الإشهاد على الطلاق
إن الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على خاتم النبيين ، وبعد :
فلا شك أن الإسلام قد جاء بنظام متقن رصين للأسرة ، و قد أجاب عن التساؤلات التي تعرض في هذا الباب ، و وضع الحلول للإشكالات التي تعرض للأسرة المسلمة ، ومن ذلك إباحته لفسخ عقد النكاح بتشريع الطلاق ، وهذا استثناء من نظام العقود ، فإن الإسلام قد استثنى عقد النكاح بعدد من المسائل منها إيجاب الإشهاد على هذا العقد ، وإيجاب ولي المرأة ، وجواز فسخه من قبل طرف واحد ( وهو الرجل لامتلاكه للقوامة ) وإن لم يرض الطرف الآخر ، وهذا هنا على خلاف بقية العقود المنشأة في الإسلام .
فمن حكمة الله تعالى أن شرع " الإذن للرجل بالانفراد بالطلاق دون المرأة ، لما في ذلك من المصلحة الظاهرة ، فلو لم يأذن الله بذلك لكان الطلاق باطلاً كله ، إلا أن يرضى الطرفان ! كما هو في سائر العقود .
فمن طلق كما أذنه الله فقد صح طلاقه ، ومن طلق على غير ما أذن الله كان طلاقه باطلاً غير صحيح ، لأنه لا يملكه وحده بطبيعة التعاقد ، و إنما يملك ما أذنه به ربه وما ملكه إياه ، وكان عمله هذا داخلاً تحت عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) "[1] ، فاعرف هذا فإنه أصل مهم .
فمن طلق كما أذنه الله فقد صح طلاقه ، ومن طلق على غير ما أذن الله كان طلاقه باطلاً غير صحيح ، لأنه لا يملكه وحده بطبيعة التعاقد ، و إنما يملك ما أذنه به ربه وما ملكه إياه ، وكان عمله هذا داخلاً تحت عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) "[1] ، فاعرف هذا فإنه أصل مهم .
هذا و إن اتفق العلماء على جواز الطلاق بالجملة ، إلا أنهم اختلفوا في بعض المسائل المتفرعة عنه ، مثل إيقاع الطلاق في الحيض ، و الطلاق ثلاثاً في مجلس واحد ، وغيره ، ومن هذا ما نحن بصدده وهو حكم الإشهاد على الطلاق ، فهذه محاولة لبيان الراجح في هذه المسألة ، فإن وفقت فمن الله وحده و إن أخطأت فعليّ غرمه و غنمه ، والله المستعان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
اعلم أن جمهور أهل العلم يذهبون إلى عدم اشتراط الإشهاد على الطلاق لوقوعه ، بل وينقلون الإجماع على هذا كما فعل الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى وغيره ، و إن اختلفوا في استحبابه من عدمه على قولين.
و ذهب آخرون منهم ابن عباس وعمران بن حصين وعطاء و الضحاك و السدي وابن حزم و من المعاصرين العلامة أحمد شاكر و الإمام الألباني و غيرهم من العلماء إلى اشتراط الإشهاد في الطلاق ووجوبه .
وعمدة القائلين بهذا القول – الثاني - هو قول الله عز وجل في سورة الطلاق :
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) }
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) }
فقالوا أن الأمر بالإشهاد في هذه الآية عائد على الطلاق و الرجعة معاً ، و قال غيرهم بل هو عائد على الأمر بالرجعة ، ومن ثم اختلفوا في دلالة هذا الأمر فمن قائل أنه للوجوب ، ومن أو للندب ، أو للإرشاد .
قال السمعاني في تفسيره (5 / 461 ) : " قوله: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الإشهاد واجب في الطلاق والرجعة بظاهر الآية.
والقول الثاني: أن الإشهاد يجب في الرجعة ولا يجب في المفارقة وهو أحد قولي الشافعي رضي الله عنه وهو قول طاوس من التابعين.
قال السمعاني في تفسيره (5 / 461 ) : " قوله: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الإشهاد واجب في الطلاق والرجعة بظاهر الآية.
والقول الثاني: أن الإشهاد يجب في الرجعة ولا يجب في المفارقة وهو أحد قولي الشافعي رضي الله عنه وهو قول طاوس من التابعين.
والقول (الثالث) : أنه يندب إلى الإشهاد في الرجعة، ولا يجب، وعليه أكثر أهل العلم، وهو قول آخر الشافعي رحمه الله عليه " ا.هـ
و قال القنوجي في نيل المرام من تفسير آيات الأحكام (451) : " وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ: على الرجعة، وقيل: على الطلاق، وقيل: عليهما قطعا للتنازع وحسما لمادة الخصومة.
والأمر للندب كما في قوله: وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ [البقرة: 282]
وقيل: إنه للوجوب. وإليه ذهب الشافعي.قال: الإشهاد واجب للرجعة مندوب إليه في الفرقة، وإليه ذهب أحمد بن حنبل،
وفي قول للشافعي: إن الرجعة لا تفتقر إلى الإشهاد كسائر الحقوق. وروي نحو هذا عن أبي حنيفة وأحمد" ا.هـ
والأمر للندب كما في قوله: وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ [البقرة: 282]
وقيل: إنه للوجوب. وإليه ذهب الشافعي.قال: الإشهاد واجب للرجعة مندوب إليه في الفرقة، وإليه ذهب أحمد بن حنبل،
وفي قول للشافعي: إن الرجعة لا تفتقر إلى الإشهاد كسائر الحقوق. وروي نحو هذا عن أبي حنيفة وأحمد" ا.هـ
و الظاهر من سياق الآيات أن الأمر عائد على الطلاق و الرجعة معاً ، بل إن السورة بأكملها باسم الطلاق ، فهي بيان لأحكامه و مسائله . ولا يضر أن يكون الأمر بالإشهاد عائد على الأمرين معاً .
قال في التحرير و التنوير [2] (28 / 309) : (وأشهدوا ذوي عدل منكم ظاهر وقوع هذا الأمر بعد ذكر الإمساك أو الفراق، أنه راجع إلى كليهما لأن الإشهاد جعل تتمة للمأمور به في معنى الشرط للإمساك أو الفراق لأن هذا العطف يشبه القيد وإن لم يكن قيدا وشأن الشروط الواردة بعد جمل أن تعود إلى جميعها.
وظاهر صيغة الأمر الدلالة على الوجوب فيتركب من هذين أن يكون الإشهاد على المراجعة وعلى بت الطلاق واجبا على الأزواج لأن الإشهاد يرفع أشكالا من النوازل وهو قول ابن عباس وأخذ به يحيى بن بكير من المالكية والشافعي في أحد قوليه وابن حنبل في أحد قوليه وروي عن عمران بن حصين وطاوس وإبراهيم وأبي قلابة وعطاء. وقال الجمهور: الإشهاد المأمور به الإشهاد على المراجعة دون بت الطلاق )
و اختار هذا القول – أي أن الأمر بالإشهاد عائد على الطلاق و الرجعة – كثير من المفسرين ، وإليك بعضاً من أقوالهم في هذه المسألة – وأنا أنقل كلامهم أن الأمر هنا عائد على الطلاق و الرجعة معاً ، وأعرف أن منهم من يقول بأن دلالة الأمر هنا ليست للوجوب ولهم قول آخر في حكم التطليق بدون الإشهاد ، فاعرف هذا ، لأن المراد من نقل أقوالهم تأييد القول بأن الأمر عائد على الطلاق و الرجعة معاً - :
قال الجصاص في أحكام القرآن (5 / 350 ) : " أمر بالإشهاد على الرجعة والفرقة أيتهما اختار الزوج "
و قال ابن أبي زمنين في تفسيره (4 / 402 ) :" قَوْله: {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} يَعْنِي: على الطَّلَاق والمراجعة "
قال الثعلبي في تفسيره ( 9 / 335 ) :" وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ على الرجعة والفراق "
قال الواحدي في تفسيره (1107) :" على الرَّجعة أو الفراق "
قال البغوي في تفسيره (8/150) : " على الرجعة والفراق. أمر بالإشهاد على الرجعة وعلى الطلاق "
قال في الكشاف (4/555) : " { وَأَشْهِدُوا } : يعنى عند الرجعة والفرقة جميعا "
قال ابن الجوزي في زاد المسير (4/ 297) :" قال المفسرون: أشهدوا على الطلاق، أو المراجعة "
قال البقاعي في نظم الدرر (20 / 148 ) : " {وأشهدوا} أي على المراجعة أو المفارقة {ذوي عدل} أي مكلفين حرين ثقتين يقظين {منكم} أي مسلمين وهو أمر إرشاد مندوب إليه "
قال السيوطي (8/ 193) :" عند الطلاق وعند المراجعة "
قال أبو السعود في تفسيره (8/ 261) :" عند الرجعةِ والفرقة قطعا للتنازع وهذ أمرُ ندبٍ "
قال الألوسي في روح المعاني (14/ 330) : " وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ عند الرجعة إن اخترتموها أو الفرقة إن اخترتموها تبريا عن الريبة وقطعا للنزاع، وهذا أمر ندب "
قال السعدي (869) :({وَأَشْهِدُوا} على طلاقها ورجعتها {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} أي: رجلين مسلمين عدلين، لأن في الإشهاد المذكور، سدًا لباب المخاصمة، وكتمان كل منهما ما يلزمه بيانه )
فظهر بهذا أن الأمر بالإشهاد عائد على الطلاق و الرجعة معاً ، و الأمر يقتضي الوجوب إلا إذا أتت قرينة تصرفه عن ظاهره إلى غيره ، ولا قرينة صارفة ! بل القرائن مؤيدة لظاهر القرآن شاهدة له ، وسيأتي بعضاً منها .
قال العلامة الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله تعالى – في كتابه " نظام الطلاق في الإسلام " صفحة [80] :
( الظاهر من سياق الآيتين أن قوله تعالى { وَأَشْهِدُوا } راجع إلى الطلاق و إلى الرجعة معا و الأمر للوجوب ، لأنه مدلوله الحقيقي ، و لا ينصرف إلى غير الوجوب - كالندب- إلا بقرينة ، و لاقرينة هنا تصرفه عن الوجوب . بل القرائن هنا تؤيد حمله على الوجوب : لأن الطلاق عمل استثنائي يقوم به الرجل - وهو أحد طرفي العقد – وحده . سواء أوافقته المرأة أم لا ، كما أوضحنا ذلك مراراً ، وتترتب عليه حقوق للرجل قبل المرأة ، وحقوق للمرأة قبل الرجل ، وكذلك الرجعة ، ويخشى فيهما الإنكار من أحدهما ، فإشهاد الشهود يرفع احتمال الجحد ، ويثبت لكل منهما حقه قبل الآخر . فمن أشهد على طلاقه فقد أتى بالطلاق على الوجه المأمور به ، ومن أشهد على الرجعة فكذلك ، ومن لم يفعل فقد تعدى حد الله الذي حده له فوقع عمله باطلا لا يترتب عليه أي أثر من آثاره .
وهذا الذي اخترناه هو قول ابن عباس . فقد روى عنه الطبري في التفسير ( ج 28 ص8 قال : " إن أراد مراجعتها قبل أن تنقضي عدتها أشهد رجلين ، كما قال تعالى{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } عند الطلاق وعند الرجعة "
وهو قول عطاء أيضا . فقد روى عنه عبد الرزاق وعبد بن حميد قال : " النكاح بالشهود ، والطلاق بالشهود ، والمراجعة بالشهود " نقله السيوطي في الدر المنثور ( ج 6 ص 232 ) و الجصاص في أحكام القرآن بمعناه (ج 3 ص 456) .
وكذلك هو قول السدي . فقد روى عنه الطبري قال في قوله : { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } : " على الطلاق و الرجعة " ) انتهى
وهذا الذي اخترناه هو قول ابن عباس . فقد روى عنه الطبري في التفسير ( ج 28 ص8 قال : " إن أراد مراجعتها قبل أن تنقضي عدتها أشهد رجلين ، كما قال تعالى{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } عند الطلاق وعند الرجعة "
وهو قول عطاء أيضا . فقد روى عنه عبد الرزاق وعبد بن حميد قال : " النكاح بالشهود ، والطلاق بالشهود ، والمراجعة بالشهود " نقله السيوطي في الدر المنثور ( ج 6 ص 232 ) و الجصاص في أحكام القرآن بمعناه (ج 3 ص 456) .
وكذلك هو قول السدي . فقد روى عنه الطبري قال في قوله : { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } : " على الطلاق و الرجعة " ) انتهى
وقالابن حزم في المحلى (ج 10 ص 251 بواسطة كتاب الشيخ أحمد شاكر ) : " فإن راجع و لم يشهد فليس مراجعا لقول الله تعالى { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } ولم يُفرق عز وجل بين المراجعة و الطلاق والإشهاد ، فلا يجوز إفراد بعض ذلك عن بعض ، وكل من طلق ولم يشهد ذوى عدل ، أو رجع ولم يشهد ذوى عدل : - متعديا لحدود الله تعالى ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "
فإن قال قائل أن الإجماع قد نقل على خلاف هذا ؟
يقال : هذا إجماع مدعى ! وكم من إجماع سيق بدون بينة ولا برهان ، وبرهان ذلك ما رواه أبو داود (2186) وكذا ابن ماجه (2025) عن جعفر بن سليمان الضبعى عن يزيد الرشك عن مطرف بن عبد الله بن الشخير: " أن عمران بن حصين سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال: " طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة , أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد "
قال الشيخ الألباني رحمه الله في إرواء الغليل (207 : " قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وله طريق أخرى , فقال ابن أبى شيبة (7/77/2) : أخبرنا الثقفى عن أيوب عن محمد عن عمران بن حصين به.
وأخرجه البيهقى (7/373) من طريق قتادة ويونس عن الحسن وأيوب عن ابن سيرين به.
قلت: وهو منقطع لأن محمد بن سيرين لم يسمع من عمران بن حصين " انتهى
وما في تفسير الطبري (23/444) : حدثني عليّ، قال: ثنا أَبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قال: ( إن أراد مراجعتها قبل أن تنقضي عدتها، أشهد رجلين كما قال الله (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) عند الطلاق وعند المراجعة ...)
وما في مصنف ابن أبي شيبة (19004) حدثنا أبو بكر قال: نا أبو معاوية، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن ابن الزبير طلق امرأته فلم يعلنها[3] سَنَةً، فقال ابن عمر: ( بئس ما صنع )
وما فيه أيضاً (17779) حدثنا أبو بكر قال : نا يحيى بن عبد الملك بن أبي غَنِيَّةَ عن جُوَيْبِر عن الضَّحَّاك في قوله : { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } قال : ( أُمِرُوا أن يُشْهِدُوا عند الطلاق و الرجعة ) .
وفيه (17781) حدثنا أبو بكر قال :نا وكيع عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء قال : ( الفرقة ، و الرجعة بالشهود )
وفيه (19005) حدثنا أبو بكر قال: نا وكيع، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، عن محمد بن المنتشر، ( أن شريحا طلق امرأته، فكتمها الطلاق حتى انقضت عدتها، فعابوا ذلك عليه )
وما في تفسير الطبري (23 / 444 ) : حدثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) قال: ( على الطلاق والرجعة )في تفسير ابن كثير (8/ 145) : " وقال ابن جريج: كان عطاء يقول: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} قال: ( لا يجوز في نكاح ولا طلاق ولا رجاع إلا شاهدا عدل، كما قال الله، عز وجل، إلا أن يكون من عذر )
فـ"ـإذا تبين لك، أن وجوب الاشهاد على الطلاق، هو مذهب هؤلاء الصحابة والتابعين المذكورين، تعلم أن دعوى الاجماع على ندبه المأثورة في بعض كتب الفقه، مراد بها الاجماع المذهبي لا الاجماع الاصولي "[4] وعرفت أنها دعوى مهلهلة لا تقوى على ساق .
فـ"ـإذا تبين لك، أن وجوب الاشهاد على الطلاق، هو مذهب هؤلاء الصحابة والتابعين المذكورين، تعلم أن دعوى الاجماع على ندبه المأثورة في بعض كتب الفقه، مراد بها الاجماع المذهبي لا الاجماع الاصولي "[4] وعرفت أنها دعوى مهلهلة لا تقوى على ساق .
فإن قيل لِمَ لم يقس هذا على الإشهاد في البيوع و حكمه ؟
يقال : " قياس الطلاق والرجعة على البيع يقدح فيه بوجود فارق معتبر وهو خطر الطلاق والمراجعة وأهمية ما يترتب عليهما من الخصومات بين الأنساب .
وما في البيوعات مما يغني عن الإشهاد وهو التقايض في الأعواض "[5]
وما في البيوعات مما يغني عن الإشهاد وهو التقايض في الأعواض "[5]
فأين الطلاق من البيع ؟
ومما يؤيد هذا الرأي أيضاً ويدل عليه : خطورة الطلاق و المترتب عليه فلإن كان بناء هذه الأسرة مفتقر إلى الإشهاد فإن افتقار هدمها إلى هذا أولى و أجدر :
قال الإمام الألباني في الشريط الثامن من سلسلة الهدى و النور :
قال الإمام الألباني في الشريط الثامن من سلسلة الهدى و النور :
( لا يرتاب عاقل في أن الطلاق بالنسبة للنكاح هو كالهدِم بالنسبة للبناء، فإنسان يبني دارا ثم يهدمها، يبني دارا ينفق عليها أموال طائلة وأوقات عديدة وو تكاليف ثم ما إذا أراد هدمها ، هدمها بساعة من نهار، الهدِم أصعب من البناء، لأنه يضيع على الإنسان جهود كثيرة وكثيرة جداً، النِكاح هو بناء لأسرة حينما يتزوج المسلم فإنما يضع الأساس لإقامة أسرة مسلمة، وكلنا يعلم قول الرسول –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- : ( لا نكاح إلا بولي وشاهِدَيْ عدل ) فأي نكاح لم يتحقق فيه الشهود العدول فلا يعتبر نكاحاً شرعياً، وهو بناء، فالطلاق الذي قلنا إنه أخطر من هذا النكاح فهو كالهدم بالنسبة للبناء، العقل والنظر السليم يؤيد أن يشترط فيه الإشهاد، ومعنى ذلك أن إنساناً ما قرر وعزم كما قال –عزّ وجلّ- : )وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( ، عزم على الطلاق ، ولكن هذا الطلاق وضع له الشارع الحكيم شروطاً وهذه الشروط هي في الواقع كالعرقلة لمنع وقوع هذا الطلاق، لأن الطلاق –كما قلنا- يترتب من وراءه هدم الأسرة، فقال أن السُّنّـة الإشهاد، فكأن الشارع الحكيم يقول للمطلق: لو عزمت على الطلاق وأردت تنفيذه فأتي بشاهدين، كما إذا أردت أن تنكح فخذ [..] الولي وأتي بشاهدين، وإلا فلا نكاح لك ) انتهى
فإن الإشهاد على الطلاق فيه سد باب على المتلاعبين بحقوق زوجاتهم ، وفيه سد لباب المخاصمة، وكتمان كل منهما ما يلزمه بيانه ، كما سبق من كلام العلامة السعدي . و فيه الابتعاد عن الريبة وقطع للمنازعة ، كما سبق من كلام الألوسي و غيره .
فظهر بهذا أن الراجح قول من يقول " لا يقع أي طلاق إلا إذا كان بحضرة شاهدي عدل سامعين فاهمين "[6] بدلالة الكتاب ، و عمل السادة الأصحاب ، وتطبيقاً لقواعد الشرع المهاب ، و الحمد لله الملك الوهاب .
محمد جميل حمامي
القدس
25 – ذي الحجة - 1432
[1] نظام الطلاق في الإسلام للشيخ أحمد شاكر صفحة 11 ، و الحديث في صحيح مسلم و غيره عن عائشة رضي الله عنها .
[2] وإن اختار صاحبه وجوب الإشهاد إلا أنه لم يجعله شرطاً في صحة الطلاق ، فأوقع الطلاق مع إثم المطلق .
[3] هكذا ضبطها في " ما صح من آثار الصحابة في الفقه (3/1039) ، و الذي في الشاملة ( يعلمها ) ، والرجوع إلى المطبوع غير متيسر لي الآن ، فلتراجع ، فإنها إن كانت الثانية في خارج البحث .
[4] فقه السنة (2/260)
[5] من التحرير و التنوير .
[6] نظام الطلاق في الإسلام صفحة (95)
[2] وإن اختار صاحبه وجوب الإشهاد إلا أنه لم يجعله شرطاً في صحة الطلاق ، فأوقع الطلاق مع إثم المطلق .
[3] هكذا ضبطها في " ما صح من آثار الصحابة في الفقه (3/1039) ، و الذي في الشاملة ( يعلمها ) ، والرجوع إلى المطبوع غير متيسر لي الآن ، فلتراجع ، فإنها إن كانت الثانية في خارج البحث .
[4] فقه السنة (2/260)
[5] من التحرير و التنوير .
[6] نظام الطلاق في الإسلام صفحة (95)
تعليق