زهر الروض المربع من الشرح الممتع على زاد المستقنع....(5)
أحكام وَلِيمَةِ العُرْسِ
قوله: «وليمة العرس» وهو الطعام الذي يصنع في أيام العرس.
وهناك ولائم يجتمع عليها الناس غير وليمة العرس، منها ما هو مكروه، ومنها ما هو محرم ومنها ما هو مباح وهي سائر الولائم التي تفعل عند حدوث ما يَسُرُّ، فهي من قسم المباح وليس من قسم البدعة، كما ظنه بعض الناس، كالوليمة للختان، فهذه مباحة؛ لأن الأصل في جميع الأعمال غير العبادة الإباحة، حتى يقوم دليل على المنع.
تُسَنُّ بِشَاةٍ فَأَقَلَّ، وَتَجِبُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ إِجَابَةُ مُسْلِمٍ يَحْرُمُ هَجْرُهُ إِلَيْهَا إِنْ عَيَّنَهُ، وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُنْكَرٌ،..........
قوله: «تسن» هذا حكمها، أي: أنها مندوبة، وهذا هو القسم الرابع من أقسام الوليمة، وهي وليمة العرس لأول مرة، والدليل على ذلك سنة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ القولية والفعلية.
فأما القولية فقوله لعبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ: «أولم» ، وهذا فعل أمر، وأقل أحوال الأمر الاستحباب.
وأما الفعلية فقد ثبت عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه أولم على نسائه.
وقيل: واجبة؛ للأمر بها في حديث عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ السابق، والجمهور يرون أنها سنة، وقالوا: الذي صرف الأمر عن الوجوب أنه طعام بمناسبة سرور حادث، وهذا لا يقتضي الوجوب؛ لأنه ليس دفع ضرورة كالنفقة فتجب، وليس دفعاً لزكاة، أو نذراً فيجب، وإنما هو سرور فلا يكون واجباً.
قوله: «بشاة فأقل» ، فتسن لكن بقدر لا يزيد على شاة، بخبز، بحيس، بتمر، وما أشبه ذلك.
وقال بعض أهل العلم: إن الوليمة من النفقة الراجعة للعرف، فتسن بما يقتضيه العرف، على الموسع قدره وعلى المقتر قدره، لكن بشرط أن لا تصل إلى حد المباهاة والإسراف، فإذا وصلت إلى حد الإسراف والمباهاة صارت محرمة أو مكروهة.
قوله: «إجابة» ، في هذا إشارة إلى أنه لا بد أن يكون هناك دعوة، وإلا فلا تجب الإجابة.
وقوله: «أول مرة» أي صنعت أول مرة، احترازاً من الثانية، والثالثة، والرابعة... إلخ.
وقوله: «مسلم» احترازاً من الكافر، فالكافر لا تجب إجابته.
وقوله: «يحرم هجره» ، أفادنا أن من المسلمين من لا يحرم هجره.
و الصحيح عندنا أن الأصل في الهجر التحريم، إلا إذا كان فيه مصلحة.
الشرط الرابع: قوله: «إليها» أي: إلى وليمة العرس؛ احترازاً مما لو دعاه إلى غير وليمة العرس فإنه لا تجب الإجابة، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم.
وقوله: «إن عيَّنه» هذا هو الشرط الخامس، أي: عيَّن الداعي المدعوَ، بأن قال: يا فلان احضر وليمتي، وعلم منه أنه إن لم يعينه فلا يجب، مثل لو أطل برأسه على جماعة، وقال: تفضلوا إلى وليمتي، فإنه لا تجب إجابته؛ لأنه لم يعينه، وإنما وجه الكلام للجميع، ولذلك الناس لا يعدون من تخلف عن هذه الدعوة، كمن عُيِّن وتخلف، فمن عُيِّن وتخلف أشد.
وقوله: «ولم يكن ثَمَّ منكر» هذا هو الشرط السادس، وقوله: «ثَمَّ» أي: هناك، ويغلط كثير من الناس حتى من طلبة العلم، فيقولون: ثُم؛ لأن «ثُم» حرف عطف و«ثَم» ظرف، والمعنى ولم يكن في مكان الدعوة منكر.
والمنكر ما أنكره الشرع والعرف، والعبرة بإنكار الشرع.
فإذا كان المجيب قادراً على تغيير المنكر، فحينئذٍ يجب عليه الحضور؛ إجابة للدعوة ولتغيير المنكر.
وأما إذا لم يكن قادراً فالإجابة إلى الوليمة المحرمة حرام، ودليل هذا قوله تعالى: {{وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}} [المائدة: 2] ، وقال تعالى: {{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَىءُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}} [النساء: 140] يعني إن قعدتم معهم فأنتم مثلهم في العقوبة والمعصية.
واشترط بعض العلماء أن لا يكون في الإجابة دناءة، مثل أن تعلم أن المدعوين ناس من السفهاء والسَّفَل، وأنت رجل محترم بين الناس، فإذا أجبت نزل قدرك، وصار فيه ضرر عليك، لكن هذا الشرط ـ أيضاً ـ ليس بصحيح؛ لأنه يفتح للناس باب الطبقية، والترفع، والتعاظم، بل نقول: احضر، وانصح لعل الله ينفع بك.
واشترط بعضهم أن لا يلحقه ضرر بذلك، وهذا صحيح.
فتلخص لنا ستة شروط:
الأول: أن تكون الدعوة أول مرة.
الثاني: أن يكون الداعي مسلماً.
الثالث: أن يحرم هجره.
الرابع: أن يعين المدعو.
الخامس: أن لا يكون ثَمَّ منكر.
السادس: أن لا يكون عليه ضرر.
ولكن يشترط ـ أيضاً ـ شرط لا بد منه، وهو أن نعلم أن دعوته عن صدق، وهذا يضاف إلى الشروط التي ذكرناها، وضد ذلك أن يكون حياءً، أو خجلاً، أو مجرد إعلام، فلا يجب.
وَمَنْ صَوْمُهُ وَاجِبٌ دَعَا وَانْصَرَفَ، وَالمُتَنَفِّلُ يُفْطِرُ إِنْ جَبَرَ، وَلاَ يَجِبُ الأَكْلُ،
قوله: «ومن صومه واجب دعا وانصرف» أي: أن من صومه واجب فإنه يجيب الدعوة، ولكن لا يأكل؛ لأنه لا يجوز قطع الصوم الواجب، كإنسان عليه قضاء من رمضان، فدعي إلى الوليمة وهو صائم، وكإنسان عليه كفارة يمين فصام ودعي إلى الوليمة وهو صائم، وكإنسان عليه فدية لفعل محظور صيام ثلاثة أيام فدعي وهو صائم، فكل هؤلاء يحضرون ولكن لا يأكلون؛ لأن الصيام الواجب لا يجوز قطعه.
وقوله: «دعا وانصرف» ، الدليل قول ـ النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ: «إذا دعي أحدكم فليُجب، فإن كان صائماً فليُصَلِّ، وإن كان مفطراً فليطعم» (أخرجه مسلم في النكاح/ باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة (1431) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.) ، ومعنى قوله: «فليصلِّ» فليدعُ..
قوله: «والمتنفل يفطر إن جبر» يعني أن الصائم المتنفل كصيام أيام البيض، أو الاثنين، أو الخميس، أو ستة أيام من شوال، أو عشر ذي الحجة، أو عاشوراء وما أشبهها، فالمتنفل يجيب الدعوة، ولكن هل يفطر أو لا؟ المؤلف ذكر أن فيه تفصيلاً، إن جبر قلب الداعي، وأدخل السرور عليه فإنه يفطر، وإن لم يجبر كأن يكون الداعي لا يهتم أكل أو ما أكل، المهم أن يجيب الدعوة، فإن الأفضل أن لا يفطر ويتم صومه؛ لأن صومه نفل، ولا ينبغي أن يقطع نفله إلا لغرض صحيح.
قوله: «ولا يجب الأكل» أي: أكل المدعو ليس بواجب، وإنما الواجب الحضور فقط
ولنا أن نقول: إن الأكل فرض كفاية لا فرض عين، فإذا قام به من يكفي، ويجبر قلب الداعي، فالباقي لا يجب عليهم الأكل، وهو الصواب، أما أن نقول: لا يجب الأكل على الآخرين، فهذا فيه نظر.
قوله: «وإن علم أن ثم منكراً يقدر على تغييره حضر وغيّره»فإذا علم ـ مثلاً ـ أن في هذه الوليمة اختلاطاً للرجال بالنساء، أو آلات لهو، أو تصويراً، وما أشبه ذلك من الأشياء المحرمة، فهذا إن كان يقدر على تغييره أو تقليله يحضر؛ لأنه يجب على الإنسان أن ينكر المنكر إذا علم أنه إذا أنكر قل، فيحضر وجوباً لسببين:
الأول: أنه دعوة وليمة عرس.
الثاني: أن فيها إزالة لمنكر، أو تقليلاً له، وإزالة المنكر أو تقليله واجب.
مثل أن يكون رجل له هيبة وقيمة، بحيث إذا علم بالمنكر وأمر بإزالته أطاعوه، فهذا يجب عليه الحضور.
فلو قال قائل: إذا لم أحضر ترتب على هذا قطيعة رحم، كما لو كان صاحب الوليمة من أقاربه، وعندهم منكر ودعاهم، فإذا لم يُجب غضب عليه، وتقطعت الصلة بينهما.
فالجواب: ولو أدى ذلك إلى قطيعة الرحم؛ لأن الله ـ تعالى ـ قال في الوالدين، وهما أقرب الأرحام: {{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا}} [لقمان: 15] .
ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس فلا يحل، وربما يكون امتناعه عن الحضور لوليمة قريبه المشتملة على المحرم، سبباً لهدايته، فيعتب على نفسه، ويوبخ نفسه، ويقول: إنه بفعله هذه المعصية اكتسب هجران قريبه، فيرتدع، وكثيراً ما يقع مثل ذلك، إذا هجر الإنسان قريبه أو صاحبه سابقاً فإنه يراجع نفسه، ويتأمل، وربما يرجع عما كان عليه من المعصية.
المهم أنه لا يجوز الحضور، ولو أدى ذلك إلى قطيعة الرحم، والقاطع هو الداعي إذا قطعت الرحم.
وَكُرِهَ النِّثَارُ، وَالْتِقَاطُهُ، وَمَنْ أَخَذَهُ أَوْ وَقَعَ فِي حَجْرِهِ فَلَهُ
قوله: «وكره» اعلم أن المكروه في اصطلاح الفقهاء غير المكروه في الكتاب والسنة، فالمكروه في الكتاب والسنة يراد به المحرم، كما في قوله ـ تعالى ـ لما ذكر المنهيات العظيمة قال: {{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا *}} [الإسراء] ، فالكراهة في لسان الشرع يراد بها المحرم إذا كانت في الأحكام الشرعية.
وأما الكراهة عند الفقهاء فمرتبة بين المباح والمحرم، يثاب تاركها امتثالاً، ولا يعاقب فاعلها.
قوله: «النثار» وهو أن يُنثر في الوليمة طعام، أو فلوس، أو ثياب، فهذا مكروه، فإن كان المنثور طعاماً، فمكروه لسببين:
الأول: إن فيه امتهاناً للنعمة.
الثاني: أن فيه دناءة وخلافاً للمروءة، لا سيما إذا كان من الشرفاء والوجهاء، أما عامة الناس فلا يكره منهم الالتقاط.
وإذا كان مالاً كان إفساداً له وإضاعة، ولو قيل بالتحريم في مسألة الدراهم، أي: الأوراق النقدية، لكان له وجه؛ لأنه عرضة لإتلاف المال وإضاعته، وقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن إضاعة المال.
لخصه أبو أسامة سمير الجزائري
قوله: «وكره» اعلم أن المكروه في اصطلاح الفقهاء غير المكروه في الكتاب والسنة، فالمكروه في الكتاب والسنة يراد به المحرم، كما في قوله ـ تعالى ـ لما ذكر المنهيات العظيمة قال: {{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا *}} [الإسراء] ، فالكراهة في لسان الشرع يراد بها المحرم إذا كانت في الأحكام الشرعية.
وأما الكراهة عند الفقهاء فمرتبة بين المباح والمحرم، يثاب تاركها امتثالاً، ولا يعاقب فاعلها.
قوله: «النثار» وهو أن يُنثر في الوليمة طعام، أو فلوس، أو ثياب، فهذا مكروه، فإن كان المنثور طعاماً، فمكروه لسببين:
الأول: إن فيه امتهاناً للنعمة.
الثاني: أن فيه دناءة وخلافاً للمروءة، لا سيما إذا كان من الشرفاء والوجهاء، أما عامة الناس فلا يكره منهم الالتقاط.
وإذا كان مالاً كان إفساداً له وإضاعة، ولو قيل بالتحريم في مسألة الدراهم، أي: الأوراق النقدية، لكان له وجه؛ لأنه عرضة لإتلاف المال وإضاعته، وقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن إضاعة المال.
لخصه أبو أسامة سمير الجزائري