زهر الروض المربع من الشرح الممتع على زاد المستقنع....(3)
أحكام الخاتم
«ويباح للذكر من الفضة الخاتم» .
مراد المؤلف بهذا بيان ما الذي يباح من الفضة، وأما حكم لبسه فسنبين.
وقوله: «للذكر» يشمل الصغير والكبير، و(ال) في قوله: «الخاتم» هل هي للجنس فيشمل الخاتم والخاتمين، والثلاثة والأربعة والخمسة، أو هي لِلْوَحْدةِ؟
الظاهر: الثاني؛ وأن الإنسان يباح له اتخاذ خاتم واحد، وهذا هو ظاهر كلام المؤلف رحمه الله.
وقوله: «ويباح للذكر من الفضة الخاتم» .
الخاتم: نائب فاعل.
أي: إن الله أباح ذلك، وليعلم أنه إذا حذف الفاعل في باب التشريع، أو باب الخلق فإنما يحذف للعلم به؛ لأن الخالق والمشرع هو الله.
وقوله: «ويباح للذكر من الفضة الخاتم» ؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم «اتخذ خاتماً من ورق» (1) أي من فضة، ومعلوم أن لنا في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسوة حسنة، ولا يقول قائل: إن هذا خاص به؛ لأن الأصل عدم الخصوصية، فمن ادعى الخصوصية في شيء فعله الرسول صلّى الله عليه وسلّم فعليه الدليل.
وظاهر كلام المؤلف: أنه جائز، سواء اتخذ الخاتم لحاجة، أو لتقليد وعادة، أو لزينة، لإطلاقه.
فمثال الذي يتخذه لحاجة: فكمن له شأن في الأمة، كالحاكم، والأمير، والوزير، والمدير، وما أشبه ذلك أي: يحتاج الناس إلى ختمه فهذا اتخذه لحاجة؛ لأن بقاءه في أصبعه أحفظ من جعله في جيبه؛ لأنه إذا جعله في جيبه ربما يسقط، أو يسرق.
ومثال الذي اتخذه تقليداً: فكما يفعل كثير من الناس الآن؛ يتخذ صاحبه خاتماً فيوافقه في ذلك تقليداً، ولا يريد الزينة، ولكن جرت عادة أهل بلده في اتخاذ الخاتم فاتخذه.
ومثال الذي يتخذه زينة: فكمن يلبسه يريد أن يتزين به، ولهذا يختار أحسن الفضة لوناً ولمعاناً وشكلاً.
وقال بعض العلماء: إنه إذا كان للزينة فلا يحل؛ لأن الله جعل التحلي بالزينة للنساء فقال تعالى: {{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ *}} [الزخرف] ، وما كان من خصائص النساء، فإنه لا يجوز للرجال.
والراجح العموم، وأنه جائز للحاجة، والعادة، والزينة.
بل إنه لا يوجد نص صحيح في تحريم لباس الفضة على الرجال، لا خاتماً ولا غيره، بل جاء في السنن: «وأما الفضة فالعبوا بها لَعِبَاً» (2) يعني اصنعوا ما شئتم بها.
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من العلماء:
الأصل في لباس الفضة هو الحل حتى يقوم دليل على التحريم.
وهذا القول أصح؛ لقول الله تعالى: {{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}} [البقرة: 29] ، فإذا جاء الإنسان، واتخذ غير الخاتم مما يتزين به من فضة فلا نقول: إن هذا حرام على القول الراجح؛ لأن الأصل الحل.
أما السوار، والقلادة في العنق، وما أشبه ذلك، فهذا حرام من وجه آخر، وهو التشبه بالنساء والتخنث، وربما يساء الظن بهذا الرجل، فهذا يحرم لغيره لا لذاته.
وقوله: «يباح للذكر» أفادنا أن اتخاذ الخاتم من فضة من القسم المباح أي: ليس حراماً، فهل هو مشروع؟
أي: هل يسن أن يتخذ الإنسان خاتماً؟
الجواب:
الصحيح أَنَّ لبس الخاتم ليس بسنة إلا لمن يحتاجه؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يتخذه، حتى قيل له: «إن الملوك لا يقبلون كتاباً إلا مختوماً فاتخذ الخاتم» (3) .
مسائل:
الأولى: إذا جرت عادة أهل البلد بلبس الخاتم فيجوز لبسه، ولا حرج، وإذا لم تجر العادة فلا يجوز؛ لأنه يكون لباس شهرة يتحدث الناس به.
وهنا مسألة لا بد أن نتفطن لها وهي:
أن موافقة العادات في غير المحرم هي السنة؛ لأن مخالفة العادات تجعل ذلك شهرة، والنبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن لباس الشهرة (4) ، فيكون ما خالف العادة منهياً عنه.
وبناءً على ذلك نقول:
هل من السنة أن يتعمم الإنسان؟ ويلبس إزاراً ورداءً؟
الجواب: إن كنا في بلد يفعلون ذلك فهو من السنة، وإذا كنا في بلد لا يعرفون ذلك، ولا يألفونه فليس من السنة.
الثانية: أين يوضع الخاتم هل هو في الخنصر، أو البنصر، أو السبابة، أو الإبهام، أو الوسطى؟
الجواب: في الخنصر أفضل ويليه البنصر.
الأصابع بالنسبة لوضع الخاتم عند الفقهاء ثلاثة أقسام:
قسم مستحب: وهو الخنصر، وقسم مكروه: وهو السبابة والوسطى.
وقسم مباح: وهو الإبهام والبنصر، وبعضهم ألحق الإبهام بالسبابة والوسطى.
الثالثة: هل يسن الخاتم في اليسار أو اليمين؟
الجواب: قال الإمام أحمد: اليسار أفضل، لثبوته، وضعف الأحاديث الواردة عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يتختم باليمين (5) ، فيكون التختم في اليمين جائزاً، والصحيح أنه سنة في اليمين واليسار (6) .
وقال بعض العلماء: إذا كان قد ختم عليه اسم الله، فلا يكون في اليسرى تكريماً لاسم الله؛ ولأنه يحتاج إلى اليسرى في الاستنجاء، والاستجمار وحينئذٍ إما أن يتكلف بإخراج الخاتم، وإما أن يستنجي والخاتم عليه، وهذا فيه نوع من الإهانة.
الرابعة: أين يضع فص خاتمه، على ظاهر كفه أو على باطنه؟
الجواب: يجعله مما يلي باطن كفه، لأنه الوارد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم (7) ، ولأنه أحفظ له، ولكن عند العمل يقلبه، ويجوز أن يجعله مما يلي ظاهر كفه، فقد روي ذلك عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ من فعله ( ، والأمر في هذا واسع.
الخامسة: هل يكون الفص من جنس الخاتم أو غيره؟
الجواب: يجوز أن يكون الفص من جنس الخاتم، أو من غيره لكن الأولى أن يكون متناسباً مع الخاتم وينهى عن تكبيره؛ لأنه قد يدخل في باب الخيلاء ثم إنه قد يكون فيه تشبه بالنساء؛ لأنهن يكبرن الفص في العادة.
السادسة: ما حكم أن ينقش اسم الله على الخاتم؟
الجواب: لا ينبغي ذلك وأقل الأحوال الكراهة، لا سيما وأنهم يكتبون اسم الله تعالى مفرداً، ومثله ما يوجد في قلائد النساء، وهذا كله من الأشياء المبتدعة التي توجب أن يكون اسم الله تعالى مبتذلاً، كما أنه إذا جعله في يده اليسرى فإنه يباشر الأذى عند الاستنجاء، وهذا أمر خطير جداً.
فإن قال قائل: يرد عليه خاتم الرسول صلّى الله عليه وسلّم فإن نقشه «محمد رسول الله» فما الجواب على هذا الإيراد؟
فالجواب: أن هذا النقش لحاجة النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث إن هذا هو اسمه وصفته، التي من أجلها اتخذ الخاتم ليكتب للملوك ويخبرهم أنه رسول الله.
وإذا اتخذ الإنسان خاتماً لحاجة ونقش عليه اسمه وفي اسمه اسم من أسماء الله ـ تعالى ـ فإنه إذا دخل الخلاء فلا بأس أن يبقى الخاتم في يده، ولكن قال العلماء: ينبغي أن يضم يده عليه ويجعل فصه داخل كفه، أما حديث: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه» (9) فهو معلول.
السابعة: ما حكم استعمال الدبلة بعد الخطوبة أو عقد القران للرجل والمرأة؟
هذه العادة توجد الآن في بعض البلدان الإسلامية فيأتي الزوج والزوجة بخاتمين يكتب اسم الزوج في خاتم الزوجة، واسم الزوجة في خاتم الزوج، فهذا العمل يحتوي على جملة من المحاذير الشرعية:
أولاً: أنه يقترن بها عقيدة أن هذا من أسباب التأليف بينهما وقد ذكر أهل العلم أن هذا من الشرك؛ لأنه إثبات سبب لم يثبت شرعاً ولا واقعاً، ثم إن هذا أيضاً من التولة.
ثانياً: ذكر الشيخ الألباني أن أصل هذا العمل من النصارى فإنهم يأتون إلى كبيرهم ويضع يده على يد الزوج أو الزوجة ويقول: «باسم الأب باسم الابن باسم الروح» ثم يمر بيده على يديهما ويضع الدبلة في الأصبع المخصص لذلك، ففيها إذاً محذور عظيم وهو التشبه بالنصارى وهو محرم حتى وإن خلت من الاعتقاد الذي ذكرناه أولاً، فتحرم من هذا الباب.
ثالثاً: أنه غالباً ما تكون من الذهب، والذهب محرم على الرجال، وقد رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم رجلاً عليه خاتم من ذهب فنزعه من يده وطرحه وقال: «يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده» فلما انصرف النبي صلّى الله عليه وسلّم قيل له: «خذ خاتمك وانتفع به» فقال: والله لا أخذه آبداً وقد طرحه النبي صلّى الله عليه وسلّم (10) ، وفي الحديث المشهور: «أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها» (11) .
فهذه العادة محرمة ينبغي محاربتها والإنكار على من يفعلها حيث اشتملت على هذه المحرمات العظيمة، كما يجب الإنكار على أولئك الرجال الذين يلبسون خواتم أو سلاسل من ذهب كما يقع هذا من بعض المائعين، وأقبح من أولئك الذين يلبسون خروصاً من الذهب في آذانهم.
انتهى ملخصا من الشرح الممتع على زاد المستنقع للعلامة ابن عثيمين رحمه الله
بقلم المعترف بذنبه
الفقير إلى عفو ربه
أبي أسامة سمير الجزائري
__________
(1) أخرجه البخاري في اللباس/ باب خواتيم الذهب (5865)؛ ومسلم في اللباس والزينة/ باب تحريم خاتم الذهب... (2091) (54) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(2) أخرجه أحمد (2/334)؛ وأبو داود في الخاتم/ باب ما جاء في الذهب للنساء (4236) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال المنذري في الترغيب (1/273): «وإسناده صحيح».
(3) أخرجه البخاري في العلم/ باب ما يذكر في المناولة... (65)؛ ومسلم في الفضائل/ باب إثبات حوض نبينا صلّى الله عليه وسلّم وصفاته (2092) عن أنس رضي الله عنه.
(4) لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة تَلَهَّبُ فيه النار».
أخرجه أحمد (2/92) دون قوله: «تلهب فيه النار»؛ وأبو داود في اللباس/ باب في لبس الشهرة (4029)؛ وابن ماجه في اللباس/ باب من لبس شهرة من الثياب (3606). قال البوصيري في الزوائد: إسناده حسن.
(5) الإنصاف 3/43، الفروع 2/471، أحكام الخواتم 161.
(6) أما اليمين، فأخرجه مسلم في اللباس والزينة/ باب في خاتم الورق... (2094) (62) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله (ص) لبس خاتم فضة في يمينه فيه فص حبشي، كان يجعل فصه مما يلي كفه.
وأما جعله في اليسار فَلمَا رواه مسلم أيضاً في اللباس والزينة/ باب في لبس الخاتم في الخنصر من اليد (2095) عن أنس رضي الله عنه قال: «كان خاتم النبي صلّى الله عليه وسلّم في هذه وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى».
(7) سبق تخريجه من حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ ص(110).
( أخرجه أبو داود في الخاتم/ باب ما جاء في التختم في اليمين أو اليسار (4229).
(9) أخرجه أبو داود في الطهارة/ باب الخاتم يكون فيه ذكر الله... (19)؛ والترمذي في اللباس/ باب ما جاء في نقش الخاتم (1746)؛ والنسائي في الزينة/ باب نزع الخاتم عند دخول الخلاء (8/17؛ وابن ماجه في الطهارة وسننها/ باب ذكر الله عزّ وجل (303) عن أنس بن مالك رضي الله عنه. انظر «التلخيص» (140).
(10) أخرجه مسلم في اللباس والزينة/ باب تحريم خاتم الذهب... (2090) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(11) أخرجه أحمد (4/394، 407) والنسائي في الزينة/ باب تحريم الذهب على الرجال 8/161، والترمذي في أبواب اللباس/ باب ما جاء في الحرير والذهب للرجال (1720) عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.