سنة مهجورة
قال ابن جريج : وقد رأيت عطاء يصنع ذلك . رواه الطبراني في الأوسط والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي والألباني في الصحيحة
ومما يشهد لصحته عمل الصحابة به من بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، منهمأبو بكر الصديق ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن مسعود فقد روى البيهقي عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، أنأبا بكر الصديق وزيد بن ثابت دخلا المسجد والإمام راكع ، فركعا ، ثم دنياوهما راكعان حتى لحقا بالصف .
قلت ـ الألباني ـ : ورجاله ثقات ، ولولا أن مكحولا قد عنعنه عن أبي بكر بن الحارث لحسنته ، ولكنه عن زيد بن ثابت صحيح فعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه رأى زيد بن ثابت دخل المسجد والإمام راكع فمشى حتى أمكنه أن يصل الصف وهو راكع كبر فركع ثم دب وهو راكع حتى وصل الصف . رواه البيهقي وسنده صحيح .
وعن زيد بن وهب قال " خرجت مع عبد الله ـ يعني ابن مسعود ـ من داره إلى المسجد ، فلما توسطنا المسجد ركع الإمام ، فكبر عبد الله وركع ، وركعت معه ، ثم مشينا راكعين حتى انتهينا إلى الصف حين رفع القوم رؤوسهم ، فلما قضى الإمام الصلاة قمت وأنا أرى أني لم أدرك ، فأخذ عبد الله بيدي وأجلسني ثم قال : إنك قد أدركت " أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف والطحاوي في شرح المعانى والطبراني في المعجم الكبير والبيهقي في سننه بسند صحيح .
وعن عثمان بن الأسود قال : دخلت أنا وعبد الله بن تميم المسجد , فركع الإمام , فركعت أنا وهو ومشينا راكعين حتى دخلنا الصف , فلما قضينا الصلاة , قال لي عمرو : الذي صنعت آنفاَ ممن سمعته ؟ قلت من مجاهد , قال : قد رأيت ابن الزبير فعله .
وهذه الآثار تدل على شيء آخر غير ما دل الحديث عليه وهو أن من أدرك الركوع مع الإمام فقد أدرك الركعة ، و قد ثبت ذلك من قول ابن مسعود وابن عمر بإسنادين صحيحين عنهما ، وقد خرجتهما في " إرواء الغليل .
فإن قيل : هناك حديث آخر صحيح يخالف بظاهره هذا الحديث وهو " زادك الله حرصا ، ولا تعد "
أقول ـ الألباني ـ : إن هذا الحديث لا يدل على ما ذكر ، إلا بطريق الاستنباط لا النص ، فإن قوله صلى الله عليه وسلم " لا تعد " يحتمل أنه نهاه عن كل ما ثبت أنه في هذه الحادثة وقد تبين لنا بعد التتبع أنها تتضمن ثلاثة أمور :
الأول : اعتداده بالركعة التي إنما أدرك منها ركوعها فقط .
الثاني : إسراعه في المشي كما في رواية لأحمد من طريق أخرى عن أبي بكرة أنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فسمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت نعل أبي بكرة وهو يحضر ( أي يعدو ) يريد أن يدرك الركعة ، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قال : من الساعي ؟ قال أبو بكرة : أنا قال : فذكره وإسناده حسن في المتابعات وقد رواه ابن السكن في " صحيحه " نحوه وفيه قوله : " انطلقت أسعى ... " وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من الساعي ... " ويشهد لهذه الرواية رواية الطحاوي من الطريق الأولى بلفظ " جئت و رسول الله صلى الله عليه وسلم راكع ، وقد حفزني النفس فركعت دون الصف .. " وإسناده صحيح فإن قوله " حفزني النفس " معناه اشتد من الحفز وهو الحث والإعجال وذلك كناية عن العدو .
الثالث : ركوعه دون الصف ثم مشيه إليه .
وإذا تبين لنا ما سبق ، فهل قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تعد " نهي عن هذه الأمور الثلاثة جميعها أم عن بعضها ذلك ما أريد البحث فيه وتحقيق الكلام عليه فأقول :
أما الأمر الأول ، فالظاهر أنه لا يدخل في النهي ، لأنه لو كان نهاه عنه لأمره بإعادة الصلاة لكونها خداجا ناقصة الركعة ، فإذ لم يأمره بذلك دل على صحتها ، وعلى عدم شمول النهي الاعتداد بالركعة بإدراك ركوعها ، وقول الصنعاني في سبل السلام " لعله صلى الله عليه وسلم لم يأمره لأنه كان جاهلا للحكم والجهل عذر " فبعيد جدا ، إذ قد ثبت في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة أمره صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته بإعادتها ثلاث مرات مع أنه كان جاهلا أيضا فكيف يأمره بالإعادة وهو لم يفوت ركعة من صلاته وإنما الاطمئنان فيها ، ولا يأمر أبا بكرة بإعادة الصلاة وقد فوت على نفسه ركعة ، لو كانت لا تدرك بالركوع ، ثم كيف يعقل أن يكون ذلك منهيا وقد فعله كبار الصحابة ، كما تقدم في الحديث الذي قبله ؟ ! فلذلك فإننا نقطع أن هذا الأمر الأول لا يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم " لا تعد " .
وأما الأمر الثاني ، فلا نشك في دخوله في النهي لما سبق ذكره من الروايات ولأنه لا معارض له ، بل هناك ما يشهد له ، و هو حديث أبي هريرة مرفوعا " إذا أتيم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ، وأتوها وعليكم السكينة والوقار " الحديث متفق عليه .
وأما الأمر الثالث ، فهو موضع نظر وتأمل ، وذلك لأن ظاهر رواية أبي داود هذه " أيكم الذي ركع دون الصف ، ثم مشى إلى الصف ، مع قوله له " لا تعد " يدل بإطلاقه على أنه قد يشمل هذا الأمر وإن كان ليس نصا في ذلك لاحتمال أنه يعني شيئا آخر غير هذا مما فعل ، وليس يعني نهيه عن كل ما فعل ، بدليل أنه لم يعن الأمر الأول كما سبق تقريره فكذلك يحتمل أنه لم يعن هذا الأمر الثالث أيضا وهذا وإن كان خلاف الظاهر ، فإن العلماء كثيرا ما يضطرون لترك ما دل عليه ظاهر النص لمخالفته لنص آخر هو في دلالته نص قاطع ، مثل ترك مفهوم النص لمنطوق نص آخر ، وترك العام للخاص ، ونحو ذلك ، وأنا أرى أن ما نحن فيه الآن من هذا القبيل ، فإن ظاهر هذا الحديث من حيث شموله للركوع دون الصف مخالف لخصوص ما دل عليه حديث عبد الله بن الزبير دلالة صريحة قاطعة ، وإذا كان الأمر كذلك فلابد حينئذ من ترجيح أحد الدليلين على الآخر ، ولا يشك عالم أن النص الصريح أرجح عند التعارض من دلالة ظاهر نص ما ، لأن هذا دلالته على وجه الاحتمال بخلاف الذي قبله ، وقد ذكروا في وجوه الترجيح بين الأحاديث أن يكون الحكم الذي تضمنه أحد الحديثين منطوقا به وما تضمنه الحديث الآخر يكون محتملا .
ومما لا شك فيه أيضا أن دلالة هذا الحديث في هذه المسألة ليست قاطعة بل محتملة ، بخلاف دلالة حديث ابن الزبير المتقدم فإن دلالته عليها قاطعة ، فكان ذلك من أسباب ترجيحه على هذا الحديث .
وثمة أسباب أخرى تؤكد الترجيح المذكور :
أولا : خطبة ابن الزبير بحديثه على المنبر في أكبر جمع يخطب عليهم في المسجد الحرام وإعلانه عليه أن ذلك من السنة دون أن يعارضه أحد .
ثانيا : عمل كبار الصحابة به كأبي بكر وابن مسعود وزيد بن ثابت كما تقدم وغيرهم فذلك من المرجحات المعروفة في علم الأصول بخلاف هذا الحديث فإننا لا نعلم أن أحدا من الصحابة قال بما دل عليه ظاهره في هذه المسألة ، فكان ذلك كله دليلا قويا على أن دلالته فيها مرجوحة ، وأن حديث ابن الزبير هو الراجح في الدلالة عليها . والله أعلم
ثم إن الحديث ـ المعترض به ـ ترجم له أبن خزيمة بقوله ( باب الرخصة في ركوع المأموم قبل اتصاله بالصف ودبيبه راكعاً حتى يتصل بالصف في ركوعه )
ثم وجدت ما يؤيد هذه الترجمة من قول راوي الحديث نفسه , أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه , كما يؤكد أن النهي فيه [لا تعد] لا يعني الركوع دون الصف , والمشي إليه , ولا يشمل الاعتداد بالركعة , فقد روى علي بن حجر في حديثه حدثنا إسماعيل بن جعفر المدني حدثنا حميد عن القاسم بن ربيعة عن أبي بكرة - رجل كانت له صحبة - أنه ( كان يخرج من بيته فيجد الناس قد ركعوا , فيركع معهم , ثم يدرج راكعاً حتى يدخل في الصف وثم يعتد بها ) قلت وهذا إسناد صحيح وفيه حجة قوية أن المقصود بالنهي إنما هو الإسراع في المشي , لأن راوي الحديث أدرى بمرويه من غيره , ولا سيما إذا كان هو المخاطب بالنهي , فخذها , فإنها عزيزة قد لا تجدها في المطولات من كتب الحديث والتخريج وبالله التوفيق .
فإن قيل : قد ورد ما يؤيد شمول الحديث للإسراع و يخالف حديث ابن الزبير صراحة وهو حديث أبي هريرة مرفوعا " إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف "
قلنا : لكنه حديث معلول بعلة خفية ، وليس هذا مكان بيانها ، فراجع سلسلة الأحاديث الضعيفة
قلت ـ حسام ـ والله رغم أنوف أقوام الناس عيال على كتب الألباني رحمه الله
المراجع
السلسة الصحيحة
السلسلة الضعيفة
فتاوى الشيخ الصوتية
جمع وترتيب
أبي صفية
حسام بن أحمد بن عبد الحكيم السوهاجي
تعليق