بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : فهذه بعض من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية وفتاوى الإمامين كل من العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- والعلامة محمد بن صالح العثيمين-رحمه الله-
أحببت أن أختار منها بعض ما يناسب الحال والزمان رجاء الانتفاع بها أسأل الله أن يمن علي وعليكم بالفقه في الدين وأن يو فقنا لصالح القول والعمل إنه على كل شيء قدير والحمد لله رب العالمين صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فتوى اللجنة الدائمة في بدع تتعلق ببعض الليالي والأيام
الأسباب المعينة على طلب العلم
الأسباب المعينة على طلب العلم كثيرة، نذكر منها:
أولاً: التقوى:
وهي وصية الله للأولين والآخرين من عباده، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) (1) .
وهي أيضًا وصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأمته، فعن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب في حجة الوداع فقال: "اتقوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا لأمرائكم تدخلوا جنة ربكم " (2) . وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا أميرًا على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله، وبمن معه من المسلمين خيرًا. ولم يزل السلف الصالح يتواصون بها في خطبهم ومكاتباتهم ووصاياهم عند الوفاة، كتب عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- إلى ابنه عبد الله: أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله- عز وجل- فإنه من اتقاه وقاه، ومن أقرضه جزاه، ومن شكره زاده، وأوصى عليٌّ رضي الله عنه رجلاً فقال:
__________
(1) سورة النساء، الآية: 131.
(2) رواه أحمد 36/487 (22161) ، والترمذي/كتاب السفر/باب (316) برقم (616)
(أوصيك بتقوى الله عز وجل الذي لابد لك من لقائه، ولا منتهى لك دونه، وهو يملك الدنيا والآخرة) ، وكتب أحد الصالحين إلى أخ له في الله تعالى:
(أما بعد... أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك، ورقيبك في علانيتك، فاجعل الله من بالك على كل حال في ليلك ونهارك. وخف الله بقدر قربه منك وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه
لا تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، ولا من ملكه إلى ملك غيره، فليعظم منه حذرك، وليكثر وجلك، والسلام) .
ومعنى التقوى: أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه وقاية تقيه منه.
وتقوى العبد ربه: أن يجعل بينه وبين من يخشاه من غضبه وسخطه وقاية تقيه من ذلك، بفعل طاعته، واجتناب معاصيه.
واعلم أن التقوى أحيانًا تقترن بالبر، فيقال: بر وتقوى كما في قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (1) وتارة تذكر وحدها، فإذا قرنت بالبر صار البر: فعل الأوامر، والتقوى: ترك النواهي.
وإذا أفردت صارت شاملة تعم فعل الأوامر، واجتناب النواهي، وقد ذكر الله في كتابه أن الجنة أعدت للمتقين، فأهل التقوى هم أهل الجنة- جعلنا الله وإياكم منهم- ولذلك يجب على الإنسان أن يتقي
__________
(1) سورة المائدة، الآية: 2.
رابعًا: ملازمة العلماء:
يجب على طالب العلم أن يستعين بالله- عز وجل- ثم بأهل العلم، ويستعين بما كتبوا في كتبهم؛ لأن الاقتصار على مجرد القراءة والمطالعة يحتاج إلى وقت طويل بخلاف من جلس إلى عالم يبين له،
ويشرح له، وينير له الطريق، وأنا لا أقول: إنه لا يدرك العلم إلا بالتلقي من المشايخ، فقد يدرك الإنسان بالقراءة والمطالعة لكن الغالب أنه إذا ما أكب أكبابًا تامًا ليلاً ونهارًا ورزق الفهم فإنه قد
يخطئ كثيرًا؛ ولهذا يقال: (من كان دليله كتابه فخطؤه أكثر من صوابه) ، ولكن هذا ليس على الإطلاق في الحقيقة.
ولكن الطريقة المثلى أن يتلقى العلم على المشايخ، وأنا أنصح طالب العلم أيضًا ألا يتلقف من كل شيخ في فن واحد، مثل أن يتعلم الفقه من أكثر من شيخ؛ لأن العلماء يختلفون في طريقة
استدلالهم من الكتاب والسنة، ويختلفون في آرائهم، أيضا فأنت تجعل لك عالماً تتلقى علمه في الفقه أو البلاغة وهكذا، أي تتلقى
__________
(1) سورة مريم، الآية: 76.
(2) سورة محمد، الآية: 17.
أحببت أن أختار منها بعض ما يناسب الحال والزمان رجاء الانتفاع بها أسأل الله أن يمن علي وعليكم بالفقه في الدين وأن يو فقنا لصالح القول والعمل إنه على كل شيء قدير والحمد لله رب العالمين صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فتوى اللجنة الدائمة في بدع تتعلق ببعض الليالي والأيام
السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 10803 ) :
س: في يوم العاشر من المحرم بعض الناس يوسعون الطعام على أهله ويبينون الخطباء فضائله الدينية والدنيوية ماذاحيثية، وهكذا بعض الناس يقولون بالتجارب طعمة البركة في المال؟
ج: المشروع صيام اليوم العاشر من شهر المحرم مع اليوم التاسع أو الحادي عشر، وإذا حث الخطيب أو المدرس الناس على ذلك وبين فضله فهو خير، أما التوسعة على الأهل في الطعام ذلك اليوم بقصد أن ذلك مما شرع تفضيلا له فهو بدعة، وما ورد في فضل التوسعة فيه على الأهل من الأحاديث لم يصح.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
السؤال الأول من الفتوى رقم ( 7465 ) :
س1: ما هو حكم الذبح في وقت محدود وزمن معلوم من كل سنة، حيث إنه يوجد عدد كثير من الناس يعتقدون أن الذبح في 27 رجب و6 من صفر و15 من شوال و10 من شهر محرم أن هذا قربة وعبادة إلى الله عز وجل، فهل هذه الأعمال صحيحة، وتدل عليها السنة، أم أنها بدعة مخالفة للدين الإسلامي الصحيح ولا يثاب عليها فاعلها؟
ج1: العبادات وسائر القربات توقيفية لا تعلم إلا بتوقيف من الشرع، وتخصيص الأيام المذكورة من تلك الشهور بالذبائح فيها لم يثبت فيه نص من كتاب ولا سنة صحيحة، ولا عرف ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم، وعلى هذا فهو بدعة محدثة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » (1) رواه البخاري ومسلم .
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (171,سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/270).
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين س: في يوم العاشر من المحرم بعض الناس يوسعون الطعام على أهله ويبينون الخطباء فضائله الدينية والدنيوية ماذاحيثية، وهكذا بعض الناس يقولون بالتجارب طعمة البركة في المال؟
ج: المشروع صيام اليوم العاشر من شهر المحرم مع اليوم التاسع أو الحادي عشر، وإذا حث الخطيب أو المدرس الناس على ذلك وبين فضله فهو خير، أما التوسعة على الأهل في الطعام ذلك اليوم بقصد أن ذلك مما شرع تفضيلا له فهو بدعة، وما ورد في فضل التوسعة فيه على الأهل من الأحاديث لم يصح.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
السؤال الأول من الفتوى رقم ( 7465 ) :
س1: ما هو حكم الذبح في وقت محدود وزمن معلوم من كل سنة، حيث إنه يوجد عدد كثير من الناس يعتقدون أن الذبح في 27 رجب و6 من صفر و15 من شوال و10 من شهر محرم أن هذا قربة وعبادة إلى الله عز وجل، فهل هذه الأعمال صحيحة، وتدل عليها السنة، أم أنها بدعة مخالفة للدين الإسلامي الصحيح ولا يثاب عليها فاعلها؟
ج1: العبادات وسائر القربات توقيفية لا تعلم إلا بتوقيف من الشرع، وتخصيص الأيام المذكورة من تلك الشهور بالذبائح فيها لم يثبت فيه نص من كتاب ولا سنة صحيحة، ولا عرف ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم، وعلى هذا فهو بدعة محدثة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » (1) رواه البخاري ومسلم .
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (171,سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/270).
الأسباب المعينة على طلب العلم
الأسباب المعينة على طلب العلم كثيرة، نذكر منها:
أولاً: التقوى:
وهي وصية الله للأولين والآخرين من عباده، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) (1) .
وهي أيضًا وصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأمته، فعن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب في حجة الوداع فقال: "اتقوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا لأمرائكم تدخلوا جنة ربكم " (2) . وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا أميرًا على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله، وبمن معه من المسلمين خيرًا. ولم يزل السلف الصالح يتواصون بها في خطبهم ومكاتباتهم ووصاياهم عند الوفاة، كتب عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- إلى ابنه عبد الله: أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله- عز وجل- فإنه من اتقاه وقاه، ومن أقرضه جزاه، ومن شكره زاده، وأوصى عليٌّ رضي الله عنه رجلاً فقال:
__________
(1) سورة النساء، الآية: 131.
(2) رواه أحمد 36/487 (22161) ، والترمذي/كتاب السفر/باب (316) برقم (616)
(أوصيك بتقوى الله عز وجل الذي لابد لك من لقائه، ولا منتهى لك دونه، وهو يملك الدنيا والآخرة) ، وكتب أحد الصالحين إلى أخ له في الله تعالى:
(أما بعد... أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك، ورقيبك في علانيتك، فاجعل الله من بالك على كل حال في ليلك ونهارك. وخف الله بقدر قربه منك وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه
لا تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، ولا من ملكه إلى ملك غيره، فليعظم منه حذرك، وليكثر وجلك، والسلام) .
ومعنى التقوى: أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه وقاية تقيه منه.
وتقوى العبد ربه: أن يجعل بينه وبين من يخشاه من غضبه وسخطه وقاية تقيه من ذلك، بفعل طاعته، واجتناب معاصيه.
واعلم أن التقوى أحيانًا تقترن بالبر، فيقال: بر وتقوى كما في قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (1) وتارة تذكر وحدها، فإذا قرنت بالبر صار البر: فعل الأوامر، والتقوى: ترك النواهي.
وإذا أفردت صارت شاملة تعم فعل الأوامر، واجتناب النواهي، وقد ذكر الله في كتابه أن الجنة أعدت للمتقين، فأهل التقوى هم أهل الجنة- جعلنا الله وإياكم منهم- ولذلك يجب على الإنسان أن يتقي
__________
(1) سورة المائدة، الآية: 2.
الله- عز وجل- امتثالاً لأمره، وطلبًا لثوابه، والنجاة من عقابه.
قال الله- عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (1).
وهذه الآيات فيها ثلاث فوائد مهمة:
الفائدة الأولى: (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا) (2) أي يجعل لكم ما تفرقون به بين الحق والباطل، وبين الضار والنافع، وهذا يدخل فيه العلم بحيث يفتح الله على الإنسان من العلوم ما لا يفتح لغيره، فإن
التقوى يحصل بها زيادة الهدى، وزيادة العلم، وزيادة الحفظ، ولهذا يذكر عن الشافعي- رحمه الله- أنه قال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال: اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي
ولا شك أن الإنسان كلما ازداد علمًا ازداد معرفة وفرقانًا بين الحق والباطل، والضار والنافع، وكذلك يدخل فيه ما يفتح الله على الإنسان من الفهم؛ لأن التقوى سبب لقوة الفهم، وقوة الفهم يحصل بها زيادة العلم، فنك ترى الرجلين يحفظان آية من كتاب الله يستطيع أحدهما أن يستخرج منها ثلاثة أحكام، ويستطيع الآخر أن يستخرج
__________
(1) سورة الأنفال، الآية: 29.
(2) سورة الأنفال، الآية: 29.
أكثر من هذا بحسب ما أتاه الله من الفهم، فالتقوى سبب لزيادة الفهم.
ويدخل في ذلك أيضًا الفراسة أن الله يعطي المتقي فراسة يميز بها حتى بين الناس، فبمجرد ما يرى الإنسان يعرف أنه كاذب أو صادق، أو بر أو فاجر حتى أنه ربما يحكم على الشخص وهو لم يعاشره، ولم يعرف عنه شيئًا بسبب ما أعطاه الله من الفراسة.
الفائدة الثانية: (وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) (1) وتكفير السيئات يكون بالأعمال الصالحة، فإن الأعمال الصالحة تكفر الأعمال السيئة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" (2) .
وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما " (3) .
فالكفارة تكون بالأعمال الصالحة، وهذا يعني أن الإنسان إذا اتقى الله سهل له الأعمال الصالحة التي يكفر الله بها عنه.
الفائدة الثالثة: (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) (1) بأن ييسركم للاستغفار والتوبة،
__________
(1) سورة الأنفال، الآية: 29.
(2) رواه مسلم/كتاب الطهارة/باب الصلوات الخمس والجمعة للجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، برقم (233) (16) .
(3) رواه البخاري/كتاب العمرة/باب العمرة، برقم (1773) . ومسلم/كتاب الحج/ باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، برقم (1349) .
فإن هذا من نعمة الله على العبد أن ييسر للاستغفار والتوبة.
ثانيًا: المثابرة والاستمرار على طلب العلم:
يتعين على طالب العلم أن يبذل الجهد في إدراك العلم والصبر عليه، وأن يحفظ به بعد تحصيله، فإن العلم لا ينال براحة الجسم، فيسلك المتعلم جميع الطرق الموصلة إلى العلم وهو مثاب على ذلك،
لما ثبت في صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة" (2) فليثابر طالب العلم، ويجتهد، ويسهر الليالي، ويدع عنه كل ما يصرفه أو يشغله عن طلب العلم.
وللسلف الصالح قضايا مشهورة في المثابرة على طلب العلم حتى أنه يروى عن ابن عباس- رضي الله عنه- أنه سئل بما أدركت العلم؟ قال: بلسان سؤول، وقلب عقول، وبدن غير كسول، وعنه
أيضًا- رضي الله عنه- قال: ".... إن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه- وهو قائل- فأتوسد ردائي على بابه، تسفي الريح عليَّ من التراب، فيخرج فيقول: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟ ألا أرسلت إليَّ فآتيك؟ فأقول: أنا أحق أن آتيك، فأساله عن الحديث... " فابن
__________
(1) سورة الأنفال، الآية: 29.
(2) رواه مسلم/كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار/باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، وعلى الذكر، بر قم (2699) .
عباس- رضي الله عنه- تواضع للعلم فرفعه الله به.
وهكذا ينبغي لطالب العلم أن يثابر المثابرة الكبيرة، ويروى أيضًا عن الشافعي- رحمه الله- أنه استضافه الإمام أحمد رحمه الله ذات ليلة فقدم له العشاء، فأكل الشافعي ثم تفرق الرجلان إلى منامهما، فبقي الشافعي- رحمه الله- يفكر في استنباط أحكام من حديث، وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "يا أبا عمير ما فعل النغير" (1) .
وأبو عمير كان معه طائر صغير يسمى النغير، فمات هذا الطائر فحزن عليه الصبي، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يداعب الصبيان ويكلم كل إنسان بما يليق به، فظل طول الليل يستنبط من هذا الحديث.
ويقال: إنه استنبط منه أكثر من ألف فائدة، ولعله إذا استنبط فائدة جر إليها حديث آخر، وهكذا حتى تتم؛ فلما أذن الفجر قام الشافعي- رحمه الله- ولم يتوضأ ثم انصرف إلى بيته، وكان الإمام
أحمد رحمه الله يثني عليه عند أهله.
فقالوا له: يا أبا عبد الله كيف تثني على هذا الرجل الذي أكل فشرب ونام ولم يقم، وصلى الفجر بدون وضوء؟
فسأل الإمام الشافعي فقال: (أما كوني أكلت حتى أفرغت الإناء
__________
(1) رواه البخاري/كتاب الأدب/باب الانبساط إلى الناس/برقم (6129) . ومسلم/ كتاب الآداب/باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته، برقم (2150) .
فذلك لأني ما وجدت طعامًا أطيب من طعام الإمام أحمد فأردت أن أملأ بطني منه، وأما كوني لم أقم لصلاة الليل فإن العلم أفضل من قيام الليل، وقد كنت أفكر في هذا الحديث، وأما كوني لم أتوضأ
لصلاة الفجر فكنت على وضوء من صلاة العشاء) ولا يحب أن يكلفهم بماء الوضوء.
أقول على كل حال: إن المثابرة في طلب العلم أمر مهم، فلننظر في حاضرنا الآن، هل نحن على هذه المثابرة أم لا؟
أما الذين يدرسون دراسة نظامية فإنهم إذا انصرفوا من الدراسة ربما يتلهون بأشياء لا تعين على الدرس، وإني أضرب مثلاً وأحب ألا يكون وألا يوجد له نظير، أحد الطلبة في بعض المواد أجاب إجابة سيئة.
فقال المدرس: لماذا؟
فقال: لأني قد أيست من فهم هذه المادة، فأنا لا أدرسها ولكن أريد أن أكون حاملاً لها، كيف اليأس؟ هذا خطأ عظيم، فيجب أن نثابر حتى نصل إلى الغاية.
وقد حدثني شيخنا المثابر عبد الرحمن السعدي- رحمه الله- أنه ذكر عن الكسائي إمام أهل الكوفة في النحو أنه طلب علم النحو فلم يتمكن، وفي يوم من الأيام وجد نملة تحمل طعامًا لها وتصعد به
إلى الجدار وكلما صعدت سقطت، ولكنها ثابرت حتى تخلصت من هذه العقبة وصعدت الجدار، فقال الكسائي: هذه النملة ثابرت حتى وصلت الغاية، فثابر حتى صار إمامًا في النحو.
ولهذا ينبغي لنا أيها الطلبة أن نثابر ولا نيأس؛ فإن اليأس معناه سد باب الخير، وينبغي لنا ألا نتشاءم بل نتفاءل وأن نعد أنفسنا خيرًا.
ثالثًا: الحفظ:
فيجب على طالب العلم الحرص على المذاكرة وضبط ما تعلمه إما بحفظه في صدره، أو كتابته، فإن الإنسان عرضة للنسيان، فإذا لم يحرص على المراجعة وتكرير ما تعلمه فإن ذلك يضيع منه وينساه
وقد قيل:
العلم صيد والكتابة قيده فقيد صيودك بالحبال الواثقة فمن الحماقة أن تصيد غزالة وتتركها بين الخلائق طالقة ومن الطرق التي تعين على حفظ العلم وضبطه: أن يهتدي الإنسان بعلمه، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (1) .
__________
(1) سورة محمد، الآية: 17.
وقال: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى) (1) ، فكلما عمل الإنسان بعلمه زاده الله حفظًا وفهمًا، لعموم قوله: (زَادَهُمْ هُدًى) (2) .قال الله- عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (1).
وهذه الآيات فيها ثلاث فوائد مهمة:
الفائدة الأولى: (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا) (2) أي يجعل لكم ما تفرقون به بين الحق والباطل، وبين الضار والنافع، وهذا يدخل فيه العلم بحيث يفتح الله على الإنسان من العلوم ما لا يفتح لغيره، فإن
التقوى يحصل بها زيادة الهدى، وزيادة العلم، وزيادة الحفظ، ولهذا يذكر عن الشافعي- رحمه الله- أنه قال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال: اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي
ولا شك أن الإنسان كلما ازداد علمًا ازداد معرفة وفرقانًا بين الحق والباطل، والضار والنافع، وكذلك يدخل فيه ما يفتح الله على الإنسان من الفهم؛ لأن التقوى سبب لقوة الفهم، وقوة الفهم يحصل بها زيادة العلم، فنك ترى الرجلين يحفظان آية من كتاب الله يستطيع أحدهما أن يستخرج منها ثلاثة أحكام، ويستطيع الآخر أن يستخرج
__________
(1) سورة الأنفال، الآية: 29.
(2) سورة الأنفال، الآية: 29.
أكثر من هذا بحسب ما أتاه الله من الفهم، فالتقوى سبب لزيادة الفهم.
ويدخل في ذلك أيضًا الفراسة أن الله يعطي المتقي فراسة يميز بها حتى بين الناس، فبمجرد ما يرى الإنسان يعرف أنه كاذب أو صادق، أو بر أو فاجر حتى أنه ربما يحكم على الشخص وهو لم يعاشره، ولم يعرف عنه شيئًا بسبب ما أعطاه الله من الفراسة.
الفائدة الثانية: (وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) (1) وتكفير السيئات يكون بالأعمال الصالحة، فإن الأعمال الصالحة تكفر الأعمال السيئة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" (2) .
وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما " (3) .
فالكفارة تكون بالأعمال الصالحة، وهذا يعني أن الإنسان إذا اتقى الله سهل له الأعمال الصالحة التي يكفر الله بها عنه.
الفائدة الثالثة: (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) (1) بأن ييسركم للاستغفار والتوبة،
__________
(1) سورة الأنفال، الآية: 29.
(2) رواه مسلم/كتاب الطهارة/باب الصلوات الخمس والجمعة للجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، برقم (233) (16) .
(3) رواه البخاري/كتاب العمرة/باب العمرة، برقم (1773) . ومسلم/كتاب الحج/ باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، برقم (1349) .
فإن هذا من نعمة الله على العبد أن ييسر للاستغفار والتوبة.
ثانيًا: المثابرة والاستمرار على طلب العلم:
يتعين على طالب العلم أن يبذل الجهد في إدراك العلم والصبر عليه، وأن يحفظ به بعد تحصيله، فإن العلم لا ينال براحة الجسم، فيسلك المتعلم جميع الطرق الموصلة إلى العلم وهو مثاب على ذلك،
لما ثبت في صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة" (2) فليثابر طالب العلم، ويجتهد، ويسهر الليالي، ويدع عنه كل ما يصرفه أو يشغله عن طلب العلم.
وللسلف الصالح قضايا مشهورة في المثابرة على طلب العلم حتى أنه يروى عن ابن عباس- رضي الله عنه- أنه سئل بما أدركت العلم؟ قال: بلسان سؤول، وقلب عقول، وبدن غير كسول، وعنه
أيضًا- رضي الله عنه- قال: ".... إن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه- وهو قائل- فأتوسد ردائي على بابه، تسفي الريح عليَّ من التراب، فيخرج فيقول: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟ ألا أرسلت إليَّ فآتيك؟ فأقول: أنا أحق أن آتيك، فأساله عن الحديث... " فابن
__________
(1) سورة الأنفال، الآية: 29.
(2) رواه مسلم/كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار/باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، وعلى الذكر، بر قم (2699) .
عباس- رضي الله عنه- تواضع للعلم فرفعه الله به.
وهكذا ينبغي لطالب العلم أن يثابر المثابرة الكبيرة، ويروى أيضًا عن الشافعي- رحمه الله- أنه استضافه الإمام أحمد رحمه الله ذات ليلة فقدم له العشاء، فأكل الشافعي ثم تفرق الرجلان إلى منامهما، فبقي الشافعي- رحمه الله- يفكر في استنباط أحكام من حديث، وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "يا أبا عمير ما فعل النغير" (1) .
وأبو عمير كان معه طائر صغير يسمى النغير، فمات هذا الطائر فحزن عليه الصبي، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يداعب الصبيان ويكلم كل إنسان بما يليق به، فظل طول الليل يستنبط من هذا الحديث.
ويقال: إنه استنبط منه أكثر من ألف فائدة، ولعله إذا استنبط فائدة جر إليها حديث آخر، وهكذا حتى تتم؛ فلما أذن الفجر قام الشافعي- رحمه الله- ولم يتوضأ ثم انصرف إلى بيته، وكان الإمام
أحمد رحمه الله يثني عليه عند أهله.
فقالوا له: يا أبا عبد الله كيف تثني على هذا الرجل الذي أكل فشرب ونام ولم يقم، وصلى الفجر بدون وضوء؟
فسأل الإمام الشافعي فقال: (أما كوني أكلت حتى أفرغت الإناء
__________
(1) رواه البخاري/كتاب الأدب/باب الانبساط إلى الناس/برقم (6129) . ومسلم/ كتاب الآداب/باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته، برقم (2150) .
فذلك لأني ما وجدت طعامًا أطيب من طعام الإمام أحمد فأردت أن أملأ بطني منه، وأما كوني لم أقم لصلاة الليل فإن العلم أفضل من قيام الليل، وقد كنت أفكر في هذا الحديث، وأما كوني لم أتوضأ
لصلاة الفجر فكنت على وضوء من صلاة العشاء) ولا يحب أن يكلفهم بماء الوضوء.
أقول على كل حال: إن المثابرة في طلب العلم أمر مهم، فلننظر في حاضرنا الآن، هل نحن على هذه المثابرة أم لا؟
أما الذين يدرسون دراسة نظامية فإنهم إذا انصرفوا من الدراسة ربما يتلهون بأشياء لا تعين على الدرس، وإني أضرب مثلاً وأحب ألا يكون وألا يوجد له نظير، أحد الطلبة في بعض المواد أجاب إجابة سيئة.
فقال المدرس: لماذا؟
فقال: لأني قد أيست من فهم هذه المادة، فأنا لا أدرسها ولكن أريد أن أكون حاملاً لها، كيف اليأس؟ هذا خطأ عظيم، فيجب أن نثابر حتى نصل إلى الغاية.
وقد حدثني شيخنا المثابر عبد الرحمن السعدي- رحمه الله- أنه ذكر عن الكسائي إمام أهل الكوفة في النحو أنه طلب علم النحو فلم يتمكن، وفي يوم من الأيام وجد نملة تحمل طعامًا لها وتصعد به
إلى الجدار وكلما صعدت سقطت، ولكنها ثابرت حتى تخلصت من هذه العقبة وصعدت الجدار، فقال الكسائي: هذه النملة ثابرت حتى وصلت الغاية، فثابر حتى صار إمامًا في النحو.
ولهذا ينبغي لنا أيها الطلبة أن نثابر ولا نيأس؛ فإن اليأس معناه سد باب الخير، وينبغي لنا ألا نتشاءم بل نتفاءل وأن نعد أنفسنا خيرًا.
ثالثًا: الحفظ:
فيجب على طالب العلم الحرص على المذاكرة وضبط ما تعلمه إما بحفظه في صدره، أو كتابته، فإن الإنسان عرضة للنسيان، فإذا لم يحرص على المراجعة وتكرير ما تعلمه فإن ذلك يضيع منه وينساه
وقد قيل:
العلم صيد والكتابة قيده فقيد صيودك بالحبال الواثقة فمن الحماقة أن تصيد غزالة وتتركها بين الخلائق طالقة ومن الطرق التي تعين على حفظ العلم وضبطه: أن يهتدي الإنسان بعلمه، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (1) .
__________
(1) سورة محمد، الآية: 17.
رابعًا: ملازمة العلماء:
يجب على طالب العلم أن يستعين بالله- عز وجل- ثم بأهل العلم، ويستعين بما كتبوا في كتبهم؛ لأن الاقتصار على مجرد القراءة والمطالعة يحتاج إلى وقت طويل بخلاف من جلس إلى عالم يبين له،
ويشرح له، وينير له الطريق، وأنا لا أقول: إنه لا يدرك العلم إلا بالتلقي من المشايخ، فقد يدرك الإنسان بالقراءة والمطالعة لكن الغالب أنه إذا ما أكب أكبابًا تامًا ليلاً ونهارًا ورزق الفهم فإنه قد
يخطئ كثيرًا؛ ولهذا يقال: (من كان دليله كتابه فخطؤه أكثر من صوابه) ، ولكن هذا ليس على الإطلاق في الحقيقة.
ولكن الطريقة المثلى أن يتلقى العلم على المشايخ، وأنا أنصح طالب العلم أيضًا ألا يتلقف من كل شيخ في فن واحد، مثل أن يتعلم الفقه من أكثر من شيخ؛ لأن العلماء يختلفون في طريقة
استدلالهم من الكتاب والسنة، ويختلفون في آرائهم، أيضا فأنت تجعل لك عالماً تتلقى علمه في الفقه أو البلاغة وهكذا، أي تتلقى
__________
(1) سورة مريم، الآية: 76.
(2) سورة محمد، الآية: 17.
العلم في فن واحد من شيخ واحد، وإذا كان الشيخ عنده أكثر من فن فتلتزم معه؛ لأنك إذا تلقيت علم الفقه مثلاً من هذا وهذا واختلفوا في رأيهم فماذا يكون موقفك وأنت طالب؟ يكون موقفك الحيرة والشك، لكن التزامك بعالم في فن معين فهذا يؤدي إلى راحتك.