بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد
:فإن هذه قاعدة مهمة وفقه عظيم ينبغي أن يُعرَف حتى لا يُتكلَّف في دين الله وتُبدّع الأفعال والأقوال بغير علم
.وضَّح هذه القاعدة شيخنا الفاضل: سليمان الرحيلي -حفظه الله- في ثنايا شرحه لكتاب آداب المشي إلى الصلاة فإليكم التوضيح مقتطفا من الدرس الأول في شرح الكتاب
.قال المصنِّف رحمه الله:
[ويقول: اللهم إنِّي أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإنِّي لم أخرج أَشرًا ولا بطرًا ولا رياء ولا سمعة ، خرجتُ اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي جميعًا إنَّه لا يغفر الذنوب إلا أنت]
الشرح:
إسناد هذا الحديث لم يصح. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هذا الحديث من رواية عطية العوفي، وهو ضعيف بالاتفاق، وله طريق أخرى ضعيفة أيضًا، هذا معنى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية. فالحديث الذي ورد فيه هذا الذِّكر ضعيف.
لكن هل في متنه منكَر؟ وهذا سؤال يتعلق بجملة (أسألك بحق السائلين عليك) هل في هذه الجملة فيها ما يُنكَر شرعًا؟
والجواب: لا، ليس فيها ما يُنكَر شرعًا، لأنّ حق السائلين على الله أن يجيبهم، كما أنّ حق العابدين أن يثيبهم، وحق الموحِّدين أن لا يخلِّدهم في النار، وهذا الحق أَحَقَّهُ الله على نفسه تفضلًا وإنعامًا منه –سبحانه-، وليس واجبًا عليه كما يقول المعتزلة، وإنما أَحَقَّهُ الله على نفسه تفضلًا على عباده.
فحق السائلين الإجابة، وحق العابدين الإثابة، وحق الموحِّدين السلامة من الخلود في النار، ثم يَترقّى الموحِّدون فمنهم من لا يُعذَّب في النار أصلًا. نسأل الله أن يجعلنا ووالدِينا وإخواننا منهم.
إذن عندما تقول: أسألك بحق السائلين، ما نوع هذا السؤال؟
هذا توسل بأفعال الله، أسألك بالحق الذي جعلتَه على نفسك، والتوسل بأفعال الله من التوسل المشروع، "اللهم إنِّي أسألك برحمتك أن ترحمني" توسل بفعل الله –سبحانه وتعالى-، التوسل بأفعال الله مشروع، "وبحق ممشاي" توسل بالعمل الصالح، والتوسل بالعمل الصالح مشروع.
إذن إذا سمعنا إمامًا أو شيخًا أو مدرِّسا أو واعظًا قال في دعائه: "اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك" لا ننكر عليه ما دام أنَّه في دعاء؛ لأنَّه وجه صحيح وليس منكرًا شرعًا، وليس معناه كما تنطّع المتنطعون فقالوا معنى "أسألك بحق السائلين": أسألك بجاه السائلين، وأرادوا أن يتوصّلوا بهذا إلى التوسل بذوات المخلوقِين، لا شك أنّ هذا ليس هو المعنى وأنَّه تكلُّف وتنطع، ولذلك ليس فيه منكر على المعنى الصحيح الذي ذكرناه.
يبقى السؤال: هل للإنسان أن يقول هذا الذِّكر إذا خرج؟
أقول: أمّا قوله على أنَّه سنة؛ فلا.
وأمّا التزامه عند كلِّ خروج؛ فلا.
وأمّا قوله أحيانًا؛ فلا بأس؛ لأنَّه ذِكْرٌ مناسب للمقام، فإذا لم يعتقد الإنسان أنَّه سنة ولم يلتزمه فلا محذور شرعًا.
ولهذا أمثلة: عندما يقول الإنسان بعد القراءة "صدق الله العظيم" نقول: إذا قال على أنَّها سنة نقول: لا، إذا التزمها في كل قراءة نقول: لا، إذا قرأها أحيانًا وقال "صدق الله العظيم" حينًا؛ فإنَّا لا ننكر عليه.
أعطيتَ أحدًا ماءً فقال: أسقاك الله من الكوثر أو من حوض النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذا لم يعتقد أنَّها سنة ولم يلتزمها كلما أعطاه إنسان ماء؛ قلنا: لا بأس؛ لأنَّه دعاء مناسب للمقام.
وهذه قاعدة عند أهل العلم، الأدعية والأذكار المناسبة للمقام إذا لم تُنسَب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يلتزمها الإنسان فلا بأس بقولها ولو لم تَرِد في حديث صحيح. وهذا أمر من الفقه العظيم الذي ينبغي أن يُعرف.