السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خطبة الاستسقاء بتاريخ 2 /1 /1433 هـ
الحمد لله الولي الحميد ، الغني المجيد ، يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد ، يعطي ويمنع ، ويخفض ويرفع ، ويقبض ويبسُط ، ويعِزُّ ويذل ، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت:46] ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة إيمانٍ وإخلاصٍ وتوحيد ، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله خير الورى وأشرف العبيد ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنين عباد الله : اتقوا الله تعالى واستغفروه وتوبوا إليه ؛ فإن من اتقى الله وقاه ، ومن استغفره هداه واجتباه ، ومن تاب إليه كفاه ووقاه . واعلموا - أيها المؤمنون - أنكم فقراء إلى الله تبارك وتعالى لا غنى لكم عنه طرفة عين ، والله عز وجل غنيٌّ عن العباد وعن طاعاتهم واستغفارهم وذكرهم وشكرهم وجميع أعمالهم ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر:15] .
عباد الله : وفي خضم ملهيات هذه الحياة الدنيا وشواغلها وصوارفها المتعددة قد يغفل الإنسان عن ذكر الله عز وجل وعن الاستغفار والإنابة إلى العزيز الغفار ؛ فيبتلي جل وعلا عباده بأنواع من الابتلاءات لينيبوا إلى الله عز وجل وليقبِلوا عليه وليمدُّوا أيديهم سائلين ، وهو جل وعلا لا يخيِّب من دعاه ولا يردُّ من ناداه وهو القائل جل في علاه : ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾[البقرة:186] .
أيها المؤمنون : تعلمون حاجة البلاد وحاجة الأرض والبهائم والزروع وحاجة الناس إلى الأمطار ونزول الغيث ، لاسيما وقد تأخرت الأمطار وتأخر نزولها واشتدت الحاجة ، فالأرض مقحطة والقفار يابسة والماشية متضررة والزروع متضررة والحاجة شديدةٌ وماسَّة ؛ ولا كاشف لذلك إلا الله تبارك وتعالى ، فهو عز وجل كاشف الكربات ومغيث الملهوفين ومعطي المحتاجين {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}[النمل:62] .
أيها المؤمنون : والغيث لا ينزِّله إلا الله { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}[الشورى:28] ، يقول جل وعلا : { أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (6 أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ}[الواقعة:68-69] والمزن : السحاب . فلا ينزل الغيث إلا الله ، فما أحوج العباد إلى الإقبال على الله صادقين منيبين ملحِّين يرجون رحمته ويخافون عذابه .
أيها المؤمنون : وثمة غيثان عظيمان لا ينزِّلهما إلا الله تبارك وتعالى ، وكل منهما مرتبطٌ بالآخر :
v الأول - وهو الأجلُّ والأعظم - : غياث القلوب بالوحي المنزَّل من رب العالمين { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}[الشعراء:192-195] ، ولا حياة للقلوب ولا صلاح إلا بهذا الغيث وحي الله المنزَّل وكلامه المعظَّم الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت:42] .
v والنوع الآخر : هو غياث الأرض بالماء .
وقد ذكر الله عز وجل هذين الغيثين ذكراً متوالياً في مواضع من كتابه ، ومن ذلكم قول الله عز وجل : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }[الحديد:16-17] .
نعم أيها المؤمنون ! إنها آيةٌ ما أعظمها وأجلَّها ؛ فكما أن الله جل وعلا يحيي الأرض الميِّتة بالماء فإذا نزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ، فهو كذلك جل وعلا يحيي القلوب الميتة بالوحي ، فلا حياة للقلوب ولا صلاح ولا زكاء ولا فلاح إلا بوحي الله تبارك وتعالى ، فإذا صلُحت حال الناس وزكت قلوبهم وطابت أعمالهم بصِلتهم بوحي الله وكلامه وتنزيله فرَّج الله همومهم ونفَّس كرباتهم وأغاثهم بالماء وبجميع أنواع الخيرات {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا }[نوح:10-12] .
أيها المؤمنون : ما أحوجنا - إي والله - أن نحاسب أنفسنا ونحن في هذه الساعة ، نقبِل على ربنا بالدعاء سائلين راجين ، أن نحاسب أنفسنا في حالنا مع وحي الله وكلامه وتنزيله ؛ هل نحن مقبِلون عليه علماً وعملا ، قياماً وتطبيقا ، امتثالاً واقتداء ، أم أننا مفرطون ؟ . إنَّ العبد - أيها المؤمنون - إذا أقبل على الله وعلى وحي الله وكلامه وأصلح نفسه بالوحي المنزل صلَحت أحواله كلها .
نعم ! ما أحوجنا إلى محاسبة أنفسنا والتوبة إلى ربنا والإنابة إلى إلهنا وخالقنا وسيدنا ومولانا ، ما أحوجنا - عباد الله - إلى أن نتوب إلى الله ، إلى أن نفتقر إلى الله ، إلى أن نذلَّ بين يدي الله ، إلى أن نعظم الرجاء فيما عند الله، إلى أن نكون صادقين في دعائنا لله ، إلى أن نكون حقاً منيبين إلى الله ، كلما عظم افتقارنا إلى الله عز وجل وذلُّنا بين يديه وعظُم رجاءنا فيما عنده فإنه عز وجل يعطي العطاء الجزيل ويمنُّ بالمنِّ العظيم ويتفضل بالتفضل الكبير عز وجل ، لا تتعاظمه مسألةٌ يُسألها ولا حاجة أن يعطيها جل في علاه .
فأقبِلوا أيها المؤمنون على الله بلا يأس ولا قنوط بل بصدقٍ مع الله عز وجل وعظيم رجاء فيما عنده ، أقبِلوا على الله عز وجل بالدعاء والسؤال ، وارفعوا أيديكم سائلين متذكِّرين قول نبينا عليه الصلاة والسلام : (( إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا )) .
اللهم يا ربنا ويا إلهنا ويا سيدنا ويا مولانا تعلم ضعفنا وتعلم ذلَّنا وتعلم افتقارنا وأننا يا إلهنا لا غنى لنا عنك طرفة عين ، وأنت الغني الحميد ، القوي المتين ، العظيم المجيد ، العليم الحليم ، الكريم الرحيم ، المحسن المعطي ، الجواد المنان ، أنت إلهنا الذي بيدك أزمَّة الأمور ومقاليد السماوات والأرض ، بيدك العطاء والمنع ، والخفض والرفع ، والعز والذل ، والقبض والبسط ، لا إله إلا أنت لا شريك لك ولا ندَّ لك ولا نظير لك ولا مثيل لك ، أنت الإله الحق ، وأنت العظيم المجيد ، وأنت الكريم الحليم ، وأنت المحسن الجواد ، اللهم إنا نتوسل إليك إلهنا بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت ، أنت أرحم الراحمين ، أنت أرحم الراحمين ، أنت الكريم الحليم ، نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا سؤال الفقير الذليل ، سؤال العبد الفقير ، سؤال الراجي الطامع فيما عندك يا الله ، اللهم فلا تردَّنا خائبين ، اللهم لا تردَّنا خائبين ، اللهم لا تردَّنا خائبين ، اللهم أيدينا إليك مُدَّت ودعواتنا إليك رُفِعت وأنت الله لا إله إلا أنت لا تردُّ من سألك وناداك وطمع فيما عندك ورجاك ، اللهم فلا تردنا خائبين ، اللهم فلا تردنا خائبين ، إن منعتنا فمن الذي يعطينا ، وإن طردتنا فمن الذي يؤوينا ، اللهم لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ، أنت رجاؤنا وأنت أملنا وأنت غياثنا ، إليك المفزع وإليك المفر .
اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، وزدنا ولا تنقصنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا . اللهم يا ربنا أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر ، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر ، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين ، اللهم إنا نسألك غيثاً مغيثا ، هنيئاً مريئا ، سحاً طبقا ، نافعاً غير ضار ، عاجلاً غير آجل .
اللهم أبعِد عن قلوبنا قنوطها ويأسها ، اللهم قوِّ رجاءنا بك وذلَّنا بين يديك وطمعنا فيما عندك ولا تردنا إلهنا خائبين ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم إنا نسألك الغيث فلا تجعلنا من القانطين ، اللهم إنا نسألك الغيث فلا تجعلنا من اليائسين ، اللهم أغث البلاد وأغث العباد ، اللهم ارحم عبادك وبلادك وبهائمك وأنزل رحمتك إله الحق ، اللهم أنزل رحمتك إله الحق ، أنت الولي الحميد وأنت الغني المجيد لا إله إلا أنت .
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفّاراً فأرسل السماء علينا مدرارا ، اللّهمّ إنا نستغفرك إنك كنت غفّاراً فأرسل السماء علينا مدرارا ، اللّهمّ إنا نستغفرك إنك كنت غفّاراً فأرسل السماء علينا مدرارا .
نستغفر الله العلي العظيم ونتوب إليه ، نستغفر الله العلي العظيم ونتوب إليه ، نستغفر الله العلي العظيم ونتوب إليه . اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ، اللهم اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا ، وما أسررنا وما أعلنا ، وما أسرفنا ، وما أنت أعلم به منا ، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله ؛ دقه وجلَّه ، أوله وآخره ، سره وعلنه ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين ، وتقبل دعاء الداعين ورجاء الراجين وطمع الطامعين ولا تردنا إلهنا خائبين ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنين عباد الله : اتقوا الله تعالى واستغفروه وتوبوا إليه ؛ فإن من اتقى الله وقاه ، ومن استغفره هداه واجتباه ، ومن تاب إليه كفاه ووقاه . واعلموا - أيها المؤمنون - أنكم فقراء إلى الله تبارك وتعالى لا غنى لكم عنه طرفة عين ، والله عز وجل غنيٌّ عن العباد وعن طاعاتهم واستغفارهم وذكرهم وشكرهم وجميع أعمالهم ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر:15] .
عباد الله : وفي خضم ملهيات هذه الحياة الدنيا وشواغلها وصوارفها المتعددة قد يغفل الإنسان عن ذكر الله عز وجل وعن الاستغفار والإنابة إلى العزيز الغفار ؛ فيبتلي جل وعلا عباده بأنواع من الابتلاءات لينيبوا إلى الله عز وجل وليقبِلوا عليه وليمدُّوا أيديهم سائلين ، وهو جل وعلا لا يخيِّب من دعاه ولا يردُّ من ناداه وهو القائل جل في علاه : ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾[البقرة:186] .
أيها المؤمنون : تعلمون حاجة البلاد وحاجة الأرض والبهائم والزروع وحاجة الناس إلى الأمطار ونزول الغيث ، لاسيما وقد تأخرت الأمطار وتأخر نزولها واشتدت الحاجة ، فالأرض مقحطة والقفار يابسة والماشية متضررة والزروع متضررة والحاجة شديدةٌ وماسَّة ؛ ولا كاشف لذلك إلا الله تبارك وتعالى ، فهو عز وجل كاشف الكربات ومغيث الملهوفين ومعطي المحتاجين {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}[النمل:62] .
أيها المؤمنون : والغيث لا ينزِّله إلا الله { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}[الشورى:28] ، يقول جل وعلا : { أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (6 أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ}[الواقعة:68-69] والمزن : السحاب . فلا ينزل الغيث إلا الله ، فما أحوج العباد إلى الإقبال على الله صادقين منيبين ملحِّين يرجون رحمته ويخافون عذابه .
أيها المؤمنون : وثمة غيثان عظيمان لا ينزِّلهما إلا الله تبارك وتعالى ، وكل منهما مرتبطٌ بالآخر :
v الأول - وهو الأجلُّ والأعظم - : غياث القلوب بالوحي المنزَّل من رب العالمين { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}[الشعراء:192-195] ، ولا حياة للقلوب ولا صلاح إلا بهذا الغيث وحي الله المنزَّل وكلامه المعظَّم الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت:42] .
v والنوع الآخر : هو غياث الأرض بالماء .
وقد ذكر الله عز وجل هذين الغيثين ذكراً متوالياً في مواضع من كتابه ، ومن ذلكم قول الله عز وجل : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }[الحديد:16-17] .
نعم أيها المؤمنون ! إنها آيةٌ ما أعظمها وأجلَّها ؛ فكما أن الله جل وعلا يحيي الأرض الميِّتة بالماء فإذا نزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ، فهو كذلك جل وعلا يحيي القلوب الميتة بالوحي ، فلا حياة للقلوب ولا صلاح ولا زكاء ولا فلاح إلا بوحي الله تبارك وتعالى ، فإذا صلُحت حال الناس وزكت قلوبهم وطابت أعمالهم بصِلتهم بوحي الله وكلامه وتنزيله فرَّج الله همومهم ونفَّس كرباتهم وأغاثهم بالماء وبجميع أنواع الخيرات {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا }[نوح:10-12] .
أيها المؤمنون : ما أحوجنا - إي والله - أن نحاسب أنفسنا ونحن في هذه الساعة ، نقبِل على ربنا بالدعاء سائلين راجين ، أن نحاسب أنفسنا في حالنا مع وحي الله وكلامه وتنزيله ؛ هل نحن مقبِلون عليه علماً وعملا ، قياماً وتطبيقا ، امتثالاً واقتداء ، أم أننا مفرطون ؟ . إنَّ العبد - أيها المؤمنون - إذا أقبل على الله وعلى وحي الله وكلامه وأصلح نفسه بالوحي المنزل صلَحت أحواله كلها .
نعم ! ما أحوجنا إلى محاسبة أنفسنا والتوبة إلى ربنا والإنابة إلى إلهنا وخالقنا وسيدنا ومولانا ، ما أحوجنا - عباد الله - إلى أن نتوب إلى الله ، إلى أن نفتقر إلى الله ، إلى أن نذلَّ بين يدي الله ، إلى أن نعظم الرجاء فيما عند الله، إلى أن نكون صادقين في دعائنا لله ، إلى أن نكون حقاً منيبين إلى الله ، كلما عظم افتقارنا إلى الله عز وجل وذلُّنا بين يديه وعظُم رجاءنا فيما عنده فإنه عز وجل يعطي العطاء الجزيل ويمنُّ بالمنِّ العظيم ويتفضل بالتفضل الكبير عز وجل ، لا تتعاظمه مسألةٌ يُسألها ولا حاجة أن يعطيها جل في علاه .
فأقبِلوا أيها المؤمنون على الله بلا يأس ولا قنوط بل بصدقٍ مع الله عز وجل وعظيم رجاء فيما عنده ، أقبِلوا على الله عز وجل بالدعاء والسؤال ، وارفعوا أيديكم سائلين متذكِّرين قول نبينا عليه الصلاة والسلام : (( إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا )) .
اللهم يا ربنا ويا إلهنا ويا سيدنا ويا مولانا تعلم ضعفنا وتعلم ذلَّنا وتعلم افتقارنا وأننا يا إلهنا لا غنى لنا عنك طرفة عين ، وأنت الغني الحميد ، القوي المتين ، العظيم المجيد ، العليم الحليم ، الكريم الرحيم ، المحسن المعطي ، الجواد المنان ، أنت إلهنا الذي بيدك أزمَّة الأمور ومقاليد السماوات والأرض ، بيدك العطاء والمنع ، والخفض والرفع ، والعز والذل ، والقبض والبسط ، لا إله إلا أنت لا شريك لك ولا ندَّ لك ولا نظير لك ولا مثيل لك ، أنت الإله الحق ، وأنت العظيم المجيد ، وأنت الكريم الحليم ، وأنت المحسن الجواد ، اللهم إنا نتوسل إليك إلهنا بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت ، أنت أرحم الراحمين ، أنت أرحم الراحمين ، أنت الكريم الحليم ، نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا سؤال الفقير الذليل ، سؤال العبد الفقير ، سؤال الراجي الطامع فيما عندك يا الله ، اللهم فلا تردَّنا خائبين ، اللهم لا تردَّنا خائبين ، اللهم لا تردَّنا خائبين ، اللهم أيدينا إليك مُدَّت ودعواتنا إليك رُفِعت وأنت الله لا إله إلا أنت لا تردُّ من سألك وناداك وطمع فيما عندك ورجاك ، اللهم فلا تردنا خائبين ، اللهم فلا تردنا خائبين ، إن منعتنا فمن الذي يعطينا ، وإن طردتنا فمن الذي يؤوينا ، اللهم لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ، أنت رجاؤنا وأنت أملنا وأنت غياثنا ، إليك المفزع وإليك المفر .
اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، وزدنا ولا تنقصنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا . اللهم يا ربنا أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر ، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر ، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين ، اللهم إنا نسألك غيثاً مغيثا ، هنيئاً مريئا ، سحاً طبقا ، نافعاً غير ضار ، عاجلاً غير آجل .
اللهم أبعِد عن قلوبنا قنوطها ويأسها ، اللهم قوِّ رجاءنا بك وذلَّنا بين يديك وطمعنا فيما عندك ولا تردنا إلهنا خائبين ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم إنا نسألك الغيث فلا تجعلنا من القانطين ، اللهم إنا نسألك الغيث فلا تجعلنا من اليائسين ، اللهم أغث البلاد وأغث العباد ، اللهم ارحم عبادك وبلادك وبهائمك وأنزل رحمتك إله الحق ، اللهم أنزل رحمتك إله الحق ، أنت الولي الحميد وأنت الغني المجيد لا إله إلا أنت .
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفّاراً فأرسل السماء علينا مدرارا ، اللّهمّ إنا نستغفرك إنك كنت غفّاراً فأرسل السماء علينا مدرارا ، اللّهمّ إنا نستغفرك إنك كنت غفّاراً فأرسل السماء علينا مدرارا .
نستغفر الله العلي العظيم ونتوب إليه ، نستغفر الله العلي العظيم ونتوب إليه ، نستغفر الله العلي العظيم ونتوب إليه . اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ، اللهم اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا ، وما أسررنا وما أعلنا ، وما أسرفنا ، وما أنت أعلم به منا ، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله ؛ دقه وجلَّه ، أوله وآخره ، سره وعلنه ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين ، وتقبل دعاء الداعين ورجاء الراجين وطمع الطامعين ولا تردنا إلهنا خائبين ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله