إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

مدارسة أحاديث كتاب الصيام من صحيح مسلم بشرح العلامة الفقيه النووي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ يَحْيَى أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِى فِى رَمَضَانَ، قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ، فَأُتِىَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا؟ قَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ.

    حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِىِّ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَقَالَ: بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، وَهُوَ الزِّنْبِيلُ، وَلَمْ يَذْكُرْ: فَضَحِكَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ.

    حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ قَالاَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه: أَنَّ رَجُلاً وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فِى رَمَضَانَ، فَاسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: وَهَلْ تَسْتَطِيعُ صِيَامَ شَهْرَيْنِ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا.

    وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ بِهَذَا الإِسْنَادِ: أَنَّ رَجُلاً أَفْطَرَ فِى رَمَضَانَ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ، ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ.

    حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ رَجُلاً أَفْطَرَ فِى رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا.



    ---------------------------------------------


    باب تَغْلِيظِ تَحْرِيمِ الْجِمَاعِ فِى نَهَارِ رَمَضَانَ عَلَى الصَّائِمِ، وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ الْكُبْرَى فِيهِ، وَبَيَانِهَا، وَأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ، وَتَثْبُتُ فِى ذِمَّةِ الْمُعْسِرِ حَتَّى يَسْتَطِيعَ
    في الباب: حديث أبي هريرة في المجامع امرأته في نهار رمضان.
    ومذهبنا ومذهب العلماء كافة وجوب الكفارة عليه، إذا جامع عامدا جماعا أفسد به صوم يوم من رمضان، والكفارة عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب التي تضر بالعمل إضرارا بَيِّنََا، فإن عجز عنها فصوم شهرين متتابعين، فإن عجز فإطعام ستين مسكينا كل مسكين مد من طعام، وهو رطل وثلث بالبغدادي، فإن عجز عن الخصال الثلاث، فللشافعي قولان:
    أحدهما: لا شيء عليه، وإن استطاع بعد ذلك فلا شيء عليه، واحتج لهذا القول بأن حديث هذا المجامع ظاهر بأنه لم يستقر في ذمته شيء، لأنه أخبر بعجزه، ولم يقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الكفارة ثابتة في ذمته، بل أذن له في إطعام عياله.
    والقول الثاني وهو الصحيح عند أصحابنا، وهو المختار: أن الكفارة لا تسقط، بل تستقر في ذمته حتى يتمكن، قياسا على سائر الديون والحقوق، والمؤاخذات، كجزاء الصيد وغيره.
    وأما الحديث فليس فيه نفي استقرار الكفارة، بل فيه دليل لاستقرارها، لأنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الكفارة بأنه عاجز عن الخصال الثلاث، ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق التمر، فأمره بإخراجه في الكفارة، فلو كانت تسقط بالعجز لم يكن عليه شيء، ولم يأمره بإخراجه، فدل على ثبوتها في ذمته.
    وإنما أذن له في إطعام عياله، لأنه كان محتاجا ومضطرا إلى الإنفاق على عياله في الحال، والكفارة على التراخي، فأذن له في أكله وإطعام عياله، وبقيت الكفارة في ذمته، وإنما لم يبين له بقاءها في ذمته، لأن تأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز عند جماهير الأصوليين، فهذا هو الصواب في معنى الحديث وحكم المسألة، وفيها أقوال وتأويلات أخر ضعيفة.
    وأما المجامع ناسيا فلا يفطر ولا كفارة عليه، هذا هو الصحيح من مذهبنا، وبه قال جمهور العلماء، ولأصحاب مالك خلاف في وجوبها عليه، وقال أحمد: يفطر وتجب به الكفارة، وقال عطاء وربيعة والأوزاعي والليث والثوري: يجب القضاء ولا كفارة.
    دليلنا: أن الحديث صح أن أكل الناسي لا يفطر، والجماع في معناه.

    وأما الأحاديث الواردة في الكفارة في الجماع، فإنما هي في جماع العامد، ولهذا قال في بعضها: (هَلَكْتُ) وفي بعضها: (احْتَرَقْتُ احْتَرَقْتُ)، وهذا لايكون إلا في عامد، فإن الناسي لا إثم عليه بالإجماع.

    قوله صلى الله عليه وسلم: (هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً) رَقَبَةً منصوب بدل من "ما".
    قوله (فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ) هو بفتح العين والراء، هذا هو الصواب المشهور في الرواية واللغة، وكذا حكاه القاضي عن رواية الجمهور، ثم قال: ورواه كثير من شيوخنا وغيرهم بإسكان الراء. قال: والصواب الفتح.
    ويقال: للعرق: الزَّبِيلُ بفتح الزاي من غير نون، والزِّنْبِيلُ بكسر الزاي وزيادة نون، ويقال له الْقُفَّةُ و المِكْتَلُ بكسر الميم وفتح التاء المثناة فوق، والسَّفِيفَةُ بفتح السين المهملة وبالفائين، قال القاضي: قال بن دريد: سمي زَبِيلََا لأنه يحمل فيه الزِّبْلُ.
    والعَرَقُ عند الفقهاء ما يسع خمسة عشر صاعا، وهي ستون مدا لستين مسكينا، لكل مسكين مد.
    قوله: (قَالَ أَفْقَرَ مِنَّا) كذا ضبطناه: أَفْقَرَ بالنصب، وكذا نقل القاضي أن الرواية فيه بالنصب على إضمار فعل تقديره: أتجد أفقر منا، أو أتعطي، قال: ويصح رفعه على تقدير: هل أحد أفقر منا، كما قال في الحديث الآخر بعده: أَغْيَرُنَا، كذا ضبطناه بالرفع، ويصح النصب على ما سبق، هذا كلام القاضي.
    وقد ضبطنا الثاني بالنصب أيضا، فهما جائزان كما سبق توجيههما.
    قوله: (فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) هما الحرتان، والمدينة بين حرتين، والحَّرَةُ الأرض الملبسة حجارة سودا، ويقال لَابَةٌ وَلُوبَةٌ وَنَوْبَةٌ بالنون حكاهن أبو عبيد والجوهري ومن لا يحصى من أهل اللغة، قالوا: ومنه قيل للأسود: لُوبِيٌّ وَنُوبِيٌّ باللام والنون، قالوا: وجمع اللَّابَةِ لُوَبٌ وَلَابٌ وَلَابَاتٌ، وهي غير مهموزة.

    قوله: (وَهُوَ الزِّنْبِيلُ) هكذا ضبطناه بكسر الزاي وبعدها نون، وقد سبق بيانه قريبا.

    قوله: (إِنَّ رَجُلًا وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ) هكذا هو في معظم النسخ، وفي بعضها: (وَاقَعَ امْرَأَتَهُ)، وكلاهما صحيح.

    قوله: (أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا) لفظة (أَوْ) هنا للتقسيم لا للتخيير، تقديره: يُعتق، أو يصوم إن عجز عن العتق، أو يطعم إن عجز عنهما، وتبينه الروايات الباقية.

    وفي هذه الروايات دلالة لأبي حنيفة ومن يقول: يجزئ عتق كافر عن كفارة الجماع والظهار، وإنما يشترطون الرقبة المؤمنة في كفارة القتل، لأنها منصوص على وصفها بالإيمان في القرآن.
    وقال الشافعي والجمهور: يشترط الإيمان في جميع الكفارات، تنزيلا للمطلق على المقيد، والمسألة مبنية على ذلك فالشافعي يحمل المطلق على المقيد، وأبو حنيفة بخلافه.

    قوله: (احْتَرَقْتُ) فيه استعمال المجاز وأنه لا إنكار على مستعمله قوله صلى الله عليه وسلم (تَصَدَّقْ تَصَدَّقْ) هذا التصدق مطلق، وجاء مقيدا في الروايات السابقة بإطعام ستين مسكينا، وذلك ستون مدا، وهي خمسة عشر صاعا.

    قوله: (فَجَاءَهُ عَرَقَانِ فِيهِمَا طَعَامٌ فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ) هذا أيضا مطلق محمول على المقيد كما سبق.
    قوله صلى الله عليه وسلم: (هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟) فيه: حجة لمذهبنا ومذهب الجمهور، وأجمع عليه في الأعصار المتأخرة، وهو اشتراط التتابع في صيام هذين الشهرين، وحُكي عن بن أبي ليلى أنه لا يشترطه.

    قوله صلى الله عليه وسلم: (تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا) فيه: حجة لنا وللجمهور، وأجمع عليه العلماء في الاعصار المتأخرة، وهو اشتراط طعام ستين مسكينا، وحكي عن الحسن البصري: أنه إطعام أربعين مسكينا عشرين صاعا، ثم جمهور المشترطين ستين قالوا: لكل مسكين مد، وهو ربع صاع، وقال أبو حنيفة، والثوري: لكل مسكين نصف صاع.


    تعليق


    • #17
      حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ قَالاَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ فِى رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ ثُمَّ أَفْطَرَ، قَالَ: وَكَانَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَّبِعُونَ الأَحْدَثَ فَالأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ.

      حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ بِهَذَا الإِسْنَادِ قَالَ الزُّهْرِىُّ: وَكَانَ الْفِطْرُ آخِرَ الأَمْرَيْنِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالآخِرِ فَالآخِرِ، قَالَ الزُّهْرِىُّ: فَصَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ لِثَلاَثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ.

      وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ: سَافَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ، فَشَرِبَهُ نَهَارًا لِيَرَاهُ النَّاسُ، ثُمَّ أَفْطَرَ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ.
      قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما: فَصَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَفْطَرَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ.

      وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ: لاَ تَعِبْ عَلَى مَنْ صَامَ، وَلاَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ، قَدْ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى السَّفَرِ وَأَفْطَرَ.

      حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الْمَجِيدِ حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِى رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ، فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ، حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ، فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ: أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ.

      وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ عَنْ جَعْفَرٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ وَزَادَ: فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ، فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ.

      حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى سَفَرٍ، فَرَأَى رَجُلاً قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَقَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَهُ؟ قَالُوا: رَجُلٌ صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِى السَّفَرِ.

      وَحَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِىُّ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ وَزَادَ: قَالَ شُعْبَةُ: وَكَانَ يَبْلُغُنِى عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ أَنَّهُ كَانَ يَزِيدُ فِى هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِى هَذَا الإِسْنَادِ أَنَّهُ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّذِى رَخَّصَ لَكُمْ. قَالَ: فَلَمَّا سَأَلْتُهُ، لَمْ يَحْفَظْهُ.

      حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضى الله عنه قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِسِتَّ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَمِنَّا مَنْ صَامَ، وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ.

      حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ حَدَّثَنَا بِشْرٌ يَعْنِى ابْنَ مُفَضَّلٍ عَنْ أَبِى مَسْلَمَةَ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ رضى الله عنه قَالَ: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى رَمَضَانَ، فَمَا يُعَابُ عَلَى الصَّائِمِ صَوْمُهُ، وَلاَ عَلَى الْمُفْطِرِ إِفْطَارُهُ.

      حَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْجُرَيْرِىِّ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضى الله عنه قَالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى رَمَضَانَ، فَمِنَّا الصَّائِمُ، وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، فَلاَ يَجِدُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ، يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ، فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ، وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا، فَأَفْطَرَ، فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ.

      حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِىُّ وَسَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ وَحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ كُلُّهُمْ عَنْ مَرْوَانَ قَالَ سَعِيدٌ أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنهم قَالاَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَصُومُ الصَّائِمُ، وَيُفْطِرُ الْمُفْطِرُ، فَلاَ يَعِيبُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.

      حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ رضى الله عنه عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ فِى السَّفَرِ؟ فَقَالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى رَمَضَانَ، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ.

      وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: خَرَجْتُ فَصُمْتُ: فَقَالُوا لِى: أَعِدْ، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّ أَنَسًا أَخْبَرَنِى، أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يُسَافِرُونَ، فَلاَ يَعِيبُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ.
      فَلَقِيتُ ابْنَ أَبِى مُلَيْكَةَ فَأَخْبَرَنِى عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها بِمِثْلِهِ.


      حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ مُوَرِّقٍ عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فِى السَّفَرِ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فِى يَوْمٍ حَارٍّ، أَكْثَرُنَا ظِلاًّ صَاحِبُ الْكِسَاءِ، وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِى الشَّمْسَ بِيَدِهِ، قَالَ: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ، وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ، فَضَرَبُوا الأَبْنِيَةَ، وَسَقَوُا الرِّكَابَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ.

      وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ مُوَرِّقٍ عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى سَفَرٍ، فَصَامَ بَعْضٌ، وَأَفْطَرَ بَعْضٌ، فَتَحَزَّمَ الْمُفْطِرُونَ وَعَمِلُوا، وَضَعُفَ الصُّوَّامُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ، قَالَ: فَقَالَ فِى ذَلِكَ: ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ.

      حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنِى قَزَعَةُ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ رضى الله عنه، وَهُوَ مَكْثُورٌ عَلَيْهِ، فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ، قُلْتُ: إِنِّى لاَ أَسْأَلُكَ عَمَّا يَسْأَلُكَ هَؤُلاَءِ عَنْهُ، سَأَلْتُهُ عَنِ الصَّوْمِ فِى السَّفَرِ؟ فَقَالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ، قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ، وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ، فَكَانَتْ رُخْصَةً، فَمِنَّا مَنْ صَامَ، وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلاً آخَرَ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ، وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ، فَأَفْطِرُوا، وَكَانَتْ عَزْمَةً، فَأَفْطَرْنَ،ا ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا نَصُومُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ فِى السَّفَرِ.

      حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَسْلَمِىُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصِّيَامِ فِى السَّفَرِ؟ فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ.

      وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِىَّ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّى رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ، أَفَأَصُومُ فِى السَّفَرِ؟ قَالَ: صُمْ إِنْ شِئْتَ، وَأَفْطِرْ إِنْ شِئْتَ.

      وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ قَالَ هَارُونُ حَدَّثَنَا وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِى الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِى مُرَاوِحٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِىِّ رضى الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجِدُ بِى قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِى السَّفَرِ، فَهَلْ عَلَىَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هِىَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ.
      قَالَ هَارُونُ فِى حَدِيثِهِ: هِىَ رُخْصَةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ: مِنَ اللَّهِ.

      حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رضى الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى شَهْرِ رَمَضَانَ، فِى حَرٍّ شَدِيدٍ، حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ، إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ.

      حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِىُّ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَيَّانَ الدِّمَشْقِىِّ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فِى يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ، الْحَرِّ وَمَا مِنَّا أَحَدٌ صَائِمٌ، إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ.






      ---------------------------------------------


      باب جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ فِى غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، إِذَا كَانَ سَفَرُهُ مَرْحَلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَأَنَّ الأَفْضَلَ لِمَنْ أَطَاقَهُ بِلاَ ضَرَرٍ أَنْ يَصُومَ، وَلِمَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ

      اختلف العلماء في صوم رمضان في السفر، فقال بعض أهل الظاهر: لا يصح صوم رمضان في السفر، فإن صامه لم ينعقد، ويجب قضاؤه، لظاهر الآية ولحديث: لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ وفي الحديث الآخر أُولَئِكَ الْعُصَاةُ.
      وقال جماهير العلماء وجميع أهل الفتوى: يجوز صومه في السفر، وينعقد ويجزيه، واختلفوا في أن الصوم أفضل أم الفطر أم هما سواء، فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي والأكثرون: الصوم أفضل لمن أطاقه بلا مشقة ظاهرة ولا ضرر، فإن تضرر به فالفطر أفضل، واحتجوا بصوم النبي صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن رواحة، وغيرهما، وبغير ذلك من الأحاديث، ولأنه يحصل به براءة الذمة في الحال.
      وقال سعيد بن المسيب والأوزاعي وأحمد وإسحاق، وغيرهم: الفطر أفضل مطلقا، وحكاه بعض أصحابنا قولا للشافعي، وهو غريب، واحتجوا بما سبق لأهل الظاهر، وبحديث حمزة بن عمرو الأسلمي المذكور في مسلم في آخر الباب، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ) وظاهره ترجيح الفطر.
      وأجاب الأكثرون بأن هذا كله فيمن يخاف ضررا أو يجد مشقة، كما هو صريح في الأحاديث، واعتمدوا حديث أبي سعيد الخدري المذكور في الباب قال: (كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَلَا يَجِدُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ)، وهذا صريح في ترجيح مذهب الأكثرين، وهو تفضيل الصوم لمن أطاقه بلا ضرر ولا مشقة ظاهرة، وقال بعض العلماء: الفطر والصوم سواء، لتعادل الأحاديث، والصحيح قول الأكثرين، والله أعلم.

      قوله: (خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ ثُمَّ أَفْطَرَ) يعني بـ الْفَتْحِ: فتح مكة، وكان سنة ثمان من الهجرة.
      والكَدِيدَ والكديد بفتح الكاف، وكسر الدال المهملة، وهي عين جارية بينها وبين المدينة سبع مراحل أو نحوها، وبينها وبين مكة قريب من مرحلتين، وهي أقرب إلى المدينة من عسفان.
      قال القاضي عياض: الكَدِيدَ عين جارية على اثنين وأربعين ميلا من مكة. قال: وَعُسْفَانُ قرية جامعة، بها منبر على ستة وثلاثين ميلا من مكة. قال: والكَدِيدَ ما بينها وبين قديد.
      وفي الحديث الآخر: (فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ)، وهو بفتح الغين المعجمة، وهو واد أمام عسفان بثمانية أميال، يضاف إليه هذا الكُرَاُع، وهو جبل أسود متصل به، والكُرَاعُ كل أنف سال من جبل أو حرة.
      قال القاضي: وهذا كله في سفر واحد في غزاة الفتح. قال: وسميت هذه المواضع في هذه الأحاديث لتقاربها، وإن كانت عسفان متباعدة شيئا عن هذه المواضع، لكنها كلها مضافة إليها، ومن عملها، فاشتمل اسم عسفان عليها. قال: وقد يكون عَلِمَ حالَ الناس ومشقتهم في بعضها، فأفطر وأمرهم بالفطر في بعضها، هذا كلام القاضي، وهو كما قال، إلا في مسافة عسفان، فإن المشهور أنها على أربعة بَرُدِِ من مكة، وكل بريد أربعة فراسخ، وكل فرسخ ثلاثة أميال، فالجملة ثمانية وأربعون ميلا1، هذا هو الصواب المعروف الذي قاله الجمهور.
      قوله (فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ ثُمَّ أَفْطَرَ) فيه: دليل لمذهب الجمهور: أن الصوم والفطر جائزان.
      وفيه: أن المسافر له أن يصوم بعض رمضان دون بعض، ولا يلزمه بصوم بعضه إتمامه.
      وقد غلط بعض العلماء في فهم هذا الحديث، فتوهم أن الكديد وكراع الغميم قريب من المدينة، وأن قوله: فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ وَكُرَاعَ الْغَمِيمِ، كان في اليوم الذي خرج فيه من المدينة، فزعم أنه خرج من المدينة صائما، فلما بلغ كراع الغميم في يومه أفطر في نهاره، واستدل به هذا القائل على أنه إذا سافر بعد طلوع الفجر صائما له أن يفطر في يومه، ومذهب الشافعي والجمهور: أنه لا يجوز الفطر في ذلك اليوم، وإنما يجوز لمن طلع عليه الفجر في السفر، واستدلال هذا القائل بهذا الحديث من العجائب الغريبة، لأن الكديد وكراع الغميم على سبع مراحل أو أكثر من المدينة، والله أعلم.
      قوله (وَكَانَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّبِعُونَ الْأَحْدَثَ فَالْأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هذا محمول على ما علموا منه النسخ أو رجحان الثاني مع جوازهما، وإلا فقد طاف صلى الله عليه وسلم على بعيره، وتوضأ مرة مرة، ونظائر ذلك من الجائزات التي عملها مرة أو مرات قليلة، لبيان جوازها وحافظ على الأفضل منها.

      قوله: (قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَصَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفْطَرَ، مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ) فيه: دلالة لمذهب الجمهور في جواز الصوم والفطر جميعا.

      قوله: (فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ) هكذا هو مكرر مرتين، وهذا محمول على من تضرر بالصوم، أو أنهم أمروا بالفطر أمرا جازما لمصلحة بيان جوازه، فخالفوا الواجب، وعلى التقديرين لا يكون الصائم اليوم في السفر عاصيا إذا لم يتضرر به.

      ويؤيد التأويل الأول قوله في الرواية الثانية:(إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ).

      قوله: (
      كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَرَأَى رَجُلًا قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسَ وَقَدْ ظَلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَهُ؟ قَالُوا: رَجُلٌ صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ).
      معناه: إذا شق عليكم وخفتم الضرر، وسياق الحديث يقتضي هذا التأويل، وهذه الرواية مبينة للروايات المطلقة: (لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ) ومعنى الجميع فيمن تضرر بالصوم.
      قوله في حديث محمد بن رافع: (فَصَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ).

      ثم ذكر عن أبي سعيد قال: (غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسِتَّ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ ).

      وفي رواية: (لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ) وفي رواية (فِي ثِنْتَيْ عَشْرَةَ) وفي رواية (لِسَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ تِسْعَ عَشْرَةَ).
      والمشهور في كتب المغازي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة الفتح من المدينة لعشر خلون من رمضان، ودخلها لتسع عشرة خلت منه، ووجه الجمع بين هذه الروايات أن2.

      قوله: (فَتَحَزَّمَ الْمُفْطِرُونَ) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا: فَتَحَزَّمَ بالحاء المهملة والزاي، وكذا نقله القاضي عن أكثر رواة صحيح مسلم، قال: ووقع لبعضهم: فَتَخَدَّمَ بالخاء المعجمة والدال. قال: وادّعوْا أنه صواب الكلام، لأنهم كانوا يخدمون.
      قال القاضي: والأول صحيح أيضا، ولصحته ثلاثة أوجه:
      أحدها: معناه: شدوا أوساطهم للخدمة.
      والثاني: أنه استعارة للاجتهاد في الخدمة، ومنه: إذا دخل العشر اجتهد وشد المئزر.
      والثالث: أنه من الحزم، وهو الاحتياط والأخذ بالقوة، والاهتمام بالمصلحة.


      قوله: (وَهُوَ مَكْثُورٌ عَلَيْهِ) أي: عنده كثيرون من الناس.

      قوله في حديث حمزة بن عمرو الأسلمي: (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ صُمْ إِنْ شِئْتَ وَأَفْطِرْ إِنْ شِئْتَ) فيه: دلالة لمذهب الجمهور: أن الصوم والفطر جائزان، وأما الأفضل منهما فحكمه ما سبق في أول الباب.
      وفيه: دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه أن صوم الدهر وسرده غير مكروه لمن لا يخاف منه ضررا، ولا يفوت به حقا بشرط فطر يومي العيدين والتشريق، لأنه أخبر بسرده ولم ينكر عليه، بل أقره عليه، وأذن له فيه في السفر، ففي الحضر أولى.
      وهذا محمول على أن حمزة بن عمرو كان يطيق السرد بلا ضرر ولا تفويت حق.

      كما قال في الرواية التي بعدها: (أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ).
      وأما إنكاره صلى الله عليه وسلم على بن عمرو بن العاصي صوم الدهر فلأنه علم صلى الله عليه وسلم أنه سيضعف عنه، وهكذا جرى، فإنه ضعف في آخر عمره، وكان يقول: يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان صلى الله عليه وسلم يحب العمل الدائم وإن قل، ويحثهم عليه.
      قوله: (عَنْ أَبِي مُرَاوِحِِ) هو بضم الميم وكسر الواو وبالحاء المهملة واسمه سعد.


      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
      1 -
      الميل = 1.6 كيلومتر.
      الفرسخ = 3 أميال = 4.8 كيلومتر.
      البريد = 4 فراسخ = 12 ميلا = 19.2 كيلومتر.
      إذن:
      4 برد = 16 فرسخا = 48 ميلا = 76.8 كيلومتر.

      2 - جاءت في النسخ الخطية أن "بياض في أصل المصنف".
      التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 23-Apr-2021, 08:49 PM.

      تعليق


      • #18
        حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِى النَّضْرِ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ: أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِى صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ، فَشَرِبَهُ.

        وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى عَمْرٌو أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ أَنَّ عُمَيْرًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ الْفَضْلِ رضى الله عنها تَقُولُ: شَكَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَنَحْنُ بِهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَعْبٍ فِيهِ لَبَنٌ، وَهُوَ بِعَرَفَةَ فَشَرِبَهُ.

        وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ النَّاسَ شَكُّوا فِى صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ مَيْمُونَةُ بِحِلاَبِ اللَّبَنِ، وَهُوَ وَاقِفٌ فِى الْمَوْقِفِ، فَشَرِبَ مِنْهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ.



        ---------------------------------------------


        باب اسْتِحْبَابِ الْفِطْرِ لِلْحَاجِّ بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَةَ

        مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وجمهور العلماء: استحباب فطر يوم عرفة بعرفة للحاج، وحكاه بن المنذر عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان بن عفان وبن عمر والثوري. قال: وكان بن الزبير وعائشة يصومانه، وروي عن عمر بن الخطاب وعثمان بن أبي العاصي وكان إسحاق يميل إليه وكان عطاء يصومه في الشتاء دون الصيف، وقال قتادة: لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء.
        واحتج الجمهور بفطر النبي صلى الله عليه وسلم فيه، ولأنه أرفق بالحاج في آداب الوقوف ومهمات المناسك، واحتج الآخرون بالأحاديث المطلقة أن صوم عرفة كفارة سنتين، وحمله الجمهور على من ليس هناك.

        قوله: (إِنَّ أُمَّ الْفَضْلِ امْرَأَةَ الْعَبَّاسِ أَرْسَلَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرٍ بِعَرَفَةَ فَشَرِبَهُ) فيه فوائد: منها: استحباب الفطر للواقف بعرفة1.
        ومنها: استحباب الوقوف راكبا، وهو الصحيح في مذهبنا، ولنا قول: أن غير الركوب أفضل، وقول: أنهما سواء.
        ومنها: جواز الشرب قائما وراكبا.
        ومنها: إباحة الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم.
        ومنها: قبول هدية المرأة المزوجة الموثوق بدينها، ولا يشترط أن يسأل هل هو من مالها أم من مال زوجها؟ وأنه أذن فيه أم لا؟ إذا كانت موثوقا بدينها.
        ومنها أن تصرف المرأة في مالها جائز، ولا يشترط إذن الزوج، سواء تصرفت في الثلث أو أكثر، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال مالك: لا تتصرف فيما فوق الثلث إلا باذنه، وهو موضع الدلالة من الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يسأل هل هو من مالها، ويخرج من الثلث، أو بإذن الزوج أم لا؟ ولو اختلف الحكم لسأل.

        قوله: (عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ).
        وفي روايتين: (مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ).
        وفي رواية: (مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ).

        وقال البخاري وغيره من الأئمة: هو مولى أم الفضل، ويقال: مولى ابن عباس، فالظاهر أنه مولى أم الفضل حقيقة، ويقال له: مولى ابن عباس، لملازمته له، وأخذه عنه، وانتمائه إليه، كما قالوا في أبي مرة: مولى أم هانيء بنت أبي طالب، يقولون أيضا: مولى عقيل بن أبي طالب، قالوا: لِلُزُومِهِ إياه، وانتمائه إليه، وقريب منه مقسم مولى بن عباس، للزومه إياه.

        قوله (فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ مَيْمُونَةُ بِحِلَابِ اللَّبَنِ) هو بكسر الحاء المهملة، وهو الإناء الذي يحلب فيه، ويقال له: المِحْلَبُ بكسر الميم.



        ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
        1 - قال الإمام ابن القيّم رحمه الله في زاد المعاد:
        الفطر في السفر أفضل في فرض الصوم، فكيف بنفله.
        ..
        قال: وكان شيخنا يعني ابن تيميّة رحمه الله يسلك مسلكًا آخر، وهو أنه يوم عيد لأهل عرفة؛ لاجتماعهم فيه، كاجتماع الناس يوم العيد، وهذا الاجتماع يختصّ بمن بعرفة دون أهل الآفاق، قال: وقد أشار النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى هذا في الحديث الذي رواه أهل "السنن": "يومُ عرفة، ويوم النحر، وأيام منى عيدنا أهلَ الإسلام"، ومعلوم أن كونه عيدًا هو لأهل ذلك الجمع؛ لاجتماعهم فيه، والله أعلم. انتهى.

        التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 24-Apr-2021, 06:31 PM.

        تعليق


        • #19
          حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ، قَالَ: مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ.

          وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالاَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِى أَوَّلِ الْحَدِيثِ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ وَقَالَ فِى آخِرِ الْحَدِيثِ: وَتَرَكَ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، كَرِوَايَةِ جَرِيرٍ.

          حَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها: أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ كَانَ يُصَامُ فِى الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ.

          حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِصِيَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ، كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ.

          حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ جَمِيعًا عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ ابْنُ رُمْحٍ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ: أَنَّ عِرَاكًا أَخْبَرَهُ: أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِصِيَامِهِ، حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْهُ.

          حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضى الله عنهما: أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَامَهُ وَالْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ.

          وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما: أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَانَ يَوْمًا يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ كَرِهَ فَلْيَدَعْهُ.

          حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الْوَلِيدِ يَعْنِى ابْنَ كَثِيرٍ حَدَّثَنِى نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضى الله عنهما حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِى يَوْمِ عَاشُورَاءَ: إِنَّ هَذَا يَوْمٌ كَانَ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ.
          وكَانَ عَبْدُ اللَّهِ رضى الله عنه لاَ يَصُومُهُ، إِلاَّ أَنْ يُوَافِقَ صِيَامَهُ.

          وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِىُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ الْعَسْقَلاَنِىُّ حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضى الله عنهما قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: ذَاكَ يَوْمٌ كَانَ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ.

          حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ جَمِيعًا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: دَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَتَغَدَّى فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ادْنُ إِلَى الْغَدَاءِ، فَقَالَ: أَوَلَيْسَ الْيَوْمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ؟ قَالَ: وَهَلْ تَدْرِى مَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ يَوْمٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ، قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فَلَمَّا نَزَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ تُرِكَ.
          وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ تَرَكَهُ.

          وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ قَالاَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ وَقَالاَ: فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تَرَكَهُ.

          وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِى زُبَيْدٌ الْيَامِىُّ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَكَنٍ: أَنَّ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهُوَ يَأْكُلُ فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ادْنُ فَكُلْ، قَالَ: إِنِّى صَائِمٌ، قَالَ: كُنَّا نَصُومُهُ ثُمَّ تُرِكَ.

          وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: دَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَأْكُلُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تُرِكَ، فَإِنْ كُنْتَ مُفْطِرًا فَاطْعَمْ.

          حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِى الشَّعْثَاءِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِى ثَوْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضى الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَيَحُثُّنَا عَلَيْهِ، وَيَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا، وَلَمْ يَتَعَاهَدْنَا عِنْدَهُ.

          حَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ: خَطِيبًا بِالْمَدِينَةِ، يَعْنِى فِى قَدْمَةٍ قَدِمَهَا، خَطَبَهُمْ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِهَذَا الْيَوْمِ: هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُفْطِرَ فَلْيُفْطِرْ.

          وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ بِهَذَا الإِسْنَادِ: سَمِعَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِى مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ: إِنِّى صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ بَاقِىَ حَدِيثِ مَالِكٍ وَيُونُسَ.

          حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِى بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِى أَظْهَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَأَمَرَ بِصَوْمِهِ.

          وَحَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِى تَصُومُونَهُ؟ فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.

          وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِى عُمَيْسٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِى مُوسَى رضى الله عنه قَالَ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ، وَتَتَّخِذُهُ عِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صُومُوهُ أَنْتُمْ.

          وَحَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ أَخْبَرَنِى قَيْسٌ فَذَكَرَ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
          وَزَادَ: قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: فَحَدَّثَنِى صَدَقَةُ بْنُ أَبِى عِمْرَانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِى مُوسَى رضى الله عنه قَالَ: كَانَ أَهْلُ خَيْبَرَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، يَتَّخِذُونَهُ عِيدًا، وَيُلْبِسُونَ نِسَاءَهُمْ فِيهِ حُلِيَّهُمْ وَشَارَتَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَصُومُوهُ أَنْتُمْ.

          حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى يَزِيدَ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما، وَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: مَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَامَ يَوْمًا يَطْلُبُ فَضْلَهُ عَلَى الأَيَّامِ إِلاَّ هَذَا الْيَوْمَ، وَلاَ شَهْرًا إِلاَّ هَذَا الشَّهْرَ، يَعْنِى رَمَضَانَ.


          وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ حَاجِبِ بْنِ عُمَرَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الأَعْرَجِ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ فِى زَمْزَمَ، فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِى عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَ هِلاَلَ الْمُحَرَّمِ، فَاعْدُدْ وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا، قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ، قَالَ: نَعَمْ.

          وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِى إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّىَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

          وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالاَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ ابْنِ أَبِى ذِئْبٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ لَعَلَّهُ قَالَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ.
          وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ قَالَ يَعْنِى يَوْمَ عَاشُورَاءَ.

          حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ يَعْنِى ابْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضى الله عنه أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِى النَّاسِ: مَنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ إِلَى اللَّيْلِ.

          وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِىُّ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ بْنِ لاَحِقٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتِى حَوْلَ الْمَدِينَةِ: مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ.
          فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ، أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ.

          وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ الْعَطَّارُ عَنْ خَالِدِ بْنِ ذَكْوَانَ قَالَ: سَأَلْتُ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذٍ عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ قَالَتْ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رُسُلَهُ فِى قُرَى الأَنْصَارِ، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ بِشْرٍ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: وَنَصْنَعُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَنَذْهَبُ بِهِ مَعَنَا، فَإِذَا سَأَلُونَا الطَّعَامَ، أَعْطَيْنَاهُمُ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ، حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمَهُمْ.




          ---------------------------------------------
          باب صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ


          اتفق العلماء على أن صوم عاشوراء اليوم سنة ليس بواجب، واختلفوا في حكمه في أول الإسلام حين شرع صومه قبل صوم رمضان، فقال أبو حنيفة: كان واجبا.
          واختلف أصحاب الشافعي فيه على وجهين مشهورين: أشهرهما عندهم: أنه لم يزل سنة من حين شرع، ولم يكن واجبا قط في هذه الأمة، ولكنه كان متأكد الاستحباب، فلما نزل صوم رمضان صار مستحبا دون ذلك الاستحباب، والثاني: كان واجبا، كقول أبي حنيفة.
          وتظهر فائدة الخلاف في اشتراط نية الصوم الواجب من الليل، فأبو حنيفة لا يشترطها، ويقول: كان الناس مفطرين أول يوم عاشوراء ثم أمروا بصيامه بنية من النهار، ولم يؤمروا بقضائه بعد صومه، وأصحاب الشافعي يقولون: كان مستحبا فصح بنية من النهار.

          ويتمسك أبو حنيفة بقوله: (أَمَرَ بِصِيَامِهِ) والأمر للوجوب، وبقوله (فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ، قَالَ: "مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ")، ويحتج الشافعية بقوله (هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ).
          والمشهور في اللغة: أن عَاشُورَاءَ وتَاسُوعَاءَ ممدودان، وحكي قصرهما.
          قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ) معناه: أنه ليس متحتما، فأبو حنيفة يقدره ليس بواجب، والشافعية يقدرونه ليس متأكدا أكمل التأكيد، وعلى المذهبين فهو سنة مستحبة الآن، من حين قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام.
          قال القاضي عياض: وكان بعض السلف يقول: كان صوم عاشوراء فرض، وهو باق على فرضيته لم ينسخ. قال: وانقرض القائلون، بهذا وحصل الإجماع على أنه ليس بفرض، وإنما هو مستحب، وروي عن بن عمر كراهة قصد صومه وتعيينه بالصوم.
          والعلماء مجمعون على استحبابه وتعيينه، للأحاديث، وأما قول بن مسعود: كنا نصومه، ثم ترك، فمعناه: أنه لم يبق كما كان من الوجوب، أوتأكد الندب.

          قوله في حديث قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح: (إِنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيَامِهِ حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ) ضبطوا أَمَرَ هنا بوجهين أظهرهما: بفتح الهمزة والميم، والثاني بضم الهمزة وكسر الميم، ولم يذكر القاضي عياض غيره.

          وأما قول معاوية: (أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ) إلى آخره، فظاهره أنه سمع من يوجبه أو يحرمه أو يكرهه، فأراد إعلامهم بأنه ليس بواجب ولا محرم ولا مكروه، وخطب به في ذلك المجمع العظيم ولم ينكر عليه.
          قوله عن معاوية: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِهَذَا الْيَوْمِ هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُفْطِرَ فَلْيُفْطِرْ) هذا كله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا جاء مبينا في رواية النسائي.

          قوله: (فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ).
          وفي رواية: (فَسَأَلَهُمْ) المراد بالروايتين: أمر من سألهم، والحاصل من مجموع الأحاديث أن يوم عاشوراء كانت الجاهلية من كفار قريش وغيرهم واليهود يصومونه، وجاء الإسلام بصيامه متأكدا، ثم بقي صومه أخف من ذلك التأكد، والله أعلم.
          قوله (وَيُلْبِسُونَ نِسَاءَهُمْ فِيهِ حُلِيَّهُمْ وَشَارَتَهُمْ) الشَّارَةُ بالشين المعجمة بلا همز، وهي الهيئة الحسنة والجمال، أي: يلبسونهن لباسهم الحسن الجميل، ويقال لها: الشارة والشورة بضم الشين.
          وأما الْحَلْيُ فقال أهل اللغة: هو بفتح الحاء وإسكان اللام مفرد، وجمعه حُِلِيٌّ بضم الحاء وكسرها، والضم أشهر وأكثر، وقد قرئ بهما في السبع، وأكثرهم على الضم، واللام مكسورة والياء مشددة فيهما.

          قوله:إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ وَقَالُوا إِنَّ مُوسَى صَامَهُ وَإِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي نَجَوْا فِيهِ مِنْ فِرْعَوْنَ وَغَرِقَ فِرْعَوْنُ فَصَامَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ وَقَالَ نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْهُمْ).
          قال المازري: خبر اليهود غير مقبول، فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أوحي إليه بصدقهم فيما قالوه، أو تواتر عنده النقل بذلك حتى حصل له العلم به.

          قال القاضي عياض ردا على المازري: قد روى مسلم أن قريشا كانت تصومه، فَلَّمَا قدم المدينة صامه، فلم يحدث له بقول اليهود حكم يحتاج إلى الكلام عليه، وإنما هي صفة حال، وجواب سؤال، فقوله: صَامَهُ ليس فيه أنه ابتدأ صومه حينئذ بقولهم، ولو كان هذا لحملناه على أنه أخبره به من أسلم من علمائهم كابن سلام وغيره.
          قال القاضي: وقد قال قال بعضهم: يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة، ثم ترك صيامه حتى علم ما عند أهل الكتاب فيه فصامه، قال القاضي: وما ذكرناه أولى بلفظ الحديث.
          قلت: المختار قوله المازري، ومختصر ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يصومه كما تصومه قريش في مكة، ثم قدم المدينة فوجد اليهود يصومونه فصامه أيضا بوحي، أو تواتر، أو اجتهاد، لا بمجرد أخبار آحادهم، والله أعلم.

          قوله (عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هُوَ تَاسِعُ الْمُحَرَّمِ وَأَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).

          وفي الرواية الأخرى: (عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ، قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
          هذا تصريح من بن عباس بأن مذهبه، أن عاشوراء هو اليوم التاسع من المحرم، ويتأوله على أنه مأخوذ من إظماء الإبل، فإن العرب تسمي اليوم الخامس من أيام الورد ربعا، وكذا باقي الأيام على هذه النسبة فيكون التاسع عشرا.
          وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف: إلى أن عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم، وممن قال ذلك: سعيد بن المسيب والحسن البصري ومالك وأحمد وإسحاق وخلائق وهذا ظاهر الأحاديث ومقتضى اللفظ.
          وأما تقدير أخذه من الاظماء فبعيد، ثم ان حديث بن عباس الثاني يرد عليه، لأنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء، فذكروا أن اليهود والنصارى، تصومه فقال: إنه في العام المقبل يصوم التاسع، وهذا تصريح بأن الذي كان يصومه ليس هو التاسع، فتعين كونه العاشر.
          قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون: يستحب صوم التاسع والعاشر جميعا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر، ونوى صيام التاسع، وقد سبق في صحيح مسلم في كتاب الصلاة من رواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم.
          قال بعض العلماء: ولعل السبب في صوم التاسع مع العاشر أن لا يتشبه باليهود في إفراد العاشر، وفي الحديث: إشارة إلى هذا، وقيل للاحتياط في تحصيل عاشوراء، والأول أولى، والله أعلم.

          قوله: (مَنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ إِلَى اللَّيْلِ).

          وفي رواية: (مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ).

          معنى الروايتين: أن من كان نوى الصوم فليتم صومه، ومن كان لم ينو الصوم ولم يأكل، أو أكل فليمسك بقية يومه، حرمة لليوم، كما لو أصبح يوم الشك مفطرا، ثم ثبت أنه من رمضان، يجب إمساك بقية يومه حرمة لليوم.
          واحتج أبو حنيفة بهذا الحديث لمذهبه: أن صوم رمضان وغيره من الفرض يجوز بنية من النهار، ولا يشترط تبييتها، قال: لأنهم نووا في النهار وأجزأهم.
          قال الجمهور: لا يجوز رمضان ولا غيره من الصوم الواجب إلا بنية من الليل، وأجابوا عن هذا الحديث: بأن المراد إمساك بقية النهار لا حقيقة الصوم، الدليل على هذا أنهم أكلوا ثم أمروا بالإتمام، وقد وافق أبو حنيفة وغيره على أن شرط إجزاء النية في النهار في الفرض والنفل أن لا يتقدمها مفسد للصوم من أكل أو غيره.
          وجواب آخر: أن صوم عاشوراء لم يكن واجبا عند الجمهور، كما سبق في أول الباب، وإنما كان سنة متأكدة.
          وجواب ثالث: أنه ليس فيه أنه يجزيهم ولا يقضونه، بل لعلهم قضوه، وقد جاء في سنن أبي داود في هذا الحديث: فأتموا بقية يوم واقضوه.

          قوله: (اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ) هو الصوف مطلقا، وقيل: الصوف المصبوغ.
          قوله: (فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ).
          هكذا هو في جميع النسخ: عِنْدَ الْإِفْطَارِ، قال القاضي: فيه محذوف، وصوابه: حتى يكون عند الإفطار، فبهذا يتم الكلام، وكذا وقع في البخاري من رواية مسدد، وهو معنى ما ذكره مسلم في الرواية الأخرى:

          فَإِذَا سَأَلُونَا الطَّعَامَ أَعْطَيْنَاهُمُ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمَهُمْ).
          وفي هذا الحديث: تمرين الصبيان على الطاعات، وتعويدهم العبادات، ولكنهم ليسوا مكلفين، قال القاضي: وقد روي عن عروة أنهم متى أطاقوا الصوم وجب عليهم، وهذا غلط مردود بالحديث الصحيح: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وفي رواية يَبْلُغَ، والله أعلم.
          التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 26-Apr-2021, 06:50 PM.

          تعليق


          • #20
            وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِى عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ أَنَّهُ قَالَ: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضى الله عنه فَجَاءَ فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صِيَامِهِمَا، يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالآخَرُ يَوْمٌ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ.

            وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الأَضْحَى، وَيَوْمِ الْفِطْرِ.

            حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ ابْنُ عُمَيْرٍ عَنْ قَزَعَةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ رضى الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ مِنْهُ حَدِيثًا فَأَعْجَبَنِ،ى فَقُلْتُ لَهُ: آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: فَأَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ أَسْمَعْ؟ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لاَ يَصْلُحُ الصِّيَامُ فِى يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الأَضْحَى، وَيَوْمِ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ.

            وَحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضى الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ النَّحْرِ.

            وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما فَقَالَ: إِنِّى نَذَرْتُ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا، فَوَافَقَ يَوْمَ أَضْحَى، أَوْ فِطْرٍ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضى الله عنهما: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِوَفَاءِ النَّذْرِ، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ.

            وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَتْنِى عَمْرَةُ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمَيْ:نِ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ الأَضْحَى.


            ---------------------------------------------

            بَابُ تَحْرِيمِ صَوْمِ يَوْمَيِ الْعِيدَيْنِ

            فيه: (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى، وَعَنِ ابن عُمَرَ نَحْوُهُ).
            وقد أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال، سواء صامهما عن نذر أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك، ولو نذر صومهما متعمدا لعينهما، قال الشافعي والجمهور: لا ينعقد نذره ولا يلزمه قضاؤهما، وقال أبو حنيفة: ينعقد، ويلزمه قضاؤهما، قال: فإن صامهما أجزاه، وخالف الناس كلهم في ذلك.

            قوله: (شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَجَاءَ فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صِيَامِهِمَا).
            فيه: تقديم صلاة العيد على خطبته، وقد سبق بيانه واضحا في بابه.
            وفيه: تعليم الإمام في خطبته ما يتعلق بذلك العيد من أحكام الشرع من مأمور به ومنهي عنه.
            قوله: (يَوْمَ فِطْرِكُمْ) أي: أحدهما يوم فطركم.

            قوله: (جاء رجل إلى ابن عُمَرَ فَقَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا، فوافق يوم أضحى أو فطر، فقال ابن عُمَرَ: أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ، وَنَهَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ هذا اليوم).
            معناه: أن ابن عمر توقف عن الجزم بجوابه، لتعارض الأدلة عنده، وقد اختلف العلماء فيمن نذر صوم العيد مُعَيِّنََا كما قدمناه قريبا، وأما هذا الذي نذر صوم يوم الاثنين مثلا فوافق يوم العيد، فلا يجوز له صوم العيد بالإجماع، وهل يلزمه قضاؤه؟ فيه خلاف للعلماء، وفيه للشافعي قولان: أصحهما: لا يجب قضاؤه، لأن لفظه لم يتناول القضاء، وإنما يجب قضاء الفرائض بأمر جديد على المختار عند الأصوليين، وكذلك لو صادف أيام التشريق لا يجب قضاؤه في الأصح، والله أعلم.
            ويحتمل أن ابن عمر عرض له بأن الاحتياط لك القضاء، لتجمع بين أمر الله تعالى، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

            تعليق


            • #21
              وَحَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِى الْمَلِيحِ عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ.

              حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ يَعْنِى ابْنَ عُلَيَّةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ حَدَّثَنِى أَبُو قِلاَبَةَ عَنْ أَبِى الْمَلِيحِ عَنْ نُبَيْشَةَ قَالَ خَالِدٌ: فَلَقِيتُ أَبَا الْمَلِيحِ، فَسَأَلْتُهُ، فَحَدَّثَنِى بِهِ، فَذَكَرَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِ حَدِيثِ هُشَيْمٍ، وَزَادَ فِيهِ: وَذِكْرٍ لِلَّهِ.

              وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ وَأَوْسَ بْنَ الْحَدَثَانِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، فَنَادَى: أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ.


              ---------------------------------------------

              باب تَحْرِيمِ صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ،
              وَبَيَانُ أَنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ، وَشُرْبٍ، وَذِكْرٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

              قوله صلى الله عليه وسلم: (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ).
              وفي رواية: (وَذِكْرٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ).
              وفي رواية (أَيَّامُ مِنًى).
              وفيه: دليل لمن قال: لا يصح صومها بحال، وهو أظهر القولين في مذهب الشافعي، وبه قال أبو حنيفة، وابن المنذر، وغيرهما، وقال جماعة من العلماء: يجوز صيامها لكل أحد تطوعا وغيره، حكاه ابن المنذر عن الزبير بن العوام وبن عمر وبن سيرين.
              وقال مالك والأوزاعي وإسحاق والشافعي في أحد قوليه: يجوز صومها للمتمتع إذا لم يجد الهدي، ولا يجوز لغيره، واحتج هؤلاء بحديث البخاري في صحيحه عن ابن عمر، وعائشة قالا: لَمْ يُرَخِّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ.
              وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ: ثلاثة بعد يوم النحر، سميت بذلك لتشريق الناس لحوم الأضاحي فيها، وهو تقديدها ونشرها في الشمس.
              وفي الحديث: استحباب الإكثار من الذكر في هذه الأيام من التكبير وغيره.

              قوله: (عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ) هو بضم النون: وفتح الباء الموحدة، وبالشين المعجمة، وهو نُبَيْشَةُ بن عمرو بن عوف بن سلمة.


              تعليق


              • #22
                حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنهما، وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ: أَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ.

                وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا حَفْصٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَاللَّفْظُ لَهُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِلاَّ أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ، أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ.

                وَحَدَّثَنِى أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ يَعْنِى الْجُعْفِىَّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِى، وَلاَ تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِى صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ.


                ---------------------------------------------
                (بَابُ كَرَاهَةِ إِفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِصَوْمٍ لَا يُوَافِقُ عَادَتَهُ)

                قوله: (سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ: أَنَهَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ).

                وفي رواية أبي هريرة: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ).

                وفي رواية: (لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ).
                هكذا وقع في الأصول: تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بإثبات تاء في الأول بين الخاء والصاد وبحذفها في الثاني، وهما صحيحان.
                وفي هذه الأحاديث: الدلالة الظاهرة لقول جمهور أصحاب الشافعي وموافقيهم، أنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم إلا أن يوافق عادة له، فإن وصله بيوم قبله أو بعده، أو وافق عادة له بأن نذر أن يصوم يوم شفاء مريضه أبدا، فوافق يوم الجمعة لم يكره، لهذه الأحاديث.
                وأما قول مالك في الموطأ: لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه، ومن يقتدى به نهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامه حسن، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه، وأراه كان يتحراه.
                فهذا الذي قاله هو الذي رآه، وقد رأى غيره خلاف ما رأى هو، والسنة مقدمة على ما رآه هو وغيره، وقد ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة، فيتعين القول به، ومالك معذور، فإنه لم يبلغه، قال الداودي من أصحاب مالك: لم يبلغ مالكا هذا الحديث، ولو بلغه لم يخالفه.
                قال العلماء: والحكمة في النهي عنه: أن يوم الجمعة يوم دعاء، وذكر، وعبادة، من الغسل، والتبكير إلى الصلاة، وانتظارها، واستماع الخطبة، وإكثار الذكر بعدها، لقول الله تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشَرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كثيرا) وغير ذلك من العبادات في يومها.
                فاستحب الفطر فيه، فيكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط وانشراح لها، والتذاذ بها من غير ملل ولا سآمة، وهو نظير الحاج يوم عرفة بعرفة، فإن السنة له الفطر كما سبق تقريره لهذه الحكمة.
                فإن قيل: لو كان كذلك لم يزل النهي والكراهة بصوم قبله أو بعده لبقاء المعنى، فالجواب: أنه يحصل له بفضيلة الصوم الذي قبله أو بعده ما يجبر ما قد يحصل من فتور أو تقصير في وظائف يوم الجمعة بسبب صومه، فهذا هو المعتمد في الحكمة في النهي عن إفراد صوم الجمعة.
                وقيل: سببه خوف المبالغة في تعظيمه، بحيث يفتتن به كما افتتن قوم بالسبت، وهذا ضعيف منتقض بصلاة الجمعة وغيرها مما هو مشهور من وظائف يوم الجمعة وتعظيمه.
                وقيل: سبب النهي لئلا يعتقد وجوبه، وهذا ضعيف منتقض بيوم الاثنين فإنه يندب صومه ولا يلتفت إلى هذا الاحتمال البعيد، وبيوم عرفة، ويوم عاشوراء، وغير ذلك، فالصواب ما قدمنا، والله أعلم.
                وفي هذا الحديث: النهي الصريح عن تخصيص ليلة الجمعة بصلاة من بين الليالي، ويومها بصوم كما تقدم، وهذا متفق على كراهيته، واحتج به العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب قاتل الله واضعها ومخترعها، فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة، وفيها منكرات ظاهرة، وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها، ودلائل قبحها وبطلانها وتضلل فاعلها أكثر من أن تحصر، والله أعلم.

                تعليق


                • #23
                  حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا بَكْرٌ يَعْنِى ابْنَ مُضَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى سَلَمَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضى الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِىَ، حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِى بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا.

                  حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِىُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضى الله عنه أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا فِى رَمَضَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ فَافْتَدَى بِطَعَامِ مِسْكِينٍ، حَتَّى أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).



                  ---------------------------------------------
                  باب بَيَانِ نَسْخِ قَوْلِ الله تَعَالَى:
                  (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينِِ)

                  قوله : (عَنْ سَلَمَةَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ، حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا).
                  وفي رواية: (قَالَ: كُنَّا فِي رَمَضَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ فَافْتَدَى بِطَعَامِ مِسْكِينٍ، حَتَّى أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشهر فليصمه)).

                  قال القاضي عياض: اختلف السلف في الأولى هل هي محكمة، أو مخصوصة، أو منسوخة كلها، أو بعضها؟ فقال الجمهور: منسوخة، كقول سلمة، ثم اختلفوا هل بقي منها ما لم ينسخ؟
                  فروي عن ابن عمر، والجمهور أن حكم الإطعام باق على من لم يطق الصوم لكبر.
                  وقال جماعة من السلف، ومالك وأبو ثور، وداود: جميع الإطعام منسوخ: وليس على الكبير إذا لم يطق الصوم إطعام، واستحبه له مالك.
                  وقال قتادة: كانت الرخصة لكبير يقدر على الصوم، ثم نسخ فيه، وبقي فيمن لا يطيق.
                  وقال بن عباس وغيره: نزلت في الكبير والمريض اللذين لا يقدران على الصوم، فهي عنده محكمة، لكن المريض يقضي إذا برأ، وأكثر العلماء على أنه لا إطعام على المريض.
                  وقال زيد بن أسلم والزهري ومالك: هي محكمة، ونزلت في المريض يفطر ثم يبرأ، ولا يقضي حتى يدخل رمضان آخر، فيلزمه صومه ثم يقضي بعد ما أفطر، ويطعم عن كل يوم مدا من حنطة، فأما من اتصل مرضه برمضان الثاني فليس عليه إطعام، بل عليه القضاء فقط.
                  وقال الحسن البصري وغيره: الضمير في (يُطِيقُونَهُ) عائد على الإطعام لا على الصوم، ثم نسخ ذلك، فهي عنده عامة.
                  ثم جمهور العلماء على أن الإطعام عن كل يوم مد، وقال أبو حنيفة: مدان، ووافقه صاحباه، وقال أشهب المالكي: مد وثلث لغير أهل المدينة.
                  ثم جمهور العلماء أن المرض المبيح للفطر هو ما يشق معه الصوم، وأباحه بعضهم لكل مريض، هذا آخر كلام القاضي.
                  التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 29-Apr-2021, 07:17 PM.

                  تعليق


                  • #24
                    حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضى الله عنها، تَقُولُ: كَانَ يَكُونُ عَلَىَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلاَّ فِى شَعْبَانَ، الشُّغُلُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

                    وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: فَظَنَنْتُ أَنَّ ذَلِكَ لِمَكَانِهَا مِنَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. يَحْيَى يَقُولُهُ.

                    وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُمَرَ الْمَكِّىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِىُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: إِنْ كَانَتْ إِحْدَانَا لَتُفْطِرُ فِى زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَقْضِيَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى يَأْتِىَ شَعْبَانُ.



                    ---------------------------------------------
                    باب جَوَازِ تَأْخِيرِ قضاء رمضان ما لم يجيء رَمَضَانُ آخَرُ،
                    لِمَنْ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ، كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ وَحَيْضٍ
                    وَنَحْوِ ذَلِكَ

                    قوله عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا في شَعْبَانَ، الشُّغُلُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ بِرَسُولِ اللَّهِ).
                    وفي رواية: (قَالَتْ: إِنْ كَانَتْ إِحْدَانَا لَتُفْطِرُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَقْضِيَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ).

                    هكذا هو في النسخ: (الشُّغُلُ) بالألف واللام مرفوع، أي: يمنعني الشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعني بـ(الشُّغُلُ)، وبقولها في الحديث الثاني: فَمَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَقْضِيَهُ أن كل واحدة منهن كانت مهيئة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مترصدة لاستمتاعه في جميع أوقاتها إن أراد ذلك، ولا تدري متى يريده، ولم تستأذنه في الصوم مخافة أن يأذن، وقد يكون له حاجة فيها فتفوتها عليه، وهذا من الأدب.
                    وقد اتفق العلماء على أن المرأة لا يحل لها صوم التطوع وزوجها حاضر إلا بإذنه، لحديث أبي هريرة السابق في صحيح مسلم في كتاب الزكاة، وإنما كانت تصومه في شعبان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم معظم شعبان فلا حاجة له فيهن حينئذ في النهار، ولأنه إذا جاء شعبان يضيق قضاء رمضان، فإنه لا يجوز تأخيره عنه.
                    ومذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وجماهير السلف والخلف: أن قضاء رمضان في حق من أفطر بعذر كحيض وسفر يجب على التراخي، ولا يشترط المبادرة به في أول الإمكان، لكن قالوا: لا يجوز تأخيره عن شعبان الآتي، لأنه يؤخره حينئذ إلى زمان لا يقبله وهو رمضان الآتي، فصار كمن أخره إلى الموت.
                    وقال داود: تجب المبادرة به في أول يوم بعد العيد من شوال، وحديث عائشة هذا يرد عليه.
                    قال الجمهور: ويستحب المبادرة به للاحتياط فيه، فإن أخره فالصحيح عند المحققين من الفقهاء وأهل الأصول أنه يجب العزم على فعله، وكذلك القول في جميع الواجب الموسع، إنما يجوز تأخيره بشرط العزم على فعله، حتى لو أخره بلا عزم عصى، وقيل: لا يشترط العزم.
                    وأجمعوا أنه لو مات قبل خروج شعبان لزمه الفدية في تركه، عن كل يوم مد من طعام، هذا إذا كان تمكن من القضاء فلم يقض، فأما من أفطر في رمضان بعذر ثم اتصل عجزه فلم يتمكن من الصوم حتى مات فلا صوم عليه، ولا يطعم عنه، ولا يصام عنه.
                    ومن أراد قضاء صوم رمضان ندب مرتبا متواليا، فلو قضاه غير مرتب أو مفرقا جاز عندنا وعند الجمهور، لأن اسم الصوم يقع على الجميع، وقال جماعة من الصحابة والتابعين وأهل الظاهر: يجب تتابعه كما يجب الأداء.
                    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 29-Apr-2021, 07:15 PM.

                    تعليق


                    • #25
                      وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى قَالاَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ، صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ.

                      وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّى مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، فَقَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ، أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ.

                      وَحَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِىُّ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّى مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَالَ: لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ، أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى.
                      قَالَ سُلَيْمَانُ: فَقَالَ الْحَكَمُ، وَسَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ جَمِيعًا، وَنَحْنُ جُلُوسٌ حِينَ حَدَّثَ مُسْلِمٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالاَ: سَمِعْنَا مُجَاهِدًا يَذْكُرُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

                      وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِى خَلَفٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ جَمِيعًا عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ عَدِىٍّ قَالَ عَبْدٌ حَدَّثَنِى زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِىٍّ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِى أُنَيْسَةَ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّى مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ، أَكَانَ يُؤَدِّى ذَلِكِ عَنْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَصُومِى عَنْ أُمِّكِ.

                      وَحَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رضى الله عنه قَالَ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنِّى تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّى بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، قَالَ: فَقَالَ: وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: صُومِى عَنْهَا، قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: حُجِّى عَنْهَا.



                      ---------------------------------------------
                      باب قَضَاءِ الصِّيَامِ عَنِ الْمَيِّتِ



                      قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ).
                      وفي رواية ابن عباس: (أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ فَقَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بالقضاء).

                      وفي رواية عن ابن عباس: (جَاءَ رَجُلٌ)، وذكر نحوه.


                      وفي رواية أنها قالت: (إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا، قَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ على أمك دين فقضيتيه أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ).

                      وفي رواية أنها قالت: (قَالَ بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، فَقَالَ: وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: صُومِي عَنْهَا، قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ حُجِّي عَنْهَا).

                      وفي رواية أنها قالت: (صَوْمُ شَهْرَيْنِ).


                      * الشرح:
                      اختلف العلماء فيمن مات وعليه صوم واجب من رمضان، أو قضاء، أو نذر، أو غيره، هل يقضى عنه؟ وللشافعي في المسألة قولان مشهوران:
                      أشهرهما: لا يصام عنه، ولا يصح عن ميت صوم أصلا.
                      والثاني: يستحب لوليه أن يصوم عنه، ويصح صومه عنه، ويبرأ به، الميت ولا يحتاج إلى إطعام عنه، وهذا القول هو الصحيح المختار الذي نعتقده، وهو الذي صححه محققو أصحابنا الجامعون بين الفقه والحديث لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة.
                      وأما الحديث الوارد "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ أُطْعِمَ عَنْهُ"1، فليس بثابت، ولو ثبت أمكن الجمع بينه وبين هذه الأحاديث بأن يحمل على جواز الأمرين، فإن من يقول بالصيام يجوز عنده الإطعام، فثبت أن الصواب المتعين تجويز الصيام، وتجويز الإطعام، والولي مخير بينهما.
                      والمراد بالولي القريب، سواء كان عصبة أو وارثا أو غيرهما، وقيل: المراد الوارث، وقيل: العصبة، والصحيح الأول، ولو صام عنه أجنبي إن كان بإذن الولي صح، وإلا فلا في الأصح، ولا يجب2 على الولي الصوم عنه، لكن يستحب.
                      هذا تلخيص مذهبنا في المسألة، وممن قال به من السلف: طاوس، والحسن البصري، والزهري، وقتادة، وأبو ثور، وبه قال الليث، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد في صوم النذر دون رمضان وغيره، وذهب الجمهور إلى أنه لا يصام عن ميت لا نذر ولا غيره، حكاه بن المنذر: عن ابن عمر، وابن عباس، وعائشة ورواية عن الحسن، والزهري، وبه قال مالك، وأبو حنيفة.
                      قال القاضي عياض وغيره: هو قول جمهور العلماء، وتأولوا الحديث على أنه يطعم عنه وليه، وهذا تأويل ضعيف، بل باطل، وأي ضرورة إليه، وأي مانع يمنع من العمل بظاهره مع تظاهر الأحاديث، مع عدم المعارض لها.
                      قال القاضي، وأصحابنا: وأجمعوا أنه لا يصلى عنه صلاة فائتة، وعلى أنه لا يصام عن أحد في حياته، وإنما الخلاف في الميت، والله أعلم.
                      وأما قول ابن عباس: إِنَّ السَّائِلَ رَجُلٌ، وفي رواية: امْرَأَةٌ، وفي رواية: صَوْمُ شَهْرٍ، وفي رواية: صَوْمُ شَهْرَيْن، فلا تعارض بينهما، فسأل تارة رجل، وتارة امرأة، وتارة عن شهر، وتارة عن شهرين.
                      وفي هذه الأحاديث: جواز صوم الولي عن الميت كما ذكرنا، وجواز سماع كلام المرأة الأجنبية في الاستفتاء ونحوه من مواضع الحاجة، وصحة القياس، لقوله صلى الله عليه وسلم: "فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ".
                      وفيها: قضاء الدين عن الميت، وقد أجمعت الأمة عليه، ولا فرق بين أن يقضيه عنه وارث أو غيره، فيبرأ به بلا خلاف.
                      وفيه: دليل لمن يقول: إذا مات وعليه دين لله تعالى ودين لآدمي وضاق ماله، قدم دين الله تعالى، لقوله صلى الله عليه وسلم: "فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ".
                      وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال للشافعي:
                      أصحها: تقديم دين الله تعالى لما ذكرناه.
                      والثاني: تقديم دين الآدمي، لأنه مبني على الشح والمضايقة.
                      والثالث هما سواء، فيقسم بينهما.
                      وفيه: أنه يستحب للمفتي أن ينبه على وجه الدليل إذا كان مختصرا واضحا، وبالسائل إليه حاجة، أو يترتب عليه مصلحة، لأنه صلى الله عليه وسلم قاس على دين الآدمي، تنبيها على وجه الدليل.
                      وفيه: أن من تصدق بشيء، ثم ورثه لم يكره له أخذه والتصرف فيه، بخلاف ما إذا أراد شراءه، فإنه يكره لحديث فرس عمر رضي الله عنه3.
                      فيه: دلالة ظاهرة لمذهب الشافعي والجمهور، أن النيابة في الحج جائزة عن الميت، والعاجز المأيوس من برئه.
                      واعتذر القاضي عياض عن مخالفة مذهبهم لهذه الأحاديث في الصوم عن الميت والحج عنه، بأنه مضطرب، وهذا عذر باطل، وليس في الحديث اضطراب، وإنما فيه اختلاف جمعنا بينه كما سبق، ويكفي في صحته احتجاج مسلم به في صحيحه، والله أعلم.
                      قوله: (من مُسْلِمٍ الْبَطِينِ)هو بفتح الباء، وكسر الطاء.


                      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
                      1 -
                      *رواه الترمذي في جامعه عن حدثنا قتيبة [بن سعيد أبو رجاء الثقفي ثقة ثبت] قال حدثنا عبثر بن القاسم [أبو زبيد الزبيدي الكوفي، ثقة] عن أشعث [بن سوار الكندي، ضعيف] عن محمد [بن عبد الرحمن الأنصاري، ضعيف] عن نافع [مولى ابن عمر، ثقة ثبت مشهور] عن ابن عمر وقال:
                      حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفٌ قَوْلُهُ،
                      وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَاب، فَقَالَ بَعْضُهُمْ، يُصَامُ عَنِ الْمَيِّتِ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاق، قَالَا: إِذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ نَذْرُ صِيَامٍ يَصُومُ عَنْهُ، وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ أَطْعَمَ عَنْهُ، وقَالَ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، ...

                      إسناده ضعيف وعلته أشعث بن سوار ومحمد بن عبد الرحمن الأنصاري.

                      * ورواه ابن ماجه من طريق قتيبة به إلا أنه عنده محمد بن سرين قال المزي في التحفة: وهو وهم. وقال: ومحمد عندي، هو: ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقال الحافظ في التلخيص الحبير: وهو وهم منه أو من شيخه.

                      * ورواه ابن خزيمة في صحيحه عن عبثر، وقال: هَذَا عِنْدِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَاضِي الْكُوفَةِ.
                      قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: فِي الْقَلْبِ مِنْ هَذَا الإِسْنَادِ.

                      * وروى أبو داود في سننه قال: حدثنا محمد بن كثير [أبو عبد الله البصري، ضعفه العجلي وأبو داود وابن قانع وابن معين، قال أبو حاتم صدوق، وذكره ابن حبان في ثقاته، وقال ابن المديني وأحمد: ثقة، وقال الحافظ: ثقة لم يصب من ضعفه.] قال أخبرنا سفيان [الثوري، الجبل] عن أبي حصين [عثمان بن عاصم بن الحصين، ثقة ثبت] عن سعيد بن جبير [ثقة ثبت] عن ابن عباس قال: إِذَا مَرِضَ الرَّجُلُ فِى رَمَضَانَ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَصُمْ أُطْعِمَ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ.

                      * وروي كذلك عن ابن عباس ما في معناه فقد روى النسائي في الكبرى قال: أبأ محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا يزيد هو ابن زريع قال حدثنا حجاج الأحول قال حدثنا أيوب بن موسى عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: "لا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ".
                      وإسناده صحيح، ورواه كذلك ميمون بن مهران عن ابن عباس كما في السنن الكبير للبيهقي.

                      قال العلامة الأثيوبي: الآثار المذكورة عن عائشة، وعن ابن عباس فيها مقال، وليس فيها ما يمنع الصيام، إلا الأثر الذي عن عائشة، وهو ضعيف جدًّا.


                      قال العلامة الأثيوبي عفا الله عنه: خلاصة القول في هذه المسألة أن الأرجح قول من قال بمشروعيّة صوم الوليّ عمن مات، وعليه صوم واجبٌ؛ لظهور أدلتّه، كما تقدّم إيضاحه، بل القول بالوجوب هو الأظهر؛ لمجيئه بصيغة الأمر، ولا صارف له، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


                      2 - قال العلامة الأثيوبي رحمة الله تعالى عليه: قوله: "ولا يجب على الوليّ إلخ" مخالف لظاهر النصّ، فإنه يدلّ على الوجوب؛ لأن "صام عنه وليّه" خبر بمعنى الأمر، بل ورد بصيغة الأمر، والأمر للوجوب، ولا صارف له، وقد ذهب إليه طائفة من المحقّقين، وسيأتي تحقيقه، والله تعالى أعلم.
                      واحتَجَّ القرطبيّ على عدم الوجوب بما في رواية البزّار: "فليصُم عنه وليّه إن شاء"، وهي زيادة ضعيفة؛ لأنها من طريق ابن لَهِيعَة، فتنبّه.


                      3 - وهو مروي عند البخاري ومسلم من حديث زيد بن أسلم عن أبيه قال: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَأَضَاعَهُ الَّذِى كَانَ عِنْدَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ مِنْهُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لاَ تَشْتَرِهِ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِى صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِى قَيْئِهِ.
                      التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 01-May-2021, 06:33 PM.

                      تعليق


                      • #26
                        حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالُوا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ رِوَايَةً وَقَالَ عَمْرٌو يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ زُهَيْرٌ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذَا دُعِىَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُلْ إِنِّى صَائِمٌ.

                        حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه رِوَايَةً قَالَ إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّى صَائِمٌ إِنِّى صَائِمٌ.


                        ---------------------------------------------
                        بَابُ نَدْبِ الصَّائِمِ إِذَا دُعِيَ إِلَى طَعَامٍ،
                        وَلَمْ يُرِدِ الْإِفْطَارَ، أَوْ شُوتِمَ أَوْ قُوتِلَ، أَنْ يَقُولَ: إِنِّي صَائِمٌ،
                        وَأَنَّهُ يُنَزِّهُ صَوْمَهُ عَنِ الرَّفَثِ وَالْجَهْلِ وَنَحْوِهِ




                        فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ).
                        وفي رواية: (إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ).


                        * الشرح:
                        قوله صلى الله عليه وسلم فيما إذا دعي وهو صائم: (فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ)، محمول على أنه يقوله اعتذارا له وإعلاما بحاله، فإن سمح له ولم يطالبه بالحضور سقط عنه الحضور، وان لم يسمح وطالبه بالحضور لزمه الحضور، وليس الصوم عذرا في إجابة الدعوة، ولكن إذا حضر لا يلزمه الأكل، ويكون الصوم عذرا في ترك الأكل1، بخلاف المفطر فإنه يلزمه الأكل على أصح الوجهين عندنا، كما سيأتي واضحا إن شاء الله تعالى في بابه.
                        والفرق بين الصائم والمفطر منصوص عليه في الحديث الصحيح كما هو معروف في موضعه، وأما الأفضل للصائم فقال أصحابنا: إن كان يشق على صاحب الطعام صومه اسْتُحِبَّ الفطر، وإلا فلا، هذا إذا كان صوم تطوع، فإن كان صوما واجبا حرم الفطر.
                        وفي هذا الحديث: أنه لا بأس بإظهار نوافل العبادة من الصوم والصلاة وغيرهما إذا دعت إليه حاجة، والمستحب إخفاؤها إذا لم تكن حاجة، وفيه: الإشارد إلى حسن المعاشرة، وإصلاح ذات البين، وتأليف القلوب، وحسن الاعتذار عند سببه.
                        وأما الحديث الثاني: ففيه نهي الصائم عن الرفث، وهو السخف وفاحش الكلام، يقال: رَفَثَ بفتح الفاء، يَرْفُِثُ بضمها وكسرها، وَرَِثَ بكسرها، يَرْفَثُ بفتحها، رَفْثََا بسكون الفاء في المصدر، ورَفَثََا بفتحها في الاسم، ويقال: أَرْفَثَ رباعي، حكاه القاضي.
                        و(الْجَهْلُ) قريب من الرفث، وهو خلاف الحكمة، وخلاف الصواب من القول والفعل.
                        قوله صلى الله عليه وسلم: (فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ)، معناه: شتمه متعرضا لمشاتمته، ومعنى قاتله: نازعه ودافعه.
                        وقوله صلى الله عليه وسلم: (فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِم)، هكذا هو مرتين، واختلفوا في معناه: فقيل: يقوله بلسانه، ليسمعه الشاتم والمقاتل فينزجر غالبا، وقيل: لا يقوله بلسانه، بل يحدث به نفسه، ليمنعها من مشاتمته ومقاتلته، ويحرص صومه عن المكدرات، ولو جمع بين الأمرين كان حسنا2.
                        واعلم أن نهي الصائم عن الرفث، والجهل، والمشاتمة ليس مختصا به، بل كل أحد مثله في أصل النهي عن ذلك، لكن الصائم آكد، والله أعلم.



                        ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
                        1 - قال القاضي عياض رحمه الله: فيه حجةُ أنه ليس للمتنفّل إفساد نيّته، وفطر يومه لغير عذر، ولو كان الفطر مباحًا له ابتداءً لم يرشده إلى العذر بصومه.
                        قال العلامة الأثيوبي عفا الله عنه: هذا الذي قاله عياض من أنه ليس للمتنفّل الفطر ضعيف، والصحيح أن له أن يفطر؛ لحديث: "الصائم التطوّع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر"، وهو حديث صحيح، أخرجه أحمد، والترمذيّ، والنسائيّ، وغيرهم، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

                        2 - قال العلامة الأثيوبي ى عنه: الظاهر أنه يقوله بلسانه مطلقًا؛ لإطلاق النصّ، فإنه لم يفرّق بين فرض وتطوّع، والله تعالى أعلم.

                        التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 01-May-2021, 06:57 PM.

                        تعليق


                        • #27
                          وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِىُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ، هُوَ لِ،ى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ، فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلْفَةُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ.

                          حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالاَ: حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ وَهُوَ الْحِزَامِىُّ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الصِّيَامُ جُنَّةٌ.

                          وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ عَنْ أَبِى صَالِحٍ الزَّيَّاتِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضى الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَسْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّى امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِىَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ.

                          وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلاَّ الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِى، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ.

                          وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِى سِنَانٍ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَأَبِى سَعِيدٍ رضى الله عنهما قَالاَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: إِنَّ الصَّوْمَ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ، إِنَّ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَيْنِ: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِىَ اللَّهَ فَرِحَ، وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ.

                          وَحَدَّثَنِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَلِيطٍ الْهُذَلِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِى ابْنَ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ وَهُوَ أَبُو سِنَانٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ قَالَ: وَقَالَ: إِذَا لَقِىَ اللَّهَ فَجَزَاهُ فَرِحَ.

                          حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ وَهُوَ الْقَطَوَانِىُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ فِى الْجَنَّةِ بَابًا، يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ.


                          ---------------------------------------------
                          باب فَضْلِ الصِّيَامِ



                          قوله صلى الله عليه وسلم: (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كل عمل بن آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ هُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ).
                          اختلف العلماء في معناه مع كون جميع الطاعات لله تعالى، فقيل: سبب إضافته إلى الله تعالى أنه لم يعبد أحد غير الله تعالى به، فلم يعظم الكفار في عصر من الأعصار معبودا لهم بالصيام، وإن كانوا يعظمونه بصورة الصلاة، والسجود، والصدقة، والذكر، وغير ذلك.
                          وقيل: لأن الصوم بعيد من الرياء لخفائه، بخلاف الصلاة، والحج، والغزو، والصدقة، وغيرها من العبادات الظاهرة.
                          وقيل: لأنه ليس للصائم ونفسه فيه حظ، قاله الخطابي، قال: وقيل: لأن الاستغناء عن الطعام من صفات الله تعالى، فتقرب الصائم بما يتعلق بهذه الصفة، وإن كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شيء.
                          وقيل: معناه: أنا المنفرد بعلم مقدار ثوابه أو تضعيف حسناته، وغيره من العبادات أظهر سبحانه بعض مخلوقاته على مقدار ثوابها.
                          وقيل: هي إضافة تشريف،كقوله تعالى: (نَاقَةُ اللَّهِ)، مع أن العالم كله لله تعالى.
                          وفي هذا الحديث: بيان عظم فضل الصوم، والحث عليه.
                          وقوله تعالى: (وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) بيان لعظم فضله، وكثرة ثوابه، لأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء، اقتضى عظم قدر الجزاء وسعة العطاء.
                          قوله صلى الله عليه وسلم: (لَخُلْفَةُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، وفي رواية (لَخُلُوفُ) هو بضم الخاء فيهما، وهو تغير رائحة الفم، هذا هو الصواب فيه بضم الخاء، كما ذكرناه، وهو الذي ذكره الخطابي وغيره من أهل الغريب، وهو المعروف في كتب اللغة.
                          وقال القاضي: الرواية الصحيحة بضم الخاء، قال: وكثير من الشيوخ يروونه بفتحها، قال الخطابي: وهو خطأ.
                          قال القاضي: وحكي عن الفارسي فيه الفتح والضم، وقال: أهل المشرق يقولونه بالوجهين، والصواب: الضم. ويقال: (خَلَفَ فُوهُ) بفتح الخاء واللام، (يَخْلُفُ) بضم اللام، وأَخْلَفَ يَخْلُفُ إذا تغير.
                          وأما معنى الحديث: فقال القاضي: قال المازري: هذا مجاز واستعارة، لأن استطابة بعض الروائح من صفات الحيوان الذي له طبائع تميل إلى شئ فتستطيبه، وتَنْفِرُ من شيء فتستقذّره، والله تعالى متقدس عن ذلك، لكن جرت عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا، فاستُعِير ذلك في الصوم، لتقريبه من الله تعالى.
                          قال القاضي: وقيل: يجازيه الله تعالى به في الآخرة، فتكون نكهته أطيب من ريح المسك، كما أن دم الشهيد يكون ريحه ريح المسك، وقيل: يحصل لصاحبه من الثواب أكثر ممن يحصل لصاحب المسك، وقيل: رائحته عند ملائكة الله تعالى أطيب من رائحة المسك عندنا، وإن كانت رائحة الخلوف عندنا خلافه.
                          والأصح ما قاله الداودي من المغاربة، وقاله من قال من أصحابنا: إن الخُلُوفَ أكثر ثوابا من المسك، حيث ندب إليه في الجُمَعُ والأعياد، ومجالس الحديث والذكر، وسائر مجامع الخير.
                          واحتج أصحابنا بهذا الحديث على كراهة السواك للصائم بعد الزوال، لأنه يزيل الخلوف الذي هذه صفته وفضيلته، وإن كان السواك فيه فضل أيضا، لأن فضيلة الخلوف أعظم.
                          قالوا: كما أن دم الشهداء مشهود له بالطيب، ويترك له غسل الشهيد مع أن غسل الميت واجب، فإذا ترك الواجب للمحافظة على بقاء الدم المشهود له بالطيب، فترك السواك الذي ليس هو واجبا للمحافظة على بقاء الخلوف المشهود له بذلك أولى، والله أعلم.

                          قوله صلى الله عليه وسلم: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ)1 هو بضم الجيم، ومعناه: سترة ومانع من الرفث والآثام، ومانع أيضا من النار، ومنه: (المِجَنُّ) وهو التُّرْسُ، ومنه الجن لاستتارهم.

                          قوله صلى الله عليه وسلم: (فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ) هكذا هو هنا بالسين، ويقال بالسين والصاد وهو الصِّياح، وهو بمعنى الرواية الأخرى: (وَلَا يَجْهَلْ وَلَا يَرْفُثْ)2 قال القاضي: ورواه الطبري: وَلَا يَسْخَرْ بالراء، قال: ومعناه صحيح، لأن السخرية تكون بالقول والفعل، وكله من الجهل.
                          قلت: وهذه الرواية تصحيف وإن كان لها معنى3.
                          قوله صلى الله عليه وسلم: (وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ) قال العلماء: أما فرحته عند لقاء ربه ما يراه من جزائه، وتذكر نعمة الله تعالى عليه بتوفيقه لذلك، وأما عند فطره فسببها تمام عبادته وسلامتها من المفسدات، وما يرجوه من ثوابها.

                          قوله: (حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيُّ)هو بفتح القاف والطاء، قال البخاري والكلاباذي: معناه البَقَّالُ، كأنهم نسبوه إلى بيع القطنية، قال القاضي: وقال الباجي: هي قرية على باب الكوفة، قال: وقاله أبو ذر أيضا، وفي تاريخ البخاري: أن قطوان موضع.
                          قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ) هكذا وقع في بعض الأصول: (فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ)، وفي بعضها: (فَإِذَا دَخَلَ أَوَّلُهُمْ) قال القاضي وغيره: وهو وهم، والصواب: آخرهم.
                          وفي هذا الحديث: فضيلة الصيام وكرامة الصائمين.


                          ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
                          1 -قال العلامة الأثيوبي رحمه الله: وفي زيادة أبي عبيدة بن الجرّاح رضي الله عنه إشارة إلى أن الغيبة تضرّ بالصيام، وقد حُكي عن عائشة، وبه قال الأوزاعيّ أن الغيبة تفطّر الصائم، وتوجب عليه قضاء ذلك اليوم.
                          قال الحافظ: وأفرط ابن حزم، فقال: يبطله كلّ معصية من متعمّد لها ذاكر لصومه، سواء كانت فعلًا، أو قولًا؛ لعموم قوله: "فلا يرفث، ولا يجهل"، ولقوله في الحديث الآخر: "من لم يدع قول الزور، والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
                          والجمهور، وإن حملوا النهي على التحريم إلا أنهم خصّوا الفطر بالأكل والشرب والجماع.
                          قال الجامع عفا الله تعالى عنه: دعوى الحافظ على ما قاله ابن حزم بالإفراط غير صحيحة، كيف يقال لمن قال بما اقتضاه ظواهر النصوص: إنه أفرط؟ ، بل هذا هو الإفراط نفسه، فما قاله ابن حزم هو الظاهر، وقد تقدّم قريبًا النقل عن عائشة، والأوزاعيّ أن الغيبة تفطر الصائم، فَلِمَ لم يعترض عليهما؟ ، مع أن الجمهور لا يرون ذلك أيضًا.
                          والحاصل أن مذهب الجمهور هو الذي يحتاج إلى دليل، فتأمل بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب.

                          2 - قال العلامة الأثيوبي رحمه الله تعالى: وأشار ابن عبد البرّ إلى ترجيح الصيام على غيره من العبادات، فقال: حسبك بكون الصوم جُنّة من النار فضلًا، وقد أخرج النسائيّ بسند صحيح عن أبي أمامة - رضي الله عنه -، قال: قلت: يا رسول الله مُرْني بأمر آخذه عنك، قال: "عليك بالصوم، فإنه لا مثل له"، وفي لفظ: "لا عدل له"، والمشهور عند الجمهور ترجيح الصلاة.
                          قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما ذهب إليه الجمهور يؤيّده ما أخرجه أحمد، وابن ماجه، والدارميّ بأسانيد صحيحة، عن ثوبان - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "استقيموا، ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن"، والله تعالى أعلم.

                          3 - قال العلامة الأثيوبي رحمه الله تعالى: إن أراد النوويّ بالتصحيف أنها غير ثابتة رواية، فمسلّم، وإلا فلا كما قال القاضي، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

                          تعليق


                          • #28
                            وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ أَخْبَرَنِى اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِى عَيَّاشٍ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِى سَبِيلِ اللَّهِ، إِلاَّ بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا.

                            وَحَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِىُّ قَالاَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَسُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ أَنَّهُمَا سَمِعَا النُّعْمَانَ بْنَ أَبِى عَيَّاشٍ الزُّرَقِىَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضى الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ صَامَ يَوْمًا فِى سَبِيلِ اللَّهِ، بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا.



                            ---------------------------------------------

                            باب فَضْلِ الصِّيَامِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ لِمَنْ يُطِيقُهُ بِلاَ ضَرَرٍ وَلاَ تَفْوِيتِ حَقٍّ


                            قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا)فيه: فضيلة الصيام في سبيل الله، وهو محمول على من لا يتضرر به، ولا يفوت به حقا، ولا يختل به قتاله ولا غيره من مهمات غزوه، ومعناه: المباعدة عن النار، والمعافاة منها.
                            والخريف: السنة، والمراد: سبعين سنة.


                            ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
                            1 -قال العلامة الأثيوبي رحمه الله:
                            وقال في "الفتح": الخريف زمان معلوم من السنة، والمراد هنا العامُ، وتخصيص الخريف بالذكر، دون بقية الفصول الصيف، والشتاء، والربيع لأن الخريف أزكى الفصول؛ لكونه تُجنَى فيه الثمار، ونقل الفاكهيّ أن الخريف تجتمع فيه الحرارة، والبرودة، والرطوبة، واليبوسة، دون غيره، ورُدّ بأن الربيع كذلك، قال القرطبيّ: وَرَدَ ذكرُ السبعين لإرادة التكثير كثيرًا. انتهى.
                            ويؤيّده كما قال الحافظ ما رواه النسائيّ من حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه-، وما رواه الطبرانيّ عن عمرو بن عَبَسَة، وأبو يعلى عن معاذ بن أنس، فقالوا جميعًا في رواياتهم: "مائة عام".
                            قال الجامع عفا الله عنه: خلاصة ما تقدّم أن قوله: "سبعين خريفًا" ليس للتحديد، وإنما هو للتكثير بدليل روايته بلفظ: "مائة عام".
                            والحاصل أنه لا تعارض بين رواية "سبعين"، ورواية "مائة"؛ لكون المراد التكثير، لا التحديد.
                            ويُحتَمَل أن الله تعالى وعد الصائم في سبيل الله بإبعاد جهنّم عنه مسيرة سبعين خريفاً، ثم تفضّل الله تعالى بالزيادة على ذلك، حتى كان مسيرة مائة عام، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

                            تعليق


                            • #29
                              وَحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَتْنِى عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضى الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ: يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَىْءٌ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عِنْدَنَا شَىْءٌ، قَالَ: فَإِنِّى صَائِمٌ، قَالَتْ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ، أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ، قَالَتْ: فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ، أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ، وَقَدْ خَبَأْتُ لَكَ شَيْئًا، قَالَ: مَا هُوَ؟ قُلْتُ: حَيْسٌ، قَالَ: هَاتِيهِ، فَجِئْتُ بِهِ، فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ: قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا.
                              قَالَ طَلْحَةُ: فَحَدَّثْتُ مُجَاهِدًا بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: ذَاكَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يُخْرِجُ الصَّدَقَةَ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا.1

                              وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَىَّ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَىْءٌ؟ فَقُلْنَا: لاَ، قَالَ: فَإِنِّى إِذًا صَائِمٌ، ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّ،هِ أُهْدِىَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ: أَرِينِيهِ، فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا، فَأَكَلَ.



                              ---------------------------------------------

                              باب جَوَازِ صَوْمِ النَّافِلَةِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ،
                              وَجَوَازِ فِطْرِ الصَّائِمِ نَفْلاً مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، والْأَوْلَى إِتْمَامُهُ



                              فيه حديث عائشة رضي الله عنها: (قَالَتْ: قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ: يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَىْءٌ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عِنْدَنَا شَىْءٌ، قَالَ: فَإِنِّى صَائِمٌ، قَالَتْ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ، أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ، قَالَتْ: فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ، أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ، وَقَدْ خَبَأْتُ لَكَ شَيْئًا، قَالَ: مَا هُوَ؟ قُلْتُ: حَيْسٌ، قَالَ: هَاتِيهِ، فَجِئْتُ بِهِ، فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ: قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا).

                              وفي الرواية الأخرى قالت: (دَخَلَ عَلَىَّ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَىْءٌ؟ فَقُلْنَا: لاَ، قَالَ: فَإِنِّى إِذًا صَائِمٌ، ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّ،هِ أُهْدِىَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ: أَرِينِيهِ، فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا، فَأَكَلَ).
                              * الشرح:
                              (الْحَيْسُ): بفتح الحاء المهملة، هو التمر مع السمن والأقط، وقال الهروي: ثريدة من أخلاط، والأول هو المشهور.
                              و(الزَّوْرُ) بفتح الزاي: الزُّوَّارُ، ويقع الزور على الواحد، والجماعة القليلة والكثيرة.
                              وقولها: (جَاءَنَا زَوْرٌ وَقَدْ خَبَّأْتُ لَكَ) معناه: جاءنا زائرون ومعهم هدية خبأت لك منها، أو يكون معناه: جاءنا زور فأهدي لنا بسببهم هدية، فخبأت لك منها.
                              وهاتان الروايتان هما حديث واحد، والثانية مفسرة للأول،ى ومبينة أن القصة في الرواية الأولى كانت في يومين لا في يوم واحد، كذا قاله القاضي وغيره، وهو ظاهر.
                              وفيه: دليل لمذهب الجمهور أن صوم النافلة يجوز بنية في النهار قبل زوال الشمس، ويتأوله الآخرون على أن سؤاله صلى الله عليه وسلم: (هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟) لكونه ضعف عن الصوم، وكان نواه من الليل، فأراد الفطر للضعف، وهذا تأويل فاسد، وتكلف بعيد.
                              وفي الرواية الثانية التصريح بالدلالة لمذهب الشافعي وموافقيه في أن صوم النافلة يجوز قطعه، والأكل في أثناء النهار، ويبطل الصوم، لأنه نفل، فهو إلى خِيَرَةِ الإنسان في الابتداء، وكذا في الدوام، وممن قال بهذا جماعة من الصحابة، وأحمد، وإسحاق، وآخرون، ولكنهم كلهم والشافعي معهم متفقون على استحباب إتمامه.
                              وقال أبو حنيفة، ومالك: لا يجوز قطعه ويأثم بذلك، وبه قال الحسن البصري، ومكحول، والنخعي، وأوجبوا قضاءه على من أفطر بلا عذر، قال بن عبد البر: وأجمعوا على أن لا قضاء على من أفطره بعذر، والله أعلم.

                              ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
                              1 - قال العلامة الأثيوبي رحمه الله:
                              وحاصل ما أشار إليه مجاهد رحمه الله أن إفطار الصائم المتطوّع جائز، وهذا الذي قاله يدلّ عليه ما أخرجه الترمذيّ عن أم هانئ رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها، فدَعَا بشراب، فشرب، ثم ناولها، فشربت، فقالت: يا رسول الله، أما إني كنت صائمةً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الصائم المتطوع أمين نفسه، وفي رواية: أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر"، صححه الشيخ الألبانيّ رحمه الله، وفيه نظر، سيأتي.

                              [تنبيه]: رواية المصنّف صريحة في أن هذا الكلام موقوف على مجاهد، ووقع في رواية النسائيّ ما يدلّ على أنه مرفوع، ولفظه: ثُمَّ قَالَ: "إِنَّمَا مَثَلُ صَوْمِ الْمُتَطَوِّعِ مَثَلُ الرَّجُلِ، يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ، فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا، وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا"، فظاهره يدلّ على أن قوله: "إنما مثل صوم المتطوّع إلخ" من كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم، لكن الذي في "صحيح مسلم" أصحّ، فهو من كلام مجاهد، لا من كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم.
                              وقد صحح الشيخ الألبانيّ رحمه الله رفع هذه الزيادة [ راجع: "إرواء الغليل" 4/ 136.]، وقال: إن الرواي قد يرفع الحديث تارة، ويوقفه أخرى، فإذا صحّ السند بالرفع بدون شذوذ كما هنا، فالحكم له، ولذلك قالوا: زيادة الثقة مقبولة. انتهى.
                              قال الجامع عفا الله عنه: تصحيح هذا الحديث فيه نظر لا يخفى، والذي يظهر أنه من كلام مجاهد [) كنت وافقت الشيخ الألبانيّ رحمه الله في "شرح النسائي"، ثم ظهر لي هنا خلافه، فتراجعت، فتنبّه، والله تعالى ولي التوفيق.]، كما هو في "صحيح مسلم"، فتأملّ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

                              تعليق


                              • #30
                                وَحَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامٍ الْقُرْدُوسِىِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ نَسِىَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ.


                                ---------------------------------------------
                                باب أَكْلُ النَّاسِى وَشُرْبُهُ وَجِمَاعُهُ لاَ يُفْطِرُ




                                قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَسِىَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ) فيه: دلالة لمذهب الأكثرين: أن الصائم إذا أكل أو شرب أو جامع ناسيا لا يفطر، وممن قال بهذا الشافعي، وأبو حنيفة، وداود، وآخرون، وقال ربيعة، ومالك، يفسد صومه، وعليه القضاء دون الكفارة، وقال عطاء، والأوزاعي، والليث: يجب القضاء في الجماع دون الأكل، وقال أحمد: يجب في الجماع القضاء والكفارة، ولا شيء في الأكل.

                                تعليق

                                يعمل...
                                X