بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه
أما بعد: فهذا رأي العلامة "حامد الفقي"-رحمه الله- في مسألة الرقية في الماء أو قل:(القراءة على الماء) استليته من تعليقاته على كتاب:(فتح المجيد شرح كتاب التوحيد).
قال العلامة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله- في "كتاب التوحيد"
باب: " ما جاء في النُّشْرة"
عن جابر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم سئل عن النُّشرة؟ فقال: (هي من عمل الشيطان؟). رواه أحمد بسند جيد. وأبو داود وقال: سئل أحمد عنها فقال: ابن مسعود يكره هذا كله[1].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
قال العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ-رحمه الله- شارحاً لكلام جده:
قوله: "باب ما جاء في النشرة".
بضم النون؛ كما في القاموس. قال أبو السعادات: النشرة ضرب من العلاج والرقية، يعالج به من يظن أن به مسا من الجن، سميت نشرة؛ لأنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء، أي يكشف ويزال.
قال الحسن: النشرة من السحر. وقد نشرت عنه تنشيرا، ومنه الحديث: " فلعل طبا أصابه، ثم نشره بقل أعوذ برب الناس " أي رقاه.
وقال ابن الجوزي: " النشرة حل السحر عن المسحور، ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر".
قال: "عن جابر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلي الله عليه وسلم: " سئل عن النشرة؟ فقال: هي من الشيطان ". رواه أحمد بسند جيد، وأبو داود وقال: سئل أحمد عنها، فقال: ابن مسعود يكره هذا كله".
هذا الحديث رواه أحمد ورواه عنه أبو داود في سننه. والفضل بن زياد في كتاب المسائل عن عبد الرزاق عن عقيل بن معقل بن منبه عن جابر فذكره. قال ابن مفلح: إسناد جيد. وحسن الحافظ إسناده.
قوله: "سئل عن النشرة" والألف واللام في "النشرة" للعهد، أي النشرة المعهودة التي كان أهل الجاهلية يصنعونها هي من عمل الشيطان.
قوله: "وقال: سئل أحمد عنها فقال: ابن مسعود يكره هذا كله" أراد أحمد
وفي البخاري عن قتادة: " قلت لابن المسيب: رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته، أيُحل عنه أو يُنْشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه ". اهـ.
وروي عن الحسن أنه قال: " لا يحل السحر إلا ساحر ".
-رحمه الله- أن ابن مسعود يكره النشرة التي هي من عمل الشيطان كما يكره تعليق التمائم مطلقا.
قوله: "وللبخاري عن قتادة: قلت لابن المسيب: " رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته أيُحَل عنه، أو يُنَشّر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم يُنه عنه ".
قوله: "عن قتادة" هو ابن دعامة- بكسر الدال- الدوسي، ثقة فقيه من أحفظ التابعين. قالوا: إنه ولد أكمه، مات سنة بضع عشرة ومائة.
قوله: "رجل به طب" بكسر الطاء أي سحر، يقال: طُبّ الرجل- بالضم- إذا سحر. ويقال: كنوا عن السحر بالطب تفاؤلا، كما يقال للديغ: سليم.
وقال ابن الأنباري: " الطب من الأضداد، يقال لعلاج الداء: طب، والسحر من الداء يقال له: طب".
قوله: "يؤخّذ" بفتح الواو مهموزة وتشديد الخاء المعجمة وبعدها ذال معجمة. أي يحبس عن امرأته ولا يصل إلى جماعها. والأخذة- بضم الهمزة- الكلام الذي يقوله الساحر.
قوله: "أيُحل" بضم الياء وفتح الحاء مبني للمفعول.
قوله: "أو ينشر" بتشديد المعجمة.
قوله: "لا بأس به" يعني أن النشرة لا بأس بها؛ لأنهم يريدون بها الإصلاح، أي إزالة السحر، ولم ينه عما يراد به الإصلاح، وهذا من ابن المسيب يحمل على نوع من النشرة لا يعلم أنه سحر.
قوله: "وروى الحسن أنه قال: " لا يَحُل السحر إلا ساحر " هذا الأثر ذكره ابن الجوزي في جامع المسانيد.
والحسن هو ابن أبي الحسن واسمه: يسار- بالتحتية والمهملة- البصري الأنصاري مولاهم، ثقة فقيه، إمام من خيار التابعين. مات سنة عشر ومائة رحمه الله، وقد قارب التسعين.
قال ابن القيم: " النشرة حل السحر عن المسحور. وهي نوعان: " أحدهما" حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان. وعليه يُحمل قول الحسن، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور. " والثاني" النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة. فهذا جائز".
فيه مسائل:
الأولى: النهي عن النشرة.
الثانية: الفرق بين المنهي عنه والمرخص فيه عما يزيل الإشكال.
قوله: "قال ابن القيم: النشرة حل السحر عن المسحور. وهي نوعان: حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان إلى آخره". ومما جاء في صفة النشرة الجائزة: ما رواه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ليث ابن أبي سليم قال: "بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله، تقرأ في إناء فيه ماء، ثم يصب على رأس المسحور[2] الآية التي في سورة يونس: {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}[3].
وقوله: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[4] إلى آخر الآيات الأربع. وقوله: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}[5].
وقال ابن بطال: " في كتاب وهب بن منبه: أنه يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين، ثم يضربه بالماء ويقرأ فيه آية الكرسي والقواقل، ثم يحسو منه ثلاث حسوات، ثم يغتسل به يذهب عنه كل ما به، هو جيد للرجل إذا حبس عن أهله".
قلت: قول العلامة ابن القيم: " والثاني النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة فهذا جائز" يشير -رحمه الله- إلى مثل هذا، وعليه يحمل كلام من أجاز النشرة من العلماء.
والحاصل: أن ما كان منه بالسحر فيحرم، وما كان بالقرآن والدعوات والأدوية المباحة فجائز. والله أعلم.
---------------ــ
[1]- أحمد (3/294). وأبو داود: كتاب الطب (386: باب في النشرة. وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/73): "إسناده جيد" ا هـ . وحسنه الحافظ في الفتح (10/233).
الحمد لله وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه
أما بعد: فهذا رأي العلامة "حامد الفقي"-رحمه الله- في مسألة الرقية في الماء أو قل:(القراءة على الماء) استليته من تعليقاته على كتاب:(فتح المجيد شرح كتاب التوحيد).
قال العلامة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله- في "كتاب التوحيد"
باب: " ما جاء في النُّشْرة"
عن جابر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم سئل عن النُّشرة؟ فقال: (هي من عمل الشيطان؟). رواه أحمد بسند جيد. وأبو داود وقال: سئل أحمد عنها فقال: ابن مسعود يكره هذا كله[1].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
قال العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ-رحمه الله- شارحاً لكلام جده:
قوله: "باب ما جاء في النشرة".
بضم النون؛ كما في القاموس. قال أبو السعادات: النشرة ضرب من العلاج والرقية، يعالج به من يظن أن به مسا من الجن، سميت نشرة؛ لأنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء، أي يكشف ويزال.
قال الحسن: النشرة من السحر. وقد نشرت عنه تنشيرا، ومنه الحديث: " فلعل طبا أصابه، ثم نشره بقل أعوذ برب الناس " أي رقاه.
وقال ابن الجوزي: " النشرة حل السحر عن المسحور، ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر".
قال: "عن جابر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلي الله عليه وسلم: " سئل عن النشرة؟ فقال: هي من الشيطان ". رواه أحمد بسند جيد، وأبو داود وقال: سئل أحمد عنها، فقال: ابن مسعود يكره هذا كله".
هذا الحديث رواه أحمد ورواه عنه أبو داود في سننه. والفضل بن زياد في كتاب المسائل عن عبد الرزاق عن عقيل بن معقل بن منبه عن جابر فذكره. قال ابن مفلح: إسناد جيد. وحسن الحافظ إسناده.
قوله: "سئل عن النشرة" والألف واللام في "النشرة" للعهد، أي النشرة المعهودة التي كان أهل الجاهلية يصنعونها هي من عمل الشيطان.
قوله: "وقال: سئل أحمد عنها فقال: ابن مسعود يكره هذا كله" أراد أحمد
وفي البخاري عن قتادة: " قلت لابن المسيب: رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته، أيُحل عنه أو يُنْشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه ". اهـ.
وروي عن الحسن أنه قال: " لا يحل السحر إلا ساحر ".
-رحمه الله- أن ابن مسعود يكره النشرة التي هي من عمل الشيطان كما يكره تعليق التمائم مطلقا.
قوله: "وللبخاري عن قتادة: قلت لابن المسيب: " رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته أيُحَل عنه، أو يُنَشّر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم يُنه عنه ".
قوله: "عن قتادة" هو ابن دعامة- بكسر الدال- الدوسي، ثقة فقيه من أحفظ التابعين. قالوا: إنه ولد أكمه، مات سنة بضع عشرة ومائة.
قوله: "رجل به طب" بكسر الطاء أي سحر، يقال: طُبّ الرجل- بالضم- إذا سحر. ويقال: كنوا عن السحر بالطب تفاؤلا، كما يقال للديغ: سليم.
وقال ابن الأنباري: " الطب من الأضداد، يقال لعلاج الداء: طب، والسحر من الداء يقال له: طب".
قوله: "يؤخّذ" بفتح الواو مهموزة وتشديد الخاء المعجمة وبعدها ذال معجمة. أي يحبس عن امرأته ولا يصل إلى جماعها. والأخذة- بضم الهمزة- الكلام الذي يقوله الساحر.
قوله: "أيُحل" بضم الياء وفتح الحاء مبني للمفعول.
قوله: "أو ينشر" بتشديد المعجمة.
قوله: "لا بأس به" يعني أن النشرة لا بأس بها؛ لأنهم يريدون بها الإصلاح، أي إزالة السحر، ولم ينه عما يراد به الإصلاح، وهذا من ابن المسيب يحمل على نوع من النشرة لا يعلم أنه سحر.
قوله: "وروى الحسن أنه قال: " لا يَحُل السحر إلا ساحر " هذا الأثر ذكره ابن الجوزي في جامع المسانيد.
والحسن هو ابن أبي الحسن واسمه: يسار- بالتحتية والمهملة- البصري الأنصاري مولاهم، ثقة فقيه، إمام من خيار التابعين. مات سنة عشر ومائة رحمه الله، وقد قارب التسعين.
قال ابن القيم: " النشرة حل السحر عن المسحور. وهي نوعان: " أحدهما" حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان. وعليه يُحمل قول الحسن، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور. " والثاني" النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة. فهذا جائز".
فيه مسائل:
الأولى: النهي عن النشرة.
الثانية: الفرق بين المنهي عنه والمرخص فيه عما يزيل الإشكال.
قوله: "قال ابن القيم: النشرة حل السحر عن المسحور. وهي نوعان: حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان إلى آخره". ومما جاء في صفة النشرة الجائزة: ما رواه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ليث ابن أبي سليم قال: "بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله، تقرأ في إناء فيه ماء، ثم يصب على رأس المسحور[2] الآية التي في سورة يونس: {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}[3].
وقوله: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[4] إلى آخر الآيات الأربع. وقوله: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}[5].
وقال ابن بطال: " في كتاب وهب بن منبه: أنه يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين، ثم يضربه بالماء ويقرأ فيه آية الكرسي والقواقل، ثم يحسو منه ثلاث حسوات، ثم يغتسل به يذهب عنه كل ما به، هو جيد للرجل إذا حبس عن أهله".
قلت: قول العلامة ابن القيم: " والثاني النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة فهذا جائز" يشير -رحمه الله- إلى مثل هذا، وعليه يحمل كلام من أجاز النشرة من العلماء.
والحاصل: أن ما كان منه بالسحر فيحرم، وما كان بالقرآن والدعوات والأدوية المباحة فجائز. والله أعلم.
---------------ــ
[1]- أحمد (3/294). وأبو داود: كتاب الطب (386: باب في النشرة. وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/73): "إسناده جيد" ا هـ . وحسنه الحافظ في الفتح (10/233).
[2]- قال العلامة حامد الفقي في تعليقه على كلام الشارح : مثل هذا لا يعمل فه برأي ليث بن أبي سليم، ولا برأي ابن القيم (*) ولا غيرهما; وإنما يعمل بالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يجئ عنه صلى الله عليه وسلم شيء مما يقول ابن أبي سليم ولا ابن القيم. وما ينقل عن وهب بن منبه فعلى سنة الإسرائيليين لا على هدى خير المرسلين. ومن باب هذا التساهل دخلت البدع ثم الشرك الأكبر.
وعلى المؤمن الناصح لنفسه أن يعض بالنواجذ على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم-، ويتجنب المحدثات وإن كانت عمن يكون، فكل أحد يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلى المؤمن الناصح لنفسه أن يعض بالنواجذ على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم-، ويتجنب المحدثات وإن كانت عمن يكون، فكل أحد يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.