ عَنِ النَّهَّاسِ، قَالَ: وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، مِثْلَ هَذَا وَقَالَ قَدْ رُوِىَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً شَىْءٌ مِنْ هَذَا وَقَدْ تَكَلَّمَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِى نَهَّاسِ بْنِ قَهْمٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
وأخرجه المصنف كذلك في العلل ابن ماجه والطوسي في مستخرجه وأبو عوانة في مستخرجه والبيهقي في الشعب وفضائل الأوقات وغيرهم.
ومدار الحديث على مسعود بن واصل عن النهاس بن قهم وهما ضعيفان.
والحديث ضعفه الترمذي بقوله غريب، والبغوي في شرح السنة قال: "إسناده ضعيف"، وشيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة قال: "فيه ضعف"، والحافظ في الفتح قال: "إسناده ضعيف"، وضعفه الشيخ الألباني كما في السلسلة الضعيفة، رحم الله الجميع.
وروى مسلم في صحيحه في كتاب الاعتكاف [باب صوم عشر ذي الحجة] قال:
* حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَإِسْحَاق، قَالَ إِسْحَاق: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ"
وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي في الكبرى وأحمد وابن راهويه وابن الجعدفي مسانيدهم وابن أبي شيبة في مصنفه وابن حبان في صحيحه والطحاوي في المشكل كلهم من طرق عن الأعمش به.
وتابع الأعمش، منصور المعتمر وروى حديثه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن النخعي به.
وأما الصيام فيها فهو من جنس العمل الصالح كما ثبت عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟ قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ".
لأهل العلم كلام في هذه الأحاديث:
* ضعف حديث صيام النبي صلى الله عليه وسلم تسع من ذي الحجة، حيث اختُلف فيه على هنيدة:
فروى عنه عَنْ امْرَأَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ أُمَّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مُخْتَصَرًا.
يراجع نصب الراية (157/2).
* قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (6/ 469-470 ط المنيرية):
وقد ورد حديثان متعارضان في هذه الأيام،
أحدهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم هذه الأيام التسعة،
والثاني أنه كان يصومها،
وقد قال الإمام أحمد رحمه الله في التعارض بين هذين الحديثين: إن المثبت مقدم على النافي،
ورجح بعض العلماء النفي؛ لأن حديثه أصح من حديث الإثبات،
لكن الإمام أحمد جعلهما ثابتين كليهما، وقال: إن المثبت مقدم على النافي،
ونحن نقول: إذا تعارضا تساقطا بدون تقديم أحدهما على الآخر فعندنا الحديث الصحيح العام "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر" فالعمل الصالح في أيام عشر ذي الحجة ومن ذلك الصوم أحب إلى الله من العمل الصالح في العشر الأواخر من رمضان.
فهنا عائشة رضي الله عنها أخبرت بما علمت، وأخبر غيرها بخلاف خبرها، ومن علم حجة على من لم يعلم. والمثبت مقدم على النافي.
* أن القول مقدم على الفعل، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما من القول، وحديث عائشة رضي الله عنها من الفعل، فيقدم القول لاحتمال خصوصية الفعل، أو لحصول عذر، ونحوه.
قالالشيخ الألباني رحمه الله:
"القول الصادر من الرسول عليه السلام الموجه إلى الأمة هو شريعة عامة، أما الفعل الذي يفعله هو، فيمكن أن يكون شريعة عامة حينما لا يوجد معارض له، ويمكن أن يكون أمراً خاصاً به عليه الصلاة والسلام".
* قال النووي رحمه الله في المجموع (6/ 387-388 ط المنيرية):
وأما حديث عائشة قالت:
"ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما في العشر قط"
وفي رواية "لم يصم العشر" رواهما مسلم في صحيحه،
فقال العلماء: هو متأول على أنها لم تره ولا يلزم منه تركه في نفس الأمر، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يكون عندها في يوم من تسعة أيام؛ والباقي عند باقي أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، أو لعله صلى الله عليه وسلم كان يصوم بعضه في بعض الأوقات، وكله في بعضها ويتركه في بعضها لعارض سفر أو مرض أو غيرهما، وبهذا يجمع بين الاحاديث.
* وقال الحافظ في الفتح (47/4 ط الرسالة): واستدل به على فضل صيام عشر ذي الحجة لاندراج الصوم في العمل، واستشكل بتحريم الصوم يوم العيد، وأجيب بأنه محمول على الغالب، ولا يَرِدُ على ذلك ما رواه أبو داود وغيره عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما العشر قط، لاحتمال أن يكون ذلك لكونه كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته.
تعليق