الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
إن فضائل هذا الشهر جمة ، كما أن فضائل عاشوراء كثيرة ، فهو يوم صالح ، ويوم عظيم ، ويوم من أيام الله ، التي ينبغي للمؤمن أن يتعرض لها ، ولا يفوتها ، وقد تكلم على هذه الفضائل العلماء ، وبينوها ، وقد جمعتها في رسالة صغيرة بعنوان " إتحاف أهل الاقتداء بأحكام وفضائل عاشوراء".
ولكن هناك فضيلة من فضائله المهمة أحببت أن أقف عندها قليلا أنقب عن الدرر والجواهر النفيسة التي فيها لأرصع بها جبين هذا اليوم العظيم لمن أراد من إخواننا السنيين أن يطلب فضائله أو يستزيد منها ...
هذه الفضيلة هي أن هذا اليوم عاشوراء يوم من شهر الله المحرم ، ولكن ماذا في هذا الشهر وما علاقته بهذا اليوم؟
هذا الشهر هو أول شهور السنة القمرية التي يعتد بها المسلمون ، ويسمى شهر الله المحرم ، هو أفضل الشهور ، ولكن مقترنا بالصيام ، فقد أضاف الرسول هذا الشهر إلى الله كما يقال بيت الله ، وناقة الله ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- << أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ ...>>.وأحمد (2/344) (8515)ومسلم ( 1163 )وصحيح ابن خزيمة (3/282)(2076).
وهذا لا شك فيه تشريف لهذا الشهر ، لأن الله لا يضيف إليه إلا ما كان شريفا مفضلا ،كما أضاف الصيام إليه في قوله سبحانه في الحديث القدسي :<< إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به >> البخاري (5927) ومسلم (2763)فناسب إضافة الشهر إليه وإضافة الصوم إليه ، وأفضليته فيه ، فاجتمع فيه شرف الشهر مع شرف الصوم فكان مفضلا حقا لذلك ناسب أن يستحب فيه الصوم في جميعه ،فإن عجز فلا يعجزن عن اليوم التاسع والعاشر منه ،أو العاشر والحادي عشر ؛ لأنه أول السنة ، فاستحب للمسلم أن يفتتحها بالصوم لأن الصيام ضياء ، وهو مقبل على سنة غُيّب عنه ما فيها من المصائب والابتلاءات وغيرها ... فكأنه سيدخل نفقا أو طريقا لسنة جديدة يسير فيها لا يدري ما فيها مما كُتب وقدر عليه ..
ومعلم أن الصوم صبر ، وأن الصبر ضياء ، ولك أخي أن تتأمل في هذا التسلسل ، الصبر صوم وهو حبس النفس ومنعها؛ والصبر ضياء ، فمن دخل بعزيمة وهو صائم صابر معه الضياء في نفق هذه السنة الجديدة يستطيع السير والاستمرار والحفظ من العثور والتهيه والضياع ..لأنه كشف له الطريق بالضياء فتفادى الصعاب والمشّاق بالصبر وحبس النفس على الطاعة لذلك استحب صوم هذا الشهر ، أو هذا اليوم على الأقل .
قال أبو العبَّاس القرطبيُّ في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم(10/16)هذا إنما كان - والله أعلم- من أجل : أن المحرم أول السنة المستأنفة التي لم يجئ بعدُ رمضانها ، فكان استفتاحها بالصوم الذي هو من أفضل الأعمال ، والذي أخبر عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ : بأنه ضياء. فإذا استفتح سنته بالضياء مشى فيه بقيتها ، والله تعالى أعلم .
قلت : قوله : أن النبي -صلى الله عليه وسلم - أخبر أن الصوم ضياء لم يثبت وإنما سمى شهر الصوم صبرا فقال: << صوم شهر الصبر وثلاث أيام من كل شهر صوم الدهر>> أحمد (2/384) وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة فمن رجال مسلم، وابن أبي شيبة (14/342)وعبد الرزاق (4/29 وصحيح ابن حبان (6557) وقال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : (3803) في صحيح الجامع.
وقال البيهقي في شعب الإيمان (5/195)وَإِنَّمَا سُمَيَّ الصِّيَامُ صَبْرًا لِأَنَّ الصَّبْرَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْحَبْسُ، وَالصَّائِمُ يَحْبِسُ نَفْسَهُ عَنْ أَشْيَاءَ، جَعَلَ اللهُ تَعَالَى قَوَامَ بَدَنَهِ بِهَا، وَسُمِّيَ الصَّبْرُ ضِيَاءً ؛ لِأَنَّ الشَّهَوَاتِ إِذَا انْقَمَعَتْ بِهِ انْجَلَى مِنَ الْقَلْبِ الظَّلَامُ الْغَاشِي إِيَّاهُ باسْتِيلَاءِ الشَّهَوَاتِ عَلَى النَّفْسِ، فَأبصر مَوَاقِعَ النَّفعِ لَهُ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى، فَآثَرَها وَابْتَدَرَ إِلَيْهَا، َمَوَاقِعَ الضَّرَرِ الَّذِي يَلْحَقُهُ مِنْ مَعَاصِي اللهِ فَاعْتَزَلَهَا وَكَفَّ عَنْهَا، وَقَدْ سَمَّاهُ فِي خَبَرٍ آخَرَ نِصْفَ صَبْرٍ.
وقال في الصبر أنه ضياء عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ الصَّبْرُ ضِيَاءٌ السنة لابن أبي عاصم (2/523) وشعب الإيمان للبيهقي (5/196) قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم :( 925 )في صحيح الجامع .
قال المنذري في مختصر صحيح مسلم (1/66):<< الصبر ضياء ...>> كأنه جعل مصائب الدنيا ونوازلها ظلمات ، وجعل الصبر هو الضياء الذي يكشف غياهبها ، ويرشد إلى المسلك الصحيح فيها ، ومن لا صبر له يهلك ، وهذا يتوافق مع قوله تعالى : [ ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه][ التغابن : 11] .
قلت : وقد ثبت أن الصيام جنّة فعن هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:<< الصوم جنّة >> أحمد (2/463). والبخاري (1894) باب فضل الصيام ،وهو في صحيح الترمذي( 764) وصحيح النسائي (2224 ) وقال الشيخ الألباني صحيح .
فإذا افتتح سنته بالصيام الذي هو صبر ، والصبر حبس النفس ، وهو ضياء للظلمات التي يحبس نفسه عنها ، وافتتحها بهذا العمل الذي خصه الله بنفسه ؛ وهو من أعظم الأعمال التي تقيه من النار ، فهو جنّة ، واختتم السنة به بصيام العشر من ذي الحجة أو صيام عرفات كذلك فإنه أحرى بعمل يكون بينهما طوال السنة أن يحفظ من الشرور والآثام والظلمات الحالكة التي تدخله النار وإن كانت فهو يكفرها كما قال صلى الله عليه وسلم : <<رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما .. >> فصيام شهر الله الحرام إلى صيام العشر من ذي الحجة أو صيام عاشوراء إلى صيام عرفة كفارة لما بينهما طبعا من الصغائر...
ومن فضائله أيضا أنه يكفر سنة ماضية من الذنوب.جاء في صحيح مسلم وغيره عن أبي قتادة -رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن يوم عاشوراء ؟
فقال:<< يكفر السنة الماضية >>وفي رواية لابن ماجة قال:<< صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله >> أنظر له صحيح الترغيب والترهيب [ج 1/424) (ح1007].
فإذا صام عاشوراء ،وهو في ابتداء السنة في شهر مفضل، وهو يكفر السنة الماضية ، وصام عرفات وهو في انتهاء السنة ويكفر السنة الماضية اتفقا على تكفير ما بينهما.
ويقال أيضا: إن عرفات يكفر سنة جارية (أي مستقبلية) وهي التي افتتحها بصيام عاشوراء، وما تأتي نهايتها حتى يختتمها بصيام عرفات فتكون سنة ماضية ، فتكفر ما بينهما وهذا كمن يفتتح يومه بالصلاة ويختتمه بالصلاة ، فيكون كفارة لما بينهما من فتنة الرجل في نفسه وماله وأهله وجاره ، كما جاء في صحيح البخاري (1895)باب الصوم كفارة.وبسنده إلى حُذَيْفَةَ قَالَ : قَالَ عُمَرُ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، مَنْ يَحْفَظُ حَدِيثًا ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْفِتْنَةِ؟ قالَ حُذَيْفَةُ : أَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ : << فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ ...>>.
فائدة: قال ابن القيم: فإن قيل: لم كان عاشوراء يكفر سنة، ويم عرفة يكفر سنتين ؟ قيل: فيه وجهان:
أحدهما:أن يوم عرفة في شهر حرام ، وقبله شهر حرام، وبعده شهر حرام بخلاف عاشوراء . [ أي فهو في شهر حرام وقبله شهر حرام وليس بعده كذلك ].
الوجه الثاني: أن صوم يوم عرفة من خصائص شرعنا بخلاف عاشوراء فضوعف ببركات نبينا -صلى الله عليه وسلم-. والله أعلى وأعلم
ومن فضائله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتحرى صومه ويطلب فضله والنبي صلى الله عليه وسلم ، لا يتحرى ويطلب شيئا مفضولا . وفي ذلك الحديث المتقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: << ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء..>> البخاري [ح2006] ومسلم بلفظ << يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم..>>.
وهذه الفضائل كافية شافية ؛ فيها غنية لمن أراد الاستغناء بالاتباع والاقتداء وإصابة سنة إمام الأنبياء وسيد الأتقياء.وليس وراء هذه الفضائل من فضائل ومزايا إلا الابتداع واتباع الأهواء، فلا مزية في الحزن والمأتم، والنواح، والعويل والبكاء، ولا مزية في إظهار الفرح والسرور والتوسعة على العيال بالطعام والكساء، والمحروم من حرم هذا الفضل من البخلاء ..
أما بعد :
إن فضائل هذا الشهر جمة ، كما أن فضائل عاشوراء كثيرة ، فهو يوم صالح ، ويوم عظيم ، ويوم من أيام الله ، التي ينبغي للمؤمن أن يتعرض لها ، ولا يفوتها ، وقد تكلم على هذه الفضائل العلماء ، وبينوها ، وقد جمعتها في رسالة صغيرة بعنوان " إتحاف أهل الاقتداء بأحكام وفضائل عاشوراء".
ولكن هناك فضيلة من فضائله المهمة أحببت أن أقف عندها قليلا أنقب عن الدرر والجواهر النفيسة التي فيها لأرصع بها جبين هذا اليوم العظيم لمن أراد من إخواننا السنيين أن يطلب فضائله أو يستزيد منها ...
هذه الفضيلة هي أن هذا اليوم عاشوراء يوم من شهر الله المحرم ، ولكن ماذا في هذا الشهر وما علاقته بهذا اليوم؟
هذا الشهر هو أول شهور السنة القمرية التي يعتد بها المسلمون ، ويسمى شهر الله المحرم ، هو أفضل الشهور ، ولكن مقترنا بالصيام ، فقد أضاف الرسول هذا الشهر إلى الله كما يقال بيت الله ، وناقة الله ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- << أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ ...>>.وأحمد (2/344) (8515)ومسلم ( 1163 )وصحيح ابن خزيمة (3/282)(2076).
وهذا لا شك فيه تشريف لهذا الشهر ، لأن الله لا يضيف إليه إلا ما كان شريفا مفضلا ،كما أضاف الصيام إليه في قوله سبحانه في الحديث القدسي :<< إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به >> البخاري (5927) ومسلم (2763)فناسب إضافة الشهر إليه وإضافة الصوم إليه ، وأفضليته فيه ، فاجتمع فيه شرف الشهر مع شرف الصوم فكان مفضلا حقا لذلك ناسب أن يستحب فيه الصوم في جميعه ،فإن عجز فلا يعجزن عن اليوم التاسع والعاشر منه ،أو العاشر والحادي عشر ؛ لأنه أول السنة ، فاستحب للمسلم أن يفتتحها بالصوم لأن الصيام ضياء ، وهو مقبل على سنة غُيّب عنه ما فيها من المصائب والابتلاءات وغيرها ... فكأنه سيدخل نفقا أو طريقا لسنة جديدة يسير فيها لا يدري ما فيها مما كُتب وقدر عليه ..
ومعلم أن الصوم صبر ، وأن الصبر ضياء ، ولك أخي أن تتأمل في هذا التسلسل ، الصبر صوم وهو حبس النفس ومنعها؛ والصبر ضياء ، فمن دخل بعزيمة وهو صائم صابر معه الضياء في نفق هذه السنة الجديدة يستطيع السير والاستمرار والحفظ من العثور والتهيه والضياع ..لأنه كشف له الطريق بالضياء فتفادى الصعاب والمشّاق بالصبر وحبس النفس على الطاعة لذلك استحب صوم هذا الشهر ، أو هذا اليوم على الأقل .
قال أبو العبَّاس القرطبيُّ في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم(10/16)هذا إنما كان - والله أعلم- من أجل : أن المحرم أول السنة المستأنفة التي لم يجئ بعدُ رمضانها ، فكان استفتاحها بالصوم الذي هو من أفضل الأعمال ، والذي أخبر عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ : بأنه ضياء. فإذا استفتح سنته بالضياء مشى فيه بقيتها ، والله تعالى أعلم .
قلت : قوله : أن النبي -صلى الله عليه وسلم - أخبر أن الصوم ضياء لم يثبت وإنما سمى شهر الصوم صبرا فقال: << صوم شهر الصبر وثلاث أيام من كل شهر صوم الدهر>> أحمد (2/384) وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة فمن رجال مسلم، وابن أبي شيبة (14/342)وعبد الرزاق (4/29 وصحيح ابن حبان (6557) وقال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : (3803) في صحيح الجامع.
وقال البيهقي في شعب الإيمان (5/195)وَإِنَّمَا سُمَيَّ الصِّيَامُ صَبْرًا لِأَنَّ الصَّبْرَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْحَبْسُ، وَالصَّائِمُ يَحْبِسُ نَفْسَهُ عَنْ أَشْيَاءَ، جَعَلَ اللهُ تَعَالَى قَوَامَ بَدَنَهِ بِهَا، وَسُمِّيَ الصَّبْرُ ضِيَاءً ؛ لِأَنَّ الشَّهَوَاتِ إِذَا انْقَمَعَتْ بِهِ انْجَلَى مِنَ الْقَلْبِ الظَّلَامُ الْغَاشِي إِيَّاهُ باسْتِيلَاءِ الشَّهَوَاتِ عَلَى النَّفْسِ، فَأبصر مَوَاقِعَ النَّفعِ لَهُ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى، فَآثَرَها وَابْتَدَرَ إِلَيْهَا، َمَوَاقِعَ الضَّرَرِ الَّذِي يَلْحَقُهُ مِنْ مَعَاصِي اللهِ فَاعْتَزَلَهَا وَكَفَّ عَنْهَا، وَقَدْ سَمَّاهُ فِي خَبَرٍ آخَرَ نِصْفَ صَبْرٍ.
وقال في الصبر أنه ضياء عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ الصَّبْرُ ضِيَاءٌ السنة لابن أبي عاصم (2/523) وشعب الإيمان للبيهقي (5/196) قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم :( 925 )في صحيح الجامع .
قال المنذري في مختصر صحيح مسلم (1/66):<< الصبر ضياء ...>> كأنه جعل مصائب الدنيا ونوازلها ظلمات ، وجعل الصبر هو الضياء الذي يكشف غياهبها ، ويرشد إلى المسلك الصحيح فيها ، ومن لا صبر له يهلك ، وهذا يتوافق مع قوله تعالى : [ ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه][ التغابن : 11] .
قلت : وقد ثبت أن الصيام جنّة فعن هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:<< الصوم جنّة >> أحمد (2/463). والبخاري (1894) باب فضل الصيام ،وهو في صحيح الترمذي( 764) وصحيح النسائي (2224 ) وقال الشيخ الألباني صحيح .
فإذا افتتح سنته بالصيام الذي هو صبر ، والصبر حبس النفس ، وهو ضياء للظلمات التي يحبس نفسه عنها ، وافتتحها بهذا العمل الذي خصه الله بنفسه ؛ وهو من أعظم الأعمال التي تقيه من النار ، فهو جنّة ، واختتم السنة به بصيام العشر من ذي الحجة أو صيام عرفات كذلك فإنه أحرى بعمل يكون بينهما طوال السنة أن يحفظ من الشرور والآثام والظلمات الحالكة التي تدخله النار وإن كانت فهو يكفرها كما قال صلى الله عليه وسلم : <<رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما .. >> فصيام شهر الله الحرام إلى صيام العشر من ذي الحجة أو صيام عاشوراء إلى صيام عرفة كفارة لما بينهما طبعا من الصغائر...
ومن فضائله أيضا أنه يكفر سنة ماضية من الذنوب.جاء في صحيح مسلم وغيره عن أبي قتادة -رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن يوم عاشوراء ؟
فقال:<< يكفر السنة الماضية >>وفي رواية لابن ماجة قال:<< صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله >> أنظر له صحيح الترغيب والترهيب [ج 1/424) (ح1007].
فإذا صام عاشوراء ،وهو في ابتداء السنة في شهر مفضل، وهو يكفر السنة الماضية ، وصام عرفات وهو في انتهاء السنة ويكفر السنة الماضية اتفقا على تكفير ما بينهما.
ويقال أيضا: إن عرفات يكفر سنة جارية (أي مستقبلية) وهي التي افتتحها بصيام عاشوراء، وما تأتي نهايتها حتى يختتمها بصيام عرفات فتكون سنة ماضية ، فتكفر ما بينهما وهذا كمن يفتتح يومه بالصلاة ويختتمه بالصلاة ، فيكون كفارة لما بينهما من فتنة الرجل في نفسه وماله وأهله وجاره ، كما جاء في صحيح البخاري (1895)باب الصوم كفارة.وبسنده إلى حُذَيْفَةَ قَالَ : قَالَ عُمَرُ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، مَنْ يَحْفَظُ حَدِيثًا ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْفِتْنَةِ؟ قالَ حُذَيْفَةُ : أَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ : << فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ ...>>.
فائدة: قال ابن القيم: فإن قيل: لم كان عاشوراء يكفر سنة، ويم عرفة يكفر سنتين ؟ قيل: فيه وجهان:
أحدهما:أن يوم عرفة في شهر حرام ، وقبله شهر حرام، وبعده شهر حرام بخلاف عاشوراء . [ أي فهو في شهر حرام وقبله شهر حرام وليس بعده كذلك ].
الوجه الثاني: أن صوم يوم عرفة من خصائص شرعنا بخلاف عاشوراء فضوعف ببركات نبينا -صلى الله عليه وسلم-. والله أعلى وأعلم
ومن فضائله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتحرى صومه ويطلب فضله والنبي صلى الله عليه وسلم ، لا يتحرى ويطلب شيئا مفضولا . وفي ذلك الحديث المتقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: << ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء..>> البخاري [ح2006] ومسلم بلفظ << يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم..>>.
وهذه الفضائل كافية شافية ؛ فيها غنية لمن أراد الاستغناء بالاتباع والاقتداء وإصابة سنة إمام الأنبياء وسيد الأتقياء.وليس وراء هذه الفضائل من فضائل ومزايا إلا الابتداع واتباع الأهواء، فلا مزية في الحزن والمأتم، والنواح، والعويل والبكاء، ولا مزية في إظهار الفرح والسرور والتوسعة على العيال بالطعام والكساء، والمحروم من حرم هذا الفضل من البخلاء ..
تعليق