دفع الرشوة من أجل الحصول على حق ـ الوظيفة مثلا ـ
* وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " .. فأما إذا أهدى له هدية ليكف ظلمه عنه أو ليعطيه حقه الواجب كانت هذه الهدية حراما على الآخذ, وجاز للدافع أن يدفعها إليه, كما كان النبي يقول : ( إني لأعطي أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها نارا قيل : يا رسول الله فلم تعطيهم قال : يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل ) ومثل ذلك : إعطاء من أعتق وكتم عتقه, أو أسر خبرا, أو كان ظالما للناس فإعطاء هؤلاء جائز للمعطي, حرام عليهم أخذه، وأما الهدية في الشفاعة, مثل أن يشفع لرجل عند ولي أمر ليرفع عنه مظلمة, أو يوصل إليه حقه, أو يوليه ولاية يستحقها أو يستخدمه في الجند المقاتلة وهو مستحق لذلك, أو يعطيه من المال الموقوف على الفقراء أو الفقهاء أو القراء أو النساك أو غيرهم, وهو من أهل الاستحقاق, ونحو هذه الشفاعة التي فيها إعانة على فعل واجب, أو ترك محرم, فهذه أيضا لا يجوز فيها قبول الهدية, ويجوز للمهدي أن يبذل في ذلك ما يتوصل به إلى أخذ حقه أو دفع الظلم عنه, هذا هو المنقول عن السلف والأئمة الأكابر " اهـ من الفتاوى الكبرى 4/174
* وقال فضيلة الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله : " ... أقوال العلماء فيمن صانع بماله عند اضطراره :
أولا : عند المفسرين وبإيجاز : قال القرطبي عند آية المائدة الأولى " سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ " وروي عن وهب بن منبه أنه قيل له : الرشوة حرام في كل شيء ؟ فقال : إنما يكره من الرشوة أن ترشي لتعطى ما ليس لك أو تدفع حقا قد لزمك، فأما أن ترشي لتدفع عن دينك ودمك ومالك فليس بحرام . قال أبو الليث السمرقندي الفقيه : وبهذا نأخذ؛ أن يدفع الرجل عن نفسه وماله بالرشوة، وهذا كما روي عـن عبد الله بن مسعود أنه كان بالحبشة فرشا دينارين وقال : إنما الإثم على القابض دون الدافع ... اهـ
ثانيا : المحدثون : جاء في تحفة الأحوذي على سنن الترمذي عند حديث أبي هريرة في لعن الراشي والمرتشي المتقدم ذكره قال : فأما ما يعطي توصلا إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه، وساق خبر ابن مسعود في الحبشة، ثم قال : وروي عن جماعة من أئمة التابعين قالوا : لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم . وهذا نقلا منه عن ابن الأثير، ثم نقل عن صاحب المرقاة شرح المشكاة كلام الفقهاء عن ابن الأثير؛ وكذلك الآخذ إذا أخذ ليسعى في إصابة الحق فلا بأس به؛ لكن هذا ينبغي أن يكون في غير القضاة والولاة؛ لأن السعي في إصابة الحق إلى مستحقه ودفع الظلم عن المظلوم واجب عليهم؛ فلا يجوز لهم الأخذ عليه .. إلخ وفي العارضة لابن العربي على صحيح الترمذي ما يقرب مما تقدم لفظا ويتفق معه معنى؛ وعند الشوكاني فيها نقاش طويل، من ذلك نقله عن المنصور بالله قول أبي جعفر وبعض أصحاب الشافعي : إنّه إنْ طلب حقا مجمعا عليه جاز، قيل وظاهر المذهب المنع لعموم الخبر .. الخامس . ثم ناقش هذا القول لعدم قيام دليل عليه، ولعمومات النهي عن أكل أموال الناس بالباطل .
والملاحظ أن كل ما ذكره يصدق على الآخذ، وهذا لا خلاف فيه، إنما البحث في الدافع أيضا؛ فهو يتفق مع الجمهور في تحريمه على الآخذ، وخالف الجمهور في حق الدافع مع الاضطرار، وهو محل البحث .
ثالثا : كلام الفقهاء :
الحنابلة : ابن قدامة في المغني؛ يظهر أن ابن قدامة من أشدّ الناس في باب الرشوة، وقد ذكرها في موضوعين :
الأول : في باب الحج في فصل إمكان السير، قال : فإن كان في الطريق عدو يطلب خفارة فقال القاضي : لا يلزمه السعي وإن كانت يسيرة؛ لأنها رشوة فلا يلزم بذلها في العبادة كالكبيرة، وقال ابن حامد : إن كان ذلك مما لا يجحف بماله لزمه الحج؛ لأنها غرامة يقف إمكان الحج على بذلها؛ فلم يمنع الوجوب مع إمكان بذلها كثمن الماء وعلف البهائم . فتراه حكى القولين عنهما ولم يرجح، ولكن في تعليله عند ابن حامد ما يشعر بموافقته عليه، بأن تجوز من المحق وتحرم على المبطل الذي يأخذها بدون حق .
والموضع الثاني : في آداب القاضي فيما نقله قتادة عن كعب : وإن رشاه ليدفع ظلمه ويجزيه على واجبه فقد قال عطاء وجابر بن زيد والحسن : لا بأس أن يصانع عن نفسه، وقال جابر بن زيد : رأينا في زمن زياد أنفع لنا من الرشا، ولأنه يستنقذ ماله كما يستنقذ الرجل أسيره، فإن ارتشى الحاكم أو قبل هدية ليس له قبولها فعليه ردها إلى أربابها .
وعند المالكية : قال في الشرح الصغير على أقرب المسالك : وفي المعيار سئل بعضهم عن رجل حبسه السلطان أو غيره ظلما، فبذل لمن يتكلم في خلاصه بجاهه أو غيره هل يجوز أم لا؟ فأجاب : نعم يجوز، صرح به جماعة منهم القاضي حسين ونقله عن القفال . اهـ
ذكر في حاشيته التفصيل في الأخذ على الجاه التحريم مطلقا، والكراهة مطلقا والتفصيل إن كان محتاجا إلى نفقة وتعب سفر وأخذ مثل أجر مثله فلا بأس وإلا حرام .
عند الأحناف : في فتح القدير شرح الهداية قسم الرشوة أربعة أقسام : الثالث منها أخذ المال ليسوي أمره عند السلطان دفعا للضرر أو جلبا للنفع، وهو حرام على الآخذ لا الدافع، وحيلة حلها أن يستأجره يوما إلى الليل أو يومين فتصير منافعه مملوكة، ثم يستعمله في الذهاب إلى السلطان للأمر الفلاني .
وفي الأقضية : قسم الهدية وجعل هذا من أقسامها، فقال : حلال من الجانبين كالإهداء للتودد، وحرام من الجانبين كالإهداء ليعينه على الظلم، حلال من جانب المهدي حرام على الآخذ، وهو أن يهدي ليكف عن الظلم، والحيلة أن يستأجره ... إلخ ونبه على أن هذا إذا كان فيه شرط بينهما، أما إذا كان الإهداء بلا شرط ولكن يعلم يقينا أنه إنما يهدي إليه ليعينه عند السلطان؛ فمشى بحثا على أنه لا بأس به، ولو قضى حاجة بلا شرط ولا طمع فأهدي إليه بعد ذلك فهو حلال لا بأس به .
الرابع : ما يدفع لدفع الخوف من المدفوع إليه على نفسه وماله حلال للدافع حرام على الآخذ؛ لأن دفع الضرر عن المسلم واجب، ولا يجوز أخذ المال ليفعل الواجب اهـ
وعند ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى في موضعين الأول منهما ج 29 ص 258 أثناء الجواب على المطعومات التي تؤخذ عليها المكس ومحتكرة هل يحرم شراؤها وبعد تفصيل طويل قال : ألا ترى أن المدلس والغاش ونحوهما إذا باعوا غيرهم شيئا مدلسا لم يكن المشترى حراما على المشتري لأنه أخذ منه أكثر مما يجب عليه وإن كانت الزيادة التي أخذها الغاش حراما عليه، وأمثال هذا كثير في الشريعة .
ثم قال مبينا قاعدة فقهية بقوله : فإن التحريم في حق الآدميين إذا كان من أحد الجانبين لم يثبت في الجانب الآخر، كما لو اشترى الرجل ملكه المغصوب من الغاصب، فإن البائع يحرم عليه أخذ الثمن والمشتري لا يحرم عليه أخذ ملكه، ولا بذل ما بذله من الثمن، ثم حكى أقوال العلماء في خصوص الرشوة، فقال : ولهذا قال العلماء : يجوز رشوة العامل لدفع الظلم، لا لمنع الحق وإرشاده حرام فيهما . يعني في الأمرين الذين هما دفع الظلم أو منع الحق . ثم قال : وكذلك الأسير والعبد المعتق إذا أنكر سيده عتقه، ومثل كذلك بالزوجة يطلقها زوجها فينكر طلاقها، فكل منهما يفتدي نفسه بالمال ليحق حقا وهو العتق والطلاق، ومعلوم أنهما حق لله تعالى وإلا بقيت الزوجة على غير عصمة . ولذا تجد الفقهاء في مثل ذلك قالوا : لا تمكنه من نفسها باختيارها لتكون في حكم المغصوبة، واستدل رحمه الله في هذا المبحث بالأثر عنه صلى الله عليه وسلم " إني لأعطي أحدهم العطية، فيخرج بها يتلظاها نارا " قالوا : يا رسول الله فلم تعطيهم ؟ قال " يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل " وقوله ومن ذلك قوله " ما رقى به المرء عرضه فهو صدقة " فلو أعطى الرجل شاعرا أو غير شاعر لئلا يكذب عليه بهجو أو غيره كان بذله بذلك جائزا، وكان آخذ ذلك لئلا يظلمه حرام وساق كلاما طويلا في ذلك المقام .
الموضع الثاني في مجموع الفتاوى ج 31 ص 285 في جواب عن سؤال في هدايا الأمراء لطلب حاجة أو التقرب منهم .. إلخ فبدأ جوابه بحديث أبي هريرة عند أبي داود وابن ماجة قال " من شفع حبة الشفاعة فأهدي له هدية فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا " وساق تحريم الرشوة ثم قال : فأما إذا أهدى له هدية ليكف ظلمه عنه أو ليعطيه حقه الواجب كانت هذه الهدية حراما على الآخذ، وجاز للدافع أن يدفعها إليه . وذكر الأثر الأول في إعطائه صلى الله عليه وسلم عن ملح في مسألة المتقدم إبداءه، وذكر أيضا موضوع العتق والطلاق من أسر خيرا وكان ظالما للناس فأعطوه جاز للمعطي حرام علـــــى الآخذ وساق كلاما طويلا في هـذا المعنى . اهـ من رسالة الرشوة لفضيلة الشيخ عطية بن سالم
* وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " أما الرشوة التي يتوصل بها الإنسان إلى حقه ، كأن لا يمكنه الحصول على حقه إلا بشيء من المال ، فإن هذا حرام على الآخذ ، وليس حراما على المعطي ، لأن المعطي إنما أعطى من أجل الوصول إلى حقه ، لكن الآخذ الذي أخذ تلك الرشوة هو الآثم لأنه أخذ ما لا يستحق " انتهى نقلا عن " فتاوى إسلامية " 4/302
* وقال الشيخ خالد المشيقح في الجواب عن السؤال الأتي : لا أستطيع أن أحصل على وظيفة في الحكومة لأخي إلا بدفع الرشوة، فهل يجوز لي أن أدفع رشوة حتى ينال هذه الوظيفة ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد : الأصل أن الرشوة محرمة، وأنها من كبائر الذنوب، لما ثبت في الترمذي وصححه، أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي، واللعن هذا يدل على أنها كبيرة، لأنها عقوبة خاصة، لكن العلماء رحمهم الله تعالى جوزوا بذل المال في مسألة وهي إذا لم يستطع أن يتوصل إلى حقه إذا كان له حق، ولم يستطع أن يتوصل له، يعني يكون له حق لا يستطيع أن يتوصل له، أو مظلمة لا يستطيع أن يدفعها إلا ببذله المال، فهذه كثير من العلماء أجازوا مثل هذه المسألة خلافاً للشوكاني رحمه الله تعالى فإن الشوكاني منع ذلك مطلقاً وشدد في هذه المسألة، وله رسالة في هذه المسألة، فأقول : إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يصل إلى حقه ولا يدفع عنه المظلمة إلا بمثل هذا المال، فنرى أن هذا لا شيء عليه، وإن تركه تورعاً كما ذهب إليه الشيخ الشوكاني رحمه الله، فهذا أحسن . اهـ
* وقال الشيخ عبد الرحمن السحيم في جواب على رسالة وصلت من خلال بريد الموقع يقول صاحبها : أنا شاب ابلغ من العمر الثلاثون عاما ولم أتزوج ولا أي شيء من ذلك وكنتقد حصلت على دبلوم الثانوي الفني ثم التحقت بعمل لمدة ثلاث سنوات قبل الخدمة العسكرية وأثناء فترة الخدمة العسكرية ذاكرت مرة أخرى والتحقت بالثانوي المنازل والتحقت بكلية الحقوق انتهت دراستي وتخرجت 2006 والتحقت أيضا بقسم الدراسات العليا أنا الآن بالماجستير حاولت بجميع الطرق الالتحاق بأي وظيفة حتى أكون قادر للإنفاقعلى نفسي دون أن أحتاج إلى احد ولكن كل التوظيف عن طريق الواسطة أو دفع رشوة السؤال : ما مدى مشروعية دفع رشوة للحصول على وظيفة مع العلمأن ذلك هو السبيل الوحيد لذلك في حالة عدم وجود واسطة أرجو الإفادة ؟
الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته قد يكون هذا من المبالغة ! لأن من يتوظّفمن غير دفع رشوة أكثر ممن يدفع رشوة ، ولا أتكلّم عن مجتمع بِعينه ، بل على العموم، وإذاأُلْجئ الإنسان إلى دفع المال مقابل التوظيف، فإذا لم يكن ذلك من أجل تقديمه علىغيره ممن هو أحقّ وأوْلَى منه فيجوز، مع كراهة هذا الأمر؛ لأنه يكون حينئذ يأخذ حقًّا له مُنِع منه إلاّ بِدفع مال، ويأثم الآخذ دون المعطي ... اهـ من الشبكة العنكبوتية
تعليق