حكم اللحوم المجمدة المستوردة
للشيخ محمد علي فركوس حفظه الله
الشيخ: اللحوم المجمدة أجبنا عنها مراراً وتكراراً, فأقول ليست العبرة في اللحوم المجمدة في التجميد، إنما العبرة في فيما إذا كانت تُقذ أو تُذبح؟
فإن كانت هذه اللحوم تُذبح سواء ذبَحها مسلم أو كتابي فهي جائزة ولا شك، لأن ذبيحة المسلم جائزة وذبيحة أهل الكتاب جائزة أيضاً بالنص، لقوله سبحانه وتعالى في سورة المائدة: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ﴾[ المائدة: 5]. والمراد بالطعام هاهنا كما فسرها ابن عباس وغيره المراد به "الذبائح"، أي ذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى أنها جائزة الأكل. هذا من حيث الذبح.
لكن لما كانت المجازر الأوربية، وكذا من أمريكا اللاتينية ومن أستراليا وغيرها من الدول، كل المجازر لها ما يسمى (بالمطرقة الشوكية الكهربائية)، وهو ما يسمى (بالصعق الكهربائي) الذي يُضرب فيه الحيوان عندما يُدخل بين حديدتين يضرب بهذه المطرقة على رأسه ضربة واحدة يُصعق فيها فيموت على توه، فيٌلقى بعد ذلك على الآلات المجزرية فتقسمه إرباً إربا. فمثل هذه تسمى الموقوذة.
الموقوذة هي الميتة التي يضربها الراعي أو غيره بعصا أو بحجر فيصيب مقتلا لها فتموت، فهذه تسمى الموقوذة، وهي من جملة المحرمات التي حرمها الله سبحانه وتعالى بالنص القرآني كما في سورة المائدة في قوله سبحانه وتعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾[ المائدة: 3].
اختلفوا في ((إِلَّا)) هل هي استثناء منقطع، أو استثناء متصل؟ فمن قال استثناء منقطع، قال هذه جميعا: "المنخنقة" التي جعلت رأسها بين ربما حديدتين أو بين عمودين أو كان بها حبل فألقت نفسها فخنقها الحبل فتموت, "الموقوذة" كما ذكرنا، "المتردية" التي كانت على سفح جبل فتردت منه أو تردت في بئر فسقطت فماتت، أو "النطيحة" التي نطحتها أختها فجعلتها ملقاة ميتة.
هذه عند من جعل أن الاستثناء من الإستثناء المنقطع، قال هذه ولو أدركتها الحياة أو أدركها مابها من حياة، فلا يجوز أكلها إلا ما وجبت جنوبها بالذبح، أما هذه والأخرى فلا يصح أكلها.
أما عند الجمهور فالاستثناء هنا استثناء متصل، بمعنى هذه المذكورات في الآية: (المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع)، كل هؤلاء إذا أدرك فيهم شيء من الحياة ثم مرّر عليهم السكين فذبحهم فإنها يجزىء أكله فهو الصحيح من مذهب الجمهور أهل العلم الذين رأوا أن الاستثناء هاهنا ليس استثناء منقطع بل هو استثناء متصل. أي أن المذكورات في الآية إذا لُحق بها وهي لا تزال على قيد الحياة وذبحها فإنه يصح أكلها، أما إن ماتت فهي لا تجوز من مسلم ولا من كافر فلا تجوز مثل هذه الشياه أو غيرها من الأنعام.
فإذاً، الذي يورِّث ظناً وشكاً بالنسبة لهذه المجازر هو تواجد هذه (المطرقة الشوكية الكهربائية) أو (المطرقة الصعقية) إن صح التعبير بهذا.
لما كانت هذه المجازر الحالية الأوربية أو غيرها تُدين حكوماتها بما يسمى (قانون الحيوان) أو إلى ذلك فهم يجبون عليهم أن يستعملوا مثل هذه,
أولا عندهم لأن لا يشعر الحيوان بأي شيء، يعني بموته بالصعق مباشرة أن لا يتأذى في نظرهم،
والأمر الثاني حتى العمليات المِجزرية يجب أن تكون فيها الخفة والسرعة في أن تخرج منها أعداد وكميات كثيرة، لأن أساس التجارات الحالية مبنية على الائتمان ومبنية على السرعة.
ففي هذه الحال لما كانت هذه المطرقة متواجدة في كل هذه المجازر عرفنا أنها مستعملة، وإذا كانت مستعملة عرفنا أنه يغيب الذبح، وإن غاب الذبح فتكون هذه الحيوانات في حكم الموقوذة، وإن كانت هذه الحيوانات موقوذة فهي ميتة، وإن كانت ميتة فلا يصح أكلها بالنص القرآني الذي ذكرناه آنفاً,
لا يقال والحال هذه أن (ما غاب عنا لا نسأل عنه) لأنه في حديث عائشة قالت فيه: «إنَّا بأرض أهل الكفر لا ندري أسموا الله عليها أم لم يسموا الله عليها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سموا الله عليها وكلوا». فاستخلص أهل العلم من هذا الحديث أنَّ ما غاب عنا لا نسأل عنه ولكن في (لنا أن نسمي الله عليها ونأكل) هذا إنما يقال بالنسبة إذا تحقق منه يقينا أنه فيه ذبح ولكن نجهل إن سموا الله عليه أم لم يسموا.
مثلاً في مجازرنا الحالية ليس فيها الصعق الكهربائي، وليست فيها المطرقة الكهربائية، والناس الذين يذبحون قد يُسمون وقد لا يُسمون، مثل هؤلاء الناس قد يشربون الخمر قد يدخنون قد لا يصلون قد يفعلون أشياء كثيرة لكنهم يذبحون لا ندري مَن الذابح أو غيره، هل سمى الله أم لم يسمي الله هل ترك التسمية عمداً أم ترك التسمية نسياناً مع أن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ﴾ [ الأنعام: 121]. مع ذلك إذا جاءتنا مثل هذه اللحوم، نحن نسمي الله عليها ونأكل، لأن ما غاب عنا لا نسأل عنه.
لكن لو في هذه المجازر وُجد هذا الصعق الكهربائي، ووُجدت هذه المطرقة الكهربائية لكان ظننا قوياً بأن هذه الحيوانات تُقذ ولا تُذبح، ويورِّث لنا شكاً، وإذا ورَّث لنا شكاً في هذا الحال نعمل بالقاعدة التي هي حديث نبوي شريف: «دع ما يريبك إلى مالا يريبك»([1])، أي دع الأمور التي تشك فيها إلى الأمور التي لا تشك فيها. أو نعمل بحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فمن اتَّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالرَّاعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإنَّ لكلِّ ملك حمى ألا وإنَّ حمى الله محارمه»([2]). وعليه فيُفهم من الحال هذه إذا كان الشك قائم في الشيء الواجب والحال هذه صرفه إلى اليقين حتى لا يقع فيه.
ومنه جعل أهل العلم في مثل هذه المسائل، جعلوا ما يسمى بقاعدة: [ما لا يتم ترك الحرام إلا بترك الجميع فتركه واجب] هنا هذه القاعدة قالوا إن اختلطت أختُه بأجنبية أو ميتة بمذكاة، لا يستطيع أن يعرف أهي مُذكاة أم هي ميتة هل هذه صُرعت أو هذه ذبحت؟ لا يعرف هذه إن كانت أخته من الرضاعة أو كانت أجنبية عنه؟ لا يعرف هذا. فهنا لا يستطيع أن يترك إلا بترك الكل، فهنا يصبح ترك الحرام واجب بترك الكل. فيصبح ترك الكل واجب عليه بناءاً على الشك الذي دخل في الشيء أهو من الحلال أم من الحرام.
فبناءاً على هذه القاعدة السالفة الذكر وهي قاعدة: [مالا يتم ترك الحرام إلا بترك الجميع فتركه واجب ] يصبح والحال هذه واجب عليه أن يتركه تفادياً للمشكوك فيه قد يكون من الحرام.
نعم، إذا كان من يستورد هذه اللحوم يعقد صفقته مع أهل الكتاب أو مع المسلمين، والأولى أن يعقدها مع أهل الإسلام في أن يقوموا هم بذبح هذه الأبقار و غيرها من الأنعام، يذبحونها ويجزئونها ويرسلونها بالوثائق الخاصة بهم، في هذه الحال إذا كان كذلك، فيقال بالنسبة لمن عقَد معهم، لا لمن أوكل فقط فقط في الهاتف!! أو أوكل الأمر إلى المجزرة! هذه المجازر يكونوا كذا وتستعمل مثل هذا؟ لا هو تعاقد مع هذه الفرقة والذي يدفع لها المال مقابل عملها فهي تقوم بهذا العمل وتذبحه بعد إذن صاحب المصنع أو صاحب المجزرة فيذبحون له هذه الكمية من الأنعام ويرسلونها. في هذا الحال يقال هذا المستورِد هو الذي يجوز له في هذه الكمية لكن اللحم الذي استورده.
لأنه حالياً التجار يستعملون أوراقاً يعني قديمة بالية!! يعني جائزة له ربما في عهد سابق، هذه الورقة كل مرَّة يستظهرونها في الأوراق التي يطلبونها منهم، هذه شهادة دائماً تعود للواجهة هي نفسها قديمة وجاءت في فترة معينة ثم بعد ذلك يستعملونها ويغيرون التاريخ وهكذا يستمرون، يستمرون ولكن قديمة.
نعم إذا تحقق أن مستورد لهذه اللحوم تعاقَد مع جهة معينة من هذه البلدان التي يستوردون منها وذبحوا من الغير وأرسلوا فيجوز لهذا المستورد أن يؤكل لحمه دون بقية، مالم يكن هناك إتحاد لهؤلاء المستوردين للحوم، في أن يضعوا أُناساً يقومون بعملية الذبح ثم يرسلون هذه اللحوم، وإلا فيكفي للمرء أن يأكل من لحم بلده، أقصد من لحوم الأنعام من بلده ويستغني عما فيه شك وريبة احتياطاً لدينه والحيطة واجبة في مثل هذا، كما نُصَّ في حديث النعمان بن بشير المتقدم : «فمن اتَّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالرَّاعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه...»
لعلي بهذا الجواب قد استوفيت كل الجوانب التي يمكن أن يطرحها الإنسان أو تدور في خلده.
مفرغ من شريط: الأجوبة على المسائل الطلابية – رقم 39 / الفتوى 3
والحمد لله رب العالمين
[1] أخرجه الترمذي في «صفة القيامة والرقائق والورع» (251، والنسائي في «الأشربة» باب: الحث على ترك الشبهات (5711)، وابن حبان (722)، والدارمي (2437)، والحاكم (2169)، والطيالسي (117، وأحمد (1729)، وأبو يعلى (2762)، من حديث الحسن بن علي رضي الله عنه، وصححه أحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد» (3/169) والألباني في «الإرواء» (1/44) رقم (12)، وفي صحيح الجامع (3373)، والوادعي في «الصحيح المسند» (31.
[2] أخرجه البخاري في «الإيمان» باب فضل من استبرأ لدينه (50)، ومسلم في «المساقاة» (4094)، وأبو داود في «البيوع» باب في اجتناب الشبهات (3330)، والترمذي في «البيوع» باب: ما جاء في ترك الشبهات (1205)، وابن ماجه في «الفتن» باب الوقوف عند الشبهات (3984)، والدارمي (2436)، وأحمد (17907)، والبيهقي (10537)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
تعليق