[12] مسألة
قال[ابن أبي زيد]1 رحمه الله:"ومن ذَرَعه القيءُ في رمضان فلا قضاء عليه، وإنْ استقاء فعليه القضاء".
قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي [بن نصر]1 رحمه الله:
هذا لِما رواه ابن وهب عن الحارث بن [شهاب، عن]2 عطاء بن عجلان عن أبي نَضْرة عن أبي سعيد الخدري3، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذ ذَرَع الرجلَ القيءُ وهو صائم فليُتِمَّ صومه، ولا قضاء عليه، وإنْ استقاء فإنه يعيد صيامه"4.
ورَوى عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن ذَرَعه القيء فليس عليه القضاء، ومَن استقاء فعليه القضاء"5.
ولا خلاف أنَّ مَن ذَرَعه القيء فلا قضاء عليه، وإنما الخلاف في المستقيء عامدا بين أصحابنا:
منهم مَن يقول: إنَّ القضاء واجب.
منهم مَن يقول: استحباب.
وكان ابن بُكير يذهب إلى أنه استحباب.
وأبو يعقوب الرازي وأبو بكر بن الجهم يذهبان إلى أنه واجب.
فأمَّا وجوب الكفارة بالاستقاء؛ فمبني على حصول الفطر به.
فإنْ قلنا: إنه يفطر به؛ قلنا: إنَّ الكفارة واجبة في عمده.
وإنْ قلنا: إنه لا يفطر، لم نوجب الكفارة.
وذكر أبو محمد بن أبي زيد رحمه الله في كتابه الكبير عن أشهب: "أنه إذا استقاء في تطوع أفطر إنْ شاء وقضاه، وإنْ تمادى فيه فعليه القضاء أيضا"6. وهذا يدل على أنه يفطر عنده.
[وذكر عن ابن حبيب أنَّ المستقيء في التطوع لا يقضي، وأنه رواه عن مالك]7 وهذا يؤيِّد قول مَن ذهب إلى أنَّ القضاء استحباب.
فوجه القول بوجوب ذلك:
ما رويناه مِن قوله صلى الله عليه وسلم: "ومَن استقاء فعليه القضاء".
ورَوى أبو بكر بن عياش عن عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استقاء الصائم أعاد"8.
ولأنه إذا استقاء جاز له9 أنْ يرجع إلى حلقه شيء ممَّا خرج منه باستدعائه، فكان كالمعتمِّد لإيصال شيء إلى حلقه، فلزمه القضاء بذلك.
ووجه قوله: إنَّ ذلك غير واجب:
فلأنَّ مدخل الطعام والشراب إنما يجب الفطر بما دخل منهما، لا بما خرج عنهما؛ اعتبارا بالجُشاء.
ولأنَّ القيء لا يفطِّر، أصله: إذا ذرع صاحبه.
ولأنه خارج مِن البدن لا غسل فيه، فلم يتعلق به حكم الإفطار؛ أصله: الدموع والفصاد وغير ذلك.
فأمَّا الخبر؛ فمحمول على الندب، والله أعلم.
--------------------------------
1 - زيادة تفردت بها طبعة الحزانة ولم يشيروا أنها زيادة من نسخة..
2 - في طبعة المالكية [وأشار للصواب في الحاشية] وطبعة الدمياطي وفي نسخة [شهاب، وعن]، والمثبت من النسخة الثانية، وهو الموافق لمصادري التخريج.
3 - في طبعة المالكية وطبعة الدمياطي ونسخة زيادة [جميعا] وهي ليست في النسخة الثانية ولا في مصادر التخريج.
4 - رواه ابن وهب في الجامع (291) عن الحارث بن نبهان به، بمثله، والحارث وشيخه عطاء بن عجلان متروكان، وينظر ما بعده.
5 - رواه أبو داود (2380) [ومن طريقه الدارقطني في السنن] والترمذي (720) [وقال في جامعه: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، و، ... وَالْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الصَّائِمَ إِذَا ذَرَعَهُ الْقَىْءُ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِذَا اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِىُّ وَالشَّافِعِىُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وهو قول أبي حنيفة، ففي الموطأ برواية الشيباني: أخبرنا مَالِكٍ أخبرنا نَافِعٍ أن ابن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنِ اسْتَقَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَمَنْ ذَرَعَهُ الْقَىْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. قال محمد: وبه نأخذ، وهو قول أبي حنيفة.
قال الخطابي: لا أعلم خلافا بين أهل العلم في أن من ذرعه القيء، فإنه لا قضاء عليه، ولا في أن من استقاء عامدا أن عليه القضاء.] وابن ماجه (1676) [والنسائي في الكبرى وأحمد في مسنده والحاكم في مستدركه [وقال: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وهو غير صحيح فقد ضعفه البخاري] وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما [وفي سند ابن حبان من ضعف] والدارمي في سننه [وقال: قَالَ عِيسَى زَعَمَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ أَنَّ هِشَامًا وَهِمَ فِيهِ (أي في رفعه) فَمَوْضِعُ الْخِلَافِ هَا هُنَا]] من طرق عن عيسى بن يونس به، بمثله، قال الترمذي: "قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أُرَاهُ مَحْفُوظًا [ضعف الحديث البخاري في التاريخ الكبير قال: ولم يصح]، وقد رُوي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح إسناده [تابع عيسى بن يونس حفص بن غياث [ثقة] وحديثه عند أبي داود وابن ماجه في سننهما والحاكم في المستدرك]"، وقال ابن عبد البر في الاستذكار (182/10): "وعيسى ثقة فاضل إلا أنه عند أهل الحديث قد وهم فيه، وأنكروه عليه"، وقال أحمد: "حدث به عيسى، وليس هو في كتابه، غلط فيه وليس هو من حديثه" [قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل قال: ليس من ذا شيء. قال الخطابي: يريد أن الحديث غير محفوظ]، وقال النسائي: "وقفه عطاء عن أبي هريرة"، وينظر التلخيص الحبير (3/ 1405-1406).
قال النسائي في الكبرى (357/5) ط التأصيل: وقفه عطاء؛ أي خالف محمد بن سرين فرواه موقوفا على أبي هريرة رضي الله عنه: قال النسائي:أخبرنا محمد بن حاتم بن نعيم، قال: أخبرنا حبان [حبان بن موسى المروزي صاحب ابن المبارك]، قال: أخبرنا عبد الله [بن المبارك]، عن الأوزاعي، قال: حدثني عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة، قال: "من قاء وهو صائم فليفطر".
6 - ينظر: النوادر والزيادات (45/2).
7 - سقطت من طبعة الدمياطي.
8 - رواه ابن أبي شيبة في المصنف (9280) عن أبي بكر بن عياش به، بلفظه، وعبد الله بن سعيد هو تبن أبي سعيد المقبري؛ متروك، والحديث لا يصح مرفوعا، وقال النسائي: "وقفه عطاء، عن أبي هريرة"، ينظر: التلخيص الحبير (1405/3).
[قال النسائي في الكبرى (357/5) ط التأصيل: وقفه عطاء؛ أي خالف محمد بن سرين فرواه موقوفا على أبي هريرة رضي الله عنه: قال النسائي:أخبرنا محمد بن حاتم بن نعيم، قال: أخبرنا حبان [حبان بن موسى المروزي صاحب ابن المبارك]، قال: أخبرنا عبد الله [بن المبارك]، عن الأوزاعي، قال: حدثني عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة، قال: "من قاء وهو صائم فليفطر".]
9 - سقطت من طبعة المالكية وطبعة الدمياطي وهي ثابتة في نسخة.
تعليق