الأحكام الخاصة بعيد الأضحى
الحمد لله العظيم الجليل، العزيز الكريم، الغفور الرحيم، ذي العرش المجيد، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الأمين، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد أيها المسلم ـ وفقك الله للفقه في دينه ـ:
فإن من التقصير التي يقع فيها جمع كثير من أهل الإسلام في أقطار شتى:
ترك تعلم الأحكام الشرعية المتعلقة بالعيد عند حلوله.
وقد كتبت هذه الرسالة المختصرة عن الأحكام الخاصة بعيد الأضحى، عيد المسلمين الثاني، وذلك تذكيراً لي ولك، وقد جعلتها في مسائل ليسهل بإذن الله عليك فهمها، والإلمام بها.
هذا وأسأل الله تعالى أن ينفع بها كاتبها وقارءها والساعي بين الناس في نشرها، أو تفقيههم بها.
ثم أقول مستعينا به عز وجل:
المسألة الأولى / وهي عن مشروعية صلاة العيد.
قال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في "مجموع الفتاوى" (23/161)عن صلاة العيد:
إنها من أعظم شعائر الإسلام، والناس يجتمعون لها أعظم من الجمعة.اهـ
ومشروعيتها ثابتة بالسنة النبوية المشتهرة المستفيضة، وإجماع أهل العلم، وقد كان النبي r والخلفاء بعده يداومون عليها، ولم يأت عنهم تركها في عيد من الأعياد.
وقد قال ابن عباس:t(( شهدت العيد مع رسول الله r وأبي بكر وعمر وعثمان y فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة ))رواه البخاري (962) واللفظ له، ومسلم (884).
وقال جابر بن سمرة t: (( صليت مع رسول الله r العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة )) رواه مسلم ( 887).
بل حتى النساء كن يشهدنها على عهد رسول الله r، فقد قالت أم عطية ـ رضي الله عنها ـ: (( كنا نؤمر أن نَخْرُجَ يوم العيد، حتى نُخْرِج البكر من خدرها، حتى نُخّرِج الحِيَّض، فكن خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته )) رواه البخاري (971) واللفظ له، ومسلم (890).
وقال الإمام إسحاق بن راهويه ـ رحمه الله ـكما في "مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه" رواية إسحاق بن منصور الكوسج (رقم: 2865):
يُستحب الخروج لهن في العيدين، لما مضت السنة بذلك، ولكن لا يتزيَّن ولا يتَطيَّبن.اهـ
فإذا خرجن على هذه الصفة جمعن بين فعل السنة واجتناب الفتنة.
وهي من السنن المؤكدة عند جماهير أهل العلم، وقد نسبه إليهم النووي ـ رحمه الله ـ في "المجموع"(5/6) وابن جزي في "القوانين الفقهية"(ص103).
وقال النووي ـ رحمه الله ـفي "المجموع(5/24):
تسن صلاة العيد جماعة، وهذا مجمع عليه، للأحاديث الصحيحة المشهورة.اهـ
المسألة الثانية / وهي عن الاغتسال للعيد.
وتحت هذه المسألة فرعان:
الفرع الأول: وهو عن استحباب الغسل للعيد.
الاغتسال للعيد هو فعل أصحاب النبي r.
فقد ثبت عن نافع أنه قال: (( كان ابن عمر t يغتسل للعيدين )) رواه الفريابي في "أحكام العيدين"(رقم:15).
وثبت عن الجعد بن عبد الرحمن أنه قال: (( رأيت السائب بن يزيد t يغتسل قبل أن يخرج إلى المصلى ))رواه الفريابي في "أحكام العيدين"(رقم:16).
وقال ابن رشد ـ رحمه الله ـفي "بداية المجتهد"(1/505):
أجمع العلماء على استحسان الغسل لصلاة العيدين.اهـ
الفرع الثاني: وهو عن وقت الاغتسال للعيد وصفته.
الأفضل أن يكون الاغتسال للعيد بعد صلاة فجره، وقبل الذهاب إلى المصلى، وأن تكون صفته كصفة غسل الجنابة.
وعليه يدل ظاهر الآثار الواردة عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ومنهم ابن عمر t.
فقد قال محمد بن إسحاق: قلت لنافع: كيف كان ابن عمر يصلي يوم العيد؟ فقال: (( كان يشهد صلاة الفجر مع الإمام ثم يرجع إلى بيته فيغتسل كغسله من الجنابة، ويلبس أحسن ثيابه، ويتطيب بأحسن ما عنده ثم يخرج حتى يأتي المصلى )) رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" بسند حسن، كما في "المطالب العالية"(رقم:2753).
وثبت عن الجعد بن عبد الرحمن أنه قال: (( رأيت السائب بن يزيد t يغتسل قبل أن يخرج إلى المصلى ))رواه الفريابي في "أحكام العيدين"(رقم:16).
وإن اغتسل للعيد قبل صلاة الفجر لضيق الوقت، وحتى يتمكن من التبكير إلى المصلى فحسن، وقد فعله جمع من السلف الصالح، واستحسنه كثير.
المسألة الثالثة / وهي عن التجمل للعيد بأحسن الثياب والطيب.
عن عبد الله بن عمر t أنه قال: (( وجد عمر بن الخطاب حُلة من إستبرق تباع في السوق، فأخذها فأتى بها رسول الله r، فقال: يا رسول الله ابتع هذه فتجمل بها للعيد والوفود ))رواه البخاري (94 ومسلم (206.
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـفي كتابه "فتح الباري لابن رجب"(6/67 – 62):
وقد دَلَّ هذا الحديث على التجمل للعيد، وأنه كان معتاداً بينهم .. وهذا التزين في العيد يستوي فيه الخارج إلى الصلاة، والجالس في بيته حتى النساء والأطفال.اهـ
ولكن المرأة إذا خرجت إلى صلاة العيد تخرج غير متجملة ولا متطيبة ولا متبرجة ولا سافرة عن حجابها، لأنها منهية عن ذلك في جميع أحوال خروجها، والخروج للعبادة أشد.
وقال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ في "الأم"(1/38:
ويلبس الصبيان أحسن ما يقدرون عليه ذكوراً وإناثاً.اهـ
وثبت عن ابن عمر tأنه إذا كان يوم العيد: (( يلبس أحسن ثيابه، ويتطيب بأحسن ما عنده )) رواه الحارث في "مسنده" كما في "المطالب العالية"( رقم:2753) والبيهقي (3/38.
وقال الإمام مالك بن أنس ـ رحمه الله ـكما في كتاب"الأوسط" (4/265) لابن المنذر:
سمعت أهل العلم يستحبون الزينة والتطيب في كل عيد.ا هـ
المسألة الرابعة / وهي عن ترك الأكل في يوم العيد حتى يرجع من المصلى.
قال الإمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في "المغني"( 3/258-259):
السنة أن يأكل في الفطر قبل الصلاة، ولا يأكل في الأضحى حتى يصلي، وهذا قول أكثر أهل العلم .... لا نعلم فيه خلافاً. اهـ
وقال ابن رشد ـ رحمه الله ـ في "بداية المجتهد"(1/514):
وأجمعوا على أنه يستحب أن يفطر في عيد الفطر قبل الغدو إلى المصلى، وأن لا يفطر يوم الأضحى إلا بعد الانصراف من الصلاة.اهـ
وثبت عن سعيد بن المسبب ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( كان المسلمون يأكلون في يوم الفطر قبل الصلاة، ولا يفعلون ذلك يوم النحر ))رواه الشافعي في "الأم"( 1/387).
وثبت عن الشعبي ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( إن من السنة أن يطعم يوم الفطر قبل أن يغدو، ويؤخر الطعام يوم النحر حتى يرجع )) رواه ابن أبي شيبة (5590).
المسألة الخامسة / وهي عن الخروج إلى مصلى العيد والعودة منه.
وتحت هذه المسألة فرعان:
الفرع الأول: وهو عن استحباب المشي على القدمين عند الذهاب إلى مصلى العيد.
قال زر بن حبيش :t(( خرج عمر بن الخطاب في يوم فطر أو في يوم أضحى، خرج في ثوب قطن مُتلبباً به يمشي )) رواه ابن أبي شيبة بسند حسن ( 5606).
وثبت عن جعفر بن برقان ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( كتب عمر بن عبد العزيز يرغبهم في العيدين من استطاع أن يأتيهما ماشياً فليفعل )) رواه عبد الرزاق (5664) واللفظ له، وابن أبي شيبة (5604).
وقال الإمام الترمذي ـ رحمه الله ـ في "سننه"(2/410):
أكثر أهل العلم يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشياً.اهـ
وقال الإمام ابن المنذر ـ رحمه الله ـفي "الأوسط"( 4/264):
المشي إلى العيد أحسن، وأقرب إلى التواضع، ولا شيء على من ركب.اهـ
الفرع الثاني: وهو عن استحباب أن يكون الذهاب إلى مصلى العيد من طريق والرجوع من طريق آخر.
قال جابر بن عبد الله :t(( كان النبي r إذا كان يوم عيد خالف الطريق ))رواه البخاري (986).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه اللهـ في كتابه "فتح الباري"( 6/166):
وقد استحب كثير من أهل العلم للإمام وغيره إذا ذهبوا في طريق إلى العيد أن يرجعوا في غيره.ا هـ
بل قال ابن رشد ـ رحمه الله ـ في "بداية المجتهد"(1/514-515):
وأجمعوا على أنه يستحب أن يرجع من غير الطريق التي مشى عليها لثبوت ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام.اهـ
المسألة السادسة / وهي عن صلاة النوافل في مصلى العيد.
وتحت هذه المسألة ثلاثة فروع:
الفرع الأول: وهو عن تطوع الإمام قبل صلاة العيد.
أخرج البخاري (989) ومسلم (884)واللفظ له، عن ابن عباس t: (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم أضحى أو فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما )).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه "فتح الباري"(6/186):
فأما الإمام فلا نعلم في كراهة الصلاة له خلافاً قبلها وبعدها، وكل هذا في الصلاة في موضع صلاة العيد.اهـ
الفرع الثاني: وهو عن تطوع المأموم قبل صلاة العيد.
ثبت عند الإمام مالك في "الموطأ"(ص14رقم:422) عن نافع: (( أن عبد الله بن عمر لم يكن يصلي يوم الفطر قبل الصلاة ولا بعدها )).
وقال أبو المعلى سمعت سعيداً عن ابن عباسt: (( كره الصلاة قبل العيد )) رواه البخاري (عند رقم:989) معلقاً بالجزم.
وثبت عن يزيد بن أبي عبيد قال: (( صليت مع سلمة بن الأكوع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، ثم خرج فخرجت معه، حتى أتينا المصلى، فجلس وجلست حتى جاء الإمام فصلى، ولم يصل قبلها ولا بعدها ثم رجع )) رواه الفريابي في "أحكام العيدين"(رقم:173).
وقال الإمام الزهري ـ رحمه الله ـ: لم أسمع أحداً من علمائنا يذكر عن أحد من سلف هذه الأمة أنه كان يصلي قبلها ولا بعدها.اهـ
ونسبه ابن رشد ـ رحمه الله ـ في "بداية المجتهد"(1/511-512) إلى جماهير أهل العلم.
الفرع الثالث: وهو عن تحية المسجد إذا كانت صلاة العيد في المسجد.
إذا صلى الإنسان صلاة العيد خارج البلد في المصلى المعد لذلك فلا يصلي ركعتين تحية لهذا المصلى، وذلك لأن ركعتي التحية خاصة بالمسجد، كما دل على ذلك حديث أبي قتادة tعند البخاري (444) ومسلم (417) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس )).
وأما إذا صلى في المسجد فالغالب أنه يأتي في وقت نهي، وصلاة تحية المسجد في وقت النهي للعلماء فيها قولان مشهوران:
القول الأول: أنها لا تصلى.
وبه قال أكثر أهل العلم، وذلك للأحاديث الواردة عن النهي عن الصلاة في أوقات النهي، ومنها حديث عقبة بن عامر الجهني عند مسلم (831): (( ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب )).
القول الثاني: أنها تصلى.
وبه قال الشافعي، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق فعلها بدخول المسجد، وقد وقع، فتصلى.
وقد أجيب عن هذا الاستدلال بجوابين:
الأول: بأن حديث الصلاة عند الدخول إلى المسجد عام في جميع الأوقات، وحديث النهي خاص ببعض الأوقات، فيقدم العمل بخاص الأوقات على عامها.
الثاني: بأن النهي الوارد للتحريم، وتحية المسجد سنة، وقد حكى غير واحد الإجماع على سنيتها، فترك المحرم أولى من فعل المستحب.
المسألة السابعة / وهي عن دعاء الاستفتاح في صلاة العيد.
دعاء الاستفتاح مستحب في صلاة العيد قياساً على باقي الصلوات، وإلى هذا ذهب عامة من يرى مشروعية دعاء الاستفتاح.
إلا أنهم اختلفوا في موضعه على قولين:
القول الأول: أنه يقال بعد تكبيرة الإحرام ثم يكبر بعده التكبيرات الزوائد.
وهو قول الأكثر.
القول الثاني: أنه يقال بعد الانتهاء من التكبيرات الزوائد.
المسألة الثامنة / وهي عن التكبيرات الزوائد في صلاة العيد.
وتحت هذه المسألة أربعة فروع:
الفرع الأول: وهو عن المراد بالكبيرات الزوائد.
المراد بالتكبيرات الزوائد:
التكبيرات التي تكون بعد تكبيرة الإحرام في الركعة الأولى، وبعد تكبيرة النهوض إلى الركعة الثانية.
الفرع الثاني: وهو عن عدد هذه التكبيرات في كل ركعة.
قال الإمام مالك ـ رحمه الله ـ في "الموطأ"(ص144رقم:421):
أخبرنا نافع مولى عبد الله بن عمر أنه قال: (( شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة فكبر في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الآخرة بخمس تكبيرات قبل القراءة )) وسنده صحيح.
وثبت نحوه عن ابن عباس رضي الله عنه.
وقال الخطابي ـ رحمه الله ـ في "معالم السنن"(1/217رقم:319):
وهذا قول أكثر أهل العلم.اهـ
وقال النووي ـ رحمه الله ـ في "المجموع"(5/24):
وحكاه صاحب "الحاوي" عن أكثر الصحابة والتابعين.اهـ
وقال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في "مجموع الفتاوى"( 24/220):
وأما التكبير في الصلاة فيكبر المأموم تبعاً للإمام وأكثر الصحابة رضي الله عنهم والأئمة يكبرون سبعاً في الأولى وخمساً في الثانية.اهـ
الفرع الثالث: عن نسيان الإمام للتكبيرات الزوائد أو شيء منها.
قال الإمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في "المغني"(3/275):
والتكبيرات والذكر بينها سنة وليس بواجب، ولا تبطل الصلاة بتركه عمداً أو سهواً، ولا أعلم فيه خلافاً.اهـ
الفرع الرابع: وهو عن رفع اليدين مع هذا التكبيرات الزوائد.
ثبت عن ابن جريج ـ رحمه الله ـ أنه قال: قلت لعطاء: (( يرفع الإمام يديه كلما كبر هذه التكبيرات الزيادة في صلاة الفطر؟ قال: نعم، ويرفع الناس أيضاً )) رواه عبد الرزاق ( 5699 ).
وقال الإمام البغوي ـ رحمه الله ـ في "شرح السنة"(4/310):
ورفع اليدين في تكبيرات العيد سنة عند أكثر أهل العلم.اهـ
وباستحباب هذا الرفع يقول:
ابن قيم الجوزية وابن باز وابن عثيمين.
المسألة التاسعة / وهي عن قضاء صلاة العيد.
من فاتته ركعة من صلاة العيد أو أدركهم في التشهد أو فاتته صلاة العيد كلها هل يشرع له أن يقضي؟ وإن قضى فعلى أي صفة؟.
قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة برئاسة العلامة ابن باز ـ رحمه الله ـكما في "الفتاوى"(8/306-307رقم: 4517):
من فاتته صلاة العيد وأحب قضاءها استحب له ذلك، فيصليها على صفتها من دون خطبة بعدها، وبهذا قال الإمام مالك والشافعي وأحمد و النخعي وغيرهم من أهل العلم، والأصل في ذلك قوله r:
(( إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا ))وما روي عن أنس: (( أنه كان إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام جمع أهله ومواليه ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاة فيصلى بهم ركعتين يكبر فيهما )).
ولمن حضر يوم العيد والإمام يخطب أن يستمع الخطبة ثم يقضي الصلاة بعد ذلك حتى يجمع بين المصلحتين.اهـ
وقالت أيضا:
ومن أدرك التشهد فقط مع الإمام من صلاة العيدين صلى بعد سلام الإمام ركعتين يفعل فيهما كما فعل الإمام من تكبير وقراءة وركوع وسجود.اهـ
المسألة العاشرة / وهي عن خطبة العيد وهل هي واحدة أو اثنتان.
للعيد خطبتان لا واحدة، يفصل بينهما بجلوس، لا خلاف في ذلك بين أهل العلم، وقد نقله عنهم ابن حزم الأندلسي ـ رحمه الله ـ في"المحلى"(3/543مسألة:543) فقال:
فإذا سلم الإمام قام فخطب الناس خطبتين يجلس بينهما جلسة، فإذا أتمها افترق الناس، فإن خطب قبل الصلاة فليست خطبة، ولا يجب الإنصات له، كل هذا لا خلاف فيه إلا في مواضع نذكرها إنشاء الله تعالى.اهـ
ونقل جمال الدين ابن عبد الهادي الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه "مغني ذوي الأفهام"(7/350مع غاية المرام) اتفاق المذاهب الأربعة على الخطبتين.
وقال العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ في "الشرح الممتع"(5/145):
هذا ما مشى عليه الفقهاء ـ رحمهم الله ـ أن خطبة العيد اثنتان.اهـ
وقد ثبت عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة ـ رحمه الله ـ أنه قال:
(( يكبر الإمام على المنبر يوم العيد قبل أن يخطب تسع تكبيرات، ثم يخطب، وفي الثانية سبع تكبيرات )).
وعبيد الله هذا، قال عنه الحافظ ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ:
هو أحد الفقهاء العشرة ثم السبعة الذين تدور عليهم الفتوى.اهـ
وقال الحافظ ابن حبان ـ رحمه الله ـ:
وهو من سادات التابعين.اهـ
وثبت عن إسماعيل بن أمية ـ رحمه الله ـ وهو من أتباع التابعين أنه قال: (( سمعت أنه يكبر في العيد تسعاً وسبعاً ـ يعني: في الخطبة )).
وهذان الأثران يؤكدان الخطبتان، وجريان العمل في عهد السلف الصالح بذلك.
وقد ذهب بعض المعاصرين ـ سلمهم الله ـ إلى أن للعيد خطبة واحدة، وقالوا: ظاهر أحاديث خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في العيد يشعر بأنه لم يخطب إلا واحدة.
ويقال جواباً عن هذا القول:
أولاً: الوارد في الأحاديث محتمل وليس بصريح، وذلك لأنه ليس فيها النص على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب إلا واحدة.
ثانياً: هذا الفهم مدفوع بالإجماع الذي نقله ابن حزم.
ثالثاً: هذه الأحاديث معروفة مشهورة عند السلف الصالح، وأئمة السنة والحديث، ومع ذلك لم يكن هذا فهمهم، وهم عند الجميع أعلم بالنصوص وأفهم، ومتابعتهم وعدم الخروج عن فهمهم وعملهم أحق وأسلم.
رابعاً: أنه يكبر أن تكون السنة خطبة واحدة، ثم يتتابع أئمة السنة والحديث من أهل القرون المفضلة على مخالفتها، ثم لا يعرف بينهم منكر، ومبين للسنة، لا سيما والخطبة ليست من دقائق المسائل التي لا يطلع عليها إلا الخواص، بل من المسائل الظاهرة التي يشهدها ويشاهدها ويدركها العالم والجاهل، والصغير والكبير، الذكر والأنثى.
المسألة الحادية عشرة / وهي عن بدأ خطبتي العيد بالتكبير.
بدأ خطبة العيد بالتكبير جرى عليه عمل السلف الصالح.
قال الإمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في "المغني"(2/239):
وقال سعيد ـ يعني: ابن منصور ـ: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة قال: (( يكبر الإمام على المنبر يوم العيد قبل أن يخطب تسع تكبيرات، ثم يخطب، وفي الثانية سبع تكبيرات )) وسنده صحيح.
وعبيد الله هذا، قال عنه الحافظ ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ:
هو أحد الفقهاء العشرة ثم السبعة الذين تدور عليهم الفتوى.اهـ
وقال الحافظ ابن حبان ـ رحمه الله ـ:
وهو من سادات التابعين.اهـ
وقال إسماعيل بن أمية ـ رحمه الله ـ وهو من أتباع التابعين:
(( سمعت أنه يكبر في العيد تسعاً وسبعاً ـ يعني: في الخطبة )) رواه عبد الرزاق (3/290) بسند صحيح.
وبهذا قال عامة أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة، بل جاء في مذاهبهم أنه يسن، وقد نقل اتفاقهم على ذلك العلامة ابن مفلح ـ رحمه الله ـ في "الفروع"(2/141-142).
وعلى هذا التكبير بوب جماعة كثيرة من أهل الحديث في مصنفاتهم،
ولم أجد أحداً ذكر عن السلف غير ذلك، أو أن أحداً من الفقهاء المشهورين خالف.
المسألة الثانية عشرة / وهي عن شهود خطبة العيد.
وتحت هذه المسألة فرعان:
الفرع الأول: وهو عن الجلوس لاستماعها.
من صلى مع الإمام فالسنة في حقه أن لا ينصرف حتى يسمع الخطبة.
قال الحافظ ابن عبد البر في "الاستذكار"(7/61):
وعلى هذا جماعة الفقهاء.اهـ
وهو المعمول به على عهده r، فقد قال أبو سعيد الخدري t: (( كان النبي r يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم ـ ولمسلم: ـ في مصلاهم ـ فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم )) رواه البخاري ( 956) واللفظ له، ومسلم ( 889 ).
وأما حديث: (( إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب )).
فأكثر أهل العلم على أن الصواب فيه أنه مرسل، ومنهم:
ابن معين وأبو زرعة الرازي والنسائي وأبو داود والبيهقي والوادعي. والمرسل من أقسام الحديث الضعيف.
الفرع الثاني: وهو عن الكلام في أثنائها.
يكره لمن حضر الخطبة الكلام مع غيره من المصلين، أو عبر الهاتف الجوال، وذلك لما فيه من الانشغال عن الانتفاع بالخطبة، والتشويش على المستمعين، والإخلال بأدب حضور مجالس الذكر.
قال ابن بطال ـ رحمه الله ـ في "شرح صحيح البخاري"(2/572):
وكره العلماء كلام الناس والإمام يحطب.اهـ
المسألة الثالثة عشرة / وهي عن التهنئة بالعيد.
التهنئة بالعيد جرى عليها عمل السلف الصالح من أهل القرون المفضلة وعلى رأسهم الصحابة y.
وقد قال الإمام الآجري ـ رحمه الله ـ عن هذه التهنئة:
فعل الصحابة وقول العلماء.اهـ
وقال الإمام مالك بن أنس ـ رحمه الله ـ عنها:
لم يزل يُعرف هذا بالمدينة.اهـ
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله ـ:
وَرُوِّينَا في "المحامليات" بإسناد حسن عن جبير بن نفير أنه قال:
(( كان أصحاب رسول الله r إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنك )).اهـ
وقال أيضا:
وَرُوِّينَا في كتاب "التحفة" بسند حسن إلى محمد بن زياد الألهاني أنه قال: (( رأيت أبا أمامة الباهلي صاحب رسول الله r يقول في العيد لأصحابه: تقبل الله منا ومنكم ))وقال الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ: إسناد حديث أبي أمامة إسناد جيد.اهـ
وينظر:
[ فتح الباري لابن حجر (2/446) والمغني (3/295 ) وجزء التهنئة لابن حجر (34-40) والحاوي (1/82) والفروع )2/150) وتمام المنة (355) ].
تنبيه وتذكير:
بعض الناس قد يُهنئ بالعيد قبل حلوله بيوم أو أكثر أو يهنئ به في ليلته، والمنقول عن السلف الصالح ـ رضي الله عنهم ـ أنهم كانوا يُهنئون في نهار يوم العيد، والأحب فعلهم.
المسألة الرابعة عشرة / وهي عن صيام يومي العيد.
والمراد بيومي العيد:
يوم عيد الفطر، ويوم عيد الأضحى.
وقد أخرج البخاري ( 1991 ) ومسلم (827) عن أبي سعيد الخدري tأنه قال: (( نهى النبي r عن صوم يوم الفطر والنحر )).
وقال الحافظ ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ في "التمهيد"(13/26):
وصيام هذين اليومين لا خلاف بين العلماء انه لا يجوز على حال من الأحوال لا لمتطوع ولا لناذر ولا لقاض فرضاً ولا لمتمتع لا يجد هدياً ولا لأحد من الناس كلهم أن يصومهما، وهو إجماع لا تنازع فيه.اهـ
المسألة الخامسة عشرة / وهي عن صيام أيام التشريق.
أيام التشريق هي:
الأيام الثلاثة التي بعد يوم عيد الأضحى.
وهذه الأيام لا يجوز صيامها لا تطوعاً ولا فرضاً إلا لمن لم يجد الهدي، وبه قال أكثر أهل العلم.
وذلك لما أخرجه البخاري (1997– 199 عن عائشة وابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنهما قالا: (( لم يُرَخَّص في أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهدي )).
وثبت عن أبي مرة مولى عقيل أنه دخل هو وعبد الله بن عمرو بن العاص وذلك الغد أو بعد الغد من يوم الأضحى، فَقَرَّبَ إليهم عمرو بن العاص طعاماً، فقال عبد الله: إني صائم، فقال له عمرو:
((أفطر فإن هذه الأيام التي كان رسول الله r يأمر بفطرها، وينهى عن صيامها، فأفطر عبد الله فأكل وأكلت ))رواه ابن خزيمة
( 2149) والدا رمي (180.
المسألة السادسة عشرة / لا عيد للمسلمين إلا عيدان.
قال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ ـ رحمه الله ـ كما في " مجموع فتاويه ورسائله"(3/111): إن جنس العيد الأصل فيه أنه عبادة وقربة إلى الله تعالى.اهـ
وقال أنس بن مالك ـ t: (( كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبي r المدينة قال: كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما، يوم الفطر ويوم الأضحى )).
رواه النسائي (1556) وأبو داود (1134) وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله في "فتح الباري"( 2/513): إسناده صحيح.اهـ
وقال العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ في "الشرح الممتع"(5/113) عقب هذا الحديث:
وهذا يدل على أن الرسول r لا يحب أن تُحِدث أمته أعياداً سوى الأعياد الشرعية التي شرعها الله عز وجل.اهـ
المسألة السابعة عشرة / وهي عن التكبير في أيام العشر الأول من شهر ذي الحجة، ويوم عيد الأضحى، وأيام التشريق.
وتحت هذه المسالة ثمانية فروع:
الفرع الأول: وهو عن مشروعية التكبير في أيام العشر:
التكبير في أيام العشر جرى عليه العمل في أيام السلف الصالح من أهل القرون المفضلة وعلى رأسهم أصحاب النبي r.
وقد قال الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في "صحيحه"(عند حديث رقم:969):
(( وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر، يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما )).
وزاد غيره: (( لا يخرجان إلا لذلك )).
وقال ميمون بن مهران ـ رحمه الله ـ: ((أدركت الناس وإنهم ليكبرون في العشر )).
وهذا التكبير مشروع في حق سائر الناس من الرجال والنساء والصغار والكبار، في البيوت والأسواق والمساجد والمراكب، وفي السفر والحضر، والإنسان جالس أو راكب أو مضطجع أو وهو يمشي، وفي سائر الأوقات.
إلا أنه لا يكبر بعد صلاة الفريضة مع الأذكار بعد السلام منها، وسواء صُليت في المسجد أو في البيت أو في العمل أو أي مكان.
الحمد لله العظيم الجليل، العزيز الكريم، الغفور الرحيم، ذي العرش المجيد، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الأمين، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد أيها المسلم ـ وفقك الله للفقه في دينه ـ:
فإن من التقصير التي يقع فيها جمع كثير من أهل الإسلام في أقطار شتى:
ترك تعلم الأحكام الشرعية المتعلقة بالعيد عند حلوله.
وقد كتبت هذه الرسالة المختصرة عن الأحكام الخاصة بعيد الأضحى، عيد المسلمين الثاني، وذلك تذكيراً لي ولك، وقد جعلتها في مسائل ليسهل بإذن الله عليك فهمها، والإلمام بها.
هذا وأسأل الله تعالى أن ينفع بها كاتبها وقارءها والساعي بين الناس في نشرها، أو تفقيههم بها.
ثم أقول مستعينا به عز وجل:
المسألة الأولى / وهي عن مشروعية صلاة العيد.
قال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في "مجموع الفتاوى" (23/161)عن صلاة العيد:
إنها من أعظم شعائر الإسلام، والناس يجتمعون لها أعظم من الجمعة.اهـ
ومشروعيتها ثابتة بالسنة النبوية المشتهرة المستفيضة، وإجماع أهل العلم، وقد كان النبي r والخلفاء بعده يداومون عليها، ولم يأت عنهم تركها في عيد من الأعياد.
وقد قال ابن عباس:t(( شهدت العيد مع رسول الله r وأبي بكر وعمر وعثمان y فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة ))رواه البخاري (962) واللفظ له، ومسلم (884).
وقال جابر بن سمرة t: (( صليت مع رسول الله r العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة )) رواه مسلم ( 887).
بل حتى النساء كن يشهدنها على عهد رسول الله r، فقد قالت أم عطية ـ رضي الله عنها ـ: (( كنا نؤمر أن نَخْرُجَ يوم العيد، حتى نُخْرِج البكر من خدرها، حتى نُخّرِج الحِيَّض، فكن خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته )) رواه البخاري (971) واللفظ له، ومسلم (890).
وقال الإمام إسحاق بن راهويه ـ رحمه الله ـكما في "مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه" رواية إسحاق بن منصور الكوسج (رقم: 2865):
يُستحب الخروج لهن في العيدين، لما مضت السنة بذلك، ولكن لا يتزيَّن ولا يتَطيَّبن.اهـ
فإذا خرجن على هذه الصفة جمعن بين فعل السنة واجتناب الفتنة.
وهي من السنن المؤكدة عند جماهير أهل العلم، وقد نسبه إليهم النووي ـ رحمه الله ـ في "المجموع"(5/6) وابن جزي في "القوانين الفقهية"(ص103).
وقال النووي ـ رحمه الله ـفي "المجموع(5/24):
تسن صلاة العيد جماعة، وهذا مجمع عليه، للأحاديث الصحيحة المشهورة.اهـ
المسألة الثانية / وهي عن الاغتسال للعيد.
وتحت هذه المسألة فرعان:
الفرع الأول: وهو عن استحباب الغسل للعيد.
الاغتسال للعيد هو فعل أصحاب النبي r.
فقد ثبت عن نافع أنه قال: (( كان ابن عمر t يغتسل للعيدين )) رواه الفريابي في "أحكام العيدين"(رقم:15).
وثبت عن الجعد بن عبد الرحمن أنه قال: (( رأيت السائب بن يزيد t يغتسل قبل أن يخرج إلى المصلى ))رواه الفريابي في "أحكام العيدين"(رقم:16).
وقال ابن رشد ـ رحمه الله ـفي "بداية المجتهد"(1/505):
أجمع العلماء على استحسان الغسل لصلاة العيدين.اهـ
الفرع الثاني: وهو عن وقت الاغتسال للعيد وصفته.
الأفضل أن يكون الاغتسال للعيد بعد صلاة فجره، وقبل الذهاب إلى المصلى، وأن تكون صفته كصفة غسل الجنابة.
وعليه يدل ظاهر الآثار الواردة عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ومنهم ابن عمر t.
فقد قال محمد بن إسحاق: قلت لنافع: كيف كان ابن عمر يصلي يوم العيد؟ فقال: (( كان يشهد صلاة الفجر مع الإمام ثم يرجع إلى بيته فيغتسل كغسله من الجنابة، ويلبس أحسن ثيابه، ويتطيب بأحسن ما عنده ثم يخرج حتى يأتي المصلى )) رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" بسند حسن، كما في "المطالب العالية"(رقم:2753).
وثبت عن الجعد بن عبد الرحمن أنه قال: (( رأيت السائب بن يزيد t يغتسل قبل أن يخرج إلى المصلى ))رواه الفريابي في "أحكام العيدين"(رقم:16).
وإن اغتسل للعيد قبل صلاة الفجر لضيق الوقت، وحتى يتمكن من التبكير إلى المصلى فحسن، وقد فعله جمع من السلف الصالح، واستحسنه كثير.
المسألة الثالثة / وهي عن التجمل للعيد بأحسن الثياب والطيب.
عن عبد الله بن عمر t أنه قال: (( وجد عمر بن الخطاب حُلة من إستبرق تباع في السوق، فأخذها فأتى بها رسول الله r، فقال: يا رسول الله ابتع هذه فتجمل بها للعيد والوفود ))رواه البخاري (94 ومسلم (206.
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـفي كتابه "فتح الباري لابن رجب"(6/67 – 62):
وقد دَلَّ هذا الحديث على التجمل للعيد، وأنه كان معتاداً بينهم .. وهذا التزين في العيد يستوي فيه الخارج إلى الصلاة، والجالس في بيته حتى النساء والأطفال.اهـ
ولكن المرأة إذا خرجت إلى صلاة العيد تخرج غير متجملة ولا متطيبة ولا متبرجة ولا سافرة عن حجابها، لأنها منهية عن ذلك في جميع أحوال خروجها، والخروج للعبادة أشد.
وقال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ في "الأم"(1/38:
ويلبس الصبيان أحسن ما يقدرون عليه ذكوراً وإناثاً.اهـ
وثبت عن ابن عمر tأنه إذا كان يوم العيد: (( يلبس أحسن ثيابه، ويتطيب بأحسن ما عنده )) رواه الحارث في "مسنده" كما في "المطالب العالية"( رقم:2753) والبيهقي (3/38.
وقال الإمام مالك بن أنس ـ رحمه الله ـكما في كتاب"الأوسط" (4/265) لابن المنذر:
سمعت أهل العلم يستحبون الزينة والتطيب في كل عيد.ا هـ
المسألة الرابعة / وهي عن ترك الأكل في يوم العيد حتى يرجع من المصلى.
قال الإمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في "المغني"( 3/258-259):
السنة أن يأكل في الفطر قبل الصلاة، ولا يأكل في الأضحى حتى يصلي، وهذا قول أكثر أهل العلم .... لا نعلم فيه خلافاً. اهـ
وقال ابن رشد ـ رحمه الله ـ في "بداية المجتهد"(1/514):
وأجمعوا على أنه يستحب أن يفطر في عيد الفطر قبل الغدو إلى المصلى، وأن لا يفطر يوم الأضحى إلا بعد الانصراف من الصلاة.اهـ
وثبت عن سعيد بن المسبب ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( كان المسلمون يأكلون في يوم الفطر قبل الصلاة، ولا يفعلون ذلك يوم النحر ))رواه الشافعي في "الأم"( 1/387).
وثبت عن الشعبي ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( إن من السنة أن يطعم يوم الفطر قبل أن يغدو، ويؤخر الطعام يوم النحر حتى يرجع )) رواه ابن أبي شيبة (5590).
المسألة الخامسة / وهي عن الخروج إلى مصلى العيد والعودة منه.
وتحت هذه المسألة فرعان:
الفرع الأول: وهو عن استحباب المشي على القدمين عند الذهاب إلى مصلى العيد.
قال زر بن حبيش :t(( خرج عمر بن الخطاب في يوم فطر أو في يوم أضحى، خرج في ثوب قطن مُتلبباً به يمشي )) رواه ابن أبي شيبة بسند حسن ( 5606).
وثبت عن جعفر بن برقان ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( كتب عمر بن عبد العزيز يرغبهم في العيدين من استطاع أن يأتيهما ماشياً فليفعل )) رواه عبد الرزاق (5664) واللفظ له، وابن أبي شيبة (5604).
وقال الإمام الترمذي ـ رحمه الله ـ في "سننه"(2/410):
أكثر أهل العلم يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشياً.اهـ
وقال الإمام ابن المنذر ـ رحمه الله ـفي "الأوسط"( 4/264):
المشي إلى العيد أحسن، وأقرب إلى التواضع، ولا شيء على من ركب.اهـ
الفرع الثاني: وهو عن استحباب أن يكون الذهاب إلى مصلى العيد من طريق والرجوع من طريق آخر.
قال جابر بن عبد الله :t(( كان النبي r إذا كان يوم عيد خالف الطريق ))رواه البخاري (986).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه اللهـ في كتابه "فتح الباري"( 6/166):
وقد استحب كثير من أهل العلم للإمام وغيره إذا ذهبوا في طريق إلى العيد أن يرجعوا في غيره.ا هـ
بل قال ابن رشد ـ رحمه الله ـ في "بداية المجتهد"(1/514-515):
وأجمعوا على أنه يستحب أن يرجع من غير الطريق التي مشى عليها لثبوت ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام.اهـ
المسألة السادسة / وهي عن صلاة النوافل في مصلى العيد.
وتحت هذه المسألة ثلاثة فروع:
الفرع الأول: وهو عن تطوع الإمام قبل صلاة العيد.
أخرج البخاري (989) ومسلم (884)واللفظ له، عن ابن عباس t: (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم أضحى أو فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما )).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه "فتح الباري"(6/186):
فأما الإمام فلا نعلم في كراهة الصلاة له خلافاً قبلها وبعدها، وكل هذا في الصلاة في موضع صلاة العيد.اهـ
الفرع الثاني: وهو عن تطوع المأموم قبل صلاة العيد.
ثبت عند الإمام مالك في "الموطأ"(ص14رقم:422) عن نافع: (( أن عبد الله بن عمر لم يكن يصلي يوم الفطر قبل الصلاة ولا بعدها )).
وقال أبو المعلى سمعت سعيداً عن ابن عباسt: (( كره الصلاة قبل العيد )) رواه البخاري (عند رقم:989) معلقاً بالجزم.
وثبت عن يزيد بن أبي عبيد قال: (( صليت مع سلمة بن الأكوع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، ثم خرج فخرجت معه، حتى أتينا المصلى، فجلس وجلست حتى جاء الإمام فصلى، ولم يصل قبلها ولا بعدها ثم رجع )) رواه الفريابي في "أحكام العيدين"(رقم:173).
وقال الإمام الزهري ـ رحمه الله ـ: لم أسمع أحداً من علمائنا يذكر عن أحد من سلف هذه الأمة أنه كان يصلي قبلها ولا بعدها.اهـ
ونسبه ابن رشد ـ رحمه الله ـ في "بداية المجتهد"(1/511-512) إلى جماهير أهل العلم.
الفرع الثالث: وهو عن تحية المسجد إذا كانت صلاة العيد في المسجد.
إذا صلى الإنسان صلاة العيد خارج البلد في المصلى المعد لذلك فلا يصلي ركعتين تحية لهذا المصلى، وذلك لأن ركعتي التحية خاصة بالمسجد، كما دل على ذلك حديث أبي قتادة tعند البخاري (444) ومسلم (417) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس )).
وأما إذا صلى في المسجد فالغالب أنه يأتي في وقت نهي، وصلاة تحية المسجد في وقت النهي للعلماء فيها قولان مشهوران:
القول الأول: أنها لا تصلى.
وبه قال أكثر أهل العلم، وذلك للأحاديث الواردة عن النهي عن الصلاة في أوقات النهي، ومنها حديث عقبة بن عامر الجهني عند مسلم (831): (( ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب )).
القول الثاني: أنها تصلى.
وبه قال الشافعي، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق فعلها بدخول المسجد، وقد وقع، فتصلى.
وقد أجيب عن هذا الاستدلال بجوابين:
الأول: بأن حديث الصلاة عند الدخول إلى المسجد عام في جميع الأوقات، وحديث النهي خاص ببعض الأوقات، فيقدم العمل بخاص الأوقات على عامها.
الثاني: بأن النهي الوارد للتحريم، وتحية المسجد سنة، وقد حكى غير واحد الإجماع على سنيتها، فترك المحرم أولى من فعل المستحب.
المسألة السابعة / وهي عن دعاء الاستفتاح في صلاة العيد.
دعاء الاستفتاح مستحب في صلاة العيد قياساً على باقي الصلوات، وإلى هذا ذهب عامة من يرى مشروعية دعاء الاستفتاح.
إلا أنهم اختلفوا في موضعه على قولين:
القول الأول: أنه يقال بعد تكبيرة الإحرام ثم يكبر بعده التكبيرات الزوائد.
وهو قول الأكثر.
القول الثاني: أنه يقال بعد الانتهاء من التكبيرات الزوائد.
المسألة الثامنة / وهي عن التكبيرات الزوائد في صلاة العيد.
وتحت هذه المسألة أربعة فروع:
الفرع الأول: وهو عن المراد بالكبيرات الزوائد.
المراد بالتكبيرات الزوائد:
التكبيرات التي تكون بعد تكبيرة الإحرام في الركعة الأولى، وبعد تكبيرة النهوض إلى الركعة الثانية.
الفرع الثاني: وهو عن عدد هذه التكبيرات في كل ركعة.
قال الإمام مالك ـ رحمه الله ـ في "الموطأ"(ص144رقم:421):
أخبرنا نافع مولى عبد الله بن عمر أنه قال: (( شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة فكبر في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الآخرة بخمس تكبيرات قبل القراءة )) وسنده صحيح.
وثبت نحوه عن ابن عباس رضي الله عنه.
وقال الخطابي ـ رحمه الله ـ في "معالم السنن"(1/217رقم:319):
وهذا قول أكثر أهل العلم.اهـ
وقال النووي ـ رحمه الله ـ في "المجموع"(5/24):
وحكاه صاحب "الحاوي" عن أكثر الصحابة والتابعين.اهـ
وقال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في "مجموع الفتاوى"( 24/220):
وأما التكبير في الصلاة فيكبر المأموم تبعاً للإمام وأكثر الصحابة رضي الله عنهم والأئمة يكبرون سبعاً في الأولى وخمساً في الثانية.اهـ
الفرع الثالث: عن نسيان الإمام للتكبيرات الزوائد أو شيء منها.
قال الإمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في "المغني"(3/275):
والتكبيرات والذكر بينها سنة وليس بواجب، ولا تبطل الصلاة بتركه عمداً أو سهواً، ولا أعلم فيه خلافاً.اهـ
الفرع الرابع: وهو عن رفع اليدين مع هذا التكبيرات الزوائد.
ثبت عن ابن جريج ـ رحمه الله ـ أنه قال: قلت لعطاء: (( يرفع الإمام يديه كلما كبر هذه التكبيرات الزيادة في صلاة الفطر؟ قال: نعم، ويرفع الناس أيضاً )) رواه عبد الرزاق ( 5699 ).
وقال الإمام البغوي ـ رحمه الله ـ في "شرح السنة"(4/310):
ورفع اليدين في تكبيرات العيد سنة عند أكثر أهل العلم.اهـ
وباستحباب هذا الرفع يقول:
ابن قيم الجوزية وابن باز وابن عثيمين.
المسألة التاسعة / وهي عن قضاء صلاة العيد.
من فاتته ركعة من صلاة العيد أو أدركهم في التشهد أو فاتته صلاة العيد كلها هل يشرع له أن يقضي؟ وإن قضى فعلى أي صفة؟.
قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة برئاسة العلامة ابن باز ـ رحمه الله ـكما في "الفتاوى"(8/306-307رقم: 4517):
من فاتته صلاة العيد وأحب قضاءها استحب له ذلك، فيصليها على صفتها من دون خطبة بعدها، وبهذا قال الإمام مالك والشافعي وأحمد و النخعي وغيرهم من أهل العلم، والأصل في ذلك قوله r:
(( إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا ))وما روي عن أنس: (( أنه كان إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام جمع أهله ومواليه ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاة فيصلى بهم ركعتين يكبر فيهما )).
ولمن حضر يوم العيد والإمام يخطب أن يستمع الخطبة ثم يقضي الصلاة بعد ذلك حتى يجمع بين المصلحتين.اهـ
وقالت أيضا:
ومن أدرك التشهد فقط مع الإمام من صلاة العيدين صلى بعد سلام الإمام ركعتين يفعل فيهما كما فعل الإمام من تكبير وقراءة وركوع وسجود.اهـ
المسألة العاشرة / وهي عن خطبة العيد وهل هي واحدة أو اثنتان.
للعيد خطبتان لا واحدة، يفصل بينهما بجلوس، لا خلاف في ذلك بين أهل العلم، وقد نقله عنهم ابن حزم الأندلسي ـ رحمه الله ـ في"المحلى"(3/543مسألة:543) فقال:
فإذا سلم الإمام قام فخطب الناس خطبتين يجلس بينهما جلسة، فإذا أتمها افترق الناس، فإن خطب قبل الصلاة فليست خطبة، ولا يجب الإنصات له، كل هذا لا خلاف فيه إلا في مواضع نذكرها إنشاء الله تعالى.اهـ
ونقل جمال الدين ابن عبد الهادي الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه "مغني ذوي الأفهام"(7/350مع غاية المرام) اتفاق المذاهب الأربعة على الخطبتين.
وقال العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ في "الشرح الممتع"(5/145):
هذا ما مشى عليه الفقهاء ـ رحمهم الله ـ أن خطبة العيد اثنتان.اهـ
وقد ثبت عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة ـ رحمه الله ـ أنه قال:
(( يكبر الإمام على المنبر يوم العيد قبل أن يخطب تسع تكبيرات، ثم يخطب، وفي الثانية سبع تكبيرات )).
وعبيد الله هذا، قال عنه الحافظ ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ:
هو أحد الفقهاء العشرة ثم السبعة الذين تدور عليهم الفتوى.اهـ
وقال الحافظ ابن حبان ـ رحمه الله ـ:
وهو من سادات التابعين.اهـ
وثبت عن إسماعيل بن أمية ـ رحمه الله ـ وهو من أتباع التابعين أنه قال: (( سمعت أنه يكبر في العيد تسعاً وسبعاً ـ يعني: في الخطبة )).
وهذان الأثران يؤكدان الخطبتان، وجريان العمل في عهد السلف الصالح بذلك.
وقد ذهب بعض المعاصرين ـ سلمهم الله ـ إلى أن للعيد خطبة واحدة، وقالوا: ظاهر أحاديث خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في العيد يشعر بأنه لم يخطب إلا واحدة.
ويقال جواباً عن هذا القول:
أولاً: الوارد في الأحاديث محتمل وليس بصريح، وذلك لأنه ليس فيها النص على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب إلا واحدة.
ثانياً: هذا الفهم مدفوع بالإجماع الذي نقله ابن حزم.
ثالثاً: هذه الأحاديث معروفة مشهورة عند السلف الصالح، وأئمة السنة والحديث، ومع ذلك لم يكن هذا فهمهم، وهم عند الجميع أعلم بالنصوص وأفهم، ومتابعتهم وعدم الخروج عن فهمهم وعملهم أحق وأسلم.
رابعاً: أنه يكبر أن تكون السنة خطبة واحدة، ثم يتتابع أئمة السنة والحديث من أهل القرون المفضلة على مخالفتها، ثم لا يعرف بينهم منكر، ومبين للسنة، لا سيما والخطبة ليست من دقائق المسائل التي لا يطلع عليها إلا الخواص، بل من المسائل الظاهرة التي يشهدها ويشاهدها ويدركها العالم والجاهل، والصغير والكبير، الذكر والأنثى.
المسألة الحادية عشرة / وهي عن بدأ خطبتي العيد بالتكبير.
بدأ خطبة العيد بالتكبير جرى عليه عمل السلف الصالح.
قال الإمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في "المغني"(2/239):
وقال سعيد ـ يعني: ابن منصور ـ: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة قال: (( يكبر الإمام على المنبر يوم العيد قبل أن يخطب تسع تكبيرات، ثم يخطب، وفي الثانية سبع تكبيرات )) وسنده صحيح.
وعبيد الله هذا، قال عنه الحافظ ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ:
هو أحد الفقهاء العشرة ثم السبعة الذين تدور عليهم الفتوى.اهـ
وقال الحافظ ابن حبان ـ رحمه الله ـ:
وهو من سادات التابعين.اهـ
وقال إسماعيل بن أمية ـ رحمه الله ـ وهو من أتباع التابعين:
(( سمعت أنه يكبر في العيد تسعاً وسبعاً ـ يعني: في الخطبة )) رواه عبد الرزاق (3/290) بسند صحيح.
وبهذا قال عامة أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة، بل جاء في مذاهبهم أنه يسن، وقد نقل اتفاقهم على ذلك العلامة ابن مفلح ـ رحمه الله ـ في "الفروع"(2/141-142).
وعلى هذا التكبير بوب جماعة كثيرة من أهل الحديث في مصنفاتهم،
ولم أجد أحداً ذكر عن السلف غير ذلك، أو أن أحداً من الفقهاء المشهورين خالف.
المسألة الثانية عشرة / وهي عن شهود خطبة العيد.
وتحت هذه المسألة فرعان:
الفرع الأول: وهو عن الجلوس لاستماعها.
من صلى مع الإمام فالسنة في حقه أن لا ينصرف حتى يسمع الخطبة.
قال الحافظ ابن عبد البر في "الاستذكار"(7/61):
وعلى هذا جماعة الفقهاء.اهـ
وهو المعمول به على عهده r، فقد قال أبو سعيد الخدري t: (( كان النبي r يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم ـ ولمسلم: ـ في مصلاهم ـ فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم )) رواه البخاري ( 956) واللفظ له، ومسلم ( 889 ).
وأما حديث: (( إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب )).
فأكثر أهل العلم على أن الصواب فيه أنه مرسل، ومنهم:
ابن معين وأبو زرعة الرازي والنسائي وأبو داود والبيهقي والوادعي. والمرسل من أقسام الحديث الضعيف.
الفرع الثاني: وهو عن الكلام في أثنائها.
يكره لمن حضر الخطبة الكلام مع غيره من المصلين، أو عبر الهاتف الجوال، وذلك لما فيه من الانشغال عن الانتفاع بالخطبة، والتشويش على المستمعين، والإخلال بأدب حضور مجالس الذكر.
قال ابن بطال ـ رحمه الله ـ في "شرح صحيح البخاري"(2/572):
وكره العلماء كلام الناس والإمام يحطب.اهـ
المسألة الثالثة عشرة / وهي عن التهنئة بالعيد.
التهنئة بالعيد جرى عليها عمل السلف الصالح من أهل القرون المفضلة وعلى رأسهم الصحابة y.
وقد قال الإمام الآجري ـ رحمه الله ـ عن هذه التهنئة:
فعل الصحابة وقول العلماء.اهـ
وقال الإمام مالك بن أنس ـ رحمه الله ـ عنها:
لم يزل يُعرف هذا بالمدينة.اهـ
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله ـ:
وَرُوِّينَا في "المحامليات" بإسناد حسن عن جبير بن نفير أنه قال:
(( كان أصحاب رسول الله r إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنك )).اهـ
وقال أيضا:
وَرُوِّينَا في كتاب "التحفة" بسند حسن إلى محمد بن زياد الألهاني أنه قال: (( رأيت أبا أمامة الباهلي صاحب رسول الله r يقول في العيد لأصحابه: تقبل الله منا ومنكم ))وقال الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ: إسناد حديث أبي أمامة إسناد جيد.اهـ
وينظر:
[ فتح الباري لابن حجر (2/446) والمغني (3/295 ) وجزء التهنئة لابن حجر (34-40) والحاوي (1/82) والفروع )2/150) وتمام المنة (355) ].
تنبيه وتذكير:
بعض الناس قد يُهنئ بالعيد قبل حلوله بيوم أو أكثر أو يهنئ به في ليلته، والمنقول عن السلف الصالح ـ رضي الله عنهم ـ أنهم كانوا يُهنئون في نهار يوم العيد، والأحب فعلهم.
المسألة الرابعة عشرة / وهي عن صيام يومي العيد.
والمراد بيومي العيد:
يوم عيد الفطر، ويوم عيد الأضحى.
وقد أخرج البخاري ( 1991 ) ومسلم (827) عن أبي سعيد الخدري tأنه قال: (( نهى النبي r عن صوم يوم الفطر والنحر )).
وقال الحافظ ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ في "التمهيد"(13/26):
وصيام هذين اليومين لا خلاف بين العلماء انه لا يجوز على حال من الأحوال لا لمتطوع ولا لناذر ولا لقاض فرضاً ولا لمتمتع لا يجد هدياً ولا لأحد من الناس كلهم أن يصومهما، وهو إجماع لا تنازع فيه.اهـ
المسألة الخامسة عشرة / وهي عن صيام أيام التشريق.
أيام التشريق هي:
الأيام الثلاثة التي بعد يوم عيد الأضحى.
وهذه الأيام لا يجوز صيامها لا تطوعاً ولا فرضاً إلا لمن لم يجد الهدي، وبه قال أكثر أهل العلم.
وذلك لما أخرجه البخاري (1997– 199 عن عائشة وابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنهما قالا: (( لم يُرَخَّص في أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهدي )).
وثبت عن أبي مرة مولى عقيل أنه دخل هو وعبد الله بن عمرو بن العاص وذلك الغد أو بعد الغد من يوم الأضحى، فَقَرَّبَ إليهم عمرو بن العاص طعاماً، فقال عبد الله: إني صائم، فقال له عمرو:
((أفطر فإن هذه الأيام التي كان رسول الله r يأمر بفطرها، وينهى عن صيامها، فأفطر عبد الله فأكل وأكلت ))رواه ابن خزيمة
( 2149) والدا رمي (180.
المسألة السادسة عشرة / لا عيد للمسلمين إلا عيدان.
قال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ ـ رحمه الله ـ كما في " مجموع فتاويه ورسائله"(3/111): إن جنس العيد الأصل فيه أنه عبادة وقربة إلى الله تعالى.اهـ
وقال أنس بن مالك ـ t: (( كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبي r المدينة قال: كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما، يوم الفطر ويوم الأضحى )).
رواه النسائي (1556) وأبو داود (1134) وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله في "فتح الباري"( 2/513): إسناده صحيح.اهـ
وقال العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ في "الشرح الممتع"(5/113) عقب هذا الحديث:
وهذا يدل على أن الرسول r لا يحب أن تُحِدث أمته أعياداً سوى الأعياد الشرعية التي شرعها الله عز وجل.اهـ
المسألة السابعة عشرة / وهي عن التكبير في أيام العشر الأول من شهر ذي الحجة، ويوم عيد الأضحى، وأيام التشريق.
وتحت هذه المسالة ثمانية فروع:
الفرع الأول: وهو عن مشروعية التكبير في أيام العشر:
التكبير في أيام العشر جرى عليه العمل في أيام السلف الصالح من أهل القرون المفضلة وعلى رأسهم أصحاب النبي r.
وقد قال الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في "صحيحه"(عند حديث رقم:969):
(( وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر، يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما )).
وزاد غيره: (( لا يخرجان إلا لذلك )).
وقال ميمون بن مهران ـ رحمه الله ـ: ((أدركت الناس وإنهم ليكبرون في العشر )).
وهذا التكبير مشروع في حق سائر الناس من الرجال والنساء والصغار والكبار، في البيوت والأسواق والمساجد والمراكب، وفي السفر والحضر، والإنسان جالس أو راكب أو مضطجع أو وهو يمشي، وفي سائر الأوقات.
إلا أنه لا يكبر بعد صلاة الفريضة مع الأذكار بعد السلام منها، وسواء صُليت في المسجد أو في البيت أو في العمل أو أي مكان.
تعليق