[16]
سُبُل الوِقَايَةِ والحَدِّ مِنْ مَفَاسِدِ تَقْطِيعِ الصُّفُوفِ
سُبُل الوِقَايَةِ والحَدِّ مِنْ مَفَاسِدِ تَقْطِيعِ الصُّفُوفِ
قال الإمام الألباني -رحمه الله-: " ولذلك أقول: إنه ينبغي لمن أراد أن يبني مسجداً أو جامعاً أن يأمر المهندس بأن يضع له خارطة تكون فيه السواري قليلة ما أمكن؛ تقليلاً للمفسدة التي تترتب على وجودها في المساجد من قطع الصفوف وتضييق المكان على المصلين، وإنه لمن الممكن اليوم بناء المسجد بدون أية سارية بواسطة (الشمنتو) والحديد (الباطون) إذا لم يكن المسجد واسعا جداً، وقد بُنيت في دمشق عدة مساجد على هذه المثال كمسجد (لالا باشا) في شارع بغداد، وجامع المرابط في المهاجرين وغيرهما، فالصفوف فيهما متصلة كلها حاشا الصفوف الأمامية فإنها مقطوعة مع الأسف، بسبب هذه البدعة التي عمّت جميع المساجد تقريبا، وأعني بذلك المنبر العالي الطويل ذا الدرجات الكثيرة؛ فهو على كونه بدعة مخالفة لهديه عليه الصلاة والسلام في منبره ذي الثلاث درجات، وعلى ما فيه من الزخرفة والنقوش والإسراف وتضييع كثيرة على نسبة طوله، فيجب على العلماء أن يبينوا ذلك، وأن يدعوا في دروسهم ومواعظهم إلى إزالة هذه المنابر والرجوع بها إلى ما كان عليه منبره عليه الصلاة والسلام. وعلى من كان بيدهم الأمر تنفيذ ذلك تخليصاً للمصلين من مفاسده.
وإن من مفاسده التي لا توجد في السواري أنه يؤدي في بعض الأحيان إلى فساد الصلاة وبطلانها. كما شاهدناه مراراً؛ فكثيراً ما يتفق أن الإمام يسهو فتبدأ الرواية المضحكة المبكية؛ فإنك ترى رجلاً منهم يقطع الصلاة ويجدد البناء، وآخر يحاول بزعمه إدراك الإمام ومتابعته فيقوم من التشهد ثم يقف لحظة ثم يركع ثم يرفع ثم يدرك الإمام في السجود أو فيما بعد ذلك .
وقد يقع ما هو أغرب من ذلك؛ فإنه قد يتفق أحياناً أن يفتح بعضهم على الإمام إذا همَّ بالقيام قبل التشهد إلى الثالثة ساهياً بقوله: (سبحان الله)، فيسمع من وراء المنبر فيعلمون أن الإمام سها، ولكنهم يجهلون ما صار إليه الإمام: أرجع إلى التشهد فيظلوا هم قاعدين، أم كان قد استتم قائماً لا يجوز له حينئذ الرجوع إلى التشهد فيبقى قائماً فيقومون معه، ولذلك تراهم في (حيص بيص)؛ فبعضهم قاعد وبعضهم قائم وآخر قعد ثم قام، ورابع على عكسه قام ثم قعد ظناً منه أن الإمام كذلك فعل، كل هذه المهازل نتجت من مخالفة هديه عليه الصلاة والسلام في منبره؛ فعسى أن يتنبه لهذا ولاة أمور المساجد فيقوموا بما يلزم عليهم من الإصلاح فيها: و {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} [ ق: 37 ] .
وقال -رحمه الله-: " وأيًّا ما كان؛ فالصلاة وراء المنبر لا تخلو عن كراهة لتعرض الصلاة فيه للفساد والبطلان، فإما أن يصلي في الصف الذي في الجهة الأخرى من المنبر حيث لا تخفى عليه حركات الإمام، وإما أن يصلي في الصف الآخر، وكذلك نفعل نحن إن شاء الله، فلا نصلي بين السواري بل نتأخر عنها أو نتقدم؛ كما فعل أنس بن مالك، ولا فرق عندنا بين ذلك وبين الصلاة وراء المنبر؛ لأن العلة واحدة، ولأن في هذه الصلاة من التعرض لفسادها ما ليس في الصلاة بين السواري كما سبق . والله تعالى أعلم".
وقال -رحمه الله- في السلسلة الصحيحة في تعليقه على أحاديث الباب: " وينبغي أن يُعلَم أن كل من سعى إلى وضع منبر طويل قاطع للصفوف، أو يضع المدفئة التي تقطع الصف؛ فإنه يخشى أن يلحقه نصيب وافر من قوله صلى الله عليه وسلم : (( . . . ومن قطع صفاً قطعه الله ))، أخرجه أبو داود بسند صحيح؛ كما بينته في صحيح أبي داود رقم 672 " اهـ .
تعليق