174 ـ ما حكم دفع قيمة صدقة الفطر
وقيمة الأضحية والعقيقة ليشترى بها
طعام يدفع وشاة تذبح في بلاد أخرى
للفقراء هناك؟
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فقد قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [سورة الحشر: آية 7].
صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا؛ فهو رد)، أخرجه البخاري [رواه البخاري في صحيحه (3/24)].
وإن بعض الناس في هذا الزمان يحاولون تغيير العبادات
عن وضعها الشرعي، ولذلك أمثلة كثيرة؛ فمثلاً صدقة الفطر أمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم بإخراجها من الطعام في البلد الذي يوجد فيه
المسلم عند نهاية شهر رمضان؛ بأن يخرجها في مساكين ذلك البلد (1)،
وقد وجد من يفتي بإخراج القيمة بدلاً من الطعام، ومن يفتي بدفع دراهم
يشتري بها طعام في بلد آخر بعيد عن بلد الصائم وتوزع هناك، وهذا
تغيير للعبادة عن وضعها الشرعي؛ فصدقة الفطر لها وقت تخرج فيه،
وهو ليلة العيد أو قبله بيومين فقط عند العلماء، ولها مكان تخرج فيه،
وهو البلد الذي يوافي تمام الشهر والمسلم فيه، ولها أهل تصرف فيهم،
وهم مساكين ذلك البلد، ولها نوع تخرج منه، وهو الطعام؛ فلا بد من
التقيد بهذه الاعتبارات الشرعية، وإلا فإنها لا تكون عبادة صحيحة، ولا
مبرئة للذمة.
وقد اتفق الأئمة الأربعة على وجوب إخراج صدقة الفطر في البلد الذي
فيه الصائم مادام فيه مستحقون لها، وصدر بذلك قرار من هيئة كبار
العلماء في المملكة؛ فالواجب التقيُّد بذلك، وعدم الالتفات إلى من ينادون
بخلافه؛ لأن المسلم يحرص على براءة ذمته، والاحتياط لدينه، وهكذا كل
العبادات لابد من أدائها على مقتضى الاعتبارات نوعًا ووقتًا ومصرفًا؛
فلا يغير نوع العبادة الذي شرعه الله إلى نوع آخر.
فمثلاً: فِديَةُ الصيام بالنسبة للكبير الهرم والمريض المزمن اللذين لا
يستطيعان الصيام قد أوجب الله عليهما الإطعام عن كل يوم بدلاً من
الصيام، قال الله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}
[سورة البقرة: آية 184]، وكذلك الإطعام في الكفارات كفارة الظهار
وكفارة الجماع في نهار رمضان وكفارة اليمين، وكذلك إخراج الطعام في
صدقة الفطر؛ كل هذه العبادات لابد من إخراج الطعام فيها، ولا يجزئ
عنه إخراج القيمة من النقود؛ لأنه تغيير للعبادة عن نوعها الذي وجبت
فيه؛ لأن الله نص فيها على الإطعام؛ فلا بد من التقيُّد به، ومن لم يتقيَّد به؛
فقد غيَّر العبادة عن نوعها الذي أوجبه الله.
وكذلك الهدي والأضاحي والعقيقة عن المولود؛ لابد في هذه العبادات أن
يذبح فيها من بهيمة الأنعام النوع الذي يجزئ منها، ولا يجزئ عنها
إخراج القيم أو التصدق بثمنها:
لأن الذبح عبادة: قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [سورة الكوثر:
آية 2]، وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأنعام: آية 162].
والأكل من هذه الذبائح والتصدق من لحومها عبادة: قال الله تعالى:
{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [سورة الحج: آية 28].
فلا يجوز ولا يجزئ إخراج القيمة أو التصدق بالدراهم بدلاً من الذبح؛
لأن هذا تغيير للعبادة عن نوعها الذي شرعه الله فيه، ولابدّ أيضًا أن تذبح
هذه الذبائح في المكان الذي شرع الله ذبحها فيه:
فالهدي يذبح في الحرم: قال تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}
[سورة الحج: آية 33]، وقال الله تعالى في المحرمين الذين ساقوا معهم
الهدي: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [سورة البقرة:
آية 196].
والأضحية والعقيقة يذبحهما المسلم في بلده وفي بيته، ويأكل ويتصدق
منهما، ولا يبعث بقيمتهما ليشتري بها ذبيحة وتوزع في بلد آخر؛ كما
ينادي به اليوم بعض الطلبة المبتدئين أو بعض العوام؛ بحجة أن بعض
البلاد فيها فقراء محتاجون.
ونحن نقول: إن مساعدة المحتاجين من المسلمين مطلوبة في أي مكان،
لكن العبادة التي شرع الله فعلها في مكان معين لا يجوز نقلها منه إلى
مكان آخر؛ لأن هذا تصرف وتغيير للعبادة عن الصيغة التي شرعها الله
لها، وهؤلاء شوَّشوا على الناس، حتى كثر تساؤلهم عن هذه المسألة.
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث بالهدي إلى مكة ليذبح فيها وهو
مقيم بالمدينة (2) ويذبح الأضحية والعقيقة في بيته بالمدينة ولا يبعث
بهما إلى مكة، مع أنها أفضل من المدينة، وفيها فقراء قد يكونون أكثر
حاجة من فقراء المدينة، ومع هذا تقيد بالمكان الذي شرع الله أداء العبادة
فيه، فلم يذبح الهدي بالمدينة، ولم يبعث بالأضحية والعقيقة إلى مكة، بل
ذبح كل نوع في مكانه المشروع ذبحه فيه، (وخير الهدي هدي محمد
صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة).
نعم؛ لا مانع من إرسال اللحوم الفائضة من هدي التمتع وهدي التطوع
خاصة دون هدي الجبران ومن الأضاحي إلى البلاد المحتاجة، لكن الذبح
لابد أن يكون في المكان المخصص له شرعًا.
ومن أراد نفع المحتاجين من إخواننا المسلمين في البلاد الأخرى؛
فليساعدهم بالأموال والملابس والأطعمة وكل ما فيه نفع لهم، أما العبادات
فإنها لا تغير عن وقتها ومكانها بدعوى مساعدة المحتاجين في مكن آخر،
والعاطفة لا تكون على حساب الدين وتغيير العبادة، وصلى الله على نبينا
محمد وآله وصحبه.
المنتقى من فتاوى الفوزان